الأربعاء , أبريل 24 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

نارام سرجون:سقوط الملك التوراتي على أسوار كنعان .. بين الانسحاب التكتيكي والاذلال الاستراتيجي

نارام سرجون:سقوط الملك التوراتي على أسوار كنعان .. بين الانسحاب التكتيكي والاذلال الاستراتيجي
نارام سرجون
لن تتعلموا التواضع والبراغماتية الا ممن علا وارتفع ثم على رأسه وقع .. فأولئك الذين تألمت اجنحتهم وهي تتكسر هم خير من يعلم التواضع والاعتذار ويقدرون المشي على الارض وليس على الغيوم .. وقد يذهب الألم ولكن ذكرى الألم في الجناح لاتزول وتبقى كالحارس في الوعي تتقد وتردع الجناح كلما حاول ان يخفق .. وستجدون الذئاب التي فقدت أنيابها ومخالبها أكثر تواضعا من قطة ولها قلوب كقلوب العصافير .. وخير من يعلم التماسيح البراغماتية في الحياة اذا لم تجد ماتأكله هي الثعالب التي تأكل الأعشاب والبرسيم والذرة بدل مضغ شرائح اللحم وتقطيع العظم ..
ومناسبة هذا الكلام هو أنني أعترف اني تعلمت من نتنياهو الماكر الذي له فم مكتظ بالأنياب درسا في التواضع والبراغماتية .. ودرسا في الهبوط الاضطراري .. والانسحاب التكتيكي .. واستعمال الانياب لقضم الأعشاب .. فالرجل الذي نذكره منذ سبع سنوات كان ارتفع بطموحاته الى حد لم يحلم به أي من ملوك بني اسرائيل في كل خرافات التوراة وأحاديث التلمود .. فهذا الرجل كان منذ سبع سنوات لايقبل بأقل من أن تسقط دمشق وتتفكك سورية كما سقطت بغداد التي كان مذاق سقوطها لايضاهى في أفواه وقلوب جماعة (من الفرات الى النيل حدودك يااسرائيل) .. لأنهم كانوا يسمعون في صوت نحيب بغداد واستغاثتها وانبجاس دمها من فمها صوت بابل التي سبت اورشليم ذلك السبي الشهير .. ولم يكن نتنياهو يقبل بأي عرض في سورية سوى ان يرحل الأسد وفي ايام معدودات يرددها من خلف الكواليس ويلقنها لساسة العالم وهم على منصات المؤتمرات .. وكما نظرت عيون التوراتيين الى بغداد على انها بابل فانها نظرت الى الاسد على انه ملك كنعان ..
ونتنياهو المغرور والصلف والصفيق كان يوزع سورية هدايا ومكافآت على العملاء والدول .. فهذه القطعة من سورية لصاحبنا اردوغان وهذه أقطعناها لعبدنا في قطر يشرف عليها نيابة عنا .. وأما هذه فسأمنحها اقطاعة لأحفاد ابننا البار عبد العزيز آل سعود .. ولابأس من ان نولي امر الجنوب لخادمنا المخلص الملك الهاشمي الذي يسري دمنا في عروقه من أمه اليهودية .. عرفانا منه ولسلالته التي خدمت هيكلنا أبا عن جد .. من عبدالله الى حسين ..
هكذا كان نتنياهو .. يجتمع ألف مرة في اليوم بالحكومة الصهيونية .. ويضع كل يوم شروطا صعبة .. مرة يريدنا ان نضع زهران علوش رئيسا للوزراء .. ومرة لايقبل الا ان يكون ابو محمد الجولاني وزيرا للدفاع في الحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات .. ويوصي بأخرى بفيصل القاسم رئيسا للجمهورية الانتقالية .. وربما رئيسا مدى الحياة ..
نتنياهو هذا كان لايهبط عن هضبة الجولان وهو يراقبنا بناظوره ويعدّ الامتار الباقية لوصول “ثوار الموساد” الى قصر الشعب لرفع العلم الاسرائيلي على قاسيون عرفانا من الثورة بدعم اسرائيل لنضال الأحرار .. وفي طريقه الى بيته يمر على الجرحى الثورجيين الذين كان يعدهم ليرافقوه في اول زيارة توراتية لملك توراتي الى دمشق التي ظلت التوراة تتوجس منها وتقول متمنية بخرابها وتبشر به (ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض) .. ( وتكون مدن عروعير متروكة .. وتكون للقطعان .. فتربض وليس من يخيف .. ويزول الحصن من افرايم والملك من دمشق وبقية آرام .. فتصير كمجد بني اسرائيل .. يقول رب الجنود ..) ..
كان نتنياهو لايقدر على السير على الأرض مرحا ومن شدة غروره فهو قاب قوسين او أدنى من تحقق الوعد في سفر التكوين، (الاصحاح السابع عشر) حيث اقتصرت حدود أرض الميعاد على منطقة الكنعانيين الذين عاش وتجول إبراهيم في وسطهم حيث قال الرب ( وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ملكا أبديا وأكون لهم إلها) ..
كان نتنياهو يرسل الطائرات كل يوم لتطير فوق “أرض كنعان” وهو لايصدق انه خرج من القفص الذي وضعت فيه اسرائيل .. قفص صنعته الصواريخ والدفاعات الجوية السورية فكسرته فصائل الجنوب والغوطة وجيش الاسلام وابابيل حوران والنصرة وكل من يكبر باسم الله .. حيث لاصواريخ ولامقاليع بقيت في سورية بعد ان التهم الثورجيون لحوم الصواريخ باياديهم وأظافرهم .. وتبللت لحاهم من دمها .. وانتشر بارودها على شنباتهم .. وجعلوا الرادارات حبال غسيل نشروا عليها ثيابهم .. وجروا مابقي منها في الطرقات كما تجر الجثث التي يمثلون بها .. وجالوا بها في السيارات في الغوطة كما فعلوا في عرضهم المخجل للأسرى في الأقفاص في دوما ..
هذا النتن ياهو كان لايكل ولايمل من تلقين كل وفود المعارضة شرطه كي يوقف هجوم الانتحاريين وقذائف الهاون من الغوطة على دمشق ومدافع جهنم على حلب .. فشرطه الوحيد كان اخراج ايران الى ماوراء دجلة .. وحبس حزب الله في اقفاص “حريرية” سعودية ..في جنوب لبنان ..
بعد كل هذا الغرور والعنجهية والحلم التوراتي سقط هذا الملك التوراتي مضرحا بكبريائه .. وصار في كل يوم يرسل المراسيل والوسطاء لايقاف الحرب عند هذه النقطة او تلك .. فهو بعد ان أدرك ان الحرب تتدحرج لصالح الجيش السوري حاول ان يبرم اتفاقا لتثبيت كل شيء بحيث تخرج ايران وحزب الله ويبقى الأسد في دمشق ويتقاسم مابقي من السلطة مع المعارضة .. ولكنه بعد ذلك وجد ان الأسد أرغم المعارضة على تقيؤ ماابتلعته .. فقد فوجئ الملك التوراتي ان من تم اخراجه هو جيش الاسلام والنصرة من كل الغوطة والقلمون ووسط سورية وبقي كل اعداء اسرائيل معا .. فغيّر الملك التوراتي شروطه قليلا وتواضع .. وهو انه يريد ان يعود الامر في سورية الى ماكان عليه قبل الربيع العربي وزمن الأندوف الجميل .. بشرط ان تخرج ايران وحزب الله من سورية “قليلا” ..
وهكذا تتراجع شروط الملك الاسرائيلي نتنياهو الذي حلم ان يكون ملكا على كنعان .. ويرى دمشق ردمة في الشمال .. حتى انه اليوم لايريد الا ان يبتعد حزب الله عشرين ميلا الى الشمال مع عودة كل شيء الى ماكان عليه .. ويقال ان موفده الى روسيا افيغدور ليبرمان ربما يطلب فقط ان يقبل السوريون بمسافة ميلين حول الجولان محرمين على حزب الله تضمنهما روسيا .. واذا تم دحر الارهاب في الجنوب في درعا كما هو متوقع 100% فربما يكون طلب نتنياهو ان يقتصر سلاح حزب الله في سورية على الكاتيوشا بدل الصواريخ الضخمة .. وان لايشمل التراشق بالنار عمق فلسطين وتنحصر المعركة فقط في الجولان ..
ولكن بالمقابل لو راجعنا مواقف الرئيس الأسد والقيادة السورية منذ بداية الازمة نجد ان الرجل قال كلمة واحدة ولم يتزحزح عنها .. وهو يقترب بالتدريج من اثباتها وتحقيقها .. فهو منذ اليوم الاول قال ان الارهاب عدونا وهو صديق اسرائيل وسنحاربه ونقتلعه .. وقد فعل .. وهو قال منذ بداية الازمة بأن غاية الثورة هي غايات اسرائيلية واسلوبها موسادي ولذلك فاننا لن نستجيب لها .. وقد رفضت القيادة السورية والشعب السوري كل عروض الدنيا لمنح نتنياهو واسرائيل معاهدة سلام مع سورية او اي تطمينات أمنية او تنازلات كي يوقف نتنياهو وعملاؤه الهجوم على سورية .. ورفضنا جميعا ان تفتح سفارة اسرائيلية في دمشق .. ولاان ترتفع راية اسرائيل فيها .. رفضنا كل انواع التهديد والابتزاز الرخيص .. ويدرك الاسرائيليون اليوم انهم يستطيعون في ظل الهزال العربي أن يضعوا علمهم في اي مكان في الأرض حتى على سطح الكعبة المشرفة .. ولكنهم لايستطيعون رفع اية راية او علم في دمشق .. الى قيام الساعة ..
تواضع نتنياهو وبراغميته وهبوطه الاضطراري في مهابط التراجع ليست بسبب عقلانية توراتية بل هي نابعة من الضرب الموجع على الرأس .. وهو تواضع سقاه الاذلال وأرضعته المهانة .. وهو ماكنا نطلق عليه سابقا مصطلح (الانسحاب التكتيكي) الشهير الذي دأب عليه الثوار .. فاذا كان نتنياهو يعلمنا البراغماتية والتواضع فان هذا الاستاذ في التواضع والبراغماتية استاذ لايبارى في الانسحاب التكتيكي .. والاذلال الاستراتيجي ..
اذا قارنا تجربة نتنياهو في الانسحاب التكتيكي الذي يتحول الى انسحاب استراتيجي .. اذا قارناها بما حصده الشعب السوري الصامد الذي حارب كل الدنيا بصبر وصمت ودون استعراضية ومباهاة وخيلاء .. لكان من حقنا ان نحس بالغرور وان أقدامنا تتنقل بين النجوم والنجوم كما يقفز احدنا من حجر الى حجر ليعبر النهر وكأن الفضاء نهر عظيم أسود تبرز فيه النجوم كنتوءات الصخور في مجراه .. ولكن تذكروا ان من رفض كل العروض ليسير بين النجوم هو من انتصر في الارض بتواضعه ومن أجل الأرض .. ومن يقاتل من أجل الأرض فانه يعلم ان كل النجوم لاتساوي تلك الأرض .. ولاتزيده الانتصارات الا ادراكا ان الأرض هي التي تعطي النصر وتمنحه .. ومن يريد الأرض لن ينظر نحو النجوم .. ان من يحرر أرضه فهو يملكها .. وكل متر فيها يساوي كل النجوم لأن كل متر فيها يسكن نجم أحمر متقد مشتعل بدم شهيد .. من لديه أرض مرصعة بنجوم حمر من الدم المتقد .. لايريد شيئا من كل النجوم الشاحبة الباهتة التي تضيء بطاقة الهيدروجين وليس بطاقة الدم الزكي ..
ان النجوم محطات طاقة ضوئية للاله .. ولكن دماءنا على أرضنا صارت نجوما للأله .. نحن ننظر الى نجومه في السماء .. وهو ينظر الى نجومه في أرضنا .. فهل نقايض محطات النفط بنجوم الاله ؟؟