الخميس , مارس 28 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

البيت الأبيض محج لفاقدي الكرامة: إلغاء الاتفاق مع إيران مفتاح الحرب القادمة

البيت الأبيض محج لفاقدي الكرامة: إلغاء الاتفاق مع إيران مفتاح الحرب القادمة
فراس عزيز ديب
يقولون إن «الإقناعَ» فنٌّ تتعدد الطرق للوصول إليه، لكن هذه الطرق بالنهاية تستند في الكثيرِ منها لنوعيةِ الشخص المطلوب إقناعه، إذ لا يمكن لنا مثلاً أن نأتي بأميرِ قطر تميم بن موزة لنقنعهُ بأن ما فعلهُ به الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائهِما في البيتِ الأبيض لمدةِ تسع دقائقَ كاملةٍ هي إهانةٌ لهُ بالشكلِ والمضمون، فمن يهِنْ يسهل الهوان عليه، كذلك الأمر فإن الإقناع فنٌّ يستند في بعض تفاصيلهِ إلى الحيلة اللفظية التي تتلاعب بالنهاية في مشاعر المتلقي ومكتسباتهِ كالابتعاد عن كل ما يتعلق بخسائره المحتملة، تحديداً عندما يكون الإقناع يدور حول قضيةِ بيعٍ وشراء تماماً كتلك التي يتقنها ساسةُ الغرب باسم «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وهو فيما يبدو ما اتّبعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والمراهق الفرنسي إيمانويل ماكرون.
نجح ترامب فيما يبدو بفرضِ وجهةِ نظرهِ على كلا الطرفين بضرورةِ مراجعة الاتفاق النووي مع إيران، تحديداً أن كلتا الدولتين الأوروبيتين عارضتا بتصريحاتٍ موثقة قبل الزيارة للبيت الأبيض فكرة مراجعةِ الاتفاق التي قد تؤدي لإلغائه، لكن نجاح ترامب هذا لا يفتح النقاش فقط حول المكتسبات التي ستعوِّض الفرنسيين والألمان عن عملية إلغاء هذا الاتفاق، تحديداً الاستثمارات الفرنسية والألمانية في إيران، لكنه يفتح باباً لنقاشٍ لا يقلُّ أهمية والمقاربة هنا بسيطة: لماذا يقوم البعض بجلدِ حكام النفط ووصفهم بأقذعِ الصفات لخنوعهم وقبولهم الذل وتحولِهم لسماسرةٍ يدفعونَ المال من أجل البقاء، فيما تجف أقلامهم عندما يتعلق الأمر بالرجل الأبيض، فما الفرق بين ما قدمه تميم من تنازلات مالية، وبين ما قدمه ماكرون من تنازلاتٍ سياسية، ما الفرق بين الصفقات التي تحدث عنها ترامب مع ولي عهد الـسعودية محمد بن سلمان، والصفقات التي تحدث عنها ترامب مع ميركل، تحديداً أن هذه الأخيرة جاءت محملةً بهمومِ رجال الأعمال الألمان المذعورين من سياسة الضرائب الجديدة على المستوردات الأوروبية التي يريد ترامب أن يفرضها؟
جميعهم يقدم تنازلات، وجميعهم في الذلِّ سواء لكن الفرق أن من يأتي بدشداشته يأتي وهو موسومٌ أساساً بلغةٍ ركيكة لا تبرر له تنازلاته، أما ميركل فلمجرد قولها عبارة: «إن التحالف بين جانبي الأطلسي، نظراً إلى التطورات غير الديمقراطية في هذا العالم، هو كنز عظيم أريد بالتأكيد الحفاظ عليه»، فإنها بذلك تحولت من مجرد سمسارةٍ على شاكلةِ تميم وابن سلمان إلى أيقونةٍ للديمقراطية، وهل هناك من ديمقراطية أجمل من التساوي مع أنظمة العصور الوسطى الخليجية في التنازلات والمكتسبات، أي إن هذا التصعيد بما يتعلق بالملف النووي الإيراني في النهاية هو جوهر ما ترسمه الإدارة الترامبية لمستقبل الحرب على سورية، هذا التصعيد يترافق مع ثلاثة تحولاتٍ مهمة يبدو فيما وكأنها ستساعد في تعميق هذا التفرغ للملف السوري، فما هي؟
أولاً، ملف السلام في منطقةِ بحر الصين: لم يكن مشهد عبور الزعيم الكوري الديمقراطي، كيم جون أون، الحدود لمصافحة الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي أن، بالحدث العابر، بل نستطيع القول إن هذا الملف هو الوحيد الذي وجه صفعة قاتلة للمشيئة الترامبية، وجعل الأميركيين يتلقون خسارةً كاملة، وربما من سوءِ حظ الإدارة الأميركية أن المنطقة هناك لا تضم مشيخاتٍ يحكمها مستعربو النفط ليتحكموا بالمنطقة كيفما يشاؤون عبر سلاح المنظمات المتطرفة الذي يجيدون استغلاله، أو يدفعون له ثمن حمايتهِ لهم كما أراد من الكوريين الجنوبيين أن يفعلوا عندما طالبهم قبل عام بدفع مليار دولار كلفةَ نظام «ثاد» مهدداً إياهم بإلغاء الاتفاقات الاقتصادية معهم، أي إن الصين بوساطتها بين الدولتين لم تنجح فقط بسحبِ فتيل الأزمة عن المنطقة والسير بها بهدوء نحو السلام الدائم، لكنها أعطت الزعيم الكوري الديمقراطي أوراقَ قوة في لقائهِ القادم مع دونالد ترامب وبمعنى آخر لم يعد الزعيم الكوري الديمقراطي، كيم جون أون، بحاجةٍ لتقديمِ تنازلاتٍ كما تنبأ البعض فور الإعلان عن قربِ لقائهِ بالرئيس الأميركي، تحديداً أنه يدرك أكثر من غيره أن الأميركي مُتطلب، فهو إن كان يتحدث عن ذريعة الملف النووي فإنه لن يتوقف عند ذرائع حقوق الإنسان، والصواريخ الباليستية، لكن من زاوية ثانية علينا أن نعترف أن شجرة السلام التي زرعها كلا الرئيسين الكوريين الديمقراطي والجنوبي، أنزلت ترامب عن شجرة التهديدات والوعد والوعود، فما المانع اليوم من التفرغ لملف الحرب على سورية كأحدِ آخر الملفات التي يمكنه فيها تحقيق انتصارٍ ما عبر الاستثمار بالفوضى؟
ثانياً، التقلب التركي: قبل يومين وفي اجتماع وزراء خارجية دول «ناتو» تحدث وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو عن تفاهمٍ مع الأميركيين يصل لحدودِ عمليةٍ مشتركةٍ حولَ مستقبلِ مدينة منبج، لكن اللافت بكلام جاويش أوغلو حديثهُ عن تطبيق نموذج هذه المدينة في باقي المناطق شرق الفرات، هذه البشارة لم يصدر أي نفي أميركي لها وهذا يعني أن كذبةَ توتر العلاقات بين الدولتين كانت هامشية قياساً بما يريدون فرضه في الشرق السوري، أي إن الأميركي لم يسعَ أساساً لاستعادةِ التركي من الأيدي الإيرانية والروسية لأنه واثق تماماً أنه لم يكن تحت جناحهم وكل ما يقوم به من مراوغات ولعب على جميع التناقضات سياسةٌ قد تنجح بتحقيق مكاسب آنية مع حلفائه المستجدين، لكنه سيعود حكماً للمزرعة الأميركية عبر سياسة العصا والجزرة التي يتبعونها معه، بما فيها العودة لتقديم وعود ببيعه منظومات صواريخ باتريوت وامتناعه عن شراء منظومة إس 400 الروسية، هذا الكلام ترافق مع عودة أعمدة النظام التركي للحديث عن «مستقبل النظام في سورية»، لكن التطورات قد تذهب أبعد من ذلك نحو قيام الأميركي بفرضِ تحالفٍ سعودي تركي في الشمال والشمال الشرقي السوري يؤسس لـ«الدولة السنية» التي يطمحون إليها وبأموال عربية؟
ثالثاً، الانهيارات المالية للمعارضات السورية وتصفية قيادات العصابات الإرهابية بعضها لبعض: منذ بداية الحرب على سورية لم يكن الدعم المالي للمعارضات السورية هو سر بقائها فحسب، لكنه بالأساس كان سبباً لقيام المئات من الحاملين لجوازات السفر السورية للعمل بصفة «معارض» وهم بالكاد معروفون من قبل الشارع الذي ينحدرون منه، اليوم يبدو أن توقف الدعم المالي لأعمدة الكيانات المكونة للمعارضات السورية ومن بينها «الائتلاف» السوري المعارض جاء بقرار، وعندما نتحدث عن قرار فهذا يعني انتفاء الحاجة لهم، وهو ما عبرنا عنه في مقالٍ سابقٍ بالقولِ إن الولايات المتحدة تريدُ نقلَ المواجهةِ لمستوى «دولٍ ضد دول» من مستوى «معارضة وحكومة»، حتى عملية التصفية التي تقوم بها المخابرات التركية لقيادات في الجماعات الإرهابية في إدلب تسير على مبدأ إخفاء أدلةِ الجريمة وإعادة تشكيلِ تنظيم إرهابي جديد يكون بصورةٍ مقبولةٍ ليتولى زمامَ إدارة المناطق حتى حصول المواجهة الكبرى فماذا ينتظرنا؟
يبدو واضحاً أننا لن ننتظر حتى تاريخ الثاني عشر من الشهر القادم حتى نعرف الموقف النهائي للإدارة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران، وبمعنى آخر فإن الاتفاق بات في مهبِّ الريح لكن ما هو أسوأَ من إلغاء الاتفاق أن الكيان الصهيوني يريد استثمار دونالد ترامب حتى آخر تجليات وقاحته، وهل هناك وقاحةٌ أسوأ من استكمال خطة حرب الوكالة التي تمولها بالعدةِ والعتاد على الأرض السورية مشيخاتٌ يعترف ترامب شخصياً أنها ما كانت لتبقى أسبوعاً واحداً من دون دعمه؟ ربما الجديد أن زمن الوكالة قد ولّى، عليهم جميعاً أن يشتروا السلاح من الولايات المتحدة ليُحاربوا إيران وسورية على الأرض السورية بالأصالة، وما عجز عنه الكيان الصهيوني يبدو بأن تلك الإمعات جاهزة لتحقيقه بأي طريقة، فالعجز المالي الأميركي يساوي عشرات التريليونات، وبيت مال طويلي العمر جاهز ليفتح أبوابه، أكثر وأكثر، واللافت أن تلك الطّغم لا تحتاج من السيد الأميركي أي وسيلةَ إقناع لأن من «محاسنه» القليلة أنه لم يعرهم فقط لكنه عرى كل تلك الأكاذيب التي نصبت هذه الدول الشبيهة بتلك التي يترأسها ترامب كمناراتٍ للحرية والديمقراطية، فوسيلة الإقناع تستخدم بالنهاية لمن في رؤوسهم عقلٌ يفكر ليختاروا مصلحتهم، أما القادمون من خارج التاريخ، فهم لم يفقدوا فقط القدرة على الاختيار لكنهم فقدوا القدرة حتى على الانتصارِ لكرامتهم إن وجدت والجواب على كل ما يحيكه البيت الأبيض مع غلمانه من مستعربين وأوروبيين واضح:
في أحد خطاباتهِ قال الرئيس بشار الأسد: المقاومة لها ثمنٌ والفوضى لها ثمن، لكن ثمنَ المقاومةِ والصمود أقلّ بكثيرٍ من ثمنِ الفوضى والاستسلام، عبارةٌ للأسف لن يفهمها من كان يرى بالرجل الأبيض كمالاً، ولن يفهمها من يقيس الانتصارات بالحجرِ وينسى أن المقاومة بالنهاية هي انتصار الكرامة.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز