الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

الحرب النفسية في كلمة السيّد: منهج وقواعد

الحرب النفسية في كلمة السيّد: منهج وقواعد
حياة الحويك عطية
“الحرب النفسية هي نوع من القتال لا يتّجه إلا إلى العدو سعياً للقضاء على إيمانه بالمستقبل وتدمير ذاته وثقته بنفسه”.. (ربيع حامد، من كتاب الحرب النفسية في المنطقة العربية).
الحرب النفسية لا تسعى إلى الإقناع والاقتناع وإنما تهدف إلى تحطيم الإرادة الفردية، وتستخدم فيها كل الأجهزة والأدوات المُتاحة للتأثيرعلى عقول وأفئدة فئة محدودة بقصد تدمير مواقف معيّنة، وإحلال مواقف أخرى ينتج منها سلوك يتّفق مع مصالح ورغبات الطرف الذي يشنّ هذه الحرب. ومن خصائصها أنها:
تتّجه إلى العدو لأنها صورة من صوَر القتال.
تسعى إلى زعزعة إيمان العدو بأهدافه وبمبادئه وذلك بإيهامه استحالة تحقيق هذه المبادئ والأهداف.
تحطيم عناصرالقوّة السياسية لديه
لا تسعى إلى الإقناع وإنما غايتها تحطيم القوى والوحدة المعنوية والنفسية للخصم .
استغلال النجاحات والانتصارات لدى المهاجم بتضخيمها وإظهار أن هذه النجاحات لم يستطع الخصم الوصول إليها
إيجاد المعارضة بين صفوف العدو.
خلق البلبلة بين صفوف الأعداء، بالرغم من أنها لا تتّجه إلا إلى العدو لكن هذا لا يمنع استخدام الإيحاء الذي تخلقه لتقوية الروح المعنوية للجهة المعنية لمواجهة الحرب النفسية للخصوم.
الاعتماد على السُخرية عبر الرسوم الكاريكاتورية والفُكاهة والنكتة . (حياة الحويك عطية، من كتاب حروب الإعلام وإعلام الحرب على سوريا).
“في الحروب العيون هي التي تهزم أولا”، عبارة قالها سترابون، أحد أهم قادة الحروب في التاريخ، ليجسّد قاعدة أساسية في الحرب النفسية. قاعدة لا تتغيّر طالما أن الإنسان هو الإنسان.
هزيمة العيون تختصر كل قواعد إعلام الحرب وتعني قدرتك على أن تضع عينك في عين خصمك، وتركّز وتصرّ حتى يخفض عينه ومن ثم يبدأ الهبوط. فكيف إذا كنت تقرن هذا التركيز بضمير المُخاطَب: أنت وأنتم.
بالمعنى الرمزي العام وبالمعنى الفعلي التفصيلي كان السيّد نصر الله يُطبّق هذه اللعبة بمهارةٍ عالية، في أكثر من موقع من حديثه إلى غسان بن جدو، كان يوجّه كلامه إلى الإسرائيليين: ” أنتم” وهو يتعمّد النظر إلى الكاميرا لا إلى المحاوِر، أي في عين المخاطب. مُضيفاً قاعدة اللجوء إلى السُخرية أو النكتة الساخِرة أو الكاركاتور، ولكن بشرط عدم الوقوع في المُهاترة والمُبالغة والإسفاف أو عدم احترام الآخر، بما يؤدّي إلى عكس المُراد. وعليه اقترنت الابتسامة الباهِتة الساخِرة بالجدّية. وبتعابير احترام العدو (الحديث عن الجنرالات وعن ترامب)، عِلماً بأن القول باقتدار الجنرالات يحقّق هدفين آخرين الأول هو الإيحاء للجمهور بأن هؤلاء يُعرّضونكم للخطر لا عن جهل وإنما عن خداع. والثاني أن الانتصار على قوّي مُقتدِر هو المعيار وليس العكس، والثالث أن هذا الاعتراف يُمتّن المصداقية والثقة.
باختصار يقول للجمهور الإسرائيلي: أنتم في خطر ماحِق وحكومتكم لا تُبالي بكم، بل إنها تتّخذ تدابير تؤدّي إلى إلحاق الأذى بكم، المسؤولون يُسخّرون الأمور لمصلحة بقائهم في السلطة ولو بثمن حياتكم. ويصوغون خطابهم الإعلامي من دون الإكتراث إلى القواعد العسكرية التي تضمن إلحاق أقل أذى ممكن بكم.
لكن، الأهم أن هذه الأفكار لم تقل هكذا، مُجرّدة وإنما جاءت مستبطنة في عرض منطقي، لمواضيع ملموسة واقعية من مثل موضوع الأنفاق، وموضوع التسلّح، وموضوع الصواريخ الدقيقة. حيث حقّقت هذه الفقرة الأخيرة الصغيرة المتعلّقة بالصواريخ الدقيقة، خمسة أهداف في آن: الأول، إثارة الرعب عبر التأكيد بأنها أصبحت في يد المقاومة، مع التأكيد على دقّتها وخطرها (تحطيم الإرادة – نجاحات العدو = المقاومة)، الثاني الإيحاء بعبثيّة التعدّي على سوريا بحجّة منع وصول الأسلحة (زعزعة الإيمان بالأهداف واستحالة تحقيقها)، الثالث هزّ الثقة بالتفوّق العسكري الإسرائيلي (تحطيم القوّة والبلبلة)، والرابع الاعتماد على السُخرية (عبر الفُكاهة والنكتة) الخامس، إيجاد المعارضة بين صفوف العدو وهزّ ثقته بطبقته السياسية (تفكيك الجبهة الداخلية)، أما السادس فهو ذاك المُتّجه إلى الداخل بما يقوّي الروح المعنوية لدى جمهور المقاومة ويُشعِر الآخرين بعبثية التآمر عليها. خاصة وأن تأكيده على رحيل الأميركي يهزّ كل من اعتاد أن يسند ظهره إلى هذه القوّة العُظمى.
ستة أهداف في فقرة صغيرة ينسحب ما فيها على محطات متعدّدة من الحديث. ويبقى أن الهدف الأخير منها قد تعزّز بقوّة في إعلان تشكيل الحكومة، ومن ثم في خطاب السيّد نصر الله عن هذا الحدث وتناولِه الوضع الداخلي بالتفصيل، بما عزّز ، إضافة إلى رفع المعنويات، أمران جاءا في الحوار: الأول توحيد الجبهة الداخلية اللبنانية، بدءاً من رصّ صف الرؤساء الثلاثة بما يمثّلون وتعاضدهم مع المقاومة، وانتقالاً إلى التأكيد على تمتين التحالفات (أو على الأقل تحييد من يستعصي على التوحيد)، والثاني طمأنة الجميع، وذاك ما تكرّر في الحوار والخطاب. طمأنة المقاتلين أولاً، بالتأكيد على الجهوزية، وبتفعيل إحساس القوّة، وبالتأكيد على متانة محور المقاومة من مثل الكشف عن اتصالاته بحلفائه، سوريا وإيران وحلفاء الداخل (نتشاور – اتصل بي الرئيس روحاني – قال الرئيس الأسد الخ..). وطمأنة الداخل الوطني، ثانياً، وبصيَغ متعدّدة منها أولاً: تعمّد السيّد أن يتكلم بإسم محور لا بإسم طائفة، إلا عندما اقتضى الأمر ذلك الحديث عن المثالثة والطائف وضرورة طمأنة الجميع بشأنهما. ومنها ثانياً، التأكيد بأن المقاومة لن تذهب إلى الحرب إلا إذا فرض عليها الدفاع عن الوطن، ومنها ثالثاً التأكيد على احترام السلطات الدستورية للدولة واحترام الشركاء الآخرين.
في ملمح آخر تعمّد السيّد الحديث عن معلومات أكثر مما تحدّث عن تحليل، وتعمّد أن يذكر ذلك، ما يؤمّن قدراً أكبر من المصداقية والدقّة، ويوحي بالثقة بالناس عبر اطلاعهم على ما يخفيه الآخرون، – وفي مقلب آخر – تشكيك المتلقّي بالآخرين الذين يخفون عليه ما يتعلق بمصيره. وهذا ما يحقّق مبدأ “الاستحواذ” الإعلامي – السياسي، الذي جعل من قائد المقاومة المصدر الأكثر موثوقية لدى العدو كما لدى الصديق.
وإذا ما كان بعض مُنظّري الحرب النفسية يرون أن هذه الحرب تعمل على “تفعيل الشحن العاطفي والتخلّي نهائياً عن محاولات الإقناع لصالح الإيحاء والتأثير والإثارة”. فان الخطاب الذي تبنّاه السيّد نصر الله في الأسابيع الأخيرة قد اعتمد الأمرين معاً بناء على تفهّم عميق للمتلقّي في كل من الشرائح المُستهدفة، غرائزه، مكبوتاته، عِقده، تطلّعاته، ثقافته، الرموز المؤثّرة فيه، لتبين كيفية مُخاطبته وإثارته. لخلق حال من التوتّر الفكري والشحن العاطفي والبلبلة لدى العدو والاطمئنان والتحشيد لدى المحور المؤيّد، والتحييد لدى الخصم.
فيما يمكن أن يسمح بالسؤال: أهو خطاب عودة المقاتل إلى البيت حيث تنتظره أمور كثيرة، أمور يجب ترتيبها لردع العدو عن مواجهة أخرى؟
فهذه الملامح النماذج – من كثرة يمكن تناولها – هي ما لم يكن ممكناً تحقيقه لولا الأرض – الميدان، وما أوصلت إليه على الجبهة السورية، بعد اللبنانية. فهناك حسمت الأمور، ومداد الدم هو الذي يرنو إلى مَن يُحسن الكتابة به أو مَن يتركه يجفّ. ولا نبالغ إنْ قلنا إن خطاب الحلفاء والأصدقاء وليس فقط خطاب أمّ الصبي، هو مَن ينهل أيضاً من هذا المداد.
الميادين