السبت , أبريل 20 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

لم لا تواجه روسيا الصواريخ الإسرائيلية في سماء سوريا

لم لا تواجه روسيا الصواريخ الإسرائيلية في سماء سوريا

شام تايمز

يعتبر كثير من العرب أن غياب المواجهة الروسية للغارات الإسرائيلية والأمريكية ليس سوى علامة على الضعف، أو على الأقل على عدم الرغبة بالتورط في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية. لاشك أن السبب الأخير قد يحتمل قدرا من الوجاهة، إلا أنه أيضا ليس السبب الرئيسي.

شام تايمز

فيما يتعلق بالغارات الأمريكية، فإن روسيا بالطبع لا تريد أن تبدأ حربا مع الولايات المتحدة الأمريكية، بنفس القدر الذي لا تريد فيه الولايات المتحدة الأمريكية حربا مع روسيا، بدليل أنها تتجنب دائما ألا تصيب الروس في غاراتها، بصرف النظر عن التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الحين والآخر.

لكن السبب الرئيسي في عدم مشاركة نظام الدفاع الصاروخي الروسي في مواجهة تلك الغارات إنما يكمن في أن أي تصعيد في المنطقة سوف يصعّب من استخدام روسيا لورقة اللعب الرابحة التي تمتلكها، ألا وهي مركز المصالحة الروسي في سوريا. فعلى الرغم من الأهمية الكبرى لمشاركة الطيران الروسي والقوات الخاصة الروسية في العمليات العسكرية في سوريا، إلا أن السلاح الأساسي لروسيا يظل تحديدا سلاح الحوار والوساطة والضمانات الروسية وليس الغارات الجوية، فذلك السلاح هو الذي نجح في استعادة أغلبية المناطق التي سيطر عليها المسلحون إلى سيطرة الحكومة السورية.

إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلعب لعبة يستحيل خسارتها، وهي لعبة: “ألا تدع خصمك ينتصر”، وهو أمر سهل بالنسبة لإحدى القوى النووية العظمى في العالم، لأن الانتصار على روسيا هو أمر مستحيل، كذلك الأمر بالنسبة للانتصار على أمريكا أو الصين أو أي من القوى النووية الأخرى. لكن خصوم بوتين يلعبون لعبة أخرى: “نريد الانتصار على الخصم”، وهي لعبة خاسرة أمام روسيا بكل تأكيد، لذلك يحقق بوتين أهدافه، بينما يعجز الخصوم عن ذلك.

تلك هي استراتيجية بوتين في أوكرانيا وسوريا وفي علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، بمعنى أن يوضح للطرف المقابل، أن اللجوء للحلول العسكرية لن يحقق أي نصر، فيدفعه للعودة إلى طاولة المفاوضات والبحث عن موائمات من خلال الحوار، لكن ذلك أمر يصل إلى البعض ببطء شديد.

وعلى مدى سنوات الصراع السوري، رفضت المعارضة السورية عمليا (لحماقتها ولإذعانها لأوامر الممولين من الخارج) جميع جهود الوساطة الروسية، والحوار مع الأسد، فكانت النتيجة انهيارها بالكامل. وللأسف فإن المنطق السياسي الذي تتبعه روسيا (البحث عن حلول مرضية لجميع الأطراف) هو منطق نادر للغاية في الشرق الأوسط، فالجميع هنا قد اعتاد الرد على الضربة بضعفها، في الوقت الذي يشبه فيه منطق أغلبية العرب منطق الإسرائيليين والأمريكيين، وهو ضرورة الانتصار على العدو وسحقه تماما. لقد أدى لجوء حتى الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوة إلى سلسلة من الهزائم في العقود الأخيرة، بينما يبدو النصر الإسرائيلي المعتمد على القوة وحدها محل شك كبير.

إن حكمة أو حنكة بوتين، على حد اعتقادي، تستند إلى الخبرة التاريخية لروسيا، فالأمة الروسية، استوعبت داخلها عددا كبيرا من الأعراق واللغات والثقافات، ترابطت فيما بينها لا بحد السيف، وإنما بضرورات السلام والتعايش، وبفضل تمازج شعوب مختلفة كانت تبحث عن الحماية أمام جيران أقوياء مثل: بولندا، الإمبراطورية الفارسية، الصين، تركيا. لذلك فإن أي سياسي روسي يعلم تماما، أن الانتصار على العدو ليس غاية في حد ذاته، وإنما الغاية أن تجعل ذلك العدو يرغب في مشاركتك الحياة فيما بعد، فما جعل روسيا عظيمة، هو قدرتها الدائمة على البحث عن المصالح المشتركة والحلول المرضية لجميع الأطراف.

إن الاستفزاز الإسرائيلي المتصاعد، والغارات على سوريا يؤكدان على أن إسرائيل لم تفهم بعد، أن الرهان على القوة العسكرية وحدها في الصراع مع خصوم أقوياء سوف يؤدي إلى الهزيمة على المدى الطويل، ولا يبدو أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إسرائيل قد حققت أي تغيّر ملموس بهذا الصدد.

على الجانب الآخر، فإن الواقع السوري يؤكّد أن بشار الأسد يزداد قوة كل يوم، بينما تقل أوراق اللعب في أيدي أعدائه، ويتعاظم مع الوقت الثمن الذي سوف يتعيّن على الغرب والعرب من أعداء الأسد دفعه للتوصل إلى موائمات، ولن يطال ذلك الدعم المالي في إعادة الإعمار فحسب، وإنما في توفير ضمانات الأمن.

يمكن لأعداء الأسد أن يحاولوا الوصول إلى أهدافهم بمساعدة الأموال، بعدما منيوا بهزيمة عسكرية، لكن المثل الروسي يقول: “صديق قديم أفضل من اثنين جدد”، وخروج الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني يوضح مدى إمكانية الاعتماد على صفقات مع الغرب. أعتقد أن السياسة الهدّامة والمنحازة للغرب وبعض جيران سوريا، حطمت أي رغبة في سوريا لتصديق أي وعود أو حتى أموال من هذه الأطراف، لإن الدول التي ساعدت الأسد في التخلص من الإرهاب، تحت أي ظرف من الظروف، ومع تطورات الأحداث، لا يمكن ألا تكون حاضرة على طاولة المفاوضات في التسوية النهائية للوضع السوري، وذلك يخص أيضا إيران، ولا أقول ذلك تعاطفا معها، وإنما إقرارا لواقع قائم.

لذلك، فإني أظن أن أي صراع تشارك فيه روسيا، سوف يجبر الغرب، أو إسرائيل، أو أي طرف أيا كان أن يبدأ في نهاية المطاف في البحث عن موائمات، ولن تكون تلك الموائمات في سوريا بطبيعة الحال قريبة بأي شكل من الأشكال من الأحلام الأمريكية أو الإسرائيلية أو الخليجية لهذه المنطقة. وبإمكان إسرائيل بالطبع أن تقوم بعمليات استفزازية، وتختلف مع الطروحات التي تقدمها روسيا، لكن النتيجة النهائية لن تكون أفضل بالنسبة لإسرائيل، كما لن تتمكن إيران هي الأخرى من تحقيق أي نجاحات إذا ما قررت أن تلعب نفس اللعبة التي تلعبها إسرائيل.

على أية حال، روسيا لا تحتاج إلى بدء حرب شاملة من أجل أن تنتصر.

المحلل السياسي: ألكسندر نازاروف
روسيا اليوم

شام تايمز
شام تايمز