الأربعاء , أبريل 24 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

الحريري يُعارض زيارة أحد وزرائه لدِمشق.. أين يُريده أن يذهب إلى تل أبيب أم سيريلانكا مثلًا؟

الحريري يُعارض زيارة أحد وزرائه لدِمشق.. أين يُريده أن يذهب إلى تل أبيب أم سيريلانكا مثلًا؟
تظل الديمقراطيّة اللبنانيّة نموذجًا فريدًا من نوعِه في الوطن العربيّ، لما تتّسم به من مُفارقات ومُلاسنات صريحة وواضحة تعكِس الخلافات الحزبيّة، ولكنّها في نهاية المَطاف تتمسّك في مُعظمها بمصلحة البلد، وتُؤكّد على التّعايش السلميّ بين “الأفرقاء”.
في لبنان أزمة محورها السيد صالح الغريب، وزير الدولة لشؤون النّازحين، الذي قام بتلبية دعوة من نظيره السوري حسين مخلوف بزيارة دِمشق لبحث مسألة وجود مليون ونِصف المليون نازح على الأراضي اللبنانيّة، وكيفيّة تسهيل عودتهم، فانهالت عليه الهَجَمات الشّرسة، وأحيانًا البَذيئة، من وزراء ومسؤولين في حزب القوّات اللبنانيّة وشريكه حزب “المستقبل” بزعامة السيد سعد الحريري، رئيس الوزراء.
الهُجوم تركّز على أنّ الوزير الغريب، المحسوب على حزب الزعيم الدرزي طلال أرسلان، ذهب إلى العاصمة السوريّة بمُبادرةٍ شخصيّةٍ، ودون التّنسيق مع رئيس الحُكومة، وبما يتعارض مع سياسة “النّأي بالنفس” المُتّفق عليها، وهي اتّهامات نفاها الوزير الغريب كُلِّيًّا، وأكّد أنّه التقى الرئيس ميشال عون، ورئيس الوزراء الحريري فور عودته لاطلاعِهما على نتائج زيارته.
لا نُريد تِكرار العبارات والألفاظ التي قيل أنها وردت على لسان السيد بشار قيوميجان، المتحدث باسم حزب القوّات اللبنانيّة، وتخرج في اعتقادنا عن أدبيّات الحوار المُتعارف عليها، ولكنّنا نسأل: هل قام السيد الغريب بزيارةٍ إلى دِمشق الدولة العربيّة التي جاء منها هؤلاء النّازحون، أم من تل أبيب الدولة العدوّة التي تخترق طائراتها أجواء لبنان وسيادته بصُورةٍ شِبه يوميّة؟ وهل كان الوزير نفسه سيُواجَه بمِثل هذا الهُجوم لو زار الأخيرة، أيّ تل أبيب، أو أيّ عاصمة أوروبيّة أُخرى تتدخّل عسكريًّا في المِلف السوريّ وتدعم الجماعات المُسلّحة؟
تكتّل الرئيس الحريري كان الأكثر شكوى من وجود النّازحين السوريّين في لبنان، وحِرصًا بالتّالي على عودتهم، ولذلك من المفروض أن يكون ورئيسه الأكثر حِرصًا أيضًا على التّواصل مع الحكومة السوريّة لإيجاد حُلولٍ لهذه الأزَمة، وإلا أين سيبحث الوزير المُكلّف هذه الأزَمَة، مع سيريلانكا مَثَلًا؟
الرئيس عون كان في قمّة الحِكمة والمسؤوليّة عندما حذّر من مُحاولات التّقسيم والتّوطين المُتصاعدة في المنطقة، في إشارةٍ إلى مُحاولات إقامة دولة للأكراد شرق الفرات، ووجود وطن قوميّ لليهود في فِلسطين المحتلة، مُؤكّدًا على ضرورات احترام عامل الجِوار الجُغرافيّ وأحكامه، ومشيرًا على أنّ دولًا عربيّة تُرسل الوسطاء إلى دِمشق هذه الأيّام لاستعادة علاقاتها معها في الوقت الرّاهن، وتسهيل عودة الجامعة العربية إليها.
سياسة النّأي بالنّفس التي يتمسّك بها السيد الحريري وبعض وزراء تكتل المستقبل لإدانة أيّ اتّصالات تشكّل مع سورية باعتبار أن هذه الاتصالات خُروجًا عنها، تتعارض في رأينا قانونيًّا وإنسانيًّا وسياسيًّا مع قضيّة عودة النازحين السوريّين وكيفيّة حلها، وأصغر مُبتدئ في علم السّياسة يُدرِك هذه الحقيقة، فكيف ستُعيد هؤلاء إلى بلدٍ تُقاطعه وترفُض زيارته، والحديث معه من أجل التوصّل إلى حُلولٍ وتسهيل هذه العودة؟
يبدو أنّ السيد الحريري وأعضاء حُكومته لم يسمعوا بالاتّصالات السريّة بين الحُكومة السعوديّة ونظيرتها السوريّة، والقرار السعوديّ برفع الحظر عن زيارة المُواطنين السعوديّين للبنان، وقريبًا جدًّا إلى دِمشق، وربّما من المُفيد تذكيرهم بهذا القرار في ذروة الضّجيج والحملات الإعلاميّة حول زيارة الوزير الغريب.
إذا صحّت التّسريبات التي قالت إنّ أحد وزراء تكتّل الحريري “عاير” الرئيس عون بما فعله السوريين به قبل 30 عامًا، فان هذا يصُب في مصلحة الرئيس، وأنّ الوزير يستحق الدّرس الأخلاقيّ الذي وجّهه إليه الرئيس عون بقوله، إنّ تشارل ديغول ذهب إلى المانيا بعد الحرب العالميّة الثانية، واستعان بمقولة نابليون “السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والأخيرة ثابتة لا تتغيّر”.
مشكلة لبنان الكبرى على مر العُصور هي تقسيماته الطائفيّة، ومُشكلته الحاليّة الأكبر عدم وجود زعماء للطوائف يُقدّمون مصلحة لبنان الأكبر على مصلحة طوائفهم الأصغر، والطائفة السنيّة على وجه الخُصوص.. واللهُ أعلم.
“رأي اليوم”