الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

أسباب انسحاب ترامب من معاهدة سباق التسلّح مع روسيا

أسباب انسحاب ترامب من معاهدة سباق التسلّح مع روسيا

شام تايمز

أحمد الزهاوي

شام تايمز

قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق بالتوقيع عام 1987 على معاهدة “القوى النووية متوسّطة المدى” Intermediate Range Nuclear Forces treaty، والتي تُعرف اختصاراً بـINF، وذلك على خلفية المخاوف الأوروبية من خطورة صواريخ إس إس 20 المتوسّطة التي كان الاتحاد السوفياتي السابق يمتلكها، وكانت قادرة على استهداف دول غرب أوروبا، نظراً لوجود قواعد عسكرية سوفياتية في بعض دول شرق أوروبا في ذلك الوقت.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من أكتوبر الماضي عن نيّة بلاده الانسحاب من معاهدة “القوى النووية متوسّطة المدى” مع روسيا. يثير ذلك الإعلان الأميركي العديد من علامات الاستفهام بشأن الأسباب الكامنة خلف هذا القرار، وتداعياته المختلفة على العلاقات الأميركية مع كل من روسيا والصين، وكذلك الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تأثير الانسحاب الأميركي المرتقب في المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية، والجهود الدولية للحد من التسلّح النووي.
أسباب متعدّدة:
يمكن رصد مجموعتين من العوامل والأسباب التي قد تفسّر الموقف الأميركي الأخير من المعاهدة، هما: أسباب خارجية، وأخرى داخلية، وذلك على النحو التالي:
أولاً- الأسباب الخارجية:
1- الضغط على روسيا: حيث قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق بالتوقيع عام 1987 على معاهدة “القوى النووية متوسّطة المدى” Intermediate Range Nuclear Forces treaty، والتي تُعرف اختصاراً بـINF، وذلك على خلفية المخاوف الأوروبية من خطورة صواريخ إس إس 20 المتوسّطة التي كان الاتحاد السوفياتي السابق يمتلكها، وكانت قادرة على استهداف دول غرب أوروبا، نظراً لوجود قواعد عسكرية سوفياتية في بعض دول شرق أوروبا في ذلك الوقت.
وجاء قبول الاتحاد السوفياتي التوقيع على المعاهدة، عقب التعهّدات الأميركية بقيام واشنطن بخطوات مماثلة ومتزامنة، مع تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق لأسلحته النووية. كما حظّرت المعاهدة أي إنتاج إضافي، أو تطوير، أو اختبار، أو نشر لتلك الأنواع من الأسلحة التي يتراوح مداها ما بين 500 كم و5500 كم.
وعلى مدى سنوات طويلة، ظلّت المعاهدة إطاراً فعالاً لإدارة العلاقات الأميركية – الروسية في مجال الصواريخ النووية متوسّطة المدى، والتزم البلدان -إلى حد كبير- ببنود المعاهدة، ولكن البلدين تبادلا خلال السنوات الماضية الاتهامات بقيام كل منهما بانتهاك بنود المعاهدة. ففي عام 2014، وجّهت واشنطن الاتهامات لروسيا بالقيام بإنتاج وتجربة صاروخ كروز، في انتهاك سافِر لأحكام المعاهدة، وتكرّرت هذه الاتهامات عدّة مرات، بل قامت روسيا بالإعلان أكثر من مرة عن رغبتها في الانسحاب من المعاهدة بحسبانها تقيّد من حريتها، ولا تعكس التغيّرات الحادثة في مصادر القوّة الروسية.
في هذا الإطار، جاء التلويح الأميركي بالانسحاب من المعاهدة، كمحاولة للضغط على روسيا، التي نفت قيامها بانتهاك المعاهدة، وأبدت استعداداً للتفاوض حول تعديلها. كما أن الخطوة الأميركية المرتقبة تفسح المجال أمام واشنطن لتطوير الأسلحة النووية، والتي كثيراً ما كانت عاجزة عن امتلاكها بموجب المعاهدة.
2- محاصرة الصين: فعلى الرغم من إعلان ترامب أن قيام واشنطن بالانسحاب من المعاهدة يستهدف الضغط على روسيا، فإن قرار الرئيس الأميركي يتعلق كذلك بترسانة بكين النووية، خاصة أنها ليست طرفاً في المعاهدة. وتعدّ الأخيرة هدفاً محورياً وربما الهدف الرئيس من هذا الإعلان، في ضوء المخاوف الأميركية من التنامي الكبير في القوة العسكرية الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
كما تكمن المخاوف الأميركية من استخدام بكين صواريخها النووية لعرقلة التدخّل الأميركي، حال اتّخذ جيش التحرير الصيني إجراءات مهدّدة للمصالح الأميركية أو لحلفائها في جنوب شرق آسيا. لذا، فإن واشنطن حريصة على الانسحاب من معاهدة تقيّد من مساعيها لتطوير أنظمة جديدة من الأسلحة النووية، لنشرها في آسيا، في محاولة لوقف التمدّد العسكري، والهيمنة الصينية في بحر الصين الجنوبي.
ثانياً- الأسباب الداخلية:
1- تنامي تأثير التيار المتشدّد داخل الإدارة الأميركية: بعيداً عن الأسباب الخارجية لإعلان الرئيس الأميركي عن نيّة بلاده الانسحاب من المعاهدة النووية مع روسيا، فهناك أسباب داخلية تتعلق بالدور المتعاظم لمستشار الأمن القومي الأميركي “جون بولتون” داخل الإدارة الأميركية، والذي تولّى مهام منصبه في أبريل 2018، ويتّخذ موقفاً متشدداً من الاتفاقيات النووية التي وقّعتها بلاده مع روسيا، وهو يقود الاتجاه المنادي بالانسحاب من المعاهدة النووية، كما يطالب بعدم تجديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة – ستارت 2″، والتي وقّعها البلدان عام 2010.
ويلقى موقف بولتون هوى لدى الرئيس ترامب الذي رفع شعار “أميركا أولاً”، ورفض قيام روسيا والصين بتطوير أسلحة نووية في الوقت الذي لا يُسمح فيه لواشنطن القيام بذلك. ويتفق ذلك الموقف مع توجّه الرئيس ترامب الذي يميل إلى مُعاداة التنظيمات الدولية، والانسحاب من الاتفاقيات الدولية، ومن بينها، الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، إلى جانب اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء.
2- الضغط على الكونجرس الأميركي: حيث سعى الرئيس ترامب بإعلانه عن نيّة الانسحاب من المعاهدة النووية إلى توظيف ذلك في الداخل الأميركي، من خلال اكتساب المزيد من الشعبية والدعاية الانتخابية للحزب الجمهوري، خاصة أن الإعلان جاء قبل موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الجاري. كما يأتي إعلان ترامب متّسقاً مع مساعيه الرامية إلى استعادة التفوّق النووي الأميركي، حيث تجلّت هذه المساعي بوضوح في “وثيقة الاستراتيجية النووية الأميركية” الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية في فبراير 2018 ، والتي أكّدت على ضرورة تنويع الترسانة النووية الأميركية، بإنتاج الأسلحة النووية التكتيكية، خاصة المحمولة بحراً، إلى جانب خطة ترامب الطموح لإنشاء فرع سادس للجيش الأميركى يُعرَف بـ “قوّة الفضاء” بحلول عام 2020.

تداعيات مُحتَملة:
أولاًــ مستقبل العلاقات الأميركية- الروسية: حيث يثير التلويح الأميركي بالانسحاب من المعاهدة النووية مع روسيا العديد من التساؤلات والشكوك حول مستقبل بعض المعاهدات الموقّعة بين واشنطن وموسكو، مثل “اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية – ستارت 2″، والتي ينتهي العمل بها عام 2021. كما أن التلويح الأميركي يخلق المبرّرات لروسيا كي تمضي قدماً في تطوير أسلحة نووية متطوّرة، ونشرها سواء في أوروبا أو آسيا، لتحقيق التوازن في مواجهة التحرّكات الأميركية المرتقبة لتطوير أنظمة جديدة للصواريخ.
ثانياً- تصاعد التنافس الأميركي– الصيني: حيث شهدت العلاقات الأميركية – الصينية العديد من الأزمات منذ وصول الرئيس ترامب للحُكم، خاصة مع التنافس التجاري الكبير بين البلدين. ويبدو أن التنافس العسكري مع الصين سيكون في مقدّمة أولويات البنتاجون خلال السنوات القادمة، في ظلّ ما يثار بشأن سعي واشنطن لدفع بكين للانضمام إلى المعاهدة النووية مع روسيا، الأمر الذي يتطلّب الدخول في مفاوضات ثلاثية (روسية – أميركية – صينية) للتوصّل إلى صيغة جديدة، أو معاهدة جديدة في هذا الشأن، وهو ما سترفضه بكين، لأنه يقيّد من قدرتها على تطوير الأسلحة النووية القصيرة والمتوسّطة المدى.
لذا، فقد أعلنت الصين إنها “لن تقبل أبداً بأي شكل من أشكال الابتزاز”، كما شدّدت على أنه من الخطأ أن تستشهد الولايات المتحدة بالمنافسة مع الصين كسبب للتلويح بالانسحاب من المعاهدة، محذّرة من خطورة ذلك على الاستقرار العالمي.
ثالثاً- تفاقم الخلافات الأميركية – الأوروبية: حيث من المتوقّع أن يسهم هذا الإعلان في تفاقم حدّة الخلافات بين واشنطن وحلفائها في أوروبا، والتي أضحت لا تنحصر في قضايا التجارة الحرّة وتغيّر المناخ، والبرنامج النووي الإيراني، بل تخطتها لتشمل القضايا المتعلقة بأمن أوروبا، وحلف شمال الأطلنطي “الناتو”، في ظل مطالب ترامب المتكرّرة لدول الحلف بزيادة اسهاماتهم المالية في ميزانيته.
وفي هذا الإطار، جاءت دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى إنشاء جيش أوروبي موحّد ومستقل، لتقدّم مؤشراً آخر على اتّساع هوّة الخلاف بين أوروبا وواشنطن، ولتؤكّد الرغبة الفرنسية في الحد من الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمن أوروبا، وهذه الدعوة قوبلت بغضب أميركي، ووصفها الرئيس ترامب بأنها “مهينة للغاية”.
وبالرغم من سعي واشنطن لطمأنة حلفائها في أوروبا، من خلال تصريحات جون بولتون بأن الولايات المتحدة “تتشاور عن كثب” مع الشركاء بحلف الناتو بشأن المعاهدة، فإن ذلك لم يخفّف من حدّة قلق الأوروبيين بشأن مستقبل أمن القارة، في ظل التقارب الجغرافي مع روسيا، حيث ستصبح موسكو حرّة في نشر صواريخ متوسّطة المدى لاستهداف أوروبا التي كثيراً ما اعتبرت المعاهدة النووية أحد الأعمدة الرئيسة لضمان أمنها، كما تخشى دول القارة الأوروبية أن تصبح ضحية لأي صراع مُحتَمل بين روسيا والولايات المتحدة على أراضيها.
علاوة على ذلك، فإن مضيّ واشنطن قدماً في خطتها الانسحاب من المعاهدة النووية لا يأخذ في حسبانه المخاوف الأوروبية، كما قد يمثل في نظر الأوروبيين نوعاً من المقايضة المؤلمة بين مصالح حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين، حيث قد تضطر واشنطن في النهاية إلى التضحية بمعاهدة تقيّد القوّة النووية الروسية في أوروبا، حتى تتمكّن من مواجهة القوّة النووية الصينية المُتعاظِمة في آسيا.
رابعاً- اشتعال سباق التسلّح النووي العالمي: حيث يمكن أن يمثل الانسحاب الأميركي المُرتقب من معاهدة الأسلحة النووية تحدياً خطيراً للجهود الدولية المبذولة للحد من انتشار السلاح النووي، ويزيد القلق من اشتعال سباق تسلّح نووي في آسيا والمحيط الهادى. وفي حال انهيار معاهدة الأسلحة النووية، وعدم تجديد “معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة – ستارت 2″، سيشكّل ذلك خطراً كبيراً على السلم والأمن الدوليين.
علاوة على أن التلويح الأميركى بالانسحاب من معاهدة الصواريخ مع روسيا، ومن قبلها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، يزيد من فجوة الثقة لدى كوريا الشمالية تجاه واشنطن، كما يُضفي مزيداً من الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة، وقدرتها على الالتزام بتعهّداتها الدولية، وهو ما اتّضح في تهديد بيونج يانج في الفترة الأخيرة باستئناف برنامجها النووي، إذا لم ترفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية عن البلاد.
الميادين

شام تايمز
شام تايمز