الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

مسرحية النظام التركي: بين دلف العقوبات الأميركية ومزراب معركة إدلب

مسرحية النظام التركي: بين دلف العقوبات الأميركية ومزراب معركة إدلب

شام تايمز

فراس عزيز ديب
سؤالٌ يتكررُ يومياً منذُ تصاعد الخلاف التركي الأميركي الذي وصل حد إعلان الإدارة الأميركية أنها جاهزةٌ لاتخاذ المزيد من الخطوات لمعاقبةِ النظام التركي ما لم يتم الإفراج عن القس الأميركي أندرو برونسون المحتجز لدى تركيا بتهمة دعم الإرهاب.
منذ انتفاض رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بوجهِ صديقهِ رئيس الكيان الصهيوني السابق شيمون بيريز في قمةِ دايفوس، مروراً بالانقلاب الأخير الذي أدى فشلهُ إلى تسهيل مهمة هذا النظام بتصفيةِ معارضيه بين سجينٍ ومطرودٍ وقتيل، كان أردوغان بنظرِ مريديه يخرج أقوى من السابق، أما كارهوه فكانوا يتعاطون مع كل الأحداث التي تستهدفه من مبدأ أن كل ما يجري مسرحية لتسويقهِ كلاعب إقليمي لتمرير مخطط تدمير المنطقة من خلاله، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية الحالية التي هزَّت كيان الاقتصاد التركي المتهالك حيث ينطبق عليها تساؤل من المثل الشعبي:
هل تكون الثالثة ثابتة؟ بمعنى آخر؛ لا يمكننا ببساطةٍ أن نستكينَ لفرضيةِ أن ما يجري مسرحية تهدف لإخراج أردوغان بصورةِ القوي الذي سيواجه الولايات المتحدة الأميركية، بل إن ما يجري عملياً هو أسوأ اختبارٍ يمر فيه هذا النظام قد يتسبب بإخراج تركيا نهائياً من اللعبة الإقليمية والدولية فكيف ذلك؟

شام تايمز

لم تكن قضيةَ القس الأميركي وليدةَ الأمس، فالرجل يقبع في السجون التركية منذ عامين تقريباً، لكن على ما يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد قرر أن يحتفظ بقضيتهِ كورقِةٍ رابحة يُخرجها عندما يحتاج من خلالها أن يعاقب النظام التركي، تحديداً أن النظام التركي بالغ بالمفهوم الأميركي في تغريده خارج سرب التحذيرات الأميركية التي تضع على تابعيها مجموعة من الخطوط الحمراء لا يمكن لهم تجاوزها أياً كانت المسوغات، وهي جميعها تشكل الأسباب التي تدفع الأميركي بجديةٍ نحو خنق التركي ولعل أبرزها يتجسد في النقاط التالية:
أولاً: الاحتواء الروسي لتركيا وما نتج عنهُ من تطورٍ إيجابي في العلاقة بين الدولتين أصبح فيها التركي يتحدث عن «علاقاتٍ أخويةٍ» مع روسيا، بالتأكيد هو يعي ما يقول لأنه الوحيد الذي يعرف فضلَ الروسي عليه، فالقضية ليست فقط ما دار في كواليس انتهاء الانقلاب بالفشل والدور الروسي المفترض في هذا الإفشال، القضية تعود أساساً لانعدام الثقة بحلفائهِ الناتويين الذين خذلوه لأكثرَ من مرة؛ بدأت مع تخليهم عنه يوم أسقطت الدفاعات الجوية السورية مقاتلة تركية، ولن تنتهي بما يجري بين الناتويين أنفسهم من اضطرابٍ في العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية. هذا المدى الذي وصلت إليه العلاقات الروسية التركية لا يمكن أن يمرَّ في واشنطن بهذه البساطة، بل قد يصل بالإدارة الأميركية لحد اعتبار أردوغان أشبهَ بمن نقل البندقية من كتفٍ إلى كتف بعد أن حاولوا إرضاءه بسياسة العصا والجزرة، من بينها اتفاق منبج الذي قضى بانسحاب المقاتلينَ الأكراد في ميليشيا « قوات سورية الديمقراطية – قسد» من المدينة كنوعٍ من طمأنة النظام التركي في الكابوس الكردي، لكن يبدو أن أردوغان لم يتلقف الرسالة بطريقةٍ تحفظ الرضا الأميركي عليه.

ثانياً: العلاقة مع إيران، ففي آذار الماضي أعلن السفير الإيراني في أنقرة عزمَ بلادهِ الوصول لحجم تبادلٍ تجاري مع أنقرة يصل لحد الثلاثين مليار دولار خلال العام الجاري، هذا الرقم لا يبدو هائلاً فحسب لكنه يعطينا مؤشراً كبيراً أن الدولتين تتمتعان بعلاقات دبلوماسية وتجارية لا يشوبها أي شائبةٍ، بما فيها الاختلاف الكبير حول الملف السوري، حتى إن النظام التركي كان أول الرافضين لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وأعلنَ صراحةً عدمَ التزامهِ بالعقوبات الأميركية على إيران، هذا التناغم التركي الإيراني لا يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة مجردَ خروجٍ من تحت عباءتها لكنه يعني تحدياً لها في ملفها الأهم والأعقد أي الملف النووي الإيراني.

ثالثاً: الدور السعودي الذي كان ولا يزال يعيش هاجس أن تتحول كل من إيران وتركيا لدولتين تمثل كل منهما مرجعية مذهبية ما يعني تهميشاً للدور السعودي، القضية ليست جديدة فالخلاف بين «آل سعود» وأحفاد سلطنة الإجرام العثمانية عاد للاستعار بعد أن قدم حزب «العدالة والتنمية» نفسه كحزب يريد إعادة أمجاد سلطنة الإجرام تلك بما فيها ادعاء تمثيل المصالح «السنية» في العالم.

بواقعية تامة فإن نظرة «آل سعود» لتركيا تختلف عن نظرتها لإيران، لأن البقاء الإيراني يبدو حاجة سعودية لإثبات الوجود كلما دعت الحاجة للترويج للصراع «السني الشيعي»، وقد يبدو من المفيد لهما استمراره أكثر من حله، لكن بالجهة التركية فالقضية تختلف، إذ إن «آل سعود» جاهزون لدفع الغالي والنفيس للتخلص من النظام التركي الحاكم، هذا بمعزل عن الدور التركي في دعم مشيخة قطر وما يراه «آل سعود» من تحدٍّ لهم في عقر دارها.

رابعاً: الحرب على سورية، وهنا بيت القصيد، فالقضية ليست كما يراها البعض بأن التركي حليف في الحرب على سورية سيخسره الأميركي لأن ترامب بالنهاية لا يرى في التركي حليفاً بل تابعاً لا يختلف عن ابن سلمان وابن موزة، لا يُراد له أي دورٍ في تحديد مستقبل الحل في المنطقة. أمرٌ وضع التركي في موقفٍ لا يُحسد عليه، فهو إما يُصغي للمطالب الأميركية التي تبدو بوضوحٍ أنها مطالب هدفها كسر شوكة النظام التركي لا أكثر، ولكن قد يكسب الرضا الأميركي، لكنه حكماً سيخسر مكانته الكرتونية التي تم الترويج لها لدرجةٍ لن ينفعَ معه هذه المرة الإيعاز لشيوخ الفتن بتحويل منشوراتهم من رؤية الرسول وهو يحمل كيساً من الليرات التركية، إلى ادعاءِ رؤيته وهو يرعى المصالحة التركية الأميركية.

أما الوقوف في وجهِ الأميركي فهو مخاطرة أكبر وسلاحٌ ذو حدين:
الأول: وهو ما يعني حكماً خسائرَ اقتصادية كبيرة لا تزال تبعاتها تثير جدلاً واسعاً، إذ كيف لبضع تغريداتٍ أميركيةٍ أن تجعلَ اقتصاداً وصف بالاقتصاد الصاعد ينهار بهذه الطريقة الدراماتيكية، هل بنية الاقتصاد التركي القائم على مصادر متنوعة هشة لهذه الدرجة؟ وإذا كانت هشة كيف تمكن «العدالة والتنمية» إذاً من تحقيق هذه النهضة الاقتصادية التي علينا الاعترافَ بها بمعزلٍ عن وجهةِ نظرنا بأردوغان كمجرم.

الثاني: الوقوف بوجه الأميركي سيعني حكماً الانضمام نهائياً للمنظومة التي تقودها كل من الصين وروسيا لكن هذا الأمر لن يكونَ بالمجان، فهذا الانضمام سيحتاج من التركي تقديمَ الكثير من التنازلات فماذا ينتظرنا؟

لا نستطيع أن ننكر أن النظام التركي يعتمد الواقعية السياسية المفرطة في التعاطي مع الأزمات، هذه الواقعية يراها البعض إذلالاً له لكنه ببساطة يراها إحناء الرأس حتى تمر العاصفة، لأنه يريد أن يكسب رأسهُ وبعض الأوراق في الملف السوري، ولو شرَّحنا الخيارات المتاحة فإن التركي لا يبدو بأي حالٍ من الأحوال سيختار المواجهة مع الأميركي لأن ميزان الحسابات سيعني خروجهُ صفر اليدين من سورية ليصل الأمر لما هو أسوأ في تركيبة النظام، أما خسائره في الجهة المقابلة فهو يراها منطقية، فلا الميزان التجاري مع إيران سيختل ولا الحلم البوتيني باستعادة أردوغان من الناتو سينتهي، لكن بين هذا وذاك فإن معركة إدلب تطل برأسها فهل سيواصل تهديداته ووعده ووعيده بمنع الهجوم على المدينة، أم أنه سيعود للواقعية ذاتها؟

من الواضح أن أردوغان يمارس الواقعية فقط عندما تكون العصي حامية وبمعنى آخر: إن النظام التركي اليوم يدور بين دلف التهديدات الأميركية ومزراب معركة إدلب، كم هو متفائل من يتوقع أن أردوغان سينجو من كليهما من دون أن يصل البلل إلى ذقنه.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز