الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

هل يُعيد ترامب الولايات المتحدة إلى القرن التاسع عشر؟

هل يُعيد ترامب الولايات المتحدة إلى القرن التاسع عشر؟
ليلى نقولا
باختصار، يسعى ترامب إلى الحفاظ على هيمنة مُطلقة للولايات المتحدة في مختلف المناطق الحيوية في العالم، كل ما تغيّر هو ما عبّر عنه باري بوزان في مقال فورين أفيرز، بقوله ” لقد سحب ترامب “الليبرالية” من “الهيمنة الليبرالية”، وأطلق استراتيجية كبرى جديدة تماماً، هي استراتيجية: الهيمنة غير الليبرالية.
عبّر العديد من الباحثين ومفكّري العلاقات الدولية عن تقديرهم بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سوف يدفع الولايات المتحدة للعودة إلى عهد “العزلة” الدولية، وأنه سيدفع التاريخ قروناً إلى الوراء، ويعيد الولايات المتحدة إلى القرن التاسع عشر؛ أي مبدأ “مونرو”، والذي امتنعت فيه الولايات المتحدة أن تتدخل في شؤون العالم (أوروبا تحديداً)، على أن يتبع ذلك عدم تدخلٍ موازٍ من قِبَل الأوروبيين في شؤون القارة الأميركية.
لكن الواضح أن ترامب وبالرغم من العنوان العريض لحُكمه “أميركا أولاً”، وبالرغم من إعلان نيّته الانسحاب من سوريا وأفغانستان، وتأكيده الدائم أنه يريد أن يهتم بالداخل الأميركي ويريد بناء سور مع المكسيك لحماية الأمن الأميركي باعتبار أن الهجرة غير الشرعية إلى الداخل الأميركي، باتت تقوّض الاستقرار وتنشر الجريمة… بالرغم من كل هذه العناوين والتصريحات، إلا أن سلوك الإدارة الأميركية الحالي، يبدو أبعد ما يكون عن سياسة “العزلة” بل يبدو سلوك ترامب وتهديداته المستمرة، إعادة تأكيد على السعي إلى التفوّق الأميركي في العالم، ولكن بأسس وأساليب مختلفة. وندرج في هذا الإطار الشواهد التالية:
1- أعلن ترامب مراراً أنه غير معني بالحروب والتدخّلات العسكرية ولا بتغيير الأنظمة، ولكنه بالرغم من ذلك، زاد موازنة الدفاع الأميركية إلى أقصى حد في التاريخ الأميركي. إن موازنة الدفاع التي تقدّمت بها إدارة ترامب لعام 2019 تبدو غير مسبوقة ، وقيمتها 716 مليار دولار أرضت جميع فروع الجيش الأميركي، فخصّص لوزارة الدفاع مبلغ 686 مليار دولار، على أن يصرف مبالغ منها لزيادة العديد بحوالى 26 ألف جندي.
وتسعى الإدارة الأميركية أيضاً إلى شراء 10 سفن للقوات الحربية كجزء من جهد “لردع التهديدات والحفاظ على السيطرة على البحر”، بالإضافة إلى تخصيص مبالغ كبرى لشراء طائرات مقاتلة وتحديث سلاح الجو الخ.. ويُخصّص مبلغ 24 مليار دولار لتحديث السلاح النووي، بالإضافة إلى طلب لزيادة الإنفاق على البحوث في مجال الحرب الإلكترونية، والفضاء، والذكاء الاصطناعي وغيره.
2- إن قراءة “استراتيجية ترامب للأمن القومي” تؤكّد بما لا يقبل الشكّ أن الهدف هو السعي لتكريس الدور الأميركي التقليدي؛ أي السعي نحو تحقيق المصالح الأميركية في العالم، ومنها الهيمنة العالمية. المختلف بين استراتيجية ترامب ومَن سبقه من الرؤساء الأميركيين، هو العناوين واللهجة المعتمدة لوصف المصالح الأميركية، فبينما يسعى ترامب إلى تحقيق تلك المصالح وتكريس تفوّق أميركي من خلال الإقتصاد والعسكر ( وهي مستمدة من نظرة دول القرن التاسع عشر الاستعمارية – وفترة القطبية الثنائية) ، سعى الرؤساء الأميركيون السابقون إلى تنويع الوسائل المُعتمَدة في تحقيق تلك الهيمنة، فقاموا بدعم الثورات الملوّنة، وحاولوا فرض الديمقراطية بالقوّة، واستخدموا وسائل القوّة الناعمة أيّ إغراء المبادئ والقِيَم الأميركية لتحقيق تفوّقهم وسيطرتهم على العالم.
3- لم يتراجع ترامب عن الهيمنة أو فكرة تفوّق الولايات المتحدة بالمُطلق، بل اعتبر أن التنافس اليوم هو “تنافس استراتيجي” مع مجموعات ثلاث رئيسية من المُنافسين، وهم: على الصعيد العالمي روسيا والصين، وعلى الصعيد النُظم الاقليمية إيران وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى المنظمات الإرهابية… وإن الهدف “الحفاظ على السلام عبر القوّة”؛ و”دفع النفوذ الأميركي قدماً”.
في المحصّلة، إن التهديد الذي أطلقه ترامب بأنه سيقوّض الإقتصاد التركي في حال لم تمتثل تركيا وتقوم بحماية الكرد السوريين، أو في حال قامت بمهاجمتهم، بالإضافة خطته لاحتواء إيران ومحاولة إخضاعها، ومعاقبته للفلسطينيين والمنظمات الدولية التي لم تمتثل لأوامره، والحرب التجارية التي حاول إشعالها مع الصين، وتهديد روسيا بالعقوبات كما الكلام الهجومي الذي وجّهه لحلفائه الأوروبيين… كلها لا تشير إلى انكفاء أميركي إلى الداخل، بل إلى محاولة ترهيب الجميع للخضوع لرغباته وفرض نفوذه على الجميع، وابتزاز الجميع لأخذ أموالهم مقابل الحماية على طريقة “البلطجية”.
باختصار، يسعى ترامب إلى الحفاظ على هيمنة مُطلقة للولايات المتحدة في مختلف المناطق الحيوية في العالم، كل ما تغيّر هو ما عبّر عنه باري بوزان في مقال فورين أفيرز، بقوله ” لقد سحب ترامب “الليبرالية” من “الهيمنة الليبرالية”، وأطلق استراتيجية كبرى جديدة تماماً، هي استراتيجية: الهيمنة غير الليبرالية.
الميادين