الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

تحالفٌ عربيٌ كرديٌ لطيّ صفحة الحرب الأخيرة على سوريا

تحالفٌ عربيٌ كرديٌ لطيّ صفحة الحرب الأخيرة على سوريا

فيصل جلول

الضرر الأكبر سيقع على عاتق الكرد، الذين تمتّعوا خلال السنوات الماضية بالحماية الأميركية لقاء دورهم الفعّال في مكافحة داعش، عاقدين الرهان على تغيير النظام السوري وبالتالي الحصول على موقع فدرالي أو حكم ذاتي أو لامركزي في الحد الأدنى. ولربما لم يحسبوا يوما أن يجدوا أنفسهم على قارعة الطريق، محاصرين من أعدائهم الترك، ومرشّحين للعودة إلى الوراء في علاقتهم بالدولة السورية.

لقد بات الأمر شديد الوضوح في شمال شرق سوريا. قرًّر ترامب أن يسحبَ جنوده من تلك المنطقة خلال شهرين في الحد الأقصى وأن يسحب الموظفين التابعين للخارجية الأميركية خلال 24 ساعة. كان الإنسحاب متوقّعاً منذ الربيع الماضي، بل ربما منذ الأيام الأولى لانتخابه رئيساً، فهو ما انفكّ يردّد أن سحب القوات بندٌ أساسي في حملته الإنتخابية، وأنه اشترط تأخير الانسحاب بتحمّل الكلفة المالية. دفعت المملكة العربية السعودية الكلفة أو بعضاً منها خلال الشهور الماضية، لكن ربما امتنعت بعد الضغوط الأميركية التي تتعرّض لها في الحرب على اليمن وربما بسبب اقتناعها، أن ما تبقّى من الحرب السورية ما عاد مفيداً لها إنما لمنافسها الأبرز رجب طيب أردوغان ولخصمها الإيراني المعلن. هذا إذا سلّمنا بأن ترامب كان سيواصل تشغيل قواته ب “الأجرة” إلى أجل غير معلوم.
ستتضرر إسرائيل وأوروبا والكرد من هذا الإنسحاب. الأولى والثانية بسبب التغيير الحاسم الذي سيخلّفه على جيوبوليتيك المنطقة بأسرها وبما يضعف القيمة الإستراتيجية للدولة العبرية من جهة وللقارة العجوز التي رسمت الجغرافية السياسية للمشرق العربي في الحربين العالميتين ، بما يتلاءم مع مصالحها وموقعها وتطلّعاتها لدول مطيعة وبالأخصّ مستبطنة جوهر التبعية في ثقافتها السياسية.
الضرر الأكبر سيقع على عاتق الكرد، الذين تمتّعوا خلال السنوات الماضية بالحماية الأميركية لقاء دورهم الفعّال في مكافحة داعش، عاقدين الرهان على تغيير النظام السوري وبالتالي الحصول على موقع فدرالي أو حكم ذاتي أو لامركزي في الحد الأدنى. ولربما لم يحسبوا يوما أن يجدوا أنفسهم على قارعة الطريق، محاصرين من أعدائهم الترك، ومرشّحين للعودة إلى الوراء في علاقتهم بالدولة السورية.
ليست المرة الأولى التي يتلقّى فيها الكرد صفعة في العراق وربما في سوريا من القوى العظمى. كانوا خلال الحرب الباردة يتحالفون تارة مع السوفيات وتارة مع الأميركيين فيربح الحليف الأقوى يخسرون. وعندما تحالفوا مع إسرائيل خسروا مشروع الاستقلال في كردستان العراق في الاستفتاء وعادوا القهقرى
إلى الوراء خصوصاً في كركوك.
لا أعرف كيف سيردّ الكرد بزعامة حزب العمّال الكردستاني على خروج القوات الأميركية من مناطقهم. هل سيقاتلون الجيش التركي، أم سينسحبون إلى جبل قنديل الذي يتعرّض هو أيضاً لهجوم تركي شامل؟
إن الارتباك الذي يحيط بالموقف الكردي إزاء استراتيجية ما بعد الانسحاب، يصبّ الماء في طاحونة الاتراك ويصيب الحكومة السورية بضرر كبير وعليه ربما ينبغي على القيادات الكردية الفاعلة في سوريا أن تبني استرتيجيتها المقبلة بالاستناد إلى المُعطيات الآتي ذكرها:
أولاً: يمكنهم أن يلعبوا مع روسيا وهي الرابح الدولي الأهم في الحرب السورية وبخاصة بعد الانسحاب الأميركي من شمال الشرق السوري. سبق لهم قبل أعوام قليلة أن فتحوا مكتب تنسيق مع موسكو لكن الضغوط والمغريات الأميركية حملتهم على التراجع ، خصوصاً أن الروس كانوا وربما ما زالوا يعملون في دمشق وفق مشيئة الحكومة السورية التي لا تريد الإصغاء أبداً لطروحات الفدرلة والحكم الذاتي وما شابه ذلك ، ومن غير المحتمل أن تستجيب لضغوطات أو تمنيات روسية بتشكيل فدرالية كردية في شمال شرق البلاد. إن الرهان على المرور عبر البوابة الروسية إلى الدولة السورية يمكن أن يضمن لهم بعض المطالب الخاصة في إطار السيادة السورية على مناطقهم وهو أمر يتناسب مع موزاين القوى الجديدة على الأرض ، إذ لا يمكنك أن تربح حكماً ذاتياً مع الحليف الأميركي ومن دونه في الآن معاً.
ثانياً: بوسعهم إعادة مدّ الجسور مع الحكومة السورية عبر إيران أو عبر حزب العمال الكردستاني الذي ما زال يحتفظ ببعض الروابط مع دمشق ، أو عبر الطرفين معاً وذلك ضمن اتفاق مُسبق على مستقبل المناطق الكردية بعد إنتهاء الحرب.
إن عودة التحالف الكردي السوري وهنا أقصد حزب العمّال الكردستاني إلى سابق عهده ، يمكن أن يدعم مواقف الطرفين ليس فقط لسدّ الفراغ الناجم عن رحيل واشنطن وضعف إسرائيل وتراجع المملكة العربية السعودية ، وإنما أيضاً في مواجهة وربما مجابهة القوات التركية على الأرض السورية. إن التزام الكرد بالعمل داخل السيادة السورية وتحت ظلّ الحكومة في دمشق من شأنه أن ينزع كل الأسباب التي يتذرّع فيها الأتراك لمواصلة الزجّ بقواتهم العسكرية في سوريا.
ثالثاً: يمكنهم بناء موقع جديد في الخارطة السياسية السورية بالاستناد إلى معركتهم الاستراتيجية المستمرة مع داعش، وبالتالي استخدام هذه الورقة في إعادة صوغ العلاقة مع الروس أو مع الحكومة السورية والحكومة الإيرانية وبالتالي الإنتقال بهذه الورقة إلى الشرعية السورية.
رابعاً: إن الإنتقال الإستراتيجي من العلاقة مع واشنطن إلى العلاقة مع دمشق بخاصة والمحور الرابح في الحرب السورية يستدعي أيضاً الإبتعاد عن الجماعات السورية التي كانت واشنطن تستخدمها تحت شعارات الحرية والديمقراطية والمساواة المنافقة، خصوصاً بعدما تبيّن أن هذه الجماعات تمارس القتال التكتيكي المحدود وبالتالي لا يعوّل عليها في تحالف استراتيجي.
بوسعنا القول إن الابتعاد عن هذه الجماعات سيعتبر بادرة حُسن نيّة من طرف الحكومة السورية التي ترغب مرة أخرى في استعادة سيادتها على كامل ترابها الوطني.
إنطلاقاً من هذه المحاور يمكن لكرد سوريا فتح صفحة جديدة مع الحكومة الشرعية وبالتالي مقاومة الزحف التركي الذي ينطوي على خطر جدّي على القومّيتين الكردية والعربية معاً.
ثمة من يؤمن بتحالف عربي كردي ليس في سوريا حصراً وانما في كل مكان. فقد اندمجت القوميّتان خلال أكثر من ألف عام حتى بات من الصعب التمييز بين عربي وكردي إلا في حالات نادرة. إن المساواة الكردية العربية كانت قيمة كبيرة في العلاقات بين الطرفين إلى أن سقطا معاً تحت سلطة الدول الأجنبية التي أعادتهما شيعاً ومشيخات وسلطنات، كل فئة تقاتل أختها للحصول على رسم حضاري غربي وهمي لا قيمة له في تحديد مصائرنا.
في بدابة الحرب على سوريا طرحت هذه الفرضية مع صالح مسلم في باريس على هامش نقاش جمعنا صدفة على شاشة فرنسا 24 وذهبنا بعده لتناول العشاء في مكتب الصديق هيثم مناع وبدا لي في حينه أن القائد الكردي يحتفظ بالموجة نفسها، وعدت لأتحدّث في الموضوع نفسه مع خالد عيسى ممثل السيّد مسلم في باريس وبدا لي هو أيضاً راغباً في العمل بهذه الوجهة. وإذا كان هذا الباب مفتوحاً قبل سنوات وفي بداية الحرب السورية فمن باب أولى أن يطرق اليوم .. وأن ندخل منه إلى طيّ الصفحة الأخيرة في الحرب على سوريا.
الميادين