الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

دراسة موثقة عن جذور الخلاف السوري – التركي والفرق بين دور روسيا والغرب

دراسة موثقة عن جذور الخلاف السوري – التركي والفرق بين دور روسيا والغرب

دراسة طويلة للمهتمين بالتاريخ السياسي لما يجري في سوريا اليوم

كاريكاتور رسم عام 1958 يتحدث عن سوريا اليوم

إلى كل (الثوريين) السوريين المتشدقين بالحرية والديموقراطية؛

وكل المعارضات (الوطنية) التي ولدت خارج الوطن ودمرت الوطن؛

وكل من يظن أن الشعب ثار على سوء الأوضاع سلميا، وبعد قمع الدولة للتظاهرات السلمية إضطر الشعب لإستخدام الصواريخ والدبابات للدفاع عن سلمية الثورة؛

لكل من ينكر نظرية المؤامرة على سوريا أقدم هذا الرسم الكاريكاتوري الذي يعود تاريخه إلى عام 1958.

الصورة عبارة عن السيد الأمريكي يزود حليفه التركي بالمال ليورطه بإيجاد المفتاح المناسب لفتح سوريا. فيما الاتحاد السوفيتي يسلط الضوء عليهم ويكشف مخططاتهم ضد سوريا.

أوليس هذا مايجري اليوم؟ أوليس الأمريكيون هم الذين يدفعون تركيا منذ سبع سنوات لايجاد المفتاح المناسب لفتح سوريا؟ أوليس الروس هم الذين كشفوا تآمر الأمريكان والأتراك على سوريا وسارعوا لنجدتها؟ (نؤجل الحكم على التوافق الروسي- التركي الأخير والسماح لتركيا بدخول بعض الأراضي السورية لأن الوقت غير مناسب الآن لبحث هذه المسألة).

والسؤال الآن هو: كيف تسنى للرسام أن يتنبأ بهذا الأمر قبل 60 سنة؟

هل كان يمتلك قوى فوق طبيعية أم أن الأمر مجرد صدفة؟ الجواب لا هذا ولا ذاك. الصورة جاءت من وحي الأحداث التي كانت تجري آنذاك بشأن تشكيل حلف بغداد ومقاومة السوريين له. والصورة تدل على أن خطة تكليف تركيا باجتياح سوريا وضعت بتلك الحقبة من الزمن وما يجري اليوم هو الحلقة الأخيرة من ذلك المشروع ولكن بمنكهات روسية ستجعل هذا التدخل في النهاية وبالا على تركيا.

وحتى نفهم معنى الصورة وحقيقة الدور الأمريكي – الأوربي بتوريط تركيا ضد سوريا أعددنا لكم هذه اللمحة التاريخية السريعة.

الظروف التاريخية عندما نشر الكاريكاتور

بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج الاتحاد السوفيتي بنظامه الشيوعي منتصرا ، بدأت على الفور الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وكان الصراع على منطقة الشرق الأوسط أهم ملامح تلك الفترة. وبما أن العقيدة الشيوعية كانت قائمة على الفكرة الأممية التي تقف ضد الفكرة القومية وضد الأديان، فقد استغل المعسكر الغربي ذلك على أتم وجه وبدأ بتنمية المشاعر القومية العربية من جهة، بينما شجعت التطرف الديني من جهة ثانية ليس حبا بالعرب والإسلام بل، كجزء من الحرب الإيديولوجية مع النظام الشيوعي.

في البداية، نفخ المعسكر الغربي في الدول العربية الروح القومية وحرضها على تأسيس كيانات سياسية تقوم على أساس الفكر القومي العربي وذلك لتحريضهم ضد الإمبراطورية العثمانية التي كانت تقوم على أساس العقيدة الإسلامية. ولا ننسى

أن أول حركة قومية عربية تأسست برعاية المخابرات الفرنسية في باريس عام 1913

وبعد انهيار الدولة العثمانية، وخوفا من إعادة سيطرتها على الدول العربية عن طريق الدين من جهة، وخوفا من التمدد الشيوعي من جهة أخرى تبنت بريطانيا مشروع النهضة القومية العربية وأقامت من أجل تسيير العرب مايسمى اليوم بـ” جامعة الدول العربية” لتكون الهيئة التنظيمية التي تبسط من خلالها سيطرتها على الحكومات العربية.

حقيقة جامعة الدول العربية

جامعة الدول العربية بالأساس دمية إنكليزية ابتدعها وزير خارجيتها أنتوني إيدن في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 29 أيار عام 1941. وجاء في ذلك الخطاب قوله:

“إن العالم العربى قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن… وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا فى مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغى أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعى ومن الحق تقوية الروابط الثقافية والإقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً… وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأى خطة تلقى موافقة عامة”.

لكن العرب لم يهتموا بذلك الخطاب ولم يتخذوا أية إجراءات تنبئ عن حماسهم لما جاء فيه لعدم ثقتهم بكل ما هو بريطاني. إلا أن الوزير البريطاني كان مهتما بإنشاء منظمة تجمع العرب ليسهل على الإنكليز إدارتهم من خلالها لذا، فقد أكد كلامه مرة أخرى في خطابه بمجلس العموم البريطاني بتاريخ 24 – شباط 1943 قائلا: إن الحكومة البريطانية (تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية). يا سلام، بريطانيا تنظر بعين العطف، والعرب يجب عليهم نيل عطف بريطانيا قبل نيل عطف شعوبهم، فإن نالوا عطف السيد البريطاني فإن عطف شعوبهم ليس ذي أهمية.

وبعد الخطاب الثاني لأيدن بشهر واحد، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس إستعداد الحكومة المصرية لإستطلاع آراء الحكومات العربية فى موضوع الوحدة وعقد مؤتمر لمناقشته.

وبعد لقاءات ومشاورات بين العديد من الأطراف العربية، إجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) فى الفترة 25/أيلول إلى 7/تشرين الأول/1944 رجحت الاتجاه الداعى إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس إستقلالها وسيادتها. كما إستقرت على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ “جامعة الدول العربية”. وبذلك، أصبح هذا المولود الإنكليزي أداة لتكريس حالة التشرذم القطري الذي خلفته معاهدة سايكس- بيكو. فالجامعة وجدت لضمان إحترام إستقلالية الدول العربية وليس للسعي إلى الوحدة العربية.

وبوصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر طرح شعار وحدة الأمة العربية، وبوجود حزب البعث الذي يطرح شعار “أمة عربية واحدة” في سوريا بدأت فكرة الأمة العربية تقلق الدول الطامحة بإستعباد العرب لذا، كان لابد لهم من إعادة بعث الدول ذات الفكر الإسلامي المتطرف لضرب فكرة الأمة العربية القومية بفكرة الأمة الإسلامية وذلك لإرباك العرب ونشر الفتنة بينهم وتحريض النزاعات ومن خلال ذلك يسهل عليهم قيادة الدول العربية وابقائها في حظيرة المعسكر الغربي.

الأحلاف الإسلامية

الفكر الديني بشكل عام وخاصة المتطرف منه هو أنجع الوسائل لمقاومة الفكر الشيوعي القائم على الإلحاد. لذا، فقد إهتم المعسكر الغربي بنشر هذا الفكر وإقامة التحالفات بين الدول الإسلامية لتكون حواجز منيعة مختومة بإختام الله إمام تمدد الفكر الشيوعي.

بتاريخ 3 كانون الأول عام 1953 أعلنت باكستان – التي إستقلت عن الهند بمساعدة بريطانية – نفسها دولة إسلامية.

بتاريخ 19 شباط عام 1954 وقع الإتفاق التركي- الباكستاني في محاولة لإقامة نواة لحلف إسلامي لوقف المد الشيوعي.

بتاريخ 22 شبط عام 1954 توجهت باكستان بطلب إلى أمريكا لتزويدها بالسلاح.

وبنفس اليوم، 22 شباط عام 1954، توجه العراق أيضا إلى أمريكا بنفس الطلب كشرط للإنضمام إلى التحالف التركي – الباكستاني.

بتاريخ 25 شباط عام 1954(بعد ثلاثة أيام فقط من تقديم الطلب) وافقت امريكا على تزويد باكستان بالسلاح لأن الأمر كان متفقا عليه من قبل.

بتاريخ 12 آذار عام 1954 زار الملك العراقي فيصل باكستان وأجرى محادثات سرية.

بتاريخ 14 آذار عام 1954 دعت باكستان الدول العربية والاسلامية للانضمام للتحالف الباكستاني – التركي.

بتاريخ 14 آذار عام 1954 أذاعت واشنطن بأن العراق إنضم إلى التحالف التركي – الباكستاني، لكن العراق أنكر ذلك.

بتاريخ 23 إيلول عام 1954 زار رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد لندن وإقترح على وزير الخارجية البريطاني “سلوين لويد” مشروعا يقتضي بربط مشروع الأمن الجماعي للعرب بالعرب، وتزيديهم بالسلاح وتولي تدريبهم

وافقت بريطانيا على الفور وإقترحت على العراق عقد ميثاق مع تركيا بهذا الصدد ووعدت بأن تنضم إليه فيما بعد إيران وباكستان، ثم بريطانيا نفسها.

وبذلك، تكون بريطانيا قد رفضت ربط الأمن العربي بالعرب كما أراد نوري السعيد، وربطته بالإسلام وذلك لتضرب به موجة القومية العربية

بتاريخ 10 تشرين الأول عام 1954 زار نوري السعيد أنقرة وأعلن من هناك أن أمن العراق هو من أمن تركيا وإيران.

وأعلنت أنقرة إنها عازمة على تأمين الدفاع عن المنطقة التي توجد فيها دول جامعة الدول العربية وإقامة تعاون عربي – تركي.

وكان هذا الإعلان التركي بمثابة تحدي لدور مصر ومستقبل جامعة الدول العربية والدول الاعضاء فيها. وهو التحدي الذي مازال مستمرا حتى اليوم.

بتاريخ 14 كانون الثاني عام 1955 قطع العراق علاقاته الدبلوماسية مع الإتحاد السوفيتي، وأصدر المرسوم 16 القاضي بالسجن لمدة خمس سنوات بالنسبة للمدنيين لكل من يروج للمبادئ الشيوعية، والمؤبد الذي قد يصل للحكم بالإعدام للعسكريين. وتلاه المرسوم 17 القاضي باسقاط الجنسية العراقية عن الذين تدينهم المحكمة بالشيوعية.

وبذلك إنكشف الوجه الحقيقي لهذا التحالف وهو إيقاف المد الثوري الشيوعي في المنطقة العربية وليس الحرص على الإسلام أو القومية العربية.

من إجل هذا الهدف بالذات شجعتأامريكا وحلفاؤها موجة الإسلام المتطرف لإنها فقط بمثل هذه الإيديولوجيا بإمكانها إيقاف تمدد الفكر الشيوعي القائم على الإلحاد، وكذلك يمكن للفكر الديني المتطرف أن يوقف تيار الفكر القومي العربي التقدمي الذي يتبنى الفكر العلماني عند الحاجة. ومانراه اليوم في الربيع العربي هو الثمار التي تم زرعها آنذاك. فالفكر الديني المتطرف هو العدو اللدود للفكر العلماني التقدمي في البلاد العربية، وهو إكبر عدو يهدد اليوم الاتحاد الروسي والصين.

بتاريخ 12 كانون الثاني عام 1955 وصل عدنان مندريس إلى بغداد وأعلن أن تركيا والعراق قررتا عقد إتفاق عسكري بينهما يرمي إلى التعاون وضمان الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط، ودعا العرب إلى الإنضمام إلى التحالف الجديد.

بتاريخ 15 كانون الثاني عام 1955 قامت في سوريا مظاهرات ضخمة نظمها حزب البعث إحتجاجا على سياسة الأحلاف.

وفي العراق رفضت المعارضة الإتفاق لأنه يتعارض مع ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك.

بتاريخ 24 شباط عام 1955 وقع ميثاق التعاون التركي – العراقي.

بتاريخ 26 شباط عام 1955 صدر بيان رسمي بذلك في كل من أنقرة وبغداد.

بتاريخ 4 نيسان عام 1955 إنضمت بريطانيا الى الإتفاق التركي – العراقي فاصبح من يومها يسمى ب “حلف بغداد”.

بتاريخ 23 ايلول عام 1955 إنضمت باكستان إلى حلف بغداد.

بتاريخ 3 تشرين الثاني عام 1955 إنضمت إيران إلى الحلف أي، كما قرر وزير الخارجية البريطاني بالضبط بتاريخ 23 إيلول أثناء إجتماعه مع نوري السعيد.

بقي أن يجبروا مصر وسوريا على الإنضمام لحلف بغداد لذا، بدأت المؤامرات ضدهم لتغيير أنظمتها.

وأحست مصر بأن هناك مؤامرة ضدها تقودها انكلترا وفرنسا فأرادت ابعاد تاثيرهما عن مصر.

بتاريخ 23 تموز عام 1956 قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس.

بتاريخ 29 تشرين الأول عام 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر. وقد أسرعت سوريا إلى مد يد العون لإخوانهم المصريين عسكريا وإعلاميا.

في عام 1957 أرادت الدول الغربية معاقبة سوريا على مواقفها القومية فقامت بتحريض تركيا على إجتياح سوريا وإسقاط نظامها وإستبداله بنظام آخر يقبل الإنضمام لحلف بغداد. إلا أن الإنذار المصري لتركيا، ونشر وحدات من الجيش المصري على الحدود السورية التركية كبح جماح الرغبات التركية مؤقتا فيما إستمرت الاستعدادات لذلك سرا.

كل هذه الإدلة تثبت بأن مانراه اليوم من التصرفات التركية ضد سوريا ومحاولات إسقاط النظام فيها لإستبداله بنظام عميل للغرب جرى التخطيط لها من عشرات السنين.

بتاريخ 22 شباط عام 1958 وقع اتفاق الوحدة بين مصر وسوريا كرد على التهديد المشترك لهما.

وبتاريخ 14 تموز عام 1958 قامت الثورة العراقية وتمت إبادة الأسرة الحاكمة. وسارعت الحكومة العراقية الجديدة الى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الإتحاد السوفيتي، وإنسحبت من الحلف الهاشمي، وإنسحبت من منطقة الجنيه الاسترليني البريطاني. وعلى الفور قامت الدول الغربية بتحريض إيران بإفتعال المشاكل الحدودية مع العراق أي، تحريض إيران ضد العراق وتحريض تركيا ضد سوريا.

في هذا العام تحديدا رسمت هذه الصورة الكاريكاتورية – موضوع البحث – التي تبدو لنا اليوم وكأنها هبطت علينا من العالم الآخر.

إنها صورة كانت تتحدث عن الأوضاع السائدة آنذاك وقد نجح الرسام بإيصال الرسالة إلينا بأمانة.

بقي أن نقول بأن العراق إنسحب من حلف بغداد بتاريخ 24 آذار عام 1959، وفي عام 1979 إنسحبت إيران ووبذلك، إنهار حلف بغداد ولكن من أقاموا هذا الحلف أعلنوا عن حلف جديد بقيادة السعودية وتركيا لمحاربة الإرهاب وهو إمتداد لنفس المؤامرة ولكن بأساليب ووسائل مختلفة، ومازال الروس معرضون لنفس الخطر لذا، فهم يدافعون عن سوريا لأنها قلعتهم الاخيرة

محمد بوادي -katehon