الأربعاء , أبريل 24 2024

حرب الصواريخ !

حرب الصواريخ !
روسيا ساعدت في الضغط على سوريا للتخلّص من السلاح الكيماوي، فهل ستعوّض ذلك بحماية سوريا ومحور المقاومة من الهجمة الغربية – الإسرائيلية الهادِفة إلى التخلّص من السلاح الصاروخي ؟ وبالتالي هل يصبّ خطاب بوتين في سياق توجّه روسي نحو الغرب أو في سياق توجّه تحالف ممتد من موسكو حتى بيروت في وجه الغرب وأتباعه ؟ وإذا كان من المحسوم أن موسكو مُلتزمة أمن إسرائيل ومنع مهاجمتها، هل ستلتزم بالمقابل بتحجيم دورها وردعها عن أي اعتداء؟ ردع لا يكون إلا بتوازُن رعب يعتمد أساساً على منظومة الصواريخ.
هل يُشكِّل خطاب الرئيس الروسي قمّة خط تصعيدي بدأ منذ عام 2007 في ميونيخ، أو بالأحرى محطة على طريق هذا الخط ؟
والأهم : أين موقع بلادنا من هذا الخط ومن هذا التصعيد، ومن المُعادلة الدولية التي يرسمها؟
هل يصحّ أن نقول إن العالم، ونحن منه، دخل مرحلة حرب الصواريخ؟ أم أن هذه الحرب هي القديم الجديد بدليل أن الحد من انتشار الأسلحة الصاروخية، شكَّل، منذ الحرب الباردة، رِهان الصراع الدولي بين الغرب والاتحاد السوفياتي، كما شكَّل رِهان المواجهات بين القطبين من كوبا إلى أوروبا. ومن ثم بين الغرب والصين وكوريا وإيران؟
وإذا كان دخول إيران هذه الساحة هو أكثر ما يترك انعكاساته على منطقة الشرق الأوسط وبشكلٍ خاص محور المقاومة، فإن هذا المحور، وسوريا تحديداً لم تتوقَّف يوماً عن محاولات الحصول على السلاح الصاروخي الروسي، لتأمين توازُن ردع مع القوّة الإسرائيلية، وتحديداً مع سلاح الجو الإسرائيلي الذي حسم تفّوقه منذ حرب 1967.
عام 2006 ، بدا وكأن اللحظة التاريخية التي خرج فيها السيِّد حسن نصرالله إلى شاشة التلفزيون ليدعو الجمهور إلى متابعة لقطة قصف البارجة الإسرائيلية حانيت في عرض البحر المتوسّط. هي بمثابة إعلان ثلاثي الأبعاد : – بداية مرحلة حرب البحارفي المنطقة.( الآن بدأت حرب البحار، الدستور ) – تمظهر مرحلة حرب الصواريخ. وعودة السلاح الروسي إلى ساحة المُنافسة الدولية . ( في البحر وفي البر مع ما أصاب الميركافا) .
في البُعد الأول، اهتزّت هيبة سلاح البحر الإسرائيلي قبل أن تبدأ وفي منطقة هي أقرب إلى ما يُسمّى الآن “الحوض التاسع” من أحواض الغاز اللبناني. والذي تريد إسرائيل سرقته.
في البُعد الثاني بدا واضحاً أن التفوّق الجوي الإسرائيلي قد اهتزّ بمعادلة ردع أخرى.
فيما يشتبك مع البُعد الثالث المتعلّق بالسلاح الروسي سواء من حيث وصوله إلى سوريا وحزب الله، أو من حيث ما يشكّله هذا المدخل بالنسبة إلى الساحة الدولية.
إسرائيل لم تقصّر يوماً في التنبّه إلى هذا الخطر .
فعندما طلبت سوريا، عام 2005، شراء صواريخ “اسكندر” أرض- أرض القابلة للتحوّل إلى أرض- جو من روسيا، تدخّلت الدولة العبرية بكل ما تمتلكه من قوّة ضغط وتمكّنت من منع الصفقة، بدعمٍ من واشنطن. أما عندما انتقلت دمشق عام 2010 إلى طلب شراء صواريخ “ياخونت” أرض – بحر، فقد أعلنت ها آرتس أن أيهودا باراك يتهيّأ للقيام بزيارة وصِفَت بأنها تاريخية، كونها أول زيارة لوزير دفاع إسرائيلي إلى روسيا. لم تُخفِ الصحيفة أن الهدف الرئيس هو منع موسكو من إتمام الصفقة. وأن بنيامين نتنياهو قد مهّد لذلك باتصال مباشر مع فلاديمير بوتين حول الموضوع نفسه، بحجّة أن دمشق قد تُسلِّم هذه الصواريخ لحزب الله. خاصة وأن مدى هذه الصواريخ هو 300كلم ، أي أنه يطال ميناءي حيفا وأشدود ، وهي مُصمّمة بحيث تفلت من الرادار. ( ياخونت بعد اسكندر ، الحويك حياة، الدستور 30/8/2010).
خلال هذه الأعوام كانت إيران تنشط بقوّة على هذا الخط، وكانت سوريا تدخل أتون الحرب العالمية الثالثة على أرضها، وكانت المقاومة تنخرط في دورها المصيري في هذه الحرب. وكنا نشهد باستمرار حرباً إعلامية، ضغطاً، إخفاء أو استعراضاً، تعكس الحرب الحقيقية حول معادلة الصواريخ هذه.
من سياقات هذه الحرب دعت روسيا مثلاً صحافيين من قناة زفيزديا، ليعاينوا نشر صواريخ اسكندر أي، المطوّرة عن اسكندر أم، في قاعدة حميميم.
غير أن هذا الإنتشار في قاعدة روسية قد يُقلِق الأميركي ولكنه لن يُقلِق الإسرائيلي بالضرورة. ما يُقلِق هذا الأخير هو منظومة الصواريخ التي سُلّمَت للجيش السوري وللمقاومة اللبنانية، إضافة إلى الإيرانية التي تتدحرج مفاجآتها وتجاربها باستمرار ، وتطرح نفسها كبديل للمشروع النووي العسكري.
قبل أسبوعين، شباط 2018، تنشر صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريراً طويلاً مفصّلاً حول الصواريخ اللبنانية السورية : عددها ومواقعها وأنواعها. التقرير حمل توقيع جورج مالبرونو، لكنه من المستحيل لأي صحافي أن يحصل على المعلومات التفصيلية التي ذكرها. وإنما هي تُسرَّب إليه أو إلى الصحيفة. وذلك لسببين: الأول ممارسة ضغط إعلامي حول موضوع تقرّر فتحه بالقلم العريض. والثاني إطلاق بالون اختبار- من دون أن يعني أن جميع المواقع والأرقام التي ذكرت هي دقيقية بل هي مطروحة للتدقيق- ما يحدّد هاجساً يحاول معسكر الأطلسي- الإسرائيلي الحصول على أية معلومات بشأنه بطُرق مختلفة منها الإعلام.
مُعطيات كثيرة أخرى تؤشّر إلى أن قضية الصواريخ تشكّل الآن جوهر الاستهداف ضد محور المقاومة. وذلك أمر يأتي منطقياً بعد استهداف سلاح الجو السوري منذ اليوم الأول للحرب ( جسر الشغور) وبعد الخلاص من الكيماوي السوري، وبعد سلسلة أحداث آخرها إسقاط الطائرة الإسرائيلية ، وراهنها رهان الغوطة الشرقية.
من هنا يمكننا القول إن حرب الصواريخ التي شغلت العالم منذ قرن قد أصبحت رهان منطقتنا ومقاومتنا. وبوضوح بقاء أي توازن رعب مع العدو الإسرائيلي. كما أنها رهان عالمي بين القوى التي تريد تشكيل النظام الدولي الجديد على أنقاض نظام 1990 وتلك التي تريد منعها. صراع يترجم في ما يخصّ منطقتنا بثلاثة أمور: الصراع على الهيمنة الجيوسياسية – الصراع على تقاسُم المصالح لما بعد الحرب – والصراع على طبيعة العلاقة مع إسرائيل.
وإذا كانت معاهدات سياتيل قد عبّرت عن توازُن القوى وقت إبرامها، فإن نشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية على الحدود الروسية جاء ترجمة لاختلال الميزان، بما سمح لكونداليزا رايس بإعلان وفاة سياتيل مع وفاة الاتحاد السوفياتي. رايس التي اعتبرت في رسالتها للدكتوراه أن روسيا ستحتاج إلى خمسين سنة للعودة إلى الساحة الدولية. من هنا فإن ما أراده بوتين هو أن يُعلن عسكرياً عام 2018 العودة التي أعلن عنها سياسياً عام 2007. في توقيت دقيق سبق الانتخابات الروسية ويتوازى مع معركة الغوطة الشرقية وما يتصل بها من تهديدات. ليصل بالتالي إلى فرض توازُن اقتصادي يتمحور اليوم في أحد أهم نقاطه حول ثروات المتوسّط الغازية وإعادة إعمار ما دمّره الربيع العربي. كما حول أسواق شركات الصناعات العسكرية التي تمتلك الدور الحاسم في سياسات الدول.
وبذا نصل إلى السؤال الخطير : روسيا ساعدت في الضغط على سوريا للتخلّص من السلاح الكيماوي، فهل ستعوّض ذلك بحماية سوريا ومحور المقاومة من الهجمة الغربية – الإسرائيلية الهادِفة إلى التخلّص من السلاح الصاروخي ؟ وبالتالي هل يصبّ خطاب بوتين في سياق توجّه روسي نحو الغرب أو في سياق توجّه تحالف ممتد من موسكو حتى بيروت في وجه الغرب وأتباعه ؟ وإذا كان من المحسوم أن موسكو مُلتزمة أمن إسرائيل ومنع مهاجمتها، هل ستلتزم بالمقابل بتحجيم دورها وردعها عن أي اعتداء؟ ردع لا يكون إلا بتوازُن رعب يعتمد أساساً على منظومة الصواريخ.
حياة الحويك عطية- الميادين

اترك تعليقاً