الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

من جسر تواصل بين أردوغان والأسد إلى السجن

من جسر تواصل بين أردوغان والأسد إلى السجن

كمال خلف
لم يكن حكم محكمة تركية على الزميل الكاتب والصحفي “حسني محلي ” بالسجن أربع سنوات بسبب رأيه السياسي صادما بالنسبة لي ، اعتمادا على النهج الذي تتبعه حكومة العدالة والتنمية الحاكم خلال السنوات القليلة الماضية بكل أسف . نسي قادة العدالة والتنمية وهم الان في السلطة الزمن الذي كانوا فيه ملاحقين ومعرضين للاعتقال والنبذ قبل السلطة ، وكان حسني محلي وبعض الصحافيين ممن يعدون على أصابع اليد الواحدة يقفون معهم ويدافعون عن حقهم في العمل السياسي ، كانوا معارضين بسطاء وكان هو صحيفا مشهورا ومديرا لمكاتب أكبر القنوات العربية وكاتبا في أكبر الصحف التركية .
التهمة الموجه إلى محلي تتلخص بأنه كشف وتحدث عن علاقة تركيا بالجماعات المسلحة في سوريا ، وعن الدعم الذي قدمته أنقرة لهذه الجماعات ، والإساءة للرئيس أردوغان . وهي تهمة تحسب لمحلي لانها كانت شجاعة منه في قول الحقيقة في وقت جبنت فيه بعض النخب العربية ، وباع كثيرون مواقفهم واقلامهم بثمن بخس دراهم معدودة للمشروع المرسوم لسوريا ولغيرها ، والذي تكشفت فصوله اليوم للقاصي والداني .
جوهر التهمة الموجهه إلى الكاتب محلي تثير الدهشة والسخرية معا ، لأن علاقة الدعم والمساندة بل وخلق هذه الجماعات الإرهابية ليست من المخفيات التي كشف عنها محلي . قادة الجماعات أنفسهم يتحدثون عنها ويقرون بها ، وحدود تركيا كانت الشريان والممر لدخول كل الإرهابيين وبتسهيلات تركية إلى سوريا ، كذلك السلاح الثقيل والأموال .
قبل أيام استقبل رئيس بلدية اسطنبول متزعم جيش الإسلام “عصام بويضاني” كمستثمر في تركيا ، وتساءلت الصحافة التركية من أين جمع″ البويضاني ” ملايين الدولارات وجاء بها إلى تركيا؟ . ولماذا تعيش عائلات الغوطة الشرقية ممن استجابوا لطلب البويضاني بالرحيل إلى الشمال السوري ظروفا صعبة وقاسية ، بينما هو يستجم في أحد المنتجعات التركية كما صوره مساعدوه قبل ايام؟ . وكذلك قادة جبهة النصرة والحزب الإسلامي التركستاني حيث تعيش عائلاتهم في تركيا بحماية المخابرات التركية ، هل هذه أسرار ؟؟ وهل يخفي هؤلاء هذه العلاقة ، ادخلوا إلى أي معرف على وسائل التواصل لأي من قادة الجماعات المسلحة وستجدون فيها أكثر مما قاله الصحفي حسني محلي بكثير .
التقيت بالصحافي والكاتب حسني محلي في تركيا وتعرفت عليه عن قرب هناك ، في منتصف العام 2009 ، كان معظم قادة حزب العدالة والتنمية بما فيهم الرئيس اردوغان “كان وقتها رئيس حكومة” والرئيس عبد الله غول من أصدقائه بحكم كونه من أقدم وأعرق الصحفيين في تركيا ، وكان محلي يلتقي بهم دوما كاصدقاء . وانطلاقا من هذه العلاقة لعب محلي دورا كبيرا في بناء علاقة خاصة ومميزة بين تركيا وسوريا ، وبين الرئيس أردوغان والرئيس الاسد ، بشر بهذه الفكرة وسعى إلى تحويلها إلى واقع وكان سعيدا بها .
في نهاية ذاك العام على ما أذكر زرت دمشق ، واتصل بي مستشار الرئيس أردوغان حاليا الأستاذ “سفر توران” وهو رجل فاضل وصحفي من طراز رفيع وكان قادما مع الرئيس أردوغان لزيارة سوريا واتفقنا أن نذهب لتناول الشاي في جبل قاسيون المطل على دمشق . وعندما حضرت إلى الفندق تفاجأت بوجود الأستاذ” حسني محلي ” فجلسنا معا . كان محلي قد جاء أيضا مع الرئيس أردوغان في تلك الزيارة ، يومها تحدث محلي عن أهمية الاقتراب بين دمشق وأنقرة ، وعن بداية عمق في العلاقة الشخصية بين أردوغان والأسد . كان الرجل حسب ما بدا لي جسرا للتواصل بين القائدين والبلدين. ويحظى باحترام الطرفين بأعتباره تركي من اصل سوري .
وقد حاول الرجل حسب علمي جاهدا رأب الصدع ، وايقاف تدهور العلاقة بعد العام 2011 ولكن كان المشروع أكبر منه ومن أي وساطة ، كان هدف إسقاط النظام في دمشق هدفا قريب المنال وتركيا بنت حساباتها وفق هذا التقدير، وانتهى الأمر.
ما أعرفه عن حسني محلي الذي التقيته مرارا خلال السنوات السبع العجاف في بيروت ، أنه يحب تركيا بنفس القدر الذي يحب فيه سوريا ، وأن لا تفضيل لاحدها على الأخرى، في عقله وقلبه ، ولكنه انحاز للحقيقة . وقرر أن يكون صحفيا وكاتبا حرا ، لم ينفع معه عروض السلطات التركية خلال السنوات الماضية ، ولو أراد ذلك لكان استفاد على طريقة بعض النخبة المرتهنة والرخيصة، لكنه آثر قول ما يمليه عليه ضميره ، وأن ينصح أصدقاءه ، والصديق من صدق ، وليس من طبل وزمر لاخطائك باعتبارها إنجازات .
اليوم يدفع هذا الكاتب العريق ثمن هذه النصيحة وقول الحقيقة ممن كان يعبروهم مظلومين ويدافع عنهم بقلمه ، ويحكم عليه بالسجن ، بقرار من الرئيس أردوغان وليس القضاء كما يقال .
أستاذي حسني محلي وصديقي .. هذا قدر كل شريف ، السجن لن يزيدك إلا صفة مناضل إلى صفاتك الثقافية والصحفية والبحثية والإنسانية ، وسيزيد من اعتقلك عارا إضافيا في صفحات سياسته العمياء . سنقول من الآن الحرية لحسني محلي ، والمجد لكل قلم لم يباع ولم يشترى .
رأي اليوم