الثلاثاء , أبريل 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

بين سورية وفرنسا وخطاب «الازدواجية»

بين سورية وفرنسا وخطاب «الازدواجية»

مازن جبور

الرئيس بشار الأسد ومنذ بدء الأزمة السورية في العام 2011 تحدث كثيراً عن أهمية المصطلحات التي تطلق خلال الأحداث ووجه إلى ضرورة معالجتها وتوضيحها وتصحيحها، تشديد الرئيس الأسد كان الهدف منه عدم السماح لتلك المصطلحات بأن تتحول نتيجة التكرار والمداولة جزءاً من الخطاب الجمعي المتداول وبالتالي تأخذ أبعادها على كافة المستويات وتحقق أهدافها.
بداية لا بد من التأكيد على أن كل حرب أو صراع أو أزمة، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية، تُنتِج مصطلحات أو مفردات لغوية، أو تمنح مصطلحات قائمة بالأساس معاني جديدة تعبر عن توجه المحركين لهذا الحدث لوضعه على الطريق التي يرغبون أن تسلكها مجرياته، بحيث تصبح تلك المصطلحات جزءاً من الخطاب الجمعي في البلد الذي هو ساحة الصراع أو الأزمة أو الحرب.
ومن ثم تتسلل تلك المفردات والمصطلحات ومعانيها إلى الآذان عبر الإعلام من خلال التغطيات الصحفية، والأعمال الأدبية، ومجمل النتاج الثقافي المواكب لتلك المرحلة. مع التأثير المضاعف لتداول تلك المصطلحات، وانتشارها خلال السنوات الأخيرة على نطاقٍ أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أننا في عصر الانترنت وثورة المعلومات.
كذلك تعطي تلك المصطلحات زخماً عبر إطلاقها وتكرارها من قبل قادة الدول الفاعلة التي تتدخل وربما تكون هي من اصطنع ويقود الحرب أو الأزمة أو الصراع، ليأخذ بذلك المصطلح «المدسوس» بعداً رسمياً، وحتى في بعض الأحيان يتم تبنيها من قبل منظمات دولية رسمية وغير رسمية.
وذلك ينطبق على الأزمة السورية المركبة التي لا تزال مستمرة منذ العام 2011، هذه الأزمة التي أفرزت مفرداتٍ تحمل أبعاداً كثيرة، لا تخلو من التعميم، الإقصاء، التصنيف، الإسقاط، التجريم، التعتيم، الاتهام، كما لم تخل في كثير من الأحيان من التهكم، وغيرها من الصفات التي كان هدفها تضليل الرأي العام، ولعبت في ذلك وسائل الإعلام والاتصال، دوراً رئيساً.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ما تمتلكه وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، من القدرة على غرس وتعزيز وتعميق القيم، سواء كانت سلبية أم إيجابية، طبقاً لتوجهاتها وسياستها، ما يؤدي إلى رسم سلوكيات وأخلاقيات وأفكار ومعتقدات لدى المتلقين، فهذه الوسائل متسارعة التطور وتمتلك القدرة على الإغراء والتأثير، ما يسهم بشكل فاعل في إحداث التغيير والإقناع، وبذلك يسهل عليها اختراق منظومة القيم والمبادئ السائدة.
اليوم ومع ما تشهده فرنسا من أحداث وبالأخص العاصمة باريس، بدأنا نلحظ ما يمكن تسميته الازدواجية في المعايير في الإعلام، وهنا ليس الحديث عن الإعلام العالمي بل سأخص الإعلام العربي الخليجي الذي حمل المهمة المدسوسة في تسويق المصطلحات المضللة التي زج بها في الشارع السوري بهدف تضليل هذا الشارع وتوجيهه نحو التطرف والعنف لتهديم بلده وحضارته.
وإذا ما حاولنا رصد مجموعة من المصطلحات التي أطلقها ذاك الإعلام على حركة الاحتجاج في الشارع السوري والتي سارعت الدولة السورية لاستيعابها وتلبية طلباتها في بداية الأزمة، إذ بدأ بدس مصطلحاته المضللة فلم تخل تغطياته فيما لو قمنا بعرض المصطلحات أكثرها تداولاً منها، وشرح دلالاتها، وارتباطها بمرحلة زمنية محددة، سواء أكانت تلك المرحلة قد انتهت، أو لا تزال قائمة، لا تخلو تلك المصطلحات من مدلولات قمعية، كاستخدام مصطلح «التشبيح» مثلاً، والإشارة إلى أن ممارسيه هم من تكوين سوري محدد، بهدف إعطائه أبعاداً أخرى «طائفية» بهدف الإقصاء والتصنيف والتعميم لخلق مزيد من الحقد داخل المجتمع السوري.
وبينما يتم الحديث اليوم عن «حركة احتجاج» في فرنسا، كان يتم الحديث بداية الأزمة السورية مباشرة عن «ثورة» وما لهذه الكلمة من أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية، ومكنونات نفسية وثقافية في العقل السياسي السوري والعربي والعالمي باعتبارها تشير إلى مواجهة الطغيان والاحتلال بحثاً عن الحرية والاستقلال والكرامة، إلا أن هذه المفردة لم تتأخر حتى تكشفت أمام معظم الشعب وأخذت موضعها الحقيقي في الحدث اليومي والمتمثل بالإرهاب الذي تحاربه الدولة السورية وحلفاؤها.
وعلى حين جرى الحديث منذ بداية الأزمة السورية من خلال استخدام خطاب تشويهي قائم على مصطلحات من قبيل «قوات النظام» و«قوات الأسد» و«رئيس النظام» و«مسؤولي النظام»، و«مخابرات النظام»، وغيرها من المصطلحات، يتحدث الإعلام ذاته اليوم وخلال تغطيته لمجريات الأحداث الفرنسية من خلال خطاب إعلامي يستخدم مصطلحات بشكل مختلف من قبيل «الشرطة الفرنسية» و«قوات الأمن الفرنسية» و«الرئيس الفرنسي» و«المسؤولين الفرنسيين»، وغيرها من المصطلحات.
في الوقت ذاته لا يخلو الأمر من تجميل للعلاقة بين الشرطة الفرنسية التي تقمع المتظاهرين الفرنسيين وبين هؤلاء المتظاهرين، والحديث عن أنه رغم ما يجري من أعمال شغب وفوضى، إلا أن الأجواء بين عناصر الشرطة الفرنسية والمتظاهرين لا تخلو من أجواء المرح والضحك، وتصوير الأمر على أن مهمة الشرطة الفرنسية هي حماية هؤلاء وإبعادهم عن القيام بأعمال تخريبية، إلا أن الأمر مفضوح وما يخفيه الإعلام الذي ساهم في تدمير سورية، عن حقيقة الأحداث في فرنسا، يجب أن يدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي تبثه وتظهر الحقيقة.
وفيما بعد ومع استمرار الأحداث كانت الآلة الإعلامية المعادية لسورية تواصل ضخ المزيد من المصطلحات لدسها في الخطاب وفي العقل الجمعي السوري وهي لم توقف ذلك حتى الآن، في حين تتكشف حقيقتها في إمعانها الكذب بهدف التضليل في سورية.
وحين يتم التعامل معنا بازدواجية في المعايير على المستوى الإعلامي، فإنه من حقنا أن نرد هذه الازدواجية، وبالتالي يجب أن نستخدم في إعلامنا مصطلحات من قبيل «النظام الماكروني» و«شبيحة ماكرون» و«قوات ماكرون» و«مخابرات ماكرون» و«رئيس النظام الفرنسي» و«طبقة ماكرون»، باعتبار أن الحركة هي ضد الأغنياء وفي جاداتهم بمحيط الإليزيه.
كما يجب أن نبين في الوقت ذاته حقيقة قلب المفاهيم، إذ إنه حينما كانت تتحدث الدولة السورية عن وجود مندسين وملثمين في حركات الاحتجاج الشعبية، يحملون السلاح ويطلقون النار باتجاه قوات حفظ النظام السورية، كانت تتهم الدولة السورية من الإعلام الخليجي بأن هؤلاء المندسين، الدولة السورية من قام باستحضارهم لتخريب المظاهرات، أما في فرنسا اليوم فقد تم استيراد المصطلحين السابقين من الأزمة السورية ويجري الحديث في الإعلام عن «مندسين» و«ملثمين» يقومون بالأعمال التخريبية وبسرقة البنوك والممتلكات الأخرى، إلا أن هؤلاء مندسون ومخربون حقيقيون والشرطة الفرنسية تعمل على إخراجهم من بين المحتجين فقط!
لا بد أخيراً من التأكيد على أن المفاهيم دائماً حمالة أوجه وليست ثابتة فهي تنتقل كما هي أو تتبدل من زمان إلى مكان مختلفين، وأنه وإن كان الإعلام موجهاً وينفذ سياسات مموليه إلا أنه بات مكشوفاً وبات المتلقي يرفع دائماً القبعة لينظر إلى ما تحتها وإن تمكن الإعلام من خداعه، إلا أن هذا الخداع لن يدوم طويلاً، خصوصاً وقد بات للرأي العام طرقه العديدة في الوصول إلى الحقيقة.
وكما قلبت حركات المقاومة من فلسطين إلى لبنان، مفهوم النصر ليصبح مجرد الصمود في وجه المحتل وداعميه نصراً بحد ذاته، فإن صمود سورية في وجه قوى الاستعمار الكبرى والتي قادت العدوان عليها لثماني سنوات وما تزال وإفشاله له في تحقيق أهدافه، هو نصر حقيقي متكامل، وإذا اعتقدت آلة الإعلام الغربية وتابعتها العربية أن الصمت عما يجري في فرنسا هو الأفضل، فلتعلم أن الصمت انحياز، وإذا اعتبرت أن تهويل عملية التضليل في الحدث السوري أسرع الطرق لإسقاط الدولة السورية، فلتدرك أن فضح حقيقتها الكاذبة كانت أقصر الطرق لسقوطها في عين المتلقي.
الوطن