السبت , أبريل 20 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

سامي كليب: طلال حيدر ليس خائناً

سامي كليب: طلال حيدر ليس خائناً

شام تايمز

سامي كليب.

شام تايمز

أما وقد هدأت موجة الردح لقصيدة المدح، وأقصد بذلك ردح إعلاميين وكتّاب وناشطين للشاعر اللبناني طلال حيدر بعد امتداحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقصيدة. يجدر بنا التوقف عند الامور التالية في سعي لتصويب النقاش لا لتعزيز الجدل البيزنطي او لتعميق الفرقة.

أولا: لكلٍّ منا حرية التعبير عن موقفه مهما كانت قسوة الموقف. صحيح أن لبعضنا مبادئ إنسانية وسياسية واخلاقية أكثر من البعض الآخر، لكن الحرية تكفل حق الجميع بالتعبير عن أي موقف يريدونه. أما المصيبة فتكمن في أن وسائل التواصل الاجتماعي عززت دكتاتوريات القمع الفكري والتخوين لكل من يخالفنا الرأي، فلا تتم مناقشته في الجوهر وانما يصار الى شتمه وتحقيره وصولا الى تخوينه. ويبدو للأسف ان لغة التشاتم صارت في صلب استراتيجيات كل جماهير المحاور.

ثانيا: ان الشاعر ينتمي الى فضاء فكري وابداعي واسع سمح له تاريخيا بما يميّزه عن غيره، فكانت العبارة الشهيرة:” يحقّ للشاعر ما لا يحق لغيره”. وبالتالي فمهما اختلف البعض في تقييم التجربة الشعرية المديدة والمهمة لطلال حيدر، الا أنه يبقى راسخا في مصاف كبار الشعراء المعاصرين. (هذا ما اعترف له به سابقا شاتموه اليوم من الكتّاب والإعلاميين).

ثالثا: لو حذفنا قصائد المدح التي كتبها كبار الشعراء عبر تاريخنا العربي والممتد الى ما قبل الإسلام، لما بقي من شعرهم الكثير، فالمديح كان سمة ثابتة في شعر معظمهم. قليلُه كُتب اعجابا بالممدوح، وكثيره بغية الحصول على نعمة السلطان ونعمه ومكرماته رغم الذل. لنتذكر كم شاعر وكاتب وصحافي وفنان تذلل لأجل المال فمدح. وهذه ليست قصيدة المدح الاولى التي كتبها طلال حيدر وقد لا تكون الأخيرة. وهو بهذا يسير في ركب من سبقه ومن يتبعه.

قال بعض النقّاد ان قصيدة مديح العرش السعودي التي حملت عنوان ” عيد المملكة” ركيكة المبنى والمعنى والقافية، ولا تشبه بالتالي ما تحتضنه دواوين طلال حيدر. وقال آخرون ان في تلك الدواوين أيضا قصائد ركيكة وهذه ليست الاولى. وقيل كذلك ان هذا الشاعر البعلبكي الذي تجاوز الثانية والثمانين عاما، مغرورٌ وصلفٌ ومتعال ومحبٌ للمال وانه لم يقتنع يوما بقضية. وقيل أيضا وأيضا ان اجمل قصائده بالعامية والتي غنتها فيروز بعنوان :” وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان” لا علاقة لها بالشبّان الفلسطينيين الذين ذهبوا للقتال في بلادهم منتصف سبعينيات القرن الماضي، فهي كُتبت في العام ١٩٦٦، وان طلال حيدر ابتدع لها قصة غير صحيحة.

قد يكون كل هذا صحيح، أو بعضه او جلّه، لكن أن يُجلد طلال حيدر كل هذا الجلد لأنه اختار ان يقول قصيدة مدح بآل سلمان، وأن يُخوّن، فهذا ربما كثيرٌ وخطير.

ربما أراد الرجل الخروج من عزلته بضربة إعلامية كبيرة. وهو نجح تماما بذلك. ربما أراد المال، ولعله نجح أيضا بذلك، وربما تعمّد الركاكة في قصيدته كي يبدو غير مقتنع بما يقول، أو لعلها جاءت ركيكة لأنها مديح مصطنع، لكن ماذا لو كان متقنعا بما يقول؟ ماذا لو كان مُعجبا فعلا بالملك وابنه؟ هل نمنعه من ذلك؟ ففي وطننا العربي معجبون بالسعودية ومعجبون بتركيا ومعجبون بإيران أو بروسيا أو اميركا او فرنسا. هل نخوّنهم جميعا؟

الشاعر حرّ، والانسان حرّ، قد يختار في حريته أن ينصف الشعب اليمني، وأن يؤيد أنصار الله الحوثيين، أو يؤيد التحالف بقيادة السعودية، أو يوالي إيران، فمن يحدد مقاييس الخيانة؟ من يستطيع في هذا الوطن العربي أن يضع مقاييس للخيانة تنطبق على الجميع، لكي تكون مقاييسه منصفة لا مجحفة.

لعل ما حصل مع الشاعر طلال حيدر، يدفعنا مجددا لطرح السؤال الأهم: هل ان وسائل التواصل الاجتماعي هي فعلا وسائل تواصل في وطننا العربي، أم وسائل تقاتل وتنافر وتخوين؟

ربما طلال حيدر أخطأ في مديح نظام مسؤول عن خراب اليمن وقتل الصحافي جمال خاشقجي والتضييق على الحريات كما يقول من هاجمه، أو لعله أصاب في وقوفه الى جانب دولة عربية ضد إيران كما يقول مؤيدوه، هذا كله يخضع لتقدير كل طرف، لكن الأكيد ان هذا الشاعر اللبناني الذي قدّم الكثير للشعر العربي وللبنان، ليس خائنا. هو شاعر حرّ لو كان مديحه منطلقا من الاعجاب الفعلي بمن مدح، وهو شاعر ذليل لو كان لأجل المال مدح دون قناعة. لكنه حتما ليس خائنا.
من جهتي لا احترم من يمدح أو يقدح لأجل المال، لكني لا أسمح لنفسي أن انعت احدا بالخيانة إن لم يخن وطنه. ولا انكر أن طلال حيدر شاعر كبير وان بعض من انتقده إنما يصفي حسابات معه لأسباب تنافسية أيضا وليس فقط استياء من قصيدة مدح

شام تايمز
شام تايمز