الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

ما هو المطلوب من الخليجيين العائدين إلى سورية؟

ما هو المطلوب من الخليجيين العائدين إلى سورية؟

د. عبد الحميد سلوم
من المعلوم جدا أن الشعب السوري شعبا عروبيا كما كل شعوب العالم العربي (ويمكن حبّة زيادة، وهذا معروف عن السوريين) ولكن العروبة شيء والحُكّام العرب الذين دعموا كل أشكال القتل والإرهاب في سورية هُم شيء آخرٌ..
الشعب الإماراتي شعبا عروبيا، وشيوخ الإمارات أبناء المرحوم الشيخ زايد، كما عَرِفتهم عن قُرب من خلال عملي في سفارة بلادي في الإمارات لِأربع سنوات، هُم عروبيون، بل مُتواضعون جدا(وكم كنتُ أتمنى لو كان مسؤولي بلادي بِنِصفِ تواضعهم) ولكن مشكلتهم أن قرارهم ليس بيدِهم، وينفذون الأجندات الأمريكية بالتمام والكمال، ويتناسون العروبة في حساباتهم السياسية..
لديهم عُقدة كبيرة من إيران، وكراهية واسعة لها، ولا يثقون بها بالمطلق.. وهذا ما سمعتهُ شخصيا من وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، حينما استقبلَ نائب وزير الخارجية حينها “وليد المعلم” ( الذي قام بِجولة خليجية بعد أشهُرٍ من اغتيال رفيق الحريري في العام 2005) وكنتُ بِرفقتهِ في أبو ظبي خلال استقبال الشيخ عبد الله لهُ في قصرهِ وعلى مائدة الإفطار الرمضانية.. وكذلك خلال استقبال الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات له أيضا..
خلال اللقاء مع الشيخ عبد الله بن زايد جرى حديث مُستفيض عن سورية بين المُعلّم والشيخ عبد الله.. وقبل نهاية اللقاء قال له “وليد المعلم” حرفيا: أنتَ صديقٌ لِـلرئيس بشار فماذا توصي له؟. فأجاب الشيخ عبد الله فورا: أُوصي بأن لا يثق بالإيرانيين، وأن ينفتح على شعبه) ..
حينما كنتُ في سفارتنا في أبو ظبي كان هناك قولٌ يتداولهُ الدبلوماسيون، أنّ التخطيط للمشاريع بالمنطقة يحصل في مسقِط والتنفيذ يحصل في أبو ظبي ..
سبعُ سنوات وهم يدعمون ويساندون كل إرهابييي الأرض الذين استقدموهم إلى سورية بالتنسيق مع الرئيس التركي أردوغان وواشنطن ، مِن داعش والقاعدة وحتى النُصرة، وزوّدوهم بكل أدوات القتل والتدمير.. وكان حينها وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل يقول حرفيا : (إن التدخل التركي في الشأن العربي هو تدخّل إيجابي.. ولكن التدخل الإيراني هو تخريبي) ..
دارت الأيام ونجح الأخوان المسلمون في مصر بإيصال “محمد مرسي” إلى سدّة الرئاسة ، فخشيتْ السعودية والإمارات من تمدُّد نفوذ الأخوان المسلمين إلى بلديهما ، فدعموا الجنرال “عبد الفتاح السيسي” بوجه محمد مرسي وقام بتنحية مرسي متسلحا بالمظاهرات ضد حُكم الأخوان، حيث اعتبر ذلك بمثابة الثورة على مرسي..
من هنا نشب الخلاف بين أردوغان وبين السعودية والإمارات، واعتبرَ أردوغان أن ما جرى في مصر انقلابا مدفوعا من طرف هذين البلدين ضد حليفه الأخواني ..
تعمقت الخلافات أكثر بعد مقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين لدولة قطَر الحليفة لأردوغان بِحُكم الميول الأخوانية..
تحولت هذه الخلافات إلى عداوة، لاسيما بعد إعدام الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” خَنقَا في قنصلية بلاده في استنبول، ثم تقطيع جثته بالمنشار وإخفاء الجثة..
إذا هكذا دارت الأيام والتدخُّل التركي بالشأن العربي الذي كان يراه سعود الفيصل ” إيجابيا” بات اليوم عدوانيا وتآمريا (وهو من الأساس كذلك) وباتت دول الخليج حريصة اليوم لإعادة العلاقات مع سورية كي تقف في وجه أطماع أردوغان في سورية.. سبحان الله!!. ما أبشع سياسات النفاق المتلونة والمفضوحة!.. تصرّفوا كما لو كانوا يتعاملون في سوْق الهال مع البضائع ومع الخضار والفواكه، وليس مع دماء شعبٍ وبشرٍ ووطنٍ اسمه سورية!.
سبع سنوات والمدن والأرياف والقرى السورية تتساقطُ عليها صواريخ الإرهاب المدعوم من طرف دول الخليج ومن طرف أردوغان..
كُنا في العاصمة لا نخرج من بيوتنا في بعض الأيام لشدّة القصف العشوائي في كل مكان، وكان يُمكِن أن تسقط قذيفة هاوون على أي مواطِن وعلى أي منزل أو جامعة أو مدرسة أو طفل أو امرأة أو سيارة أو باص في أية لحظة .. كمْ مرّة كان يتعطّل الدوام في الدولة وفي المدارس والجامعات خشية القصف!..
بل من سخرية القَدَر أن أحد السوريين في مناطق شرق العاصمة القريبة من أماكن القصف، مَنعَ أطفاله في أحد الأيام من الذهاب إلى المدرسة خوفا عليهم، إلا أن القذيفة دخلت إلى قلب بيته وقضتْ على الأطفال.
كنا نعيش القلق والتوتر على أنفسنا، وعلى أولادنا حينما يكونون خارج المنزل، بل حتى ونحنُ داخل البيوت مخافة أن تدخل قذيفة من نافذة الشباك أو البلكون وتتسبب بكارثة..
كنا نخشى على أطفالنا حينما ينزلون من المنازل ليلعبوا في باحة البناء أو في الحديقة خشية سقوط قذيفة هاوون بينهم فتُحوِّلهم إلى أشلاء..
الصاروخ الذي أطلقوهُ على حارتنا في القرية بِسهلِ الغاب لم يترك زجاجا على نافذةٍ أو بابٍ إلا وحطّمه ، ولولا حُلُم الله واصطدامه بشجرة كبير لكانَ دخلَ إلى قلبِ أحد بيوت أخوتي وقضى على عائلة بالكامل.. وهذه حالة من ألاف الحالات بالمنطقة .. وهذا الصاروخ دفع ثمنه أولئك الخليجيون وزودتهم به أمريكا.
إبن أخي الذي خطفوهُ في سهل الغاب على هويته المذهبية وهو في طريقه إلى القرية منذ أواخر عام 2011 لا نعرف عنه شيئا حتى اليوم.. وهو حالة من آلاف الحالات .. أطفالهُ الأربعة يسألون عنه كل يوم، ولكن لا مِن مُجاوِب!.. هذا كان بالأيدي التي دعمتها دول الخليج..
قرية “الحُرّة” المجاورة لقريتنا (وهي قُرى على خطوط ألتمَاسْ مع قُرى المسلحين في سهل الغاب) فجّروا في وسطها ثلاثة آلاف كيلو غرام من المتفجرات داخل شاحنة في الصباح الباكر والناس نياما، وراح ضحيتها أكثر من مائة امرأة ورجُل وطفل وعجائز، بين قتيلٍ وجريح، وتهدّمت نصف بيوت القرية ومن بينها بيت عمّتي..
ابن آخي الآخر الضابط الشهيد العقيد (العميد شرف من مرتبات الحرس الجمهوري والذي كان نائب العميد الشهيد عصام زهر الدين) استشهد في دير الزور بالرصاص الذي دفعت ثمنه دول الخليج .. وهذا كان حالة من عشرات آلاف الحالات .
مائتي الف شابٍّ مِمن كانوا يتصدُّون للإرهاب ، قُتِلوا بالسلاح الذي كانت تدفع ثمنه دول الخليج…
مئات آلاف الثكالى والأرامل واليتامى الذين فقدوا أحبتهم كان بالسلاح الذي مولتهُ دول الخليج…
كان لا بُدّ للدولة السورية أن تدافع عن الوطن والمواطن ، وهكذا استعرت الحرب ، وكانت حربا طاحنة، لم ترحم حتى الحجر والشجر ..وتدمّر أكثر من نصف سورية ، وعادت البلد عقودا إلى الوراء ، واليوم تحتاج إلى 400 مليار دولارا لإعادة الإعمار، والسبب هو اعتقاد دول الخليج أنها يمكن أن تُسقِط النظام وبالتالي تنهزم إيران من سورية ..
هذا غيضٌ من فيض، وبعد كل ذلك هناك عينٌ لدولة الإمارات ، أو غيرها من مشيخات الخليج، ليأتوا إلى دمشق ويرفعوا أعلامهم في سمائها..
هناكَ عينٌ كي يخرج وزير دولة في الخارجية الإماراتية ويقول بِسُخفٍ واستخفاف لعقول البشر: (إن قرار دولة الإمارات بإعادة فتح سفارتها بدمشق يأتي بعد قراءة متأنية للتطورات، ووليد قناعة أن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري حرصا على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها” .. ويضيف : ” إن الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي وإن الإمارات تسعى اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة، وأن تساهم إيجابا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري) …
إنه تصريحٌ مُضحِك ، فبعدَ سبع سنوات من التدمير وخَلقِ الفتنة بين أبناء سورية ، اليوم استفاقوا وباتوا حريصون على سورية وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها، بل الأنكى يصفونها بالدولة الشقيقة !!..
بعد سبع سنوات من القتل والتدمير وإغلاق سفاراتهم في دمشق، وقَطعِ كل أشكال العلاقات، تذكّروا اليوم أننا أشقاء، وأن موقفهم كان خطأً وأن ذلك سمح لإيران وتركيا بالتغوُّل في سورية !..
بل هُم يناقضون أيضا أنفسهم ويستخفُّون من عقول السوريين حينما يقولون أحيانا أنهم أغلقوا سفاراتهم بسبب الأوضاع الأمنية.. ما هذا النفاق وعلى من ينطلي ذلك؟. إن كانوا أغلقوا سفاراتهم بسبب الأوضاع الأمنية فلماذا أمَروا بإغلاق السفارات السورية ببلدانهم وطردوا رؤساء البعثات الدبلوماسية، واكتفوا بوجود أقسام قنصلية لرعاية شؤون السوريين ؟. بل في السعودية لم يسمحوا حتى بوجود قسم قنصلي لا في السفارة بالرياض ولا في القنصلية في مدينة جدّة.. ويذهب السوريون من السعودية إلى البحرين لإجراء معاملاتهم القنصلية.
كنتُ حينها رئيس بعثة في نيجيريا وكانوا في وزارة الخارجية النيجيرية يقولون لي أنهم نقلوا سفارتهم من دمشق إلى بيروت بسبب الأوضاع الأمنية، ولكنهم لم يطلبوا مني مغادرة نيجيريا والإبقاء على قسم قنصلي فقط ..
إن إيران موجودة بإرادة سورية رسمية، فهل تريد دولة الإمارات من هذه الإرادة أن تنقلب على ذاتها وتطالب إيران بالمغادرة؟. أعتقد هذا لن يحصل لا على المدى المنظور ولا غير المنظور.. ولذا فإيران باقية ومن كان معكَ وقت الضيق غير من تسبّبَ لك بالضيق .. ومن كان يدفعُ عنك الموت غير من كان يكيلُ لك الموت..
ولذا إن كان هدف الإمارات تحجيم الدور الإيراني في سورية فهي تعيش أضغاث أحلام والأفضل لها أن تبقى في مكانها وأن تُبقي سفارتها في سورية مغلَقة.. فالشعب السوري يستفزهُ اليوم أن يرى علَم الإمارات أو أية دولة خليجية قاطعت سورية على مدى سبع سنوات وموّلت الحرب، يرتفع في دمشق ..
عندكم مشكلة مع إيران حُلُّوها أنتم وإيران، وقلبي معكم من مُنطَلق عروبي وقومي ، وأدعم حق الإمارات في الجُزُر الثلاثة المُختَلَف عليها مع إيران.. سورية ليست أرضا لتحلّوا عليها مشاكلكم ..
أنتم تعودون اليوم إلى سورية لأنكم أُمِرتُم، وقاطعتُم سورية في الماضي واستقدمتم الأسلحة لأنكم أُمِرتُم..
صحيح أنه لدينا في سورية مشاكل كثيرة ومُحزِنة (كما غالبية البلدان العربية)، وبحاجة إلى إصلاح سياسي كبير وتغيير نمط المُقاربَة والآلية والتفكير في الدولة، وبحاجة إلى إعادة بناء الدولة السورية من جديد، وهذا يتطلب تفكير عصري وحداثي مختلف يؤسس لدولة قانون ومؤسسات وعدالة وتكافؤ فرص، وأن تكون هناك مشاركة شعبية واسعة وحقيقية، وانتخابات حرة وتعددية، وحرية تعبير، ومحاسبة جادّة ومسؤولة لكل الفاسدين، واجتثاث الفساد من جذوره، وتقليص الفجوة كثيرا بين الفقراء والأثرياء، وأن لا يكون هناك أحدا فوق القانون مهما علا موقعه أو نفوذه ووووووو وكل ذلك، ونتمنى من القيادة السورية أن تقوم بنفسها بإنجاز كل ذلك مستقبلا، وأن يُسجِّل لها التاريخ ذلك، ولكن ماذا يُوجَد في بلادكم؟.
صحيح أن شعوبكم تعيش في بحبوحة وهي مُرفّهة، لِما حَباها الله من ثروات نفطية، وبلدانكم مُنظّمة وخدماتها ممتازة، وقطعتم شوطا كبيرا للأمام، والناس لا ينقصها أي شيء على الصعيد الاجتماعي والمعيشي والخَدمي، ولكن ألا تحتاج لإصلاح سياسي؟. أين هي الانتخابات الحرّة؟. أين هي البرلمانات المنتخَبة؟. أين هي المنظمات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني؟. أين هي الأحزاب السياسية؟. أين هي صناديق الاقتراع؟. أين هو التداول على السلطة؟. أين وأين وأين … وهناك ألف أين وأين ؟.
الشعب السوري المفجوع والمكلوم والمجروح لن يغفر لكم.. وحدهُم الموتى هُم من يحق لهم الغُفران..
أنتم تعودون إلى سورية وبنفس الوقت تقتربون من إسرائيل وتعقدون التحالفات السرية مع إسرائيل وتستقبلون وفود ومسؤولين إسرائيليين، وما عودتكم إلى سورية سوى للتغطية على كل ذلك.. الشعب السوري لن يصمت عن تطبيعكم مع إسرائيل على حساب الدم الفلسطيني والقضية الفلسطينية .. فلسطين كانت وستبقى في دمِ وعروق كل سوري، مهما تغيرت وتنوعت الحكومات.. سورية ستبقى في وعيْ كل سوري هي القسم الجنوبي من سورية..
لقد انكشفتم على حقيقتكم.. وإن كنتم تريدون التكفير عن ذنوبكم وخطاياكم فعليكم بإعادة إعمار كل سورية وبغضون عشر سنوات من حساب دُولِكم ودون أي مقابل سوى التكفير عن الذنب..
ومن زاوية أخرى، فإن كانت الإمارات تريد تحجيم دور تركيا، فإن الدور التركي قائم بقوة السلاح، وليس بإرادة سورية، فهل تستطِع الإمارات وشقيقاتها الخليجيات من التصدّي للدور التركي عسكريا؟..نتمنى ذلك.. ثُمّ هل تستطِع دولة الإمارات أن تقف في وجه الرئيس ترامب الذي اتّصل مع الرئيس أردوغان عشية قراره بالانسحاب من سورية وقال له ( سورية لكَ ، نحن خارجون..) لماذا لا يصدر بيان إماراتي يرفض هذا الكلام من الرئيس ترامب؟.
أما الحديث عن لملمة الشمل العربي فما هو سوى أضحوكة، لأن النفوذ والتأثير الأجنبي والتبعية والوصاية في العالم العربي، وتناقُض المصالح والأهداف والتوجهات والسياسات والارتهانات، لا تسمح بشيء اسمه لململة .. قد يجلس ممثلي الدول العربية حول طاولة واحدة في مؤتمرات القمة أو في مجلس الجامعة العربية، ولكن كلٍّ عقلهُ ومصالحهُ وارتباطاته في مكانٍ آخرٍ ..
إنني كأحد أبناء سورية، وبعد أن عايشتُ واستمعتُ لتصريحات مسؤولي دول الخليج على مدى سبع سنوات من عُمر الحرب، ومن بينها تصريحات وزير خارجية دولة الإمارات، استغربُ:
أوّلا: كيف لا يشعر أولئك اليوم بالإحراج وهم يأتون إلى دمشق ويعلمون أنه تقع عليهم مسؤولية كبيرة إزاء الدماء والدمار الذي ألمّ بسورية..
كيف لا يشعرون بالإحراج وهُم من أصدروا البيانات التي دعموا فيها العدوان الثلاثي على سورية!. أين كانت حينها الغيرة والأخوّة ؟.
وثانيا: استغرب كيف أن القيادة السورية تسمح لأولئك بالعودة إلى دمشق بهذه السهولة ودون أية اشتراطات، وكأنها تنسى الدماء والدمار الذي ألمّ بسورية نتيجة دعْمِ أولئك لكل أشكال التنظيمات المسلحة من أقصاها إلى أقصاها.. بل المُحزِن أن وزير الخارجية السورية هو المُتعطِّش لعودتهم ويسعى لذلك بكل ما أمكن بدل أن يكون الأمر معكوسا.
أستغرب كيف يطلب وزير الخارجية السورية رفع مستوى العلاقات مع الأردن لِتعود على مستوى سفير، وكأن سورية متعطِّشة جدا لعودة العلاقات مع الأردن وغيرها، بينما أصول العمل الدبلوماسي في حالةٍ كما حالة سورية تقتضي من سورية أن تتدّلل وأن تتمهّل جدا، وحتى لسنواتٍ، قبل أن تسمح بعودة العلاقات على مستوى السفراء.. وخاصّة أننا كنا نسمع كل أشكال الشتائم والقدح والذم والاتهامات لِملِك الأردن .. فهل بلَعنا نحن أيضا في سورية ألسنتنا وبتنا متعطشين للعلاقة مع ملك الأردن؟. وهل نتوقع من ملك الأردن أن يتزحزح قيد شعرة عن الدائرة الأمريكية المرسومة له ؟. ألّا ينطبق علينا في هذه الحالة أيضا مفهوم ” الانتهاز″ ؟.
أتوقع من القيادة السورية، واحتراما لذوي الشهداء، أن تُصِرّ على أمرين قبل أن تسمح لأي دولة خليجية بِفتحِ سفارتها في دمشق:
الأمر الأول تقديمُ اعتذار رسمي للشعب السوري ولكل أهالي الضحايا ..
والأمر الثاني دَفْعُ مليارات التعويضات لكافة ذوي الضحايا ولكل المتضررين من هذه الحرب من تلك الدول الخليجية، وبِمُعدّل مائة ألف دولار أمريكي على الأقل لكل عائلة شهيد ، وهذه مسألة مختلفة عن مسألة إعادة الإعمار ..
أما أن نستقبلهم بهذه الحفاوة بعد كل ما فعلوه بالبلد وبأهل البلد، ودون أية شروط، فهذا بدوره استخفاف بدماء الشهداء وبمشاعر أهاليهم..
إن كانت هناك حسابات خاصة للقيادة السورية في إعادة العلاقات مع الدول التي كانت تُحمِّلها مسؤولية الدماء والدمار في سورية، فهذا لا يعني أن تتجاهل مشاعر مئات الآلاف، بل الملايين ، مِمن وقفوا مع هذه القيادة ومع جيشهم على مدى سنين الحرب.. هؤلاء لن يغفروا للدول الخليجية المتورطة، والتي دأب الإعلام السوري على مدى سبع سنوات يتهمها بالتورُّط في سَفكِ الدّم السوري ويحشُد السوريين ضدهم.. ولا يريدون عودة العلاقات مع دول الخليج المسؤولة عن الدماء السورية هكذا بهذه البساطة وكأن شيئا لم يكُن .. إنه أيضا استخفاف بمشاعر السوريين المجروحين والمحزونين والمكلومين ..
إن كان هناك مسؤول سوري لا تعنيه تلك الجراح فنحن لا نريده.. إن كان هناك مسؤول سوري يفرح لعودة دول الخليج ويعتبر ذلك انتصارا، فليفرح لوحدهِ ، لأن عودتهم وعدمها هي سيّان لدى الشعب، هذا هو نَبْضُ الشعب .. بل قد يبدءون مستقبلا الغدر وهُم في عُقرِ دارنا .. مَن كانت طبيعته الغدر فلن يتغيّر ..
كل دولة خليجية قطعت العلاقة مع دمشق وتريد اليوم العودة ، عليها أن تعتذر أوّلا، وأن تُعوِّض لِكل من ماتوا دفاعا عن الدولة السورية، وأن لا يقل التعويض لكل عائلة فقدت شهيدا (عسكريا أم مدنيا) عن مائة ألف دولار أمريكي ..
هذه ديّة لأولئك الشهداء، وهذا مُتعارفٌ عليه في الأعراف والتقاليد العربية حينما يتسبب أحدا بِموتِ أو قَتْلِ أحدٍ آخر.. ودول الخليج التي تعودُ إلى سورية اليوم بعد سبع سنوات من العداوة والتآمر وتنفيذ الأجندات الأمريكية والإسرائيلية، هي من تسببتْ بموتِ أولئك الشهداء وتيتيمِ أولادهم، وترميلِ زوجاتهم، وتقطيع أوصال أمهاتهم وآبائهم من شدة اللوعة والأسى والحزن .. بلْ كمْ من أبٍ ماتَ (فَقعَا) على أولاده الشهداء، وأحد أخوتي من بين هؤلاء..
على دول الخليج أن تدفع الديّة المُستحقّة .. مع أن ملايين الدولارات لعائلة أي شهيد لن تُعيدَ لها فلذة كبدها، ولكن على الأقل تُخفّف من المٌصاب ..
رأي اليوم