الأربعاء , أبريل 24 2024

العمال السوريون في لبنان يعملون بأسوأ الظروف وبأبخس الأجور .. ولكن!

العمال السوريون في لبنان يعملون بأسوأ الظروف وبأبخس الأجور .. ولكن!
ينتابك الشعور بالفرح والغبطة عندما تعبر بك الحافلة متجاوزة الجانب السوري عند نقطة المصنع الحدودية متوجهاً إلى لبنان، لكنك سرعان ما ستعود إلى رشدك… إلى الواقع، فثمة ما تغير في هذا البلد تجاه كل ما هو سوري ، الذي ألصقوا به كل مشكلاتهم وانقساماتهم المتراكمة منذ عقود… ولكن السؤال الذي لن يغيب عن بالك لحظةً، كيف للبنان البلد الصغير جغرافياً واقتصادياً من أن يستوعب كل الأعداد الهائلة من العمال السوريين؟
التأفف سيد الموقف هنا، حيث تعبّر عنه (ماري 45 عاماً) صاحبة سوبر ماركت عساف في قرية طبرجا التابعة لقضاء كسروان، إن العمال السوريين دخلوا بصفة نازحين، لكن المعاناة الإنسانية تحولت لأزمة اقتصادية، وتقول بلهجة ساخرة: «السوريون كتروا» واستولوا على معظم المهن وحتى في الوظائف التي كانت ممنوعة عليهم قانونياً، وبحجة رخص اليد العاملة السورية قرر أغلب أصحاب المؤسسات استبدال العمال اللبنانيين بالسوريين، وبحكم قبولهم بالشروط القاسية التي لا يتحملها أي عامل لبناني الجنسية، والدولة غارقة في «معمعة» الانتخابات النيابية اللبنانية.
أينما توجهت تراهم في كل مكان، في المطاعم، المولات، المخازن، وحتى مزارعين، أما المهن المحصورة بالعمالة السورية ولاتزال فهي، الفنادق والمطاعم، الميكانيك والصيانة، عامل في التمديدات الكهربائية، الناطور أو الحارس، أعمال التبليط، أعمال الدهان، العتالة، ورش البناء.
إذا أخذنا الموضوع من الناحية الإنسانية، نرى أن تزاحم العمال السوريين على العمل مبررة، لأن غياب أي فرصة عمل ستضعهم أمام مزاحمة اللبناني على لقمة عيشه أو اللجوء إلى الجريمة والسرقة بدافع تأمين لقمة العيش.
تشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان ، دخل بصفة شرعية، لا سيما أن السوريين، لاجئين كانوا أم عمالاً، يعملون مقابل راتب زهيد مقارنة براتب العامل اللبناني، ومن دون أن يخضعوا لشروط قانون العمل اللبناني.
أمجد، شاب سوري من مدينة معلولا شمال شرق دمشق، دخل لبنان عام 2014، يعمل في فرن لصناعة الحلويات قرب سد البوشرية في بيروت، يقول: «ما بعرف غير مصلحة الحلويات» والابتسامة المرتبكة على وجهه، فهو منذ سنوات يعمل في هذه المصلحة، يشير إلى أنه تعرض للاستغلال المادي من قبل رب العمل، حيث يتقاضى مبلغ 400 دولار حوالي (170 ألف ليرة سورية) مقابل 12 ساعة عمل يومياً، ناهيك عن أسعار إيجارات المنازل «المرتفعة» التي تصل ما يقارب 500 دولار، ما اضطره للعيش مع 4 أشخاص (أولاد البلد)، للتقليل من مصروف المعيشة «الملتهب» مع اقتراب موسم الصيف السياحي على حد وصفه.
في اليوم التالي لابد من التوجه إلى العاصمة اللبنانية بيروت، كونها كانت الحلم الذهبي لأغلبية العمالة السورية. ترى العاطلين عن العمل من كل الجنسيات السورية واللبنانية والبنغلادشية والأثيوبية والمصرية أيضاً، فتجمعاتهم باتت معروفة في الروشة والكولا والدورة، لكن فرص العمل متاحة أكثر للسوري وخصوصاً أن اللبناني لا يزاول الأعمال «الشاقة»، التي يقتنع العامل السوري بها.
قد تتقبل فكرة أن هؤلاء العمال يسكنون في بيوت صغيرة، أو غرف بسيطة نظراً لمدخولهم القليلة، ولكنك لن تستطيع التصديق بأي شكل، بأنهم يعيشون مثلاً في مواقف (باركينغ) كانت مخصصة سابقاً لركن لسيارات السياحية والحافلات، أجرّها مالكوها بمبالغ ليست رخيصة نهائياً… بل وسياحية!! فمحمود (39 عاماً) يقطن في غرفة مشتركة (فواييه) بمنطقة برج حمود لا تتجاوز مساحتها 8 م2، يبلغ إيجارها 450 دولارا شهرياً، في حين يتقاضى من عمله 500 دولار في معمل لصناعة الأحذية.
بينما أحمد ( 37 عاماً) يشاركه الغرفة، كان عاملاً في إحدى محطات البنزين في منطقة الدورة، أُرغم على البقاء داخل الأراضي اللبنانية، هرباً من الخدمة الإلزامية، يقول «الغرفة في وسط بيروت أسعارها (سياحية)، لذلك علينا دفع ضريبة الحياة الآمنة، نعمل 12 ساعة يومياً لنحصل على لقمة العيش في نهاية الأسبوع»، ناهيك عن تأخر الرواتب معظم الأحيان، أما بخصوص الغرفة «قن الدجاج»، يستوقفك منظر يذهل الأبصار بغياب سقف لها، فقد استخدم مالكه لوح «توتياء» (تمشاية حال)، ووعدهم بتبديله في وقت لاحق ولم يفِ بوعده، فهو لا يهتم من الناحية الإنسانية وما يترتب على قاطني (الموقف) السياحي من أمراض وضيق تنفس وربو كون الشمس لا تزور هذه الغرفة «البائسة».
استغلال علني وفاضح
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، يفضل أرباب العمل اللبنانيين توظيف العمال السوريين الذين هربوا من الأحداث التي تشهدها بلادهم منذ آذار 2011، فالتجارب والنماذج الناجحة كثيرة في لبنان، حيث فضلوا السوري على اللبناني بسبب كفاءته في العمل وأجرته الزهيدة وعدم مطالبته بحقوقه.
واستناداً إلى ما نص عليه قانون العمل اللبناني فإن الحد الأدنى للأجور في لبنان يصل إلى 448 دولارا شهرياً، بينما يصل الحد الأدنى اللازم لمعيشة كريمة في لبنان إلى ضعفي هذا الرقم.
كثيرون هنا يشتكون من تراجع أجورهم بسبب السوريين، فعامل الدهان اللبناني الذي كان يتقاضى 50 دولار يومياً من صاحب العمل، جاء السوري ليقبل بـ 20 دولاراً في اليوم، ما أدى إلى تراجع الأجور بنسبة تصل إلى 60%، وتم تسجيل تدفق كبير لسوريين ذوي خبرة ومهارة، باتوا اليوم ينافسون العمالة اللبنانية، الأمر الذي يجعل انخفاض الأجور في كافة القطاعات الاقتصادية واقعاً حتمياً.
ورغم تضارب الأرقام حول أعداد العمال السوريين في لبنان، بين من يقدر أعدادهم بمليون ومن يرفعها إلى مليون ونصف المليون، يبقى العامل في البلد المضيف يعيش مختلف صنوف القهر والإذلال وسرقة الحقوق، ولكن رغم ذلك تتزايد أعدادهم عاماً بعد آخر. أما أسواق بيروت «المضاربة» والتي تعتمد على العمالة السورية بشكل كبير، فما زالت تستخدمها كأداة مباشرة للتأثير سلباً على الليرة السورية، ويبقى «كل راتب موظف لبناني بـ 3 موظفين سوريين».
المصدر: جريدة الأيام