الجمعة , أبريل 19 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

إدلب، اليوشن-20، وجريمة بشار الأسد الكبرى.

إدلب، اليوشن-20، وجريمة بشار الأسد الكبرى.

شام تايمز

سمير الفزاع

شام تايمز

إستناداً إلى وثائق ومحاضر مجلس الوزراء ووزارات الخارجية والحربية والمستعمرات، أورد المرحوم محمد حسنين هيكل بعض من أهم ملامح الإستراتيجية البريطانية في “الشرق الأوسط” والمشرق العربي، أقتبس منها بتصرف وألخصها في أربعة نقاط:
1-تحتفظ بريطانيا بسيطرة فاعلة على الساحل السوري من فلسطين وحتى الإسكندرون إلى جانب السواحل المصرية، لاستكمال سيطرتها على سواحل شرق المتوسط. ويمكن تفهم نفوذ فرنسي في بعض من هذا الشريط، ولكن ضمن إشتراطات وتفاهمات معينة. ومن المهم أن لا يسكن هذه السواحل “لون” إثني-ديني أو عرقي واحد؛ بل يجب أن يتوزع سكانها على خليط من الأديان والمذاهب: مسلمون في سيناء، يهود على سواحل فلسطين، مسيحيون في وسط الساحل السوري، طوائف إسلامية في شمال الساحل السوري… وهكذا سيكون هذا “الموزاييك”، متنافراً فيما بينه، مُهدداً من الداخل –العمق العربي- محتاج دائماً لحماية بريطانيا ورعايتها، ومستعد أبداً للإندماج في مشاريعها ومخططاتها.
2-يجب أن تسيطر بريطانيا على جميع الأماكن المقدسة لكل أديان المشرق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر: مكة والمدينة، النجف وكربلاء، كنيسة القيامة والمسجد الأقصى، قبة الصخرة وحائط المبكى. بهذه السيطرة، ستدعي الإمبراطورية البريطانية ميزة “حامية الأديان” والمقدسات والمؤمنين على اختلاف أديانهم وطوائفهم، كما ستكون صاحبة اليد العليا في “إنتاج” وحماية التدين الذي تريد، والضامن الوحيد لعدم جنوح أي من هذه الأديان والطوائف إلى التطرف “بمعنى إخماد وقمع دعوات المقاومة والتمرد” على نحو يلحق الضرر بمصالح بريطانيا والغرب عموماً.
3-إقامة خلافة إسلامية في الداخل (المقصود هنا الأراضي العربية الممتدة خلف سواحل المتوسط وصولاً إلى مشارف سواحل الجزيرة العربية على المحيط الهندي) مع ضمان تأييدها المطلق للإمبراطورية، لحسم السيطرة على المنطقة من الخليج العربي وحتى البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة بها: مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس… وهكذا نفهم سبب إقامة مملكة آل سعود، وإطلاق يدها في مكة والمدينة وعموم شبه الجزيرة العربية، وحربها على اليمن، وشرائها مؤخراً لجزيرتي تيران وصنافير.
4-لا بد من ضمان السيطرة على بلاد ما بين النهرين –العراق- لمحاصرة الإمبراطورية العثمانية، ومنع الإمبراطورية الروسية من بلوغ المياه الدافئة في الخليج العربي والمحيط الهندي.
هذه بعض مبادئ الإستراتيجية البريطانية التي حكمت حياة مشرقنا العربي، كما تشكل العامود الفقري لأي إستراتيجية غربية في المنطقة، ويمكن من خلالها تفسير الكثير من السياسات والحروب، وعبرها يمكن الحصول على صورة واضحة عن سبب عدائية الغرب تجاه بلد ما أو زعيم ما في هذا الإقليم… ولكن ما علاقة ذلك بالحرب الدائرة على سورية من جهة، ومعركة إدلب وتموضع واشنطن في قاعدة التنف وشمال-شرق سورية، والغارة الصهيونية الأخيرة من جهة ثانية؟.
بات الحديث عن المخطط الذي إستهدف سورية كياناً ودوراً وهوية أمراً محسوماً، وكلنا يعرف الثمن الذي دفعته وحلفائها لإسقاط هذا المشروع من معركة حلب، التي حولت الزمن المتدفق إلى تاريخ يؤسس لمرحلة تاريخية كبرى في حياة سورية والمنطقة والعالم، وحتى معركة تحرير جنوب وغرب سورية، والتي هيأت المشهد لاستقبال قواعد إشتباك جديدة تجاوزت مرحلة التكوين، وصولاً إلى معركة إدلب، والتي تحمل من الرمزية السياسية-الميدانية ما يوازي مجمل الحرب على سورية أولاً، ويفتح الأفق واسعاً لمواجهة مباشرة محتملة مع واشنطن وحلفائها ثانيا.
الخميس 6/9/2018، قال المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري: حان الوقت لـ”مبادرة دبلوماسية” كبيرة بشأن سورية، تشمل الأمم المتحدة والحلفاء…”. وبالأمس يقول أردوغان، إن حلّ مشكلة الإرهاب في إدلب بحاجة للمزيد من الوقت… وهو فعلا يحتاج الى المزيد من الوقت لحزم خياراته واصطفافه بعد إتضاح المشهد في عدة نقاط ليست إدلب ومعركتها أخطر ما فيها:
1-خواتيم المفاوضات الحكومية مع الفصائل الكردية والشكل الذي سينتهي إليه الوضع الكردي سياسيا وامنيا ودستوريا… ويبدو بأن ما جرى في القامشلي سيعجل وضع الخواتيم لهذه المفاوضات من جهة، ويقرب من المواقف السورية-التركية من جهة ثانية.
2- حجم وطبيعة ومدى الاحتلال الأمريكي في شمال شرق الفرات: هل سيتم توسيع القواعد، أي أسلحة ستُنشر هناك، هل ستزود بمنظومات دفاع جوي، وهل ستظهر قواعد جوية أمريكية في المنطقة… فكلما زاد الحضور الأمريكي إزداد تصلب أردوغان ومراوغته وابتزازه لكل الأطراف.
3- إبتزاز روسيا وأمريكا في المجالات العسكرية والاقتصادية لوقت إضافي علها تسعفه في مشاكله الداخلية، السياسية والإقتصادية… وتحسين موقعه الإقليمي والدولي.
4-توفير شبكة أمان إستخباريّة-عسكرية-سياسية تساعده على مواجهة حلفاء الأمس –الجماعات الإرهابية- والجمهور الذي أخذه أردوغان إلى موقع مساندة هذه الجماعات، والقوى الإقليمية والدولية التي قد تسعى لتفجير الوضع التركي لخلط الأوراق في الميدان السوري مجدداً… ومن سخرية القدر أن شبكة الأمان هذه لا يستطيع توفيرها إلا من تآمر عليهم أردوغان نفسه؛ سورية وروسيا وإيران.
لكن ما تراه، وتتحسب له أمريكا وحلفائها وكيان العدو الصهيوني أهم وأخطر: هي وهم مَن عمل على “إذابة” خطوط سايكس-بيكو بين سورية وجيرانها في سياق الهجوم عليها: الحدود مع لبنان وكيان العدو والأردن والعراق وتركيا، وإن حاولوا قدر الإمكان المحافظة على مرتكزات الإستراتيجية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة، وتطويرها لصالح مشروع الشرق الأوسط الجديد… ولكن بدلاً من ذلك، أمنّت سورية سواحلها بصمود جيشها وشعبها هناك، ولاحقاً بفتح فصل من التحالف الإستراتيجي مع روسيا بدلاً من اللجوء إلى بريطانيا –أو أمريكا على الأقل- كما منّت نفسها لندن بإستراتيجيتها للمنطقة. ومن ثمّ عملت على ربط ساحلها بالداخل عبر المصالحات تارة، والمعارك البطولية تارة أخرى، وعبر زيارات الرئيس العائلية المتكررة تارة ثالثة… ولهذا تمتلك إدلب المُشرفة على الساحل والمتصلة مع الداخل السوري هذه القيمة الرمزية. واستغلت “إذابة” سايكس-بيكو في استدعاء شركاء لها في حلف المقاومة من لبنان والعراق وفلسطين وإيران… ونسجت بين دمشق الشام وبغداد النهرين تحالفاً طال انتظاره، فثارت ثائرة واشنطن ولندن وتل أبيب وباريس وبرلين وأنقره… وتحركت أيد التخريب في البصرة، وضربت أيد الغدر في الحسكة، وأغارت تل أبيب على مطار دمشق، ومكرت بطائرة الإستطلاع والتنصت الروسية لضرب “مركز تقني” في اللاذقية على السواحل السوريّة لإيصال نفس التحذير لدمشق وموسكو في آن من خرق تلك الإستراتيجية. وزادت واشنطن من حضورها بشمال-شرق سورية، وألقت بثقلها في المنطقة الخضراء لبناء تحالف سياسي مول لها أو فليحترق العراق ولتخرب البصرة… كل ذلك، لمنع إستكمال نصر سيضرب نفوذها وحضورها وأدواتها أو يكاد، ومن أجل فرط عقد تحالف جديد نشأ أو يكاد، ومنع تجذر مشهد مشرقي أشرق أو يكاد، وإعادة الحياة لإتفاقية وإستراتيجية “أسرت” المنطقة لعقود، تفككت أو تكاد… تلك هي جريمة “الأسد” التي لأجلها تموضعت الفرقاطة الفرنسية “أوفيرن” وحلقت طائرة “التورنيدو” البريطانية قبل ساعة في مسرح العمليات لتهيئة أنسب الظروف وتوفير أدق وأحدث المعلومات لإنجاح الغارة الصهيونية على اللاذقية. هي رسالة “ماكرة” من أصحاب سايكس-بيكو عبر صنيعتهم “إسرائيل” في ذكرى حرب تشرين، إلى روسيا في عمق تمركزها، وإلى سوريّة بذكرى إنتصارها… وإن كانت رسالة مِن مَن فقد كل أوراقه أو يكاد، إلا أنها يجب أن لا تمر بدون جواب قاس، ولا أعتقد بأنها ستمر.

شام تايمز
شام تايمز