الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

مرفأ اللاذقية… خطيئة تنظيمية كبرى يدفع ثمنها أبناء المحافظة حتى اليوم

مرفأ اللاذقية… خطيئة تنظيمية كبرى يدفع ثمنها أبناء المحافظة حتى اليوم

كان يمكن أن يحتل مرفأ اللاذقية مكانة ميناء جبل علي في الإمارات، أكبر ميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط، الذي يؤمن وبسبب موقعه الاستراتيجي في دبي وعلى مفترق طرق التجارة العالمية، نفاذاً إلى أسواق أكثر من ملياري شخص. اختير بالتصويت كأفضل ميناء بحري في الشرق الأوسط على مدى عشرين عاماً متتالية، وتم تصنيفه كتاسع أكبر ميناء للحاويات في العالم، لكن خطيئة تنظيمية حكومية أودت بمكانته المستقبلية كأهم بوابة لدول الشرق الأوسط مثل إيران والعراق على البحر الأبيض المتوسط، ومع توسع المرفأ أصبحت نعمته نقمة يدفع ثمنها أبناء أهم مدينة سياحية بحرية إلى جانب الجارة طرطوس، ليبتلع المرفأ جزءاً كبيراً من واجهة المدينة البحرية، ثم كانت النقمة الثانية على الاقتصاد الوطني لعدم قدرة الميناء على التوسع واستيعاب الطلب العالمي على النقل البحري من دون تشويه المدينة.

25 قرناً…

يعد مرفأ اللاذقية من أقدم المرافئ على شاطئ البحر المتوسط، أنشأه الفينيقيون منذ 25 قرناً، وكان مرفأ اللاذقية حتى عام 1925 عبارة عن حوض طبيعي تدخل فيه المراكب للالتجاء من العواصف لتفريغ أو شحن الحمولة التي تنقلها من البضائع والسلع، وتم إقامة منشآت مرفأ اللاذقية على مرحلتين ابتداء من العام 1954، ومع التطور الكبير لحركة النقل البحري كان لا بد من التفكير بتوسيع المرفأ ليواكب التطور العالمي للنقل البحري، ومن هنا بدأ تنفيذ المرحلة الثانية ووضعت في الاستثمار عام 1985، لذلك وبعد الانتهاء من آخر الأعمال المتعلقة بالبنى التحتية لمرفأ اللاذقية عام 1985، استمرت الدراسات لتوسيع المرفأ باستخدام كامل المساحات المرصودة له والتي تم تحديدها ضمن مرسوم الاستملاك الصادر عام 1976، بالأراضي المحاذية للمنطقة المرفئية القديمة شمالاً والممتدة حتى موقع روتانا آفاميا حالياً، ولكي يتمكن المرفأ من استقبال السفن الكبيرة وعدم هروبها إلى المرافئ المجاورة، صدر قرار لجنة الإدارة المتكاملة للساحل السوري بتوسيع مرفأ اللاذقية في عام 2009، وفق المخططات الموضوعة من الخبراء الدوليين، وتم تأشير القرار المذكور من قبل رئاسة مجلس الوزراء، لكن مع وقف التنفيذ لوجود عوائق كثيرة.

وزارة النقل تطرح فكرة إنشاء مرفأ بديل

ومن هنا ظهرت فكرة الحاجة إلى مرفأ بديل، يتوازى ذلك مع تصريح وزير النقل علي حمود العام الماضي، أن الوزارة تعمل على إجراء دراسة شاملة لإنشاء مرفأ جديد بمواصفات عالمية بحيث يتضمن محطة حاويات بطاقة استيعابية لا تقل عن 2.5 مليون حاوية سنوياً بالإضافة إلى استقبال السفن على أرصفة لا يقل عمقها عن 17 متراً وتشكيل حوض مائي، واعترف الوزير بأن مرفأ اللاذقية الحالي يقع في قلب المدينة وعلى شاطئها الغربي، ويشغل مساحة كبيرة، يمكن استثمارها واستغلالها بالشكل الأمثل، من خلال النشاطات السياحية التي تمتاز بها مدينة اللاذقية.

الشركة العامة لمرفأ اللاذقية تتمسك بفكرة التوسعة

بيد أن الشركة العامة لمرفأ اللاذقية ما زالت تتمسك بدراساتها القديمة حول التوسيع وإهمال فكرة إنشاء مرفأ بديل، حيث قال ممثل الشركة في معرض دمشق الدولي الأخير علي صالح إن الشركة العامة لمرفأ اللاذقية عرضت خلال المعرض الخطة الموضوعة لاستكمال توسيع مرفأ اللاذقية عن طريق إنشاء رصيف بحري داخل مياه البحر، إضافة إلى توسيع المرفأ حتى منتجع روتانا أفاميا.

وبين صالح أن المرحلة الأولى من توسيع المرفأ انتهت منذ العام 2010 لكن لم نستطع البدء بالمرحلة الثانية وهي توسيع الحوض المقابل للبحر إضافة إلى المساحة البرية الموجودة، وبحسب صالح فإن توسيع المرفأ مهم، كوننا نحتاج إلى زيادة الأعماق لاستقبال السفن التي تحتوي غواطس بعمق أكثر من 20 متراً.

من جهة أخرى يوضح معاون وزير النقل لشؤون النقل البحري عمار كمال الدين خلال لقائه مع «الأيام» أن رؤية الوزارة هي تطوير المرافئ السورية، وتشمل مرفأي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى إيجاد مكان بديل لمرفأ اللاذقية كونه يستقطع الواجهة البحرية للمدينة، وكان هناك تنسيق مع هيئة التخطيط الإقليمي لإيجاد مكان بديل، وهو أمر ليس بالأمر السهل أن تجد مكاناً بديلاً بمساحات يابسة واسعة جداً، كما يجب أن تلائم الواجهة البحرية المرفأ من أجل الأعماق والاستيعاب.

ويشير كمال الدين أن الفكرة الحالية هي العمل على خط متواز بتوسيع مرفأ اللاذقية من أجل إعادة الإعمار، وهناك دراسة مع الأصدقاء في هذا الأمر للتوسع بالمرفأ لاستيعاب أكبر عدد ممكن من البضائع، حيث يوجد ضمن المرفأ محطة للحاويات، وتعاقدنا نتيجة إدراج عروض عالمية مع إدارة محطة الحاويات لاستقبال مليون حاوية سنوياً قبل الأزمة، بالتعاون مع شركة عالمية ((cma مختصة، لكن نتيجة الظروف تم تخفيض العدد الفعلي للحاويات بعد أن تقطعت أوصال البلاد، وكوننا كنا نعتمد على الترانزيت من العراق، ولأن مرفأنا كان مرتبطا سككياً مع العراق عن طريق حلب.

التوسيع يواجه مسألة الأراضي والاستملاك

يذكر كمال الدين أن التوسيع يواجه مسألة الأراضي والاستملاك، وبالمقابل يجب أن يكون الميناء بوابة العراق وإيران لاستقبال البضائع بهدف إعادة إعمار سورية والعراق، ومقدار الحمولات والشحن يحدد ما إذا كان الأمر يقتضي توسيع المرفأ أو إيجاد طرق أخرى كالمرافئ البرية؛ أي نصبح محطات لوجستية للخارج، لسحب البضائع مباشرة من دون وجود تخزين مع عدم كفاية المساحات، فالدراسات اقتضت في تلك الأيام ضرورة التوسع وذلك مع بداية 2000، لكن بالمقابل ستأكل التوسعة مساحات إضافية من الواجهة البحرية للمدينة.

دراسة بـ 10 مليون دولار سنوياً

ويوضح كمال الدين أنه عندما أنشئ مرفأ اللاذقية كان المكان المناسب بيئياً هو المكان الحالي، فأنشئ المرفأ بحكم الطبيعة، وكانت مدينة اللاذقية صغيرة في تلك الأيام فلم تتأثر كثيراً بالمرفأ، لكن توسع المدينة والمرفأ سوية أدى إلى خسارة واجهة كبيرة مهمة لأهم مدينة سياحية بحرية في ظل محدودية شاطئنا الذي لا يتجاوز من الحدود التركية حتى اللبنانية 183 كلم، لذلك يجب أن يستفاد من الواجهات البحرية كمتنفس للمواطن والسياحة معاً، لذلك انطلقت الفكرة لإنشاء مرفأ بديل عن طريق التشاركية عبر إيجاد مستثمرين. والأمر الآن قيد الدراسة بالتعاون هيئة التخطيط الإقليمي، لكن لم نصل إلى خطة تنفيذية لأن الموضوع يحتاج إلى اعتمادات هائلة جداً بملايين الدولارات، فأي شركة دراسات تحتاج من 8 إلى 10 مليون دولار سنوياً كتكاليف لدراسة المنطقة فقط، لكن تبقى الفائدة للسياحة لأن هذا المرفأ يجب أن يكون مثل بيروت وتتحول المنطقة للسياحة والفنادق والمطاعم استغلالاً للبيئة الجميلة على أن ننقل المرفأ إلى مكان آخر.

يختم كمال الدين «لم يتم حتى الآن اختيار منطقة معينة لإقامة مرفأ بديل لأنك بحاجة إلى مساحة بحدود من 30 إلى 35 كلم2، وملائمة لذلك وبأقل تكلفة للدولة، وحتى الآن يقع المرفأ ضمن استملاك وزارة النقل وليس السياحة، أما السياحة فكان لديها خطة لاستثمار المرفأ القديم الذي هو من ضمن المرفأ الحالي عن طريق فصل المرفأين عن بعضهما البعض، لكن لم ينجح ذلك، وكانت نقطة الخلاف مع السياحة هي وجود مدخل وعدم القدرة على فصل الحوض القديم عن الجديد، لذا فإن فكرتي توسيع المرفأ أو إنشاء مرفأ بديل مطروحتان، ففي حال لم نجد موقعا مناسب سنضطر للتوسع مستقبلاً.

خطيئة تنظيمية كبرى

على الطرف الآخر، يعتقد سعد الدين أحمد مدير إدارة التطوير والاستثمار السياحي في وزارة السياحة في حديثه لـ «الأيام» أن واقع مرفأ اللاذقية الحالي هو شاهد عيان أمام كل المواطنين كحالة ملتبسة، لأنه كان نتيجة خطيئة تنظيمية كبرى، والطاقم الحكومي بوقتها أقر هذا الخيار من دون النظر إلى أبعاد التطور العمراني، كما أن المرفأ حرم مدينة اللاذقية عروس الساحل من أغلبية واجهتها البحرية، فالواقع الموجود هو مصدر ألم لأبناء اللاذقية، والموضوع أعمق من التشويه، فعندما نحرم مدينة من واجهتها البحرية نتيجة المرفأ، فهي خسارة هائلة لنواح طبيعية وبيئية وسياحية وحضارية تليق بالمدينة، فمن الممكن استخدامها كحدائق ومتنزهات، وبالتالي حرمانها من واجهتها البحرية، عدا عن الحد من التطور الطبيعي إذا ما قارنا مدينة اللاذقية بمدينة طرطوس التي هي شقيقتها الساحلية.

أمر واقع… بالوراثة

ويؤكد أحمد: نحن كسياحة وبالتعاون مع وزارة النقل ومجلس المدينة ورثنا واقعاً قائماً غير مرض، لكن الإجراءات التصويبية تحتاج إلى حلول إبداعية، فعندما نتحدث عن مرفأ لا نتحدث عن باخرة أو زورق، و طرح وسائل الإعلام مهم كي يحفز الحكومة لإيجاد حلول، لكن من ناحية بيئية سياحية فإن المرفأ حرم اللاذقية من واجهتها السياحية، أما خيار نقل المرفأ البديل فهو مشروع وطني ضخم لأن تكاليفه باهظة، كما أننا لم نطالب وزارة السياحة باستملاك المرفأ لأنها أصلاً أملاك دولة تابعة لشركة المرفأ، والدولة هي من تخصص لأي جهة استملاكاتها بحسب المصلحة العامة.

وينوه أحمد إلى أن السياحة أعدت دراسة ومراجعة للدراسات السابقة التي قامت بها جهات أخرى حول المرفأ القديم، وتوصلت إلى دراسة أولية بعد معاينة الموقع، ولم يتفق مع بعض جوانب الدراسة بشكل جذري، فلا يمكن أن تحافظ على أشكال الأحواض المائية بخطوطها المنكسرة الحدية، كما أننا مع المحافظة على المكونات التراثية الموجودة كالمنارة القديمة والجامع القديم الأثري.

مرافق سياحية وعوائد مالية

يرى مدير التطوير والاستثمار السياحي أن هناك مجموعة استخدامات مكان المرفأ الحالي، فمثلاً تفتقر مدينة اللاذقية إلى مركز تسوق متكامل بالمعايير العالمية، فيمكن إنشاء مرآب سيارات ومركز تسوق في الجهة الشرقية من المرفأ المحاذية للشارع والمقابلة للكنيسة التراثية القائمة، والأحواض المائية يجب أن تكون بتصميم أخّاذ وجذاب، كما يمكن إقامة سكن سياحي وبرج تجاري. وإن أحد المكونات المقترحة هي إقامة (أوكواريوم) وهو عبارة عن متحف مائي، كما نتطلع إلى أن يكون في المرفأ القديم مشروع متعدد الاستعمالات، ويمثل إشراقة على مستقبل اللاذقية وأمثولة للتطور العمراني، بحيث يجذب استثمارات كبيرة ويحقق عوائد مالية مباشرة للجهات المالكة، وعوائد غير مباشرة من الضرائب والرسوم لكل الصناعة المرتبطة بالسياحة.

التوسع شمالاً وليس غرباً

إن توجهات وزارة النقل نحو إنشاء مرفأ بديل لمرفأ اللاذقية، مبادرة تختلف عن كل توجهات السابقة للتوسع مثل دراسات ( مؤسسة تكنو سترويت اكسبورت السوفياتية، ووكالة جايكا اليابانية للتعاون الدولي والخبراء الدوليون لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشركة لينمورني برويكت الروسية، ومور ستروي تكنولوجي الروسية)، وهنا يصرح المهندس الاستشاري في البنى التحتية سليمان حاتم في لقاء مع «الأيام» إن مجمل الدراسات الهندسية الأولية المعدة من جهات دولية متعددة، من السبعينات من القرن الماضي، اقتصرت دراساتها على توسيع مرفأ اللاذقية، واقترحت جميعها التوسع شمالاً، واستبعاد خيار التوسع غرباً، لأسباب فنية تتعلق بالأعماق وتحمل طبقات التربة، والدراسات الأولية المشار إليها بمثابة بنك معلومات مهم للدراسات اللاحقة التفصيلية سواء المتعلقة بالتوسيع أو إنشاء مرفأ جديد، ولا سيما أن المؤسسات المشار إليها لديها نطاق واسع من الخبرات والمعارف سواء في التخطيط التقني أو تشغيل الموانئ وإدارتها. ويشير حاتم إلى أن القرار الأفضل يتحدد بالطلب المستقبلي المتوقع على النقل، هل بإمكان المرفأين في حال توسعتهما تلبية الطلب المتوقع على النقل خلال المدة المستهدفة، أم أن الضرورة تقضي بإنشاء مرفأ جديد، كما أن الفائدة تكمن في تلبية الطلب المتوقع على النقل مستقبلاً وعدم قدرة المرفأين على تلبيتها بوضعها الراهن، أو لجوانب تقيد عملية التوسع مثل المحافظة على الواجهة البحرية.

الضرورة تستدعي التفكير بإنشاء مرفأ دولي

ويبين حاتم أن المتغيرات الكبرى اليوم في مشهد النقل العالمي السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، والتي تهدد المنطقة العربية بتحديات كبرى ربما يكون لها بالغ الأثر على الخارطة التقليدية، لممرات النقل بأنماطه المختلفة. ولهذا فان الفرصة المتاحة المتمثلة بمنظومة طريق الحرير الجديد، وهي المبادرة التي أطلقتها الصين وتحولت إلى حقيقة، من مصلحة سورية أن تستفيد من الظروف المتاحة في الاندماج في الحزام الاقتصادي للمشروع عبر الممر الأوسط ( الصين – آسيا الوسطى – غرب آسيا – الخليج العربي – البحر الأبيض المتوسط )، والذي بالضرورة يستدعي التفكير بإنشاء مرفأ دولي على غرار المرافئ الثلاثين العالمية التي تمر عبرها 80% من التجارة الدولية، مع ملاحظة أن الصين انشات بنكاً للاستثمار في البنية التحتية باسم «بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية « كبنك للتنمية مخصص لإقراض مشاريع البنية التحتية ومن ضمنها «المرافئ».

التوسعة شمالاً ستكون على حساب الواجهة البحرية

ويختم حاتم بأن المرفأ الحالي يحتل جزءاً من الواجهة الغربية لمحافظة اللاذقية وتوسعته وفقاً للدراسات الأولية سوف تكون على حساب الواجهة البحرية بحكم الامتداد شمالاً، لهذا فإن دراسات الجدوى الاقتصادية لاستثمار الواجهة البحرية لأغراض ذات طابع سياحي أو لأبعاد وغايات اجتماعية هي التي تساعد وتمكّن من اتخاذ القرار اللازم.

وختام القول فإن فكرة إنشاء مرفأ بديل ستطرح نفسها بقوة مستقبلاً مع تطور النقل البحري وزيادة حركة التجارة الخارجية، لخلق نوع من التنافسية مع مرافئ مجاورة تحضر نفسها لقطف ثمار طريق الحرير الصيني نحو أوروبا، وسيبقى الميناء خطيئة يحرم بموجبها أبناء مدينة اللاذقية وأبناء سورية بالكامل من جمال المنظر والطبيعة

جريدة الأيام