الجمعة , مارس 29 2024

لماذا تتكلم النساء كثيراً؟ سألتم جوجل وإليكم الإجابة

لماذا تتكلم النساء كثيراً؟ سألتم جوجل وإليكم الإجابة
يقول مثل إنكليزي قديم “لسان المرأة يتلوى كما ذيل الحَمَل” في إشارة قاسية إلى ثرثرة حواء.
وربما يكون محرك البحث جوجل، أكبر دليل عصري على انتشار فكرة ارتباط كثرة الكلام بالمرأة دون الرجل، فلو كلفت نفسك وبدأت جملة Why Do Women بالإنكليزية “لماذا النساء…” فسيكمل محرك البحث الجملة عنك بتتمة “talk so much”، “… يتكلمن كثيراً”.
The Guardian البريطانية أفردت تقريراً لتحليل صحة هذه الصورة النمطية، ضمن خطة وضعتها الصحيفة للإجابة عن الأسئلة الأكثر بحثاً على الموقع المذكور عبر محرِّريها المتخصصين.
هذه المرة توَّلت الصحفية نيشي هدغسون، مهمة تحليل أصل وفصل الموضوع، ممهدة في تقريرها أننا جميعنا تربَّينا على معتقد أن النساء هن الثرثارات، وأن كلماتهن سواء المهدئة أو المؤنِّبة هي الصمغ الاجتماعي الذي يلحم المجتمعات الصغيرة والعائلات على حد سواء.
وأوضحت أن هناك ثمة فكرة شريرة تقابل الثرثرة، وهي أنه ينبغي إسكات النساء خوفاً مما قد تقلنه عن الرجال، وهو معتقد درست تاريخه الكاتبة ميري بيرد في كتابها الصادر مؤخراً Women and Power، فوجدته مفهوماً كلاسيكياً تجسَّد على أكمل وأتمِّ صورة، عندما شاعت ظاهرة الوسم #MeToo التي أعقبت فضيحة التحرش الأخيرة التي عصفت بهوليوود.
وتمضي هدغسون شارحة أن منع النساء من الكلام، الذي استمر خلال العصور الوسطى وحتى عصر التزايد الهائل في تعلم الإناث الغربيات القراءة والكتابة، قد استمر حتى القرن الـ20 إلى أن جاءت فكرة موازية أكثر إيجابية لتسود وتنتشر: ألا وهي أن النساء قد يكنَّ بارعاتٍ بالكلمات أكثر لأسباب بيولوجية، حتى إن أبحاث العلم الحديث وجدت الدليل الغريب على أن الفتيات فعلاً قد تجدن سهولة أكثر من الصبيان في اكتساب اللغة.
وتتساءل: ترى هل تستطيع فكرة طلاقة النساء وثرثرتهن أن تخضع لمجهر الدراسة العلمية حقاً؟
يعتمد الأمر على السياق حسب التقرير، فلأكثر من 20 عاماً عكفت ديبورا كاميرون التي هي واحدة من أبرز علماء الاجتماع اللغوي في بريطانيا على دراسة مفهوم الهيمنة الحوارية conversational dominance، فوجدت أن الرجال يهيمنون أكثر في الحوارات التي يختلط فيها الجنسان، ما لم يكن موضوع الحوار مجالاً يفترض أنه من صميم الخبرة النسائية كالعلاقات أو الأطفال مثلاً؛ وليس السبب في ذلك أن صوت الرجال يعلو فوق صوت النساء، وإنما لأن النساء هن اللواتي يرجعن القول للرجال أكثر.
الأكثر من ذلك أنه سواء في المواقف الرسمية أو العمومية، كاجتماعات العمل والمناقشات السياسية ومقابلات التلفزيون فإن الرجال بشكل شبه دائم يتحدثون أكثر من النساء.
يستشهد التقرير بمقولة كاميرون أن هذه مسألة مكانة، فكلما ارتفعت مكانة الشخص الهرمية زاد تحكمه بساحة الحوار، وبالتالي إن شَغل رجال أكثر لمناصب أرفع من النساء يوضح لنا من جديد السبب الذي يجعل أصوات الرجال أعلى وأقوى.
الكاتبة تروي تجربتها الشخصية
الكاتبة هدغسون لم تستطع أن تفصل نفسها عن تحليل الثرثرة المرتبطة بالمرأة، كونها من ذات الجنس، فتقول ضمن ما جاء في التقرير الممتع “كوني امرأة مثقفة متعلمة منحدرة من أصل أيرلندي يوركشيري، يمكن القول إني أحسن الكلام أكثر من التنفس، ومع ذلك فإنني عندما كنت أتعلم كيف أجادل وأناقش على التلفزيون فقد نعتني الرجال والنساء على حد سواء بشتى الألفاظ من “شقفة شقراء خرساء” إلى “سنجاب أحول” إلى “بنت ضائعة”.
وأضافت: “حتى إنني في الواقع عندما بدأت لأول مرة كنت أتعجب من كمِّ الكلمات التي يعطي الضيوف الذكور والمذيعون أنفسهم الحق بقولها، حتى إنني اندهشت أكثر من أني كنت أضبط نفسي وثرثرتي المعتادة عندما يكون زملائي ذكوراً يحبون الملاكمة الكلامية، وهو أمرٌ عملت بجد لكي أتغلب عليه”.
وفي منحى آخر يتعلق بالرجال جاء في التقرير أن عملية تضييع الوقت في البرلمان بالكلام المطول غير ذي الصلة بالموضوع، لمجرد منع صدور قانون سياسي هو في الواقع من اختراع الرجال، حيث كان أول من اخترعها الخطيب كاتو ضد يوليوس قيصر.
وكذلك الأمر حقيقة مسجلة في البرلمان البريطاني، أن هذا التكتيك يستخدمه بشكل حصري تقريباً السياسيون الذكور، كذلك كثيرات هن السياسيات الإناث اللواتي لحظن أن من أصعب مظاهر الحياة في مجلس العموم أن تتعلم الواحدة منهن كيف تتحدث بصوت يعلو فوق ضجة وجلبة الذكور.
وثمة رأي حالياً يقول إن نشاز وجلبة شكاوى الإناث حول كل شيء، بدءاً من التحرش الجنسي وحتى مساواة الأجور تصم الآذان عن “التوازن” العقلاني لأصوات الذكور.
لكن الحقيقة هي أن النساء ببساطة بدأن يلحقن بركب التعبير عن الذات في الميادين العمومية، الذي يشعر الرجال براحة تامة فيه.
التعبير طبيعي للرجل وليس طبيعياً للمرأة
الكاتبة استشهدت على لقاء تلفزيوني مثير للجدل قدمته مقدمة برامج شهيرة في بريطانيا مع عالم نفسٍ يميني، عرضها لانتقاد الكثير من الصحفيين والأكاديميين والخبراء على أسلوبها، لكن النقد اللاذع الذي طالها من شريحة ثانوية معينة على الإنترنت بدا عرضاً من أعراض أنها تجرأت على تحدي عالم النفس، ما جعله يتدخل للدفاع عنها.
وتقول هدغسون عن الحلقة، إنها كانت مثالاً ممتازاً على ما تسميه العالمة اللغوية جينيفر كوتس “القاعدة المتمركزة على الرجال”، التي يُرى فيها أسلوب الرجال اللغوي كأنه هو الطبيعي، فيما تصرفات النساء اللغوية تُرى خروجاً عن هذا المألوف الطبيعي.
ووجدت دراسة أجريت في جامعة Brunel & Goldsmith أن معظم الجيوش الإلكترونية الساخرة على الإنترنت هي مكونة من رجال منبوذين مطرودين لديهم نرجسية ومشكلات خاصة بالتواصل وجهاً لوجه؛ وهو أمر مثير على هامش الموضوع. فوراء شاشة كومبيوتر، يشعر الرجال ذوو المكانة الوضيعة أنهم أكثر أحقية من النساء بمهاجمة الإناث ذوات المكانة الأعلى.
بطريقة ما يفيد التقرير، أنه لا ينبغي علينا أن نتفاجأ إن علمنا أن تويتر الذي 55% من مستخدميه هن إناث هو مجال ذكوري، فوفقاً لدراسة عام 2009 من كلية التجارة بهارفارد، فإن للرجال بشكل متوسط عدداً أكبر من المتابعين مقارنة بالنساء، وأنهم يميلون أكثر بمقدار الضعف لمتابعة رجال آخرين، كما أن النساء أنفسهن يملن لمتابعة المستخدمين الرجال أكثر.
ثم كان هناك استبيان على أكثر الأصوات السياسية على تويتر تأثيراً بالنظر إلى انتخابات 2017، ما حدا بعضو البرلمان إيفيت كوبر إلى طرح السؤال: لماذا فشلت خبيرات مثل لورا كوينسبيرغ وغابي هينسليف وصحفيات الغارديان أنوشكا أستانا وهيذر ستيوارتاند وغيرهن من الصحفيات الإناث اللامعات في حصد أصوات في هذا الاستبيان على الأصوات المؤثرة.
وختاماً جاء في التقرير أن النساء عندما يتحدثن بحرية تعبير وبمستوى مشابه للرجال فإن ثمة رأياً غير دقيق يقول إنهن يتحدثن أكثر من الرجال، وهو رأي يعتقده الرجال والنساء على حدٍّ سواء، لأننا اعتدنا أن نسمع كلاماً أقل من النساء لدرجة أنهن عندما يصلن إلى نقطة التعادل فإن أفكار المستمع التحاملية تتدخل، فنظن أن كلمات النساء ترشنا كزخ المطر.
وكما قالت ديبورا كاميرون “إن فكرة أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال لَتعبير جيد عن قوة مفاهيمنا في خداعنا حول الحقائق. ما من معتقد حول الاختلافات الجنسية اللغوية يفوق هذا انتشاراً أو قوة، ومع ذلك ليس أي منها يلقى دعماً من الأدلة المتوفرة”.
إنها كلمات حكيمة جديرة بالتأمل، بل وأكثر من ذلك: إنها جديرة بالتعبير.

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً