الخميس , مارس 28 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

عطوان: لماذا نودع بألم السيدة ميركل نصيرة المهاجرين والزعيمة الحقيقية للعالم الحر؟

عطوان: لماذا نودع بألم السيدة ميركل نصيرة المهاجرين والزعيمة الحقيقية للعالم الحر؟
خبر اعلان السيدة انجيلا ميركل استقالتها من رئاسة الحزب الاتحادي الديمقراطي المسيحي اليوم الاثنين، ومغادرة منصب المستشارية مع انتهاء ولايتها الحالية عام 2021، وقع وقوع الصاعقة على الملايين داخل المانيا وخارجها، لان زعامة هذه “المرأة الحديدية” التي لعبت دورا كبيرا في تعزيز الاتحاد الأوروبي، وتصليبه، وازدهار اقتصاد بلادها، من الصعب تعويضها في المستقبل المنظور، لان مكانها سيظل خاليا ربما لعقود قادمة.
جاء هذا القرار غداة نكسة انتخابية مني بها تحالفها الانتخابي في ولاية هيس، حيث عبر الناخبون عن سأمهم من سياساتها، والحلول الوسط التي اتبعتها مع الاشتراكيين الديمقراطيين مع صعود اليمين القوي، حسب آراء معظم الخبراء والمراقبين، ولكن السبب الحقيقي في رأينا يتلخص في سياسات الهجرة ذات الطابع الإنساني، التي تبنتها السيدة ميركل عندما فتحت أبواب بلادها امام اللاجئين السوريين الناجين بأرواحهم من جحيم الحرب، في وقت اغلق البعض، والعرب الأغنياء خصوصا، الأبواب في وجوههم.
السيدة ميركل لم تفتح حدود بلادها امام اللاجئين السوريين، وانما العراقيين والافغان أيضا الذين ركبوا البحر، وجازفوا في حياتهم للوصول الى ملاذ آمن يوفر لهم الطمأنينة ولقمة عيش مغموسة بالكرامة والمستقبل الآمن، وغضت حكومتها الطرف عن بعضهم، وقبلت رواياتهم غير الدقيقة، من منطلقات الرأفة والتفهم.
فهذه السيدة التي تحمل درجة الدكتوراة في الكيمياء، ابنة قس، وولدت وعاشت فترة من عمرها خلف الستار الحديدي، تعرف معنى المعاناة، وقيم التسامح، والتعاطف مع المحرومين والهاربين من الحروب ومناطق التوتر، ولهذا كسبت قلوب هؤلاء ومحبتهم، والملايين داخل المانيا وخارجها، خاصة دول مثل اليونان والبرتغال، ولم تبخل عليها بالدعم لإنقاذها وشعوبها من الإفلاس عندما ضخت مئات المليارات في اقتصادها.
اليمين العنصري الألماني يرى الأمور من زاوية مختلفة، عنوانها الكراهية للأجانب، وخلفياتهم الثقافية والعرقية والدينية، والعرب وكل المسلمين من بينهم خاصة، ولهذا لم يتوقف عن القيام بحملات التحريض والكراهية ضد اللاجئين والسيدة ميركل معا.
ميركل لم تنطلق من أرضية التعاطف في فتح أبواب الهجرة امام طارقيها، وانما من منظور مصلحة المانيا أيضا التي يحتاج اقتصادها القوي لأيدي عاملة شابة كفؤة، تزيده قوة وتنافسية، في ظل تراجع معدلات المواليد، وازدياد اعداد المسنين في المجتمع الألمانيـ ولا نعتقد ان هناك مهاجرين مبدعين منتجين مثل السوريين.
ستخسر المانيا كثيرا باعتزال السيدة ميركل قيادة حزبها، وزعامتها بشكل عام، ستخسر المانيا هذه السيدة التي لا تهتم بمظهرها، وتسكن في شقة متواضعة جدا في برلين، وتتسوق في “سوبرماركت” مشهور بأسعاره المتدنية، لشراء الاجبان والبيض والخبز.
أستاذ علم الاجتماع الألماني اولريش بيك كان موفقا جدا عندما نحت، او ابتكر توصيفا جديدا لـ”الميركاليزم”، عندما قال انها اسست نهجا سياسيا اسمه “ميركيافيل”، وهي كلمة مركبة من اسمها والمفكر الإيطالي الشهير ميكافيللي، وتعني الجمع بين التريث والحزم.
بريطانيا عانت كثيرا، وما زالت منذ الإطاحة بالمرأة الحديدية مارغرين تاتشر، وان اختلف الكثيرون معها، ونهجها القاسي في الحكم المنحاز للاغنياء ضد الفقراء، والشيء نفسه يمكن ان يقال عن المانيا بعد السيدة ميركل مع الفارق الكبير بين الزعامتين حيث لا مجال للمقارنة.
المهاجرون العرب والمسلمون، وكل أبناء العالم الثالث الذين رحبت بهم حكومة ميركل ضيوفا اعزاء، لن ينسوا جميلها، ووقفتها الإنسانية الى جانبهم في محنتهم، والانحياز الى معاناتهم في مواجهة اليمين العنصري المتطرف.
انها الديمقراطية.. والخيار الشعبي.. وحكم صناديق الاقتراع الذي لا مفر من احترامه لانه يشكل الضمانة لاستقرار المجتمعات واستمرار نهضتها حتى لو اختلفنا من منظورنا الشرق الاوسطي الرافض لليمني العنصري مع بعض نتائجه.
عبد الباري عطوان – رأي اليوم

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز