الأربعاء , أبريل 24 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

عائلة البغدادي في ضيافة إردوغان!

عائلة البغدادي في ضيافة إردوغان!

برغم استعراضيّة المشهد، إلا أنّ تساقط أفراد عائلة أبي بكر البغدادي بيد أجهزة الأمن التركيّة بهذه السرعة والكثافة، لا بدّ أن ينطوي على دلالات عديدة حول طبيعة العلاقة التي ربطت بين الجانبين في مرحلة ضمور “الدولة”، كما لا بدّ أن يطرح تساؤلات كثيرة حول توقيت هذه الحملة الأمنية التي أعقبت مقتل زعيم “داعش” بأيام قليلة.

قد يسارع البعض إلى استحضار نظرية المؤامرة في قراءته للأحداث التي تلت مقتل البغدادي، ويعتبر أن تواجد هذا العدد الكبير من قيادات “داعش” وعناصره داخل الأراضي التركية أو في مناطق سورية خاضعة للنفوذ التركي، ما هو إلا دليل دامغ يثبت “التواطؤ” التركي مع التنظيم من خلال تأمين مكان آمن له بعد خسارته جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها.

غير أن هذا التفسير، على وجاهته بعد نزع ما يعتريه من دوافع كيدية، قد لا يكون كافياً وحده لتفسير ما جرى ويجري من مكائد أمنية واستخبارية قد لا تخلو من أهداف وغايات سياسية.

منذ مقتل البغدادي، أعلنت تركيا عن قيامها بحملة واسعة من المداهمات الأمنية في أكثر من عشر ولايات تركية أسفرت عن اعتقال مئات من عناصر وقيادات تنظيم “داعش”. وكشف تدرّجُ السلطات التركية في الإعلان عن أسماء وصفات بعض الموقوفين، عن مدى كثافة وجود مقربين من البغدادي نفسه داخل الأراضي التركية.

البداية كانت مع اعتقال 11 عنصراً في ولاية تشانقرى بينهم الخادم الشخصي للبغدادي. ثم كرّت السبحة مع إعلان أنقرة عن اعتقال شقيقة البغدادي وزوجها وزوجة ابنها في مدينة اعزاز السورية المحتلة من قبلها، ووصل الأمر إلى ذروته مع الكشف عن اعتقال أرملة البغدادي (زوجته الأولى أسماء الكبيسي) وأحد أبنائه الذكور من دون تحديد اسمه.

اقرا المزيد في قسم الاخبار

بموازاة ذلك، أسفرت بعض الملاحقات التي قامت بها أجهزة الأمن التركية عن اعتقال “أمراء” و”قياديين” بعضهم يتولى مناصب عسكرية وأمنية رفيعة في هيكلية التنظيم (أمير الزكاة ومسؤول المعسكرات والتدريب). ومما له دلالته في هذا السياق أيضاً، أن أبو الحسن المهاجر المتحدث الرسمي باسم “داعش” تم اغتياله في ريف مدينة جرابلس الخاضعة للاحتلال التركي، هذا علاوة على أن البغدادي نفسه قُتِل في منطقة نفوذ تركي أيضاً.

من شأن ما سبق أن يرسم صورة واضحة عن وجود قرار مركزي في “داعش” يقضي باعتبار الأراضي الخاضعة للنفوذ التركي خياراً مفضلاً للفرار إليها، إذ أن هذه الكثافة في سلوك طريق تركيا لا يمكن أن تكون من قبيل المصادفة أو محض ارتجال في لحظة الانهيار المتوقعة.

وقد تقاطعت عدة شهادات، أهمها شهادة محمد علي ساجت، عديل أبي بكر البغدادي، على وجود خطة لدى قيادات داعش البارزة لنقل أفراد عوائلهم إلى تركيا لحمايتهم من تداعيات الهزيمة العسكرية في الباغوز، آخر معارك التنظيم. كما ذكر حساب “مزمجر الشام” المعروف بتسريباته عن التنظيمات الجهادية أن قيادات “داعش” عملت خلال العام المنصرم على شراء مساكن لعوائلها داخل المدن التركية.

ومن الممكن تفهّم مثل هذا التوجه لارتباطه برغبة أي شخص في حماية عائلته وأقاربه، غير أنّ ما يثير الشكوك هو أن المعابر باتجاه تركيا لم تكن حكراً على هذه الفئة من العائلات والأقارب فحسب، بل شهدت على مدى أشهر طويلة عبوراً مزدحماً لقوافل الهاربين من قيادات وعناصر التنظيم، من دون بذل أية جهود لرصدها وإيقافها، لا من قبل التحالف الدولي ولا من قبل السلطات التركية.

وما يلفت الانتباه أنه رغم حالة العداء بين تيّارَي داعش الرئيسيين “البنعلي” و”الحازمي” إلا أنهما اتفقا على اعتبار الأراضي التركية ملاذاً آمناً يمكن اللجوء إليه، وبالتالي جمعت أنقرة على أراضيها قيادات وعناصر من تيارين متشددين وصلت العلاقة بينهما أكثر من مرة إلى المواجهة المسلحة وتبادل حملات التصفية والاعتقال.

ويذهب البعض إلى أن الحملة الأمنية التي تقودها أنقرة حالياً ضد أعضاء التنظيم ما هي إلا محاولة لحفظ ماء وجهها بعدما كشف مقتل البغدادي في مناطق نفوذها عن مدى تغاضيها عن النشاط الجهادي على حدودها مع سوريا. لذلك يبدو أنها قررت شن هذه الحملة من الاعتقالات لتلميع صورتها وإظهار أنها جزء من الحرب ضد الارهاب. وتنبثق عن هذا التفسير أكثر من علامة استفهام من قبيل: لماذا شملت الاعتقالات عدد كبير من عائلة البغدادي، هل بسبب إمكانية توظيف هؤلاء على الصعيدين الإعلامي والدعائي أم لأن ورقة البغدادي قد احترقت ولم يعد ثمة ضرر من فضح جميع المرتبطين بها؟

في مقابل هذا الرأي، يذهب البعض الآخر إلى أن أنقرة قد تكون أحسّت بالنار تقترب من أقدامها بعد مقتل البغدادي في منطقةٍ لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات عن حدودها مع محافظة إدلب، وأنّ ذلك كان كافياً لقرع جرس الانذار لدى القيادة التركية التي سارعت إلى التشمير عن سواعدها والعمل بجدية على منع خطر “داعش” من تجاوز حدودها والدخول إلى عقر دارها، وهو ما يفسر حملة الاعتقالات الأخيرة بحسب هؤلاء.

ويبدو أن الأمر مزيجٌ من كلا التفسيرين. فمن جهة، لا شك في أنقرة لم يرق لها التعامل الأميركي الذي لم يبلغها بعملية اغتيال البغدادي إلا قبل بدئها بوقت قصير. وقد طرح ذلك علامات استفهام كبيرة حول مدى ثقة واشنطن بحليفها في “الناتو”. لذلك كان من مصلحة أنقرة أن تستعرض عضلاتها الاستخبارية أمام واشنطن وتظهر لها أهميّة ما تمتلكه من مواهب عملية وأوراق أمنية.

لكن الأمر لا يمكن أن يتوقف هنا، لأن أجهزة الاستخبارات التركية لم تكن غافلة عن حقيقة أن وصول قوافل الهاربين من داعش إلى أراضيها كان يستلزم المرور بمناطق شاسعة تسيطر عليها عدوتُها اللدود (قوات “قسد”) ومن ورائها التحالف الدولي. ولم يكن الأمر بحاجة إلى تقصّ واسع لاكتشاف حجم التسهيلات التي كان يحصل عليها عناصر داعش الراغبين في الفرار إلى تركيا، حتى أن هؤلاء كان يسمح لهم بالعبور من حواجز “قسد” من دون تحقيق أو تفتيش.

وفي هذا السياق ، قال صحافي تركي مختص بشؤون الجماعات الجهادية رفض الكشف عن اسمه “لأسباب أمنية” لـ”180″ إن أنقرة لم تكن تجهل دوافع “قسد” في تسهيل عبور الهاربين من عناصر داعش إلى الأراضي التركية، فالغاية كانت إغراق الأمن التركي بما يمثله هؤلاء من عبء ثقيل على كافة الأصعدة الأمنية والاجتماعية والسياسية.

غير أن السلطات التركية لم تمانع أن تتحمّل هذا العبء في المرحلة السابقة متوخية ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:

الأول هو مغازلة التيارات الاسلامية في الداخل التركي عبر احتواء واحتضان عناصر داعش الهاربين.

والثاني إدراك السلطات التركية أن العديد من خلايا داعش ستكون مطواعة في يديها ومستعدة لتنفيذ مهام أمنية قذرة سواء في الداخل التركي لإرهاب خصوم “حزب العدالة والتنمية” أو في بعض الدول والجهات المتخاصمة مع أنقرة، وللمفارقة قد تكون “قسد” على رأس قائمة هذه الجهات.

أما الهدف الثالث – حسب المصدر- فيتمثل في استعادة تأثير أنقرة على تنظيم “داعش” بعدما تعرض هذا التأثير لتراجع كبير منذ معركة مدينة الباب في العام 2017. وسوف يساعد ذلك أنقرة في أمرين أساسيين، هما: تجنب أية عمليات انتقام من التنظيم لا سيما أن آخر ظهور للبغدادي قبل حوالي ستة أشهر ترافق مع نبأ لم يسر أنقرة تمثل في تشكيل “ولاية تركيا”. والثاني هو إعادة الروابط مع التنظيم بما يسمح للاستخبارات التركية بأن تقوم بتوظيفه واستثماره في أكثر من مكان تحلم أنقرة أن يمتد إليه النفوذ التركي.

لكن على ما يبدو، فإنّ توقيت اغتيال البغدادي وبعض الملابسات التي صاحبته -لا سيما تنفيذ الاغتيال من قبل القوات الأميركية، والصدى الإعلامي الواسع الذي لاقاه- أحدث صدمة كبيرة لدى صناع القرار في أنقرة نتيجة احساسهم ان هناك من يعمل على سحب البساط من تحت اقدامهم ويسعى لقلب سحرهم ضدهم، فسارعوا بسبب ذلك وتحت وطأة الارباك إلى شن حملة الاعتقالات التي طالت عددا من اعضاء عائلة البغدادي… فهل سيكون كبش الفداء الذي قدمته أنقرة بمثابة إعلان نهائي لطلاق بائن مع تنظيم “داعش” أم أن باب الرجعة سيظل مفتوحاً؟

عبدالله سليمان علي