الثلاثاء , أبريل 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

الفتوى في خدمة العدو

الفتوى في خدمة العدو

رفعت سيد أحمد

عبر التاريخ الطويل للصراع مع الكيان الصهيوني والممتد لأكثر من مائة عام مضت؛ لعبت الفتوى الدينية دوراً مهماً في اتجاهين رئيسيين الأول هو تأكيد قيمة وفريضة الجهاد والمقاومة ضد الكيان الصهيوني باعتباره أعلى مراحل الاحتلال العدواني المغتصب للحقوق وللمقدّسات، وكان هذا الاتجاه هو الغالب عبر تاريخ الصراع.

الاتجاه الآخر فهو ذلك الاتجاه الذي شرعن للتطبيع وأباح الصلح مع الصهاينة وقام وفي جرأة يحسد عليها بالاجتزاء من القرآن والسنّة ما يؤكد أكاذيبه ودعاويه.. ورغم أن هذا الاتجاه كان ضعيفاً وهامشياً؛ إلا أن وجوده أثّر سلباً على روح المقاومة والجهاد التي قامت بها قوى وأفراد ودول من أجل فلسطين، طيلة مائة عام مضت منذ وعد بلفور (2017)، في هذا السياق نفتح هذا الملف والذي أتى في أغلبه من المدرسة الوهّابية السعودية لكي تبرّر تاريخياً مواقف وسياسات الأسرة السعودية الحاكمة والمؤيّدة للتطبيع والتسوية مع الكيان الصهيوني.. نسجّل في هذا المقام ما يلي: أولاً: بحثاً عن خلفية هذا الموقف للدعوة الوهّابية المؤيّد للتطبيع والمُهادنة للصهاينة يهمنا هنا الإشارة إلى هذا النصّ من كتاب العلاّمة اللبناني المعروف في النصف الأول من القرن الماضي، العلاّمة السيّد محسن الأمين في كتابه الأشهر (كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهاب) حيث كشف تلك العلاقة القديمة بين اليهود الصهاينة الأوائل وبين آل سعود، وهو كشفٌ قديم – جديد يكتسب أهمية خاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وننقل من كتابه هذه الحقائق المهمة:

1- قال الرئيس “إسحاق بن زفي” وهو الرئيس الثاني للدولة اليهودية الإسرائيلية في كتابه “الدونمة” وقد ألّفه بالعبرية… وترجمه إلى الانكليزية اليهودي “إسحاق عبادي” وأصدرته دار النشر اليهودية في أميركا عام 1957، وأُعيد طبعه مرة ثانية عام 1961.
يقول إسحاق بن زفي مؤلف كتاب “الدونمة” بالحرف الصفحة 232:
(هناك طوائف دينية لا تزال تعتبر نفسها جزءاً من بني إسرائيل، وأعضاء هذه الطوائف – رغم اختلاف أسلوبهم عن مجموعة الشعب اليهودي – استمرّوا على إقامة شعائر الدين اليهودي، ومن هؤلاء طائفة السامريين الذين يعتنقون صراحة الدين الموسوي، ومنهم طائفة هامّة أخرى هي طائفة الوهّابية وهي مسلمة في الظاهر إلا أنها تقيم سرّا الشعائر اليهودية).
2- قال حاييم وايزمان وهو الرئيس الأول للدولة اليهودية الإسرائيلية في مذكراته:
“إن إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول.. والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته”…
ويضيف نقلاً عن تشرشل الرئيس الأسبق للحكومة البريطانية؛ والذي كان له دور أساسي وبارز في قيام الكيان الوهّابي السعودى والكيان العنصري الصهيونى. في 11/3/1932 قال تشرشل:
أريدك أن تعلم يا وايزمان أنني وضعت مشروعاً لكم ينفّذ بعد نهاية الحرب – الحرب العالمية الثانية- يبدأ بأن أرى إبن سعود سيّداً على الشرق الأوسط وكبير كبرائه؛ على شرط أن يتفق معكم أولاً… ومتى قام هذا المشروع عليكم أن تأخذوا منه ما أمكن وسنساعدكم في ذلك…. وعليك كتمان هذا السرّ، ولكن أنقله إلى روزفلت… وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه عندما أعمل ﻷجله أنا وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأميركية…) إنه نص كاشف وفاضح للأسباب الخفية لإصدار الوهّابية لعشرات الفتاوى التي تبيح التطبيع وتستهجن العمليات الاستشهادية في فلسطين وتعتبرها عمليات انتحارية.. إنه التوظيف للدين وللفتوى في خدمة أصدقاء وحلفاء الأسرة السعودية الحاكمة حتى ولو كانوا في تل أبيب وحتى ولو كانوا معتدين وقتلة!.
ثانيا: لايزال الموقع الإلكتروني لإبن باز يحتفظ بنص “الفتوى” التي تبيح التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. إذ سبق وأن سُئل مفتي السعودية الأسبق: “هل يجوز بناء على الهدنة مع العدو اليهودي؛ تمكينه بما يسمّى بمعاهدات التطبيع، من الاستفادة من الدول الإسلامية اقتصادياً وغير ذلك من المجالات، بما يعود عليه بالمنافع، ويزيد من قوّته وتفوّقه، وتمكينه، وهل على المسلمين أن يفتحوا أسواقهم لبيع بضائعه، وتأسيس مؤسسات اقتصادية، كالبنوك والشركات يشترك اليهود فيها مع المسلمين، أن يشتركوا كذلك في مصادر المياه؛ كالنيل والفرات، وإن لم يكن جارياً في أرض فلسطين؟”
وكان رد مفتي السعودية آنذاك: “يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك. وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك. والواجب على كل من تولّى أمر المسلمين، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه، فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أية دولة من دول الكفر.
وبموجب رد إبن باز السابق أجاز الصلح والتطبيع من دون اعتبار للحقوق والمقدّسات المُغتصبة في فلسطين وأناط الأمر برمّته لوليّ الأمر (الحاكم) رغم علمه أن غالب أولياء أمور المسلمين والعرب خاصة في السعودية مجرّد دمى وأدوات في أيدي الغرب، وإنهم جاؤوا إلى السلطة بالقوة وبغير الرضا الشعبي وأبسط قواعد الديمقراطية! *هي إذن دعوة صريحة وتأسيسية في الواقع؛ لأنها صدرت منذ سنوات طوال مضت حين كان التطبيع لايزال في بداياته بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية ؛ إنها إذن دعوة تأسيسية للصلح مع الكيان الصهيوني المغتصب للحقوق. رغماً عن أن كل فتاوى العلماء الثقاة خاصة علماء الأزهر الشريف كانت قد حسمت أمر الجهاد ضد الكيان الصهيوني منذ سنوات طويلة، لكن، ولأن الوهّابية تُعدّ بمثابة دين آخر غير دين الإسلام فلقد شرعنت الاحتلال والمصالحة والتطبيع معه وهو النهج الذي صار عليه فعلياً- كما سنري في النماذج التطبيعية لآل سعود مع العدو الصهيوني لاحقاً _ كل حكام الأسرة السعودية منذ العام (1948) وحتى اليوم (2018).
ثالثاً: هذا ولقد صدرت عشرات الفتاوى الأخرى التي تؤكّد الرؤية الوهّابية تلك المتصالحة ضمناً أو جهراً مع الاحتلال الصهيوني والمعادية لقوى المقاومة العربية، والإسلامية خاصة حزب الله في لبنان مع تلبيس الأمر بصبغة مذهبية مقيتة وكأن الشيعة أخطر من الكيان الصهيوني، وفي هذا السياق نتذكّر الفتوى الشهيرة للشيخ الوهّابي إبن جبرين عام 2006 عند العدوان على لبنان والتي حرم فيها الدعاء لحزب الله! ففى ذروة العدوان الصهيونى على لبنان أفتى الشيخ، بأن نصرة حزب الله في حربه المقدّسة ضد العدو الصهيونى، حرام، وأنه لا يجوز الدعاء له، ووفقاً لنص فتواه، فإن هذا الحزب، حزب رافضي، خارج عن ملّة الإسلام، ومن ثم لا يجوز نصرته أو مساندته في حربه ضد العدو الصهيونى، وحتى لا نكون متجنين على الرجل فلننقل نصّ فتواه وجاء به: “س: بدأ في الآونة الأخيرة ظهور بعض المنادين بنصرة حزب الله اللبناني. هذا الحزب رافضي موالٍ لإيران؟ وسؤالنا: هل يجوز نصرة حزب الله الرافضي؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنّة؟
الإجابة: لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين، ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرّؤوا منهم وأن يخذلوا من ينضمون إليهم وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة، فإن الرافضة دائماً يضمرون العداء لأهل السنة ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم، وإذا كان كذلك فإن كل من والأهم دخل في حكمهم لقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
*هذه الفتاوى وغيرها رفضها علماء الإسلام الثقاة من كافة الفرق والمذاهب الإسلامية.. لماذا؟ لأنها في الواقع ليست فتاوى تخدم الأمّة وقضاياها العادلة… لكنها فتاوى للإيجار وللتوظيف السياسي لأهواء ومصالح بعض الحكّام التابعين بإخلاص لواشنطن وتل أبيب.. أما فلسطين فهي آخر ما يفكّر فيه هؤلاء.. وهي أيضاً في الواقع لا تحتاجهم ولا تحتاج من ثم فتاويهم القاتِلة. والله أعلم.
الميادين