الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

وزير صناعة أسبق يعلن عن مفاجأة.. القطاع العام الصناعي مرتع للفساد

وزير صناعة أسبق يعلن عن مفاجأة.. القطاع العام الصناعي مرتع للفساد

شام تايمز

في غمرة الاندفاع الحكومي نحو إصلاح القطاع العام الاقتصادي، وانهماك اللجنة العليا لإصلاحه باختيار نقاط البدء، وقد اختارتها بتحديد القطاع العام الصناعي أولاً، والبداية بنقطة الصفر من المؤسسة العامة للصناعات النسيجية باعتبارها أضخم المؤسسات العامة الصناعية، التي تضم 25 شركة، يعمل فيها 17882 عاملاً، وهي تعاني من قِدم آلاتها، وسوء منتجاتها قياساً بالمنتجات العالمية لهذا النمط من الصناعة، لدرجة أنها تفقد وإلى حدّ كبير ثقة المستهلكين، كما تنوء عادة تحت وطأة كثرة المخازين لسوء التسويق، وضحالة الترويج أكثر، فما تزال الضحالة تحكم مفهوم التسويق والترويج سواء بتعليماتٍ وتوجيهات وترصّدٍ رقابي قائم على التشكيك والتهويل، أم بضعف الخبرة وقلة الاهتمام، ما يضع الكثير من العقبات في وجه الشركات المنتجة فنراها شبه محجوبة عن ممارسة طرائق التسويق الفاعلة والمؤثّرة، وأساليب الترويج المجدية، ما يحدّ من القدرة على اتخاذ قراراتها أمام الذعر الرقابي الذي يطوقها بجلافةٍ فظيعة، قاطعاً عليها طرق المبادرات، غير أنّ هذه الجلافة لم تأتِ من فراغ، فعلى الرغم من القيود المشدّدة التي تُفرض على القطاع العام، فقد كان هذا القطاع بارعاً دائما بابتكار طرق الفساد وأساليب التجاوزات ودهاليز النهب الذي يستنزف الكثير من مقدرات الدولة، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية الأصعب.
قيود رقابية.. وفساد مبدع
وهكذا يطفو على السطح سؤال صعب: هل من الأفضل أن تُعطى الإدارات الحرية الكاملة والمرونة الكافية التي تُمكنها من اتخاذ قراراتها دون عقبات، واختيار كيفية تأمين مصالحها وتعاقداتها بعيداً عن القيود القانونية التي تتذرّع بها الإدارات دائما على أنها تُكبلها وتضعها أمام هيمنة بيروقراطية وروتينٍ قاتل يجبرها على فوات الكثير من الفرص والمنفعة..؟!
أم هل من الأفضل التشدّد بالتقييد القانوني والرقابة الصارمة على الأداء وعلى نمط الإدارة لضمان استقامتها ونزاهتها..؟!
إنها في الحقيقة مشكلة عويصة جداً، فالإدارات تحتاج إلى المرونة وحرية اتخاذ القرار فعلاً، ولكنها أثبتت دائماً وبما لا يرقى إليه الشك بأنها من دون هذه الحرية والمرونة تُفظّع بابتكار حالات الفساد والالتفاف على القوانين، وإن بقيت مقيّدة فإنها بالفعل أيضاً ستبقى بمواجهة الروتين وضياع الفرص..!
تبديد الرصيد التاريخي
إننا بالفعل أمام مشكلة حقيقية، وعلى الأخص عندما يطال الحديث مثل هذه المؤسسة الحكومية الضخمة وذات الجذور العريقة (المؤسسة النسيجية) التي كان من المفترض – تبعاً لتراكم مهني عبر التاريخ – أن تنافس مؤسسات ومصانع العالم كله، لأنّ أول نول يدوي عُثر على أدلة عنه كان في مدينة “دمشق”، حيث تُشير الكتابات الأثرية القديمة إلى أن الحرفيين السوريين كانوا هم سادة صناعة النسيج منذ 4000 سنة قبل الميلاد، وفي مملكتي ماري وإيبلا اتّضح أنّ صناعة النسيج انتعشت فيهما من الكتان والصوف، كما اشتهر الفينيقيون على الساحل السوري بابتكارهم للأنسجة الملونة بالأحمر الأرجواني في الألف الأول قبل الميلاد، وفيما بعد حافظ حرفيو سورية على شهرتهم في صناعة المنسوجات المتنوعة في عهد الرومان وفي العصر الإسلامي حيث طوروها عبر العديد من التصاميم والأنماط التي غزت العالم.
على هذه القاعدة من الرصيد التاريخي الضخم كان من المفترض أن تقوم المؤسسة العامة للصناعات النسيجية السورية، لتستكمل المشوار وتزيد في الأمر إبداعاً وابتكاراً مدهشاً يجذب العالم، لاسيما وأنها تتعاطى مع مواد أولية محلية أبرزها (القطن) هذا المحصول الاستراتيجي الذهبي الذي تنبثق منه مجموعة صناعات متسلسلة تُضيفُ على بعضها قيماً مُضافة تُكسبه المزيد من الأرباح المضاعفة، فالقطن يعني الحلج ومن بعده الغزل ثم النسيج فالصباغة ومن بعدها الملابس بأزيائها المتعددة والمختلفة الألوان والأشكال، فضلاً عن القطن والشاش الطبي اللذان يُستخدمان في مختلف المشافي والمراكز الصحية والعيادات والمخابر والصيدليات وحتى في المنازل، ثم اللينت الناجم عن حلاقة بذور القطن الذي يعتبر مادة أولية نادرة لصناعات عديدة لا نخبرها – مع الأسف – أبرزها دخوله في تراكيب بعض الصناعات التجميلية، وفي تراكيب بعض المتفجرات أيضاً، ولذلك لا نقوى إلاّ أن نقوم بتصدير أطنانه هكذا خاماً..!
كما ويدخل القطن أيضاً في ميدان الصناعات الغذائية، والأعلاف، من خلال تكسير البذور وعصرها حيث ينتج عن ذلك زيتاً غذائيا ممتازاً (زيت القطن) وبقايا البذور تصير علفاً عالي القيمة للحيوانات.
المختبر الحكومي
على كل حال هذه المؤسسة العامة للصناعات النسيجية هي اليوم في المختبر الحكومي المُشكّل على هيئة لجنة عليا لإصلاح القطاع العام الاقتصادي، والتي يترأسها المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء، ولم يتسنَّ لهذه اللجنة أن تفعل شيئا حتى الآن لجهة أي قرار إصلاحي، على الرغم من أن فكرتها انبثقت منذ أكثر من عام، ولم يحصل أي خطوة بهذا الاتجاه باستثناء تشكيل اللجنة العليا التي حسمت أولوياتها بالبدء في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، وبشكلٍ ميداني – على ما يبدو – بعيداً عن أي برنامج إصلاح اقتصادي مُسبقٍ ومحدد الملامح والخطوط، وفي آخر اجتماع لهذه اللجنة المنعقد في 18/ 12/ 2019 بدا رئيس الوزراء متفائلاً عندما اعتبر في بداية الاجتماع بأن خطة اللجنة واضحة المعالم، وسوف تنجز المرحلة الأولية لها، حيث بدأنا نضع يدنا على الجرح – كما قال – وعلى مكامن الخلل في القطاع الاقتصادي، ولكن في الحقيقة فإن الأمر لم يكن كذلك في نهاية الاجتماع الذي خيّمت عليه أجواء من عدم الارتياح، وجرى الاتفاق على عقد اجتماع آخر مطلع العام الجديد.
لا أمل يُرتجى من الإصلاح.. !
في غمرة هذا الاندفاع الحكومي وهذه المخاضات والإرهاصات السابقة لإصلاحٍ اقتصادي مرتقب ما تزال نتائجه ضبابية المعالم حتى الآن، استبعد وزير الصناعة الأسبق الدكتور حسين القاضي أي أملٍ يُرتجى من إصلاح القطاع العام، وحطَّ كثيراً – عبر محاضرةٍ له في جمعية العلوم الاقتصادية – من فكرة ما يُسمى (القطاع العام الاقتصادي) معتبراً أن وجود هكذا قطاع ما هو إلاّ اختراق مشوّه لمفهوم القطاع العام الذي رافق ظهور الدولة وتطور وظائفها، بصورة عامة، إذ أنه من الطبيعي أن تقدم الدولة أنواعا من السلع والخدمات العامة بأسعار مجانية أو بأسعار رمزية إلى مواطنيها، عبر بعض الخدمات التي يمليها مفهوم الدولة الراعية، التي لا ترغب في التدخل في الشأن الاقتصادي إلا في حالات استثنائية.
والقطاع العام الاقتصادي لا يراه الدكتور القاضي أكثر من منصّة للفساد والرشوى والتجاوزات التي أنهكت البلاد.
الثورة الصناعية السورية
يرى وزير الصناعة الأسبق د. حسين القاضي بأن سورية شهدت ثورة صناعية حقيقية بدأت مع زوال الاحتلال العثماني للأراضي العربية عام 1916 بعد أن شهدت ركوداً اقتصادياً طويلاً، فسقوط الدولة العثمانية قدم نقطة انطلاق جديدة حررت الاقتصاد السوري من القيود القديمة، ما مكن الورشات الصناعية أن تتحول إلى مصانع عصرية، ففي عام 1934 كان في دمشق 63 مصنعاً، وفي حلب 71 مصنعاً، ومع نهاية عام 1936 صار في سورية 7 شركات مساهمة وقد ازداد عددها ليصبح 9 شركات مساهمة عام 1939 في عام 1956 بلغ عدد الشركات المساهمة 177 شركة، ومن بين هذه الشركات الشركة الصناعية المتحدة الخماسية في دمشق، والشركة السورية للغزل والنسيج وشركة الشهباء للإسمنت في حلب وشركة سكر حمص.
وقد اعتمدت استراتيجية التصنيع في تلك المرحلة على المواد الأولية المنتجة محلياً، كالقطن السوري عالي الجودة، الذي أتاح إنتاج الغزول والمنسوجات ذات الجودة العالية والأسعار المنافسة، ما جعلها تكفي السوق المحلي وتصدر إلى بعض الدول الأخرى.
أما معدلات النمو الاقتصادي في الفترة التي تلت الاستقلال – يوضح القاضي – بأنّ سورية كانت الأفضل بين كافة الدول العربية، وكانت تتراوح بين 5%-7% خلال الفترة الواقعة بين عامي 1950 -1953 وقد بلغ معدل النمو الاقتصادي 6% في الفترة بين 1953 – 1957 وترافق ذلك مع معدل تضخم يقارب (الصفر) في تلك المرحلة، ولم تقتصر الزيادة على الناتج المحلي الإجمالي بل شملت الدخل الفردي أيضا، ما يشير إلى نمو الطبقة الوسطى في سورية وهي الضامن الحقيقي للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وقد انعكس ذلك على إقبال المواطنين على شراء الأسهم في الشركات المساهمة السورية، التي بنت مصانع متقدمة تعتمد على تكنولوجيا معاصرة مكنتها من الصمود في المعركة التنافسية التي لا ترحم، واستند تقدم الشركات المساهمة في تلك المرحلة، إلى إطار من الحوكمة المجتمعية، الذي تمثل بقانون التجارة، ونظام قضائي يعتمد على العدالة والشفافية، في ظل أحزاب متنافسة وصحافة حرة ومجلس نواب يتبع له جهاز الرقابة الحكومي وسوق بسيط لتبادل الأوراق المالية.
وقد عبرت البورجوازية الوطنية – حسب القاضي – عن طموحاتها القومية التي تؤدي إلى توسيع السوق عن طريق مشروع الهلال الخصيب، لكن الظروف السياسية لم تسمح بتحقق هذا المشروع، ليحل محله مشروع آخر هو قيام دولة الوحدة بين سورية ومصر بزعامة جمال عبد الناصر.
ورأى القاضي بأن دولة الوحدة لم تُلبِّ مطامح البورجوازية الوطنية، فكان التباعد الجغرافي بين الإقليم السوري والمصري، بالإضافة إلى التوتر السياسي الذي نشأ بين عبد الناصر من جهة وزعماء الدول العربية المجاورة من جهة أخرى، الأمر الذي انعكس على الصادرات السورية إلى هذه الدول بشكل جزئي، وأكثر من ذلك فقد تبنى عبد الناصر نظاماً أقرب إلى الاشتراكية.
نشوء القطاع العام الاقتصادي في سورية
أصدر عبد الناصر المرسوم 117 المؤرخ في 20\7\1961 نقلت بموجبه ملكية المصارف وشركات التأمين، بالإضافة إلى 15 شركة صناعية إلى الدولة بالكامل، كما صدر المرسوم 118 في نفس التاريخ انتقلت بموجبه نصف ملكية رؤوس الأموال لاثني عشر شركة سورية أخرى، وصدر في نفس التاريخ مرسوم آخر برقم 119 حظر على أي شخصية طبيعية أو اعتبارية أن تمتلك أسهماً تزيد قيمتها على مئة ألف ليرة سورية، وقد تم تعديل هذا المرسوم وتخفيض سقف الملكية فيما بعد، وكانت هذه التشريعات التي أصدرها عبد الناصر تؤسس للقطاع العام الاقتصادي، وتفصل البورجوازية الوطنية عن المشروع القومي وتحكم بفشله السريع، وبالفعل لم تمض شهور معدودة حتى انفرط عقد الوحدة، ولم يتمكن حكم الانفصال من الصمود طويلاً، حيث تسلم البعثيون السلطة في آذار عام 1963.
وفي خريف العام المذكور عقد المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يحكم سورية والعراق في ذلك الوقت، وقد اقر المؤتمر أن ثمة تلازماً عضوياً بين النضال القومي والصراع الطبقي، ودعا إلى تأميم وسائل الإنتاج والقضاء التدريجي على الملكية الفردية إلا بحدود الاستعمال الشخصي، وكانت هذه المقررات نقلة باتجاه اليسار وإعلان الحرب على البورجوازية الوطنية، وإفراغ العمل القومي من مضمونه الاقتصادي، فتسارعت حركة هروب رأس المال الوطني والخبرات المحلية التي تراكمت خلال الثورة الصناعية إلى الأردن ولبنان ودول أبعد.
ولم تتأخر القرارات التنفيذية، حيث صدرت قرارات أممت كافة الشركات المساهمة وعدداً من الشركات الأخرى في بداية عام 1965 فصار قطاع التأمين والمصارف وجزء هام من قطاع الاستيراد والتصدير والتجارة الداخلية مملوكاً للدولة ملكية تامة، بالإضافة إلى كافة الشركات الكبرى من قطاع الصناعات التحويلية، وكانت الحكومة السورية قد شيدت مصفاة حمص في أواسط الخمسينات، كما أممت شركة الكهرباء والحافلات الكهربائية عام 1951 وعملت على توسيع القطاع العام عن طريق إنشاء شركات جديدة أو توسيع الشركات القائمة، فهيمن القطاع العام على النشاط الاقتصادي في سورية وما يزال مهيمناً حتى الآن رغم أن القطاع العام لم يمارس نشاطاً استثمارياً ذا أهمية منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، كما لم يمارس القطاع الخاص ذلك الدور الموعود، ما انعكس على تراجع معدلات النمو حتى صارت سالبة بحسب الأسعار الثابتة، الأمر الذي أدّى إلى اتساع نطاق الفقر وتزايد موجات الهجرة إلى دول الخليج ودول مجاورة ودول أخرى بحثاً عن عمل، وقد ساعدت – يقول القاضي – هذه الظروف على انضمام بعض الشباب اليائس إلى المنظمات الإرهابية.
القطاع العام عبء ثقيل على الاقتصاد
وقال القاضي بأن القطاع العام السوري يسيطر على صناعة الغزل سيطرة تامة، كما يسيطر على نسبة كبيرة من صناعة النسيج القطني والصوفي والنايلون، بالإضافة إلى سيطرة كاملة على صناعة الدقيق والتبغ والمياه المعدنية ومساهمة كبيرة في الصناعات الأخرى والفنادق، ومع ذلك فإن القطاع العام يمثل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني، فقد حقق القطاع الخاص في قطاع الصناعات التحويلية فائضاً يزيد على 40 مليار ليرة سورية عام 2009 (المجموعة الإحصائية) إلا أن القطاع العام في الصناعات التحويلية حقق عجزاً يقارب 140 مليار ليرة سورية عن نفس العام، وزاد عجز القطاع العام في الصناعات الغذائية على 14 مليار ليرة، بينما حقق القطاع الخاص فائضاً يقارب 18 مليار ليرة سورية عن نفس العام.
وبالرغم من عراقة الصناعة التحويلية في سورية وقد كانت في طليعة الدول العربية خلال الخمسينات فإن مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي بلغت 4% فقط فيما وصلت إلى 20% في كل من تونس ومصر كما قفزت إلى 40% في النمور الآسيوية، أما بنية الصادرات السورية فقد كانت نسبة المواد الأولية فيها 79% وهو مؤشر هام يؤكد تراجع الصناعة في سورية.
تغطية عجز القطاع العام
يوضح القاضي أنّ القطاع العام مملوك للدولة وهي المسؤولة عن تسديد كافة التزاماته، لذا فإن صندوق الدين العام التابع لوزارة المالية هو الذي يغطي هذا العجز. ومن الطبيعي أن موارد الدولة المعتادة من ضرائب دخل أو ضرائب خدمات وغيرها تكاد لا تكفي لتمويل النفقات المعتادة للنفقات الحكومية، ولذلك فإن الدولة مضطرة لتدبير تمويل عن طريق الاقتراض من المصرف المركزي، وهي الوسيلة التي اعتادت الحكومة السورية على اتباعها، ويؤدي الاقتراض من المصرف المركزي إلى زيادة الكتلة النقدية المتداولة دون مبرر إنتاجي، والنتيجة الطبيعية هي انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وارتفاع أسعار العملات الأخرى ويتلو ذلك بطبيعة الحال ارتفاع أسعار السلع والخدمات وعجز أصحاب الدخل المحدود عن تأمين حاجاتهم الأساسية، فتزداد جماهير الفقراء عن طريق تفتت الطبقة الوسطى وانضمامها إلى جموع الفقراء وقد بلغ معدل الفقر الدولي في سورية خلال عشر سنوات من 1996-2003(30%) من مجموع السكان، هذا ما يجعل حل مشكلة القطاع العام أولوية كبرى ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، وخاصة في الظروف التي تمر بها بلادنا في الوقت الحاضر.
القطاع العام يحدّ من الإبداع
كما أن تبعية أي شركة للحكومة، أدى إلى خضوعها للنمط الموحد المتبع في الدولة بناء على القوانين والأنظمة الموحدة الناظمة لكافة شركات ومؤسسات القطاع العام. فملاك الشركة يصدر بمرسوم، ويتضمن النظام الداخلي لأي مؤسسة أو شركة وظائف متشابهة، قلما يراعي الظروف الخاصة لكل شركة أو مؤسسة، أما الوظائف فتقسم إلى خمس فئات: الفئة الأولى شهادة جامعية، والثانية ثانوية، والثالثة تعليم أساسي، والرابعة مهنية أما الخامسة فهي لياقة بدنية، وفي ذلك تجاهل للخبرة العملية، ووضع سقوف أمام الأنشطة الإبداعية المتميزة طالما أن الراتب يرتبط بالشهادة التي يحملها الموظف، مهما تكن الوظيفة التي يشغلها، يضاف إلى ذلك ضعف مستوى التدريب المهني في القطاع العام، واعتماد نظام الحوافز على كمية الإنتاج دون أخذ الجودة الشاملة أو الربحية بعين الاعتبار، ولعل ذلك يفسر امتلاء المستودعات بمنتجات مكدسة غير مرغوبة في السوق المحلي ولا تجد طريقها إلى التصدير، وتقيم بثمن التكلفة أو بسعر البيع، وكلا السعرين قد لا يكونان قابلين للتحقق بسبب عدم القدرة على التسويق، هذا ما يدفع شركات الملابس الجاهزة لتلجأ إلى الاستيراد للحصول على أقمشة نسيجية بالرغم من وجود شركات للغزل وأخرى للنسيج في القطاع العام تعتمد على نظام إنتاجي متطور وآلات حديثة لكنها لا تنتج الغزول الرفيعة والأقمشة اللامعة التي تصلح لصناعة الملبوسات الجاهزة، والسبب ضعف مستوى الموارد البشرية وسوء الإدارة، من خلال معدلات تعتبر الشهادة هي الأساس في حساب الراتب في ماضي العامل وحاضره ومستقبله، ولا تملك الشركة الحكومية خيارات لانتقاء حاجتها من العاملين وفق ظروف تمليها حاجات السوق في ظل نظام العرض والطلب، مما يساعدها على تحسين الإنتاج أو تخفيض التكاليف وتحقيق الأرباح، أما إذا رأت الإدارة أن من مصلحتها تسريح العامل بسبب تراجع الإنتاج، أو عدم ملائمة العامل لظروف الإنتاج المستجدة أو بسبب عدم تقيده بالتعليمات الصادرة من الإدارة، فإن الإدارة مضطرة لاتباع إجراءات مطولة تجعل عملية التسريح ضرباً من المستحيل.
محاولات التصدي لمشكلات القطاع العام
وتطرّق القاضي إلى مجمل المحاولات الفاشلة التي جرت سابقاً من أجل التصدي لمشكلات القطاع العام، مُعتبراً أنّ السلطات السياسية، تحسست مشكلة القطاع العام الاقتصادي وحاولت التصدي لحلها، حيث أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي القرار رقم 82 تاريخ 6 /2/ 2000 “حول تأهيل القطاع الصناعي والصناعة في سورية وواقعها ومستلزمات إعادة تأهيلها” وقد اعتمد القرار المذكور مجموعة من الأسس والمبادئ لإدارة القطاع العام الصناعي وهي: الإدارة الاقتصادية، فصل الإدارة عن الملكية، الاستقلال المالي والإداري للشركات والمؤسسات، إخضاع القطاع العام الصناعي لأحكام قانون التجارة من حيث تحديد سياسات التسعير والاستخدام والأجور، الأخذ بآلية السوق فيما يتعلق بالمنافسة والربح والجودة والسعر، الاستعانة بشركات إدارة داخلية وخارجية، تحديد العلاقة مع وزارة المالية من خلال دفع الضريبة وحصة الدولة من الربح، وزارة الصناعة هي الجهة المشرفة الوحيدة على الشركات والمؤسسات.
وقد تبع ذلك القرار إصدار قرار من رئيس مجلس الوزراء قضى بتشكيل لجنة من 35 عضواً لاقتراح مشروعات القوانين والمراسيم والصيغ التنفيذية اللازمة لتحقيق المبادئ والأسس التي تضمنها القرار رقم 82 السابق، والواقع أن اللجنة أصدرت تقريراً هاماً، في حدود المبادئ التي تضمنها القرار الآنف الذكر، إلا أن ذلك التقرير لم ير النور، بالرغم من الجهود التي بذلت في إعداده، ولعل أهم مخرجات التقرير المذكور هي إلغاء الشركات الحكومية واستبدالها بشركات مساهمة تمتلكها الدولة.
بعد ذلك جاءت مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي، حيث أدى تراجع القطاع العام عن الدور المخطط له حسب الاتجاه الإيديولوجي الذي كان معتمداً، إلى صدور قرار المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 2005 الذي تبنّى اقتصاد السوق الاجتماعي، لكنه لم يعرض تعديلات للأدبيات السياسية السابقة، كما لم توضع تعليمات لشرح كيفية تطبيق اقتصاد السوق، ومع ذلك فإن حكومة (ناجي عطري) شرعت بتطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي، عندما سعرت المحروقات بالسعر العالمي ما رفع تكلفة إنتاج القمح المروي في شرق سورية، وقد أبقت على أسعار القمح أقل من الأسعار العالمية ما أدى إلى مغادرة قرابة مليون فلاح أراضيهم والعودة إلى الحل والترحال في مناطق أخرى.
كما طبقت تلك الحكومة اقتصاد السوق مرة أخرى عندما فتحت الأسواق المحلية لاستيراد المنتجات التركية والصينية وأعفتها من الرسوم الجمركية فأدى إلى إغلاق الكثير من المصانع السورية ليتحول أصحابها إلى تجار يستوردون البضائع جاهزة من الصين أو تركيا، أما العمال فقد انضموا إلى جيش العاطلين عن العمل.
ومع ذلك فإن مثل هذه القرارات لا تعني فشل اقتصاد السوق، بل إن هذا الاقتصاد يمثل ضرورة لا بد منها، لكنها تحتاج إلى مقومات متكاملة وليست ترقيعية، وهي: اعتماد اقتصاد السوق في كافة المجالات وكافة السلع والخدمات، وهذا يقتضي إلغاء الأسعار الإدارية أو بعبارة أخرى ترك الأسعار ليحددها قانون العرض والطلب، وإلغاء الرقابة التموينية إلا في الحدود التي لا تتوفر فيها السلع والخدمات بوفرة، إذ أن الرقابة التموينية غير قادرة على إيجاد السلع المفقودة أو إجبار التجار على البيع بخسارة.
بالإضافة إلى تثبيت أسعار صرف العملات الأجنبية عن طريق وضع سياسة نقدية تعيد للمواطنين ثقتهم بعملتهم الوطنية، وهذا يحتاج إلى إعادة النظر بأسعار الفائدة وتشجيع الادخار، وإلغاء مركزية الاستثمار وتشجيع رؤوس الأموال المحلية والعربية والدولية ضمن شروط بسيطة وميسرة، وعرض مشروعات جاهزة عن طريق شركات مساهمة يتاح لجميع المواطنين المشاركة فيها، وإلى ما هنالك من المقوّمات التي طرحها القاضي، وصولاً إلى قانون التشاركية الذي اعتبر أنه أبقى على تركة القطاع العام الحالية كما هي، مع السماح بتحفيز العاملين بقرار من مجلس التشاركية، مع أن تحديث القطاع العام يحتاج إلى دماء جديدة قادرة على التعامل مع التكنولوجيا المعاصرة، كما أن التخلي عن بعض العاملين الحاليين يصطدم بعقبات قانونية وسياسية كثيرة، حيث أن القطاع العام التابع للإدارة الحكومية يبقى خاضعاً لكافة القوانين والأنظمة والتعليمات التي تفرضها الإدارة البيروقراطية الحكومية.
الشركات المساهمة هي الحل الأسلم
وانتهى القاضي إلى القول بأنّ تحويل شركات ومؤسسات القطاع العام إلى شركات مساهمة هو الخطوة الأولى في طريق إصلاح القطاع العام وحل مشكلاته، وذلك بتحرير هذا القطاع من البيروقراطية الحكومية، حيث يتولى مجلس إدارة الشركة المساهمة إدارة الشركة، على مسؤوليته دون الخضوع إلى إجراءات البيروقراطية الحكومية، ويحاسب هذا المجلس في الاجتماع السنوي بحسب النتائج التي يمكنه الوصول إليها، بناء على تقرير مدقق الحسابات المستقل.
فتحول رأس مال الشركة إلى أسهم يمكن مجلس الإدارة من بيع بعض هذه الأسهم بما يتناسب مع حاجات هذه الشركة إلى قاعدة شعبية واسعة من المساهمين، أو إلى شركات متقدمة تكنولوجياً، تشارك في رأس المال والأرباح والإدارة، ويبقى للحكومة دوراً في هذه الشركة من خلال ملكيتها للأسهم، ومن خلال تعيينها لبعض أعضاء مجلس الإدارة بما يلبي حاجات الشركة للإدارة المعاصرة المتخصصة، أما رواتب هؤلاء وغيرهم فتقررها حاجات الشركة غير الخاضعة لمنظومة القوانين والتعليمات المعتمدة في البيروقراطية الحكومية، فيما يكون رأس مال الشركة هو الممول الأساسي لعملياتها، وعلى مجلس الإدارة أن يلجأ إلى الاقتراض من البنوك المحلية أو الدولية بضمان أصول الشركة وأرباحها، دون ضمان الحكومة لديون الشركة، التي تصير أرباحها ملكاً لها وتوزع على أصحابها من حملة الأسهم والحكومة تمتلك كل هذه الأسهم أو جزءاً منها حيث يدفع نصيب الدولة من الربح إلى وزارة المالية، وإذا خسرت الشركة، عليها وضع الخطط، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بخلاصها من الخسارة، والتحول إلى الربح وإلا فعلى الإدارة أن تحل الشركة وفق مقتضيات القوانين والأنظمة.
كما تقوم الشركة بدفع الضرائب المستحقة أسوة بغيرها من الشركات المساهمة، وهناك جملة من الإجراءات التي يجب أن تترافق مع الأخذ بمبدأ الشركات المساهمة، كالشفافية والافصاح والحوكمة، وبيان حقوق المساهمين.. وما إلى ذلك.
ومـــاذا بـعــــــد..؟
من المفترض أن تكون الحكومة عبر اللجنة العليا لإصلاح القطاع العام الاقتصادي، قد وضعت يدها على الجرح وعلى مكامن الخلل في القطاع الاقتصادي فعلياً مثلما أشار رئيس مجلس الوزراء بخطة واضحة المعالم، بعيداً عن هواجس (بلكي بتظبط) هذه المرة، لأنه على الرغم من أهمية وضع اليد على الجراح ومكامن الخلل.. ووجود خطة واضحة، فإن الأهم من ذلك كله هو تنفيذ هذه الخطة والوصول إلى النتائج المرجوّة، فهل تثق اللجنة العليا للإصلاح إلى التوصل لمثل هذه النتائج..؟ في الحقيقة إننا نشك في ذلك، ودعونا نشك حتى لا نتفاجأ – على الأقل – بفشل هذه المحاولة كما فشلت المحاولات السابقة.
في الواقع إن ما طرحه الدكتور حسين القاضي غاية في الأهمية، وتبدو طروحاته جداً واضحة ومدعّمة بالمنطق وبالتجارب، فلم يعد من المعقول أن تُغطي الدولة خسائر وفشل الشركات الحكومية الخاسرة، وآن لهذا الملف أن يُغلق، الدولة تغطي الشركة.. والموازنة تغطي الدولة.. والمركزي يغطي الموازنة.. وطباعة أو إصدار الأموال بلا رصيد تغطي المركزي.. ولا يغطي الطباعة والإصدار بلا مقابل سوى التضخم الذي أرهق الناس والبلاد.
نحن أمام مشهدٍ مفصلي لا يقبل الكثير.. بل ولا القليل من التردد والتجريب، فإن كان حل مشكلة اقتصادنا بقيام الشركات المساهمة التي أثبتت جدواها وفعاليتها عبر التاريخ، وعند ازدهار الصناعة السورية.. فلماذا ننتظر..؟!..

شام تايمز

سيرياستيبس – علي محمود جديد

شام تايمز
شام تايمز