الخميس , أبريل 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

هل سيشعل غاز المتوسط الصراع ؟

هل سيشعل غاز المتوسط الصراع ؟

لا يخفي الدكتور عماد فوزي شعيبي قلقه من أن يكون تمديد الحرب السورية هدفه الحيلولة دون دخول سوريا إلى نادي المستخرجين للثروات الغازية والنفطية في شرقي المتوسط، ويقول لموقع 180: “قد يكون المطلوب إعطاء وزن أقلّ لسوريا في نادي المصدرين لتمويل عملية إعادة إعمار طويلة الأمد”، ويعتبر أن موضوع الغاز والنفط في المتوسط “موضع صراع لا موضع تعاون، وهو الصراع الذي شُرِعَ به في ليبيا وتمت تثنيته في سوريا”. ويضيف:”ثمة تقاطع مصالح بين روسيا وتركيا في موضوع غاز المتوسط، فروسيا تريد تعظيم الدور التركي ولكن ليس بجشع عثماني. والفارق بين الاثنين أن التركي غُرّ بينما الروسي يلعب السياسة على أصولها مراعياً مصالح الآخرين، ويؤكد شعيبي أن الخيارات مفتوحة أمام دمشق ولكن بعيداً عن منتدى غاز المتوسط بسبب وجود إسرائيل فيه.

على مسافة شهر تقريباً من الذكرى السنوية الأولى لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي استُبعدت منه تركيا وسوريا ولبنان. كيف نظرتم إلى تأسيس هذا المنتدى من حيث خلفية التأسيس، والدور الموكل به، وتأثيراته المحتملة على معادلة الصراع على غاز المتوسط؟

المعروف أن المصالح لا تنتظر ولا تستشير أحداً، وهذه المرة تتداخل بالاعتبارات الايديولوجية – السياسيّة؛ وأعني بها الخلاف المصري ـ التركي حول موضوع “الإخوان المسلمين”. لقد تأسس هذا الكيان “الاقتصادوسياسيّ” مطلع عام 2019 ودُعي [منتدى غاز شرق المتوسط] وتألّف من إسرائيل ومصر واليونان وقبرص اليونانية والمملكة الأردنية (برغم أن الأخيرة ليست متوسطيةً بأيّ حال من الأحوال، ما يضفي على المنتدى بعداً سياسيّاً إقليميّاً بقيمة مُضافة مُفرطة بدعم من واشنطن)، وقد إجتمع مرتين حتى الآن. ولكن استبعاد تركيا وسوريا ولبنان عنه، يعكس عدم الانتظار من ناحية والبعد السياسي التحالفي من ناحيّة أخرى، ما يضع موضوع الغاز وكذلك النفط في المتوسط موضع صراع لا موضع تعاون، وهو الصراع الذي ابتُديء به في ليبيا وتمت تثنيته في سوريا. وهو ما جعل تركيا تضعه في خانة الإستهداف المباشر لمصالحها في المنطقة.

كيف يستهدف المصالح التركية؟

لأنه (منتدى غاز المتوسط) يعمل على تصدير الغاز المستخرج من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر إيطاليا واليونان، عازلاً بذلك الدور التركي الدولي في عملية نقل الغاز والنفط الذي تعتبره أنقره استهدافاً مباشراً لطموحها الإقليمي (الذي تساعدها عليه روسيا وتقبل به واشنطن بخجل أحياناً أو بتناوب بين قبول جزئي تقره الدولة الأميركية العميقة أو قبول كامل يُقرّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب).

روسيا تريد تعظيم الدور التركي (كي تضمن مصالحها) ولكن ليس بجشع عثماني جديد

وما هو طموح تركيا الإقليمي؟

طموحها بأن تكون هي مركز تجميع (Hub) كل هذه الثروات لا اليونان. وهو طموح يعبر عن جشع، وليس عن واقعية. حتى روسيا أرادت أن تكون تركيا واليونان (الارثوذكسية!) معاً في حوض التجميع الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا؛ بمعنى أن روسيا تريد تعظيم الدور التركي (كي تضمن مصالحها) ولكن ليس بجشع عثماني جديد.

هل تعتقد أن إعتراضات تركيا وتهديداتها لها ما يبررها؟

أعتقد أن إعتراض تركيا له مبرراته القانونيّة؛ لأنها ليست جزءاً من الاتفاقيات التي تم إقرارها، خصوصا وأن لها حدودها البحرية مع قبرص واليونان وسوريا؛ وهي تعترض على احتكار قبرص المعترف بها دولياً للسيادة على كامل الحدود البحرية لقبرص، فيما هي تريد حصتها من منطقة شمال قبرص التركية التي لها حدود بحرية مباشرة مع تركيا، برغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بقبرص التركية منذ أواسط السبعينيات. وزيادة في التصعيد، فقد عمدت تركيا إلى إرسال سفن للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية التابعة لها ولقبرص التركية بسفينتَين هما “فاتح” و”ياووز” لاستعراض عضلاتها وللقول إنها جزء لا يتجزأ من غاز المتوسط.

لسنا ذاهبين إلى تعاون غازي ونفطي إقليمي فعلاً، إنما إلى تكريس صراعات سياسية وحدودية وصراعات نفوذ

هكذا منتدى يفتح الأبواب للصراع؟

نعم، مع هذا المنتدى، لسنا ذاهبين إلى تعاون غازي ونفطي إقليمي فعلاً، إنما إلى تكريس صراعات سياسية وحدودية وصراعات نفوذ؛ وبكلمة أوجز وأقول إن هذا المنتدى وصفة لاستخراج الغاز والنفط المتوسطييّن بتفاهمات وصراعات معاً، وقد يتم إفتتاح المشهد بمواجهات عسكرية (ولا نقول حرباً ضروساً) ولو إلى حين، وعندما تخمد المواجهات، تكون حدود مناطق الاستخراج هي حدود آخر لحظة تم فيها وقف المواجهة.

بالتركيز على استبعاد سوريا من المنتدى. كيف يمكن أن تتأثر الحقوق والمصالح السورية في التنقيب والاستثمار؟

سأكون صريحاً لأبعد حدّ؛ فالقلق يكتنفني من أن الحرب في سوريا قد أجّلتْ بصورة لافتة الدخول السوري إلى نادي المستخرجين للثروات في المتوسط [ولا أقول للمنتدى المذكور لوجود إسرائيل فيه بالدرجة الأولى]. وهذا له شقان: إما أن التوازنات الدولية لم تفضِ إلى (يالطا) اقتصادية تحدّد الكميات المسموح باستخراجها في السوق العالمية من الثروات، والتي تحدد الاسعار وتحدد المكانة الإقليمية – الدوليّة لثروات سوريا في المعادلة الأوروبية والعالميّة، والمؤشر هنا عدم قيام روسيا بأي دور استخراجي في المنطقة البحريّة (المتواضعة) التي تعاقدت بها مع دمشق منذ 5 سنوات، بانتظار تفاهمات دوليّة على الأغلب. أو أن هنالك عدم رغبة في الغرب بتمكين سوريا من دور إضافي (بالثروات) يتموضع فوق مكانتها الجغرافية الفائقة كنقطة وصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا وباعتبارها الفتحة الأساسية للبرّ الآسيوي على البحر المتوسط، مما يزيد من مكانة ودور سوريا. إذ تمّ، عبر الحرب، سلبها، وربما إلى حين (طويل)، لدورها كنقطة تجميع Hub كانت تطمح له بحكم جغرافيتها ووفق مشروع طموح طُرح وهو “البحار الخمسة”؛ الذي أعتقد أنه أشعل الضوء الأحمر ضدها.

قد يكون في ذهن البعض منع ما سبق بسبب موقع سوريا وملاصقتها لإسرائيل ومحاولة ابتزاز الجغرافيا وإضعافها بمحدودية العائدات

هل لذلك علاقة بمشروع إعادة إعمار سوريا؟

يتمحور قلقي حول هذه النقطة تحديداً وأن يكون المطلوب هو التقليل من وزن سوريا في نادي المصدّرين؛ وأن يكون ما يتأتى عنه هو فقط لتمويل طويل الأمد لإعادة الإعمار، أيّ الحكم عليها ألاّ تدخل عالم الأغنياء وبالتأكيد عدم دخولها عالم الأثرياء. حيث قد يكون في ذهن البعض منع ما سبق بسبب موقع سوريا وملاصقتها لإسرائيل ومحاولة ابتزاز الجغرافيا وإضعافها بمحدودية العائدات.

كم عدد البلوكات في المنطقة الاقتصادية السورية وكم لُزّم منها حتى الآن وعلى من رست؟

عدد البلوكات في المنطقة الإقتصادية السورية الخالصة هي 14 وقد تم تلزيم بلوك واحد فقط بين طرطوس وبانياس. وقد تم المسح السيزمي في العام 2006 عن طريق شركة أنسس النرويجية التي قامت بإعطاء المعلومات إلى شركة سابجكس وكلاهما شركتان نرويجيتان وبين عامي 2006 و2007 تم شراء الشركتين لاحقاً من قبل شركة سي‌جي‌جي ڤريتاس. والاستكشاف مؤكد والتقديرات أيضاً مؤكدة لدى شركة ڤريتاس.

هل هناك خلافات بحرية مع جيران سوريا مثل قبرص ولبنان وتركيا؟

لا توجد هناك حدود بحرية ذات وضع خلافي مع قبرص وإنما كل ما في الأمر أنها تحتاج إلى اتفاقات ولم تحصل هذه الاتفاقات. وبرغم أن الرئيس القبرصي السابق، وتحديدا بين العامين 2009 و2011 كان يطالب بشدة بهذا الترسيم ولكن بسبب الاحراج بخصوص شمالي قبرص ربما تمهلت الدولة السورية في الأمر. أما بالنسبة للبنان، فلا توجد مشكلة كبيرة في الترسيم البحري بين البلدين ولكن حتى هذه اللحظة لم يتم ذلك لاعتبارات عديدة. أما بالنسبة إلى تركيا. نعم توجد خلافات مع تركيا لاعتبارين، الأول، يتعلق بموضوع لواء اسكندرون. والثاني، هو الحدود الممتدة مع قبرص الشمالية التي لم يتم الاعتراف بها حتى اللحظة.

لا ننسى علاقة موسكو بتل أبيب ودورها باستخراج أحد أهم مناطق الغاز في المتوسط مع إسرائيل وهي لا تعتبر الأخيرة منافسة لها بل زميلةً لها

يُقال إن تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط هو إحدى الأدوات الأميركية لتخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. هذا يضع روسيا حليفة دمشق في قلب المعادلة. وبالتالي يمكن أن تصبح خيارات دمشق محكومة بتحالفها مع الروسي.. ما رأيك؟

نعم. المطلوب غربيّاً عدم استئثار روسيا برقبة أوروبا، ولكن روسيا، حسبما ذُكر لي من مسؤول روسي، لا ترغب بتأمين أكثر من 46% من حاجات أوروبا؛ فهي تُقرّ بعدم رهن أوروبا كليّاً لها وتفهم وتتفهم أن أميركا لن تسمح لها بذلك، وهذا من طبيعة الأشياء، كما أنها تفهم أن هذا مكلف، وهي لا تريد أن تتحمّل نتائج طموح ليس مناسباً بلغة الاستراتيجية. فهي ليست غرّاً كما هو حال تركيا، حتى تتوهم أنها ستسيطر على كل السوق الأوروبية. فهذا ليس من السياسة بمكان. وهو يبدو كلعب الأطفال. كما أنها تفهم أن سوق الثروات (الغاز والنفط) ليس حكراً عليها، فهنالك دول في المنطقة تشكّل طرفاً هاماً في المُعادلة كإيران وقطر ولا ننسى علاقة موسكو بتل أبيب ودورها باستخراج أحد أهم مناطق الغاز في المتوسط مع إسرائيل وهي لا تعتبر الأخيرة منافسة لها بل زميلةً لها.

لموسكو حساباتها بالتأكيد؟

موسكو لا تريد الصدام. وهذا مفتاح فهم السياسة الروسية. إنها تريد أن تكون دولة عظمى بـ(low profile) حتى تقّلل من تكاليف ذلك، ولا تريد أن تنفرد. وبالتالي لا بد من انتظار التفاهمات بينها وبين الكبار ومع سوريا ومع الإقليم.

الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا أعاد خلط أوراق معادلة الصراع، وثمة من يقول أنه قد يفرّغ منتدى شرق غاز المتوسط من مضمونه وفاعليته. كيف تنظرون إلى هذا الاتفاق وهل يمكن القول أن أنقرة نجحت في قلب الطاولة؟

الاتفاق التركي الليبي ليس واضح معالم القدرة على الاستمرار فيه وإقراره لأنه اتفاق مُنسلّ في الوقت الضائع من الصراع والحرب الليبية. قد لا يُقرّ لكنه يعزّز دور تركيا في الصفقة الليبية القادمة ويرفع سقف مشاركتها في المقاسمات الدولية للغاز والنفط المتوسطيين بعد أن تهدأ البنادق. وهو اتفاق يقوم على القول “نحن هنا” لا أكثر في الوقت الراهن. وسقفه عالٍ بانتظار تخفيضه لاحقاً.

على ماذا تقوم المناورة التركية هنا؟

ينص الاتفاق على أن تركيا وليبيا حددتا تحديدا “دقيقا!” المناطق البحرية لكل منهما في البحر الأبيض المتوسط، وعليه فقد أصدرت تركيا إشعارا بحرياً بإغلاق منطقة بحرية موازية لثلاث جزر يونانية في شرق البحر المتوسط، وذلك قبيل لقاء مرتقب يجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على هامش قمة حلف الناتو في لندن، بهدف التفاوض من موقع القوة ولو بالاتفاق الافتراضي سابق الذكر. أي أنها تستخدمه تكتيكيّاً حيث أغلقت المحطة الهيدروغرافية في أنطاليا، لأيام، مساحة بحرية ضخمة بين جزر كريت وكارباثوس ورودس، وهذا جزء من الصراع التركي مع اليونان. فأنقرة تريد من هذا الاتفاق أن يضعها على طاولة الكبار في أوروبا طالما أن الأخيرة لا تسمح لها أن تكون عضواً بالاتحاد الأوروبي. هذه الاتفاقية محاولة لفرض اعتراف بقبرص التركية، وتمدد الجرف القاري لتركيا بنحو الثلث، ما يسمح لها بالمطالبة باحتياطيات النفط والغاز المكتشفة حديثا في شرق البحر المتوسط. حيث المُقدر أنه سيصل إلى 3 تريليون دولار ويكفي أوروبا لحوالي 30 عاماً. والكميات الموجودة بين تركيا وقبرص تلبي احتياجات تركيا للغاز الطبيعي لمدة 572 سنة.

الاتفاق التركي الليبي بأكمله قفزة في الهواء، وليس أكثر من وضع للملف التركي كشريك مستقبلي على طاولة الطاقة الشرق أوسطيّة

نعم، قد توحي هذه الاتفاقية أنها تقطع الطريق على أي مشاركة في موارد الغاز لليونان وقبرص اليونانية مع مصر، وتهدد مصالح ايطاليا ومالطا وكردّ على تجاهل إتفاقيات مصر واليونان وقبرص لها بشأن التنقيب عن الغاز في المناطق الاقتصادية يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر 2018 . فالتجاهل يدفع نحو التصعيد الذي نؤكد أنه لم يطوِ الصفحة بعد، فالاتفاق التركي الليبي بأكمله قفزة في الهواء، وليس أكثر من وضع للملف التركي كشريك مستقبلي على طاولة الطاقة الشرق أوسطيّة.

كيف تفسر قول موسكو أن الاتفاق التركي – الليبي يزيد التوتر في ليبيا والمنطقة؟

كما قلنا، روسيا تريد تعظيم الدور التركي ولكن ليس إلى حدّ وصوله إلى جنون العظمة (العثماني) وليس إلى حد الصدام الإقليمي – الدولي. والاتفاق فعلاً يزيد من التوتر. ولهذا فروسيا تضرب ضربتين (واحدة على الحافر وأخرى على النافر)، كما يقول المثل المحليّ، والقاعدة في السياسة الاستراتيجية تقول: لا تكبر الصغير وأضعف الكبير. والشق الأخير ينطبق على تركيا. وروسيا كما قلنا تريد شركاء لا صراعات استنزافيه في منطقة يفترض أن القسمة العالمية القادمة عليها يجب أن تكون مبنية على الاستقرار لا على تزاوج الاستقرار بالفوضى كما يريد بعض الأميركيين وفقاً لسياسة ما بعد بعد الحداثة. ولهذا لا ترى موسكو في الاتفاق التركي الليبي إلاّ المزيد من الانجرار إلى الفوضى وربما تعرف أنه قد ولد ميتاً أو محتضراً أو مريضاً جداً (ينشد شفاءه).

اقرا ايضا: «النواب الأمريكي» يبدأ أولى خطوات عزل ترامب..

هل يمكن أن تجد دمشق نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن تنضم أو تعمل مع منتدى تعتبر إسرائيل أحد أعضائه، أو أن تضطر للتناغم مع السياسة التركية خصوصاً مع حضور العامل الروسي؟ أم أن دمشق تملك خيارات أخرى؟

الخيارات مفتوحة ولكن ليس مع المنتدى المذكور. دمشق قد تلجأ للاتفاقات الثنائية كبديل عن تفاهم جمعيّ ولكن كل هذا مشروط بإنهاء الحرب والتوافق على منسوب الثروة الغازية والنفطية السورية في السوق العالميّة.

موقع 180