الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

فوضيات الـ«ما بعد» الأميركية

فوضيات الـ«ما بعد» الأميركية

شام تايمز

سامر ضاحي

شام تايمز

ليس من المعقول أن نقول إن الولايات المتحدة الأميركية لا تدرك أهدافها العالمية أو لا تصوغ إستراتيجياتها الدولية بدقة، وإلا لما استطاعت، ولعقود، أن تتبوأ زعامة النظام الدولي.
وباعتبار أن إستراتيجيات الولايات المتحدة المتلاحقة مبنية على بعضها مهما حملت من انقطاعات تاريخية مع ما قبلها، فإنها وإلى اليوم، أي الإدارات الأميركية، ما زالت تتبنى إستراتيجية الفوضى الخلاقة التي كانت عرابها الأساسي كونداليزا رايس وزيرة خارجية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن عام 2005، ومن مساوئ الصدف أن حليفيها الأساسيين في الشرق الأوسط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما زالا على سدة حكم نظامين سياسيين يستمران بالعمل وفق هذه الإستراتيجية لإعداد «شرق أوسط جديد».
ومن أهم أساسيات الفوضى الخلاقة أن تعم الفوضى في المجتمعات التي تريد أميركا استهدافها من قبل مجهولين بحيث يكون الأمر في النهاية يتطلب الحاجة لإدارة هذه المجتمعات، وهل أنجح من إدارة بلاد العم سام؟!
في ضوء هذه الرؤية التي عبر عنها منظرو العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، قبل رايس، من أمثال دان براون وغيره، فقد كان تدخل بوش الابن وخليفتيه باراك أوباما ودونالد ترامب، في العراق وتفكيك السودان وقبلهما استمرار العمل في أفغانستان والتدخل المحدود في ليبيا وفي سورية وإلى جانب استهداف فنزويلا وكوبا وخلق توترات في الجوارين الروسي والصيني، ولكن كان ثمة قاسم مشترك وحيد في كل هذه التدخلات يتلخص بأن الولايات المتحدة تشرك الجميع في صناعة الفوضى، ولكنها بالمقابل تخفي عن الجميع الإجابة التي لديها عن سؤال «ماذا بعد التدخل والتواجد العسكري»؟
وفي ظل عدم توحد الرؤية تاريخياً داخل الإدارات الأميركية المتعاقبة بتنا نشاهد قرارات مصيرية مفاجئة ظاهرها المعلن إيجابي، وباطنها مخفي على مبدأ «ما خفي كان أعظم» وليس القرار الأخير الأربعاء الماضي بالانسحاب الكلي من سورية سوى حلقة من هذه السلسلة الطويلة.
ففي مواجهة حلفاء دمشق كالروس والإيرانيين كانت أميركا تخفي حتى عن حلفائها، تركيا والخليجيين والأوروبيين، وحتى عن أداتها على الأرض «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، مقاصدها من بعد البقاء في سورية، ليأتي قرار الانسحاب كالصاعقة التي أسقطت الأعمدة على رؤوس الجميع.
آلاف الكيلومترات المربعة كانت خاضعة للاحتلال الأميركي، وفي هذه المساحة كانت تتموضع عدة قوى متصارعة ومتحالفة لكن الجميع كانوا مضبوطين بالعصا الأميركية بمن فيهم «قسد»، واليوم بعد الانسحاب، مهما كان متدرجاً أو طويلاً، إلا أنه لم يجر بتنسيق مع أحد، ما يعني فراغاً أمنياً وثغرة جيوإستراتيجية كبيرة في شمال شرق سورية تمثل صراعاً إقليمياً تاريخياً ستتسابق إلى سدها عدة قوى إقليمية ناهيك عما يمكن أن يحصل من تسابق بين القوى المحلية على تزعم المنطقة هناك وصراعات داخلية فيما بينها تالياً.
وإذا سلمنا بأن للتركي مصلحة مباشرة في دخول شرق الفرات لما لذلك من أهمية على أمنه القومي، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، وترامب نفسه لم يخف توجهاً كهذا، مع ما يملكه التركي اليوم من أدوات محلية في الجزء الغربي من نهر الفرات قادر على استغلالها بحثاً عن شرعية ما للدخول ما لم يتم تنسيق هذا الدخول أصلاً مع الحليف الأميركي الحريص على عدم فقدن أكبر جيش في حلف الناتو أو رؤيته ينساق خلف المحور الروسي أمام ناظريه، ولذلك وازى قرار الانسحاب بالموافقة على صفقة باترويت لتركيا تسمح بإعادة نظر أنقرة بصفقة «إس 400» مع الروس.
وللروسي مصلحة في دخول شرق الفرات لضبط الوضع الكردي لصالح الحل السوري المبني على أساسيات أستانا وسوتشي كي لا تنجر ملفات الحل أكثر باتجاه مسار جنيف الذي تعتبر الولايات المتحدة أهم المسيطرين فيه وكذلك للروس مصلحة بالاقتراب أكثر من كرد العراق لإزعاج الاستقرار الأميركي هناك.
ليس خافياً أن مصلحة إيرانية مباشرة تتحقق بالانسحاب الأميركي، منها إمكانية مد النفوذ أكثر في شرق الفرات وتشبيك علاقات جديدة مع الكرد بما ينعكس إيجاباً على الساحة الإيرانية الداخلية مع كرد إيران.
أما الجيش العربي السوري المشغول حالياً باجتثاث الإرهاب من شمال غرب البلاد وتحرير إدلب، فإن له المصلحة الأولى بمد سيطرة الدولة على كل شبر من سورية، ولكن تجميد جبهات إدلب المؤقت والمضطرب يعيق أي نية للجيش لفتح جبهات جديدة، باعتبار أن للتركي القدرة على دفع أدواته لإشغال الجيش في إدلب كي يتاح للتركي التمدد شرق الفرات، إلا أن الجبهات المستقرة مع «قسد» منذ سنوات باتت اليوم عرضة للتوترات مع غياب القيادة الموحدة وإمكانية التشظي.
إذا نظرنا للخاسر الأكبر فهي القيادات الكردية التي كانت تسلم كل مفاتيح قضيتها للأميركي فباتت اليوم في عزلة ولن تعيد الكرة بتسليم رقبتها لحليف آخر بل ستكون مضطرة للخضوع لدمشق، مخافة تكرار سيناريو عفرين الأمر الذي يمكن أن يكون الأكثر ترجيحاً.
في ضوء الفوضى السابقة التي يخلقها الانسحاب الأميركي يمكن قراءة الموقف الصعب الذي يواجه شرق الفرات مستقبلاً، وحتى إن أجل أردوغان عمليته لأشهر إلا أن تحقيق شروطه في شرق الفرات، مثل حل «وحدات حماية الشعب» الكردية وتفكيك التنظيمات الكردية السياسية قد يرى طريقه إلى الواقع في سياق محاولات روسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهنا قد تتحقق أحد أهداف ترامب بدفع الروس إلى تورط ما شرق الفرات، بعد مؤشرات أولية على إخفاق الاستقرار الذي فرضته التفاهمات الروسية في جنوب البلاد، والتي تشير إلى أن أميركا ترسل رسائل واضحة بأنها قادرة على إعادة ترتيب الأوراق حين تشاء، وفي شرق الفرات أيضاً قد يكون لترامب هدف آخر بدفع داعش لتخريب الوضع على أي قوة تدخل تلك المنطقة بما فيها السورية أو الروسية.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز