الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

صراع الإرادات ومعارك الميدان: انتصارات الجنوب السوري نموذجاً

صراع الإرادات ومعارك الميدان: انتصارات الجنوب السوري نموذجاً

شام تايمز

جهاد حيدر
لم يقتصر انتصار الجيش السوري على تحرير مناطق واسعة من سيطرة الجماعات الارهابية والتكفيرية في جنوب سوريا، بل إن الانتصار الابلغ دلالة والاشد تأثيرا على معادلات الصراع، في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومعه كل الجهات الدولية والاقليمية التي تدعم الجماعات الارهابية.

شام تايمز

في ضوء الخصوصية الاقليمية لمنطقة الجنوب السوري، ومتاخمتها للجولان المحتل والحدود الاردنية، سبق هذه المعركة العسكرية في مواجهة الجماعات الارهابية صراع إرادات بين “إسرائيل” ومعها الولايات المتحدة في مواجهة القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الاسد، ومعه محور المقاومة، عبر البوابة الروسية. تجلت هذه المعركة في محاولة قادة تل ابيب بلورة تفاهم مع موسكو، على أمل أن تسوِّقه الاخيرة مع الرئيس الاسد وفي طهران، بأن يتم القبول بعودة سيطرة الجيش السوري مقابل انسحاب حزب الله وعناصر حرس الثورة الاسلامية من كامل جنوب دمشق. وكما هي الحال في هذا النوع من المعارك، (صراع الارادات)، يحضر معها التهويل وسياسة التوثب وعناصر القدرة العسكرية والسياسية التي تتمتع بها الاطراف. لكن صمود الرئيس الاسد، مدعوما بمحور المقاومة اسقط الرهان الإسرائيلي، وجّه صفعة مدوية للمعادلة التي حاولت أن تفرضها تل ابيب، عندما رفض بشكل مطلق العرض الإسرائيلي، ورفض معه تكريس خارطة السيطرة القائمة، بشكل حازم بأن هناك خيارين لا ثالثة لهما، اما عودة سيطرة الدولة السورية عبر المصالحات أو عبر الجيش السوري. وهو ما حصل ويحصل في الجنوب السوري في ظل انكفاء إسرائيلي وغضب وشعور بالخيبة والهزيمة.

الابعاد الاقليمية والإسرائيلية التي تمتعت بها معركة الجنوب السوري، حضرت بقوة على ألسنة المعلقين المختصين، ولدى الاوساط السياسية والامنية في تل ابيب. وهو ما انعكس تعبيرا صريحا ومباشرا على لسان معلق الشؤون العربية في القناة الثانية عشر، “ايهود يعري”، بالقول “أجد نفسي هذا المساء مع زعيم حزب الله حسن نصر الله الذي قال إنه أمام انتصار كبير له وللأسد على المتمردين. وأنا أقول بتواضع إنه انتصار على “إسرائيل” أيضاً. نحن الخاسرون في الحرب السورية. الأسد سيصل إلى الحدود. وفي أعقابه سيصل عناصر مليشيات إيران وحزب الله. متى أرادوا وبأية وتيرة يحددونها هم”.

لم يكن الانكفاء الإسرائيلي عن التدخل العسكري المباشر بهدف فرض خطوط حمراء أمام تقدم الجيش السوري، أمراً تلقائياً. بل كان حصيلة تقدير موقف يبدو أن مؤسسة صناعة القرار السياسي والامني في تل ابيب، أجرته وبالتشاور مع واشنطن برزت بعض ملامحه في الاتصال الثنائي بين وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس ونظيره الإسرائيلي افيغدور ليبرمان ثم استدعاء رئيس اركان الجيش غادي ايزنكوت على عجل إلى واشنطن.

بعد فشل الصفقة التي حاولت تسويقها وفرضها، وجدت تل ابيب نفسها أمام خيارات محددة، ولكل منها نتائجها وكلفتها، بدء من البقاء مكتوفة الايدي، على المستوى العسكري، وصولا إلى شن عملية عسكرية تواجه من خلالها تقدم الجيش السوري، وما بينهما من رسائل مدروسة وتهويل ردعي.

المؤكد أن التزام الصمت العملاني، ليس خيارا إسرائيليا ابتدائيا. ويدرك صانع القرار في تل ابيب مخاطره ومفاعيله. وفي حال تبناه عمليا، فلن يكون إلا لانعدام فرص الخيارات البديلة، أو كلفتها الكبيرة وتداعيتها التي يمكن أن تربك وتشوش الرهانات البديلة.

بالاساس مصلحة “إسرائيل” تكمن في فرض خطوط حمراء تمنع تقدم الجيش السوري، وتحاول ابتزازه بالميدان لانتزاع تنازلات تتصل بمطالبها التي قدمتها عبر موسكو. لكن مؤسسة القرار تدرك بأن أي محاولة في هذا المجال ستؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة وشاملة لن تقتصر ساحتها على الجنوب السوري، وانما ستمتد إلى العمق الإسرائيلي. وستؤدي ايضا إلى ارباك العلاقات الروسية الإسرائيلية التي تراهن تل ابيب على تطويرها على أمل أن تساهم في احتواء تنامي التهديدات المحدقة بالامن القومي الإسرائيلي انطلاقا من الساحة السورية وعبرها. على هذه الخلفية، لم يجرؤ أحد في تل ابيب على مجرد التلويح بهذا السيناريو، بمن فيهم المزايدون من اليمين المتطرف الذين يرفعون اصواتهم ضغطا على الحكومة لشن ضربات عسكرية واسعة ضد قطاع غزة.

في نفس السياق، تجنبت القيادة الإسرائيلية تجربة اللجوء إلى خيار الرسائل العملانية المحدودة التي تهدف إلى كبح وردع تقدم الجيش السوري، على الاقل في رهان على محاولة التأثير في حسابات القيادة السورية. لكنها اعرضت حتى عن هذا المستوى من الخيارات. وليس ذلك، إلا نتيجة ادراكها بأنها ستواجه بردود تناسبية متماثلة ستحرجها وتضعها امام خياري التراجع مصحوبا برد يكشف مردوعيتها في هذا المجال، أو الذهاب نحو خيار تصعيدي تدرك أنه سيتدحرج نحو مواجهة لا يريدها وستكون مكلفة جدا.

جسَّدت معركة الجنوب، التي تشترك في الكثير من جوانبها مع معارك تحرير اغلب الاراضي السورية، صراع الارادات مع مؤسسة القرار السياسي والامني في تل ابيب، في أجلى صوره، وفي معركة الميدان مع الجماعات المسلحة والارهابية. وهو مستجد سيحضر في رسائله ومفاعيله في معادلة اعادة بناء سوريا ورسم مستقبلها ومستقبل المنطقة.
العهد

شام تايمز
شام تايمز