الأربعاء , أبريل 24 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

حرب باردة أم حرب عالمية؟

حرب باردة أم حرب عالمية؟

تحسين الحلبي

لا أحد يشك أن الإدارات الأميركية استخدمت في تجاربها الامبريالية في القرن الماضي وبداية القرن الراهن سلاح فرض العقوبات على الدول المناهضة لسياسة الهيمنة عليها ومصادرة ثرواتها، فمن كوبا التي بقيت صامدة طوال عقود كثيرة إلى كوريا الديمقراطية التي تمكنت رغم كل العقوبات والحصار الاقتصادي من التحول إلى قوة نووية، أحبطت دول كثيرة الأهداف الأميركية وحافظت على استقلالها وقرارها الوطني المستقل.
مع بداية هذا القرن تحولت سورية وإيران إلى ساحة تفرض فيها واشنطن العقوبات الاقتصادية وأشكال الحصار المختلفة بهدف إضعاف قدراتهما وإجبارهما على الاستسلام للهيمنة الأميركية وتسليم ثرواتهما وسياستهما لصاحب القرار الأميركي الامبريالي وفي النهاية وبعد حرب السنوات الثماني الأميركية الإسرائيلية على سورية انتصرت سورية وحلفاؤها في هذه الحرب وأحبطت أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
رغم ذلك، بقيت أشكال الحصار الاقتصادي تتصاعد ضد سورية وإيران واتسعت على إيران على نحو فرضت فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب معاقبة كل شركة أجنبية أوروبية تتعامل مع طهران، وبلغ الحصار درجة جديدة بإعلان شركات الطيران البريطانية والفرنسية بإغلاق رحلاتهما إلى طهران قبل يومين، ولم يبق لواشنطن من أعمال العدوان على إيران سوى غزوها على غرار غزو العراق بل إن هذا ما دعا إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حين التقى به مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الأربعاء الماضي حين طالب بحشد كل الدول المتحالفة مع واشنطن لتصعيد حصارها على إيران والتمهيد لشن حرب مباشرة عليها، لكن معظم الخبراء العسكريين الأميركيين والمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية يدركون أن حرباً أميركية مباشرة ضد إيران لن تحقق واشنطن منها أهدافها بل ستؤدي هذه الحرب إلى خسارة أميركية كبيرة في المنطقة.
وكرر هؤلاء الإعلان عن هذه الحقيقة في مناسبات كثيرة في حين أن نتنياهو ما زال يتمسك بها ويهيئ أجواء المنطقة لها وبدا واضحاً أن بولتون تناقض معه حين قال في مؤتمر صحفي مشترك في إسرائيل: «لا أعتقد أن تأثيرات العقوبات الاقتصادية في إيران ستكون بالتأكيد فعالة بل أقوى من أي تأثير آخر».
ويعتقد بولتونأن واشنطن تنتظر في اليوم الخامس من تشرين الثاني نتائج القرار الأميركي بحظر استيراد النفط الإيراني من الدول التي وقعت على عقود مع طهران لعلها تحقق أقصى ضغط وحصار على الاقتصاد الإيراني.
واشنطن وتل أبيب نفذتا مع الدول المتحالفة مع واشنطن في المنطقة سياسة «حرب باردة إقليمية» ضد دمشق وطهران والمقاومة اللبنانية وأصبح شعار الكراهية والعداء ينتشر في المنطقة ضد هذه الأطراف لتعزيز أجواء فتنة طائفية تحقق أهداف إسرائيل وأميركا في المنطقة في حين تولت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا تنفيذ سياسة «حرب باردة دولية» على الحليف الاستراتيجي لهذه الأطراف وهو روسيا الاتحادية وكل من يتحالف معه ضد الهيمنة الأميركية.
رغم كل هذا الحشد من الأعمال والمخططات العدوانية الأميركية الصهيونية على المنطقة والعالم تتوقع مراكز أبحاث وإعلام أوروبية وأميركية أن تحبط دول أوروبية وآسيوية مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية أي حرب باردة جديدة لأنها لن تحقق إلا المصالح الأميركية وحدها وليس المصالح الأميركية الأوروبية المشتركة، وهذا ما تدل عليه سياسة ترامب في فرض العقوبات على كل دولة لا تلتزم بحظر التعامل الاقتصادي مع إيران.
الجميع يرى أن واشنطن تشن حرباً اقتصادية عالمية لا يستفيد منها إلا الولايات المتحدة وكأن ترامب يقوم بتوظيف وتسخير دول أوروبية كبيرة للمصلحة الأميركية فقط ودون تحقيق استفادتها من التجاوب مع سياسته.
يبدو أن واشنطن تسعى إلى إيجاد وضع دولي تفرض فيه أحد خيارين: إما حرب عالمية ثالثة ومدمرة للجميع، وإما حرب باردة جديدة تقسم العالم إلى جناح أميركي يصادر قرار دول كثيرة، وجناح روسي صيني، حرب باردة تستهدف عزلة ومحاصرة مصالح الجناح الثاني وتطوره ومنعه من إقامة علاقات متبادلة وحرة.
وبين هذين الخيارين أصبح من الواضح أن سياسة ترامب ستواجه فشلاً ذريعاً في حربها الاقتصادية التي تشنها ضد دول كثيرة لأن أكبر اقتصاد عالمي يقف إلى جانب هذه الدول وهو الصين، وأكبر قوة عالمية ذات تكنولوجيا حربية فائقة التطور تقف إلى جانب هذه الدول وهي روسيا، ففي الحرب الباردة الأولى ما بين عامي 1951-1991، لم تكن الصين أكبر قوة اقتصادية بينما في هذه «الحرب الباردة الثانية» أصبح العالم كله مختلفاً وبدأت أوروبا تميل إلى ما يفرضه اتحاد دولها من مصالح تنافس المصالح الأميركية، فالمستقبل لهذه القوى والدول الصاعدة من جديد وليس للقوة الأميركية التي بدأت تهرم وتشيخ أمام المصالح الجديدة والمتطورة للدول الصاعدة.
الوطن