الأربعاء , أبريل 24 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

سامي كليب: الخسارة التركية الكبرى في سورية!

سامي كليب: الخسارة التركية الكبرى في سورية!

ليس من عادة الرئيس السوري بشّار الأسد الكلام العاطفي حين يتوجه بخطاب الى شعبه. فهو يميل الى العقلانية والواقعية العلمية في خطاباته أكثر من ميله الى لغة القلب. وغالبا ما كان يقول:” إنّ الإنشاء العاطفي يريح الناس لكنّه لا يُبدِّل ولا يؤثر في الوقت الذي يعمل أعداؤنا كلّ يوم بشكل منظم وعلمي من أجل ضرب استقرار سوريا”. لكن في الخطاب الذي القاه أمس بشأن حلب، كانت العاطفة جيّاشة. لم يتردد في استخدام كلمة نصر وانتصار نحو ٥ مرات حتى ولو أنه حافظ على واقعيته المعهودة بالقول:”ان الانتصار في معركة لا يعني الانتصار في الحرب”

الواقع ان حلب التي ارتبط بها الأسد بعلاقات شخصية كثيرة وكان له فيها أصدقاء كثيرون ويمضي كثيرا من الأعياد والمناسبات على أرضها، كانت فعليا حجر الرحى في العلاقة السورية التركية، لا بل ان من يراجع التهافت التركي والدولي لإبقاء عروس الشمال السوري وأم المصانع والعاصمة الاقتصادية خارج سيطرة الدولة، يُدرك أهمية ما حققه الجيش السوري وحليفاه الروسي والإيراني في تلك المنطقة التي باتت عمليا تحت اشراف الدولة.

لنعد قليلا الى الوراء كي نفهم أكثر :

خلال زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الأخيرة للرّئيس السّوري في 9 آب/أغسطس 2011. تبيَّن للأسد أنَّ الوزير التركي جاء لإقناعه بإشراك الإخوان في السّلطة. قال أوغلو ناصحًا مضيفه (وفق محضر الجلسة الخاص الذي حصلنا عليه): «يمكن أن تقول إنّه لن يكون هناك أية قيود على تشكيل الأحزاب السّياسية. أي شخص يستطيع تشكيل حزب سياسي. أعلم أنّ لديكم حساسية خاصة تجاه الإخوان المسلمين، لكن إذا اجتمع أفراد وشكلوا حزبًا جديدًا كذاك الذي أسسوه في مصر تحت اسم «الحرية والعدالة» حتى هؤلاء يمكنهم تشكيل حزب. هذا سيبيّن للناس الضوء في نهاية النفق. إذا كان الهدف هو الوصول إلى سوريا تتمتع بالاستقرار والرخاء، هذا هو الطريق الوحيد. المشكلة الآن هي أنّ السُّنة يخشون أنَّه إذا استمر هذا النّظام في الحكم فإنّ القمع سيستمر ضدهم؛ بدورهم العلويون والمسيحيون وحتى الدروز يشعرون أنَّه إذا تغير النّظام فإنّهم سيتعرضون للقمع. إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال فإنّ سوريا ستعاني، وتركيا ستعاني والمنطقة ستعاني”

يضيف اوغلو قائلا للرئيس الأسد :” عندما زرنا حلب، وكنتَ تقود سيارتك وتتجول دون حراسة، كانت تلك صورة بشَّار الأسد، الرّئيس السّوري، لكن ما نراه الآن يُغيّر هذه الصورة بشكل جذري».

لاحظوا اذا، كيف ان اوغلو ربط آنذاك وضع الأسد بصورته في حلب . هذا لم يكن أمرا عابرا على لسان مهندس السياسة التركية والذي كان يُدخل عاصمة الشمال في كل حساباته التوسعية الاستراتيجية.

كان جواب الأسد على معهود تفضيله الداخل على الخارج: «أنت تتحدث عن صورتي في الخارج، أستطيع أن أعالج ذلك في ما بعد. الأكثر أهمية بالنسبة إليّ الآن هي صورتي في الداخل».

الواقع أن بشار الأسد قرّر منذ قناعته بأنه مهما فعل فان الحرب الكونية ضد قيادته ستستمر حتى اسقاطه، أنه لا بد من ربح الحرب العسكرية أولا، وبعدها كل شيء سيكون قابلا للحل. وكان يعتبر ان استعادة حلب ستقلب كل المعادلات أو على الأقل أبرزها وتكون بداية فعلية لنهاية الحرب الضروس .

فكما تركيا، كذلك الدول الأطلسية كانت ترى في حلب جوهر الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية على قيادة الأسد، وان استعادتها تعني أن النظام السوري سيربح الحرب ويستعيد كامل سورية وانه وحليفيه الروسي والإيراني سيستعيدون زمام الأمور ويُسقطون المشروع الغربي الخليجي التركي الإسرائيلي في سورية.

لنتذكّر مثلا ان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قال للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل قبيل معركة الموصل في العراق: «لقد بدأت معركة الموصل، ويقيني بأن التحالف الدولي يفقد يومًا بعد آخر صدقيته في عيون دول المنطقة وقادتها وشعوبها بما في ذلك أهل الموصل أنفسهم، ولن يكون هذا الأمر جيدًا لنا جميعًا إذا ما أهملنا الوضع في حلب. إننا مدركون أهمية حلب بالنسبة إلى النظام الذي يقود فيها معركة شرسة مدعومًا من حلفائه الروس والإيرانيين وحزب الله”

واضح أن حلب كانت المفصل وبيضة القبّان وحجر الرحى في المواجهة بين مشروعين إقليمي ودولي في سورية.

لو عدنا مثلا الى قمة برلين يوم ١٩ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٦ بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، والتي سبقت آخر الاستعدادات السورية-الروسية-الإيرانية لاستعادة كامل حلب، نجد ان المستشارة الألمانية تطلب من الرئيس الروسي بإلحاح لافت المساعدة على إنقاذ المدينة الشمالية وتقول إن موقفًا إيجابيًا من بوتين سيساعد على ترطيب الأجواء معه في خلال القمة الأوروبية. أجاب بوتين مُسخِّفًا ما تقترحه ميركيل: «إن مثل هذا الأمر يمكن أن يناقش على مستوى معاونينا، وأنا أكرر لك ما قلناه مرارًا من أننا على استعداد تام لتسهيل هدنة إنسانية في حلب وهذا كان جوهر اجتماعنا في لوزان، لكن عليكم الفصل بين الإرهابيين والآخرين، وحتى هذه الساعة لم نجد بعد صدى لمثل هذه المطالب، ولذلك فإننا لا نرى جدوى من بحث الشأن الإنساني بعيدًا عن سياق مكافحة الإرهاب كي لا يستفيد منه الإرهابيون».

حلب المفصل

كان واضحا منذ استعادة الجزء الأساس من حلب في العام ٢٠١٦، ان الحرب السورية بدأت تتجه نحو النهاية، فالأسد نفسه كان قد قال في حينه ان ما بعد حلب لن يكون كما قبلها، لكنه بقي محافظا على واقعيته نظرا لشراسة الحرب وتآلف أعداء خطيرين ضده، فقال في حديث لصحيفة «الوطن السورية» في 7 كانون الأول/ديسمبر 2016: «إن معركة حلب ستكون ربحًا، لكن لكي نكون واقعيين فهي لا تعني نهاية الحرب في سوريا، بل إنها تعني محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية».

كانت حلب فعلا أهم هواجس الرئيس الأسد، نظرا للدور التركي الخطير فيها وعبرها، حيث أنها كانت الجسر الأهم للرئيس رجب طيب أردوغان صوب تحقيق أحلامه العثمانية، وكانت محطة أساسية في العمل المسلح بما فيه الإرهاب ضد الجيش السوري وحلفائه، كما انها شريان حيوي محلي واقليمي. لذلك نجد ان الأسد يركز عليها في خطاب القسم في العام ٢٠١٤ ويقول: «لن يهدأ بالنا حتى تعود حلب آمنة مطمئنة… إن حلب في قلب كل سوري»

نلاحظ أن الرئيس السوري كان قد خصص جزءا من خطابه في ٧ حزيران/يونيو ٢٠١٦ أي في العام الخامس للحرب ولمناسبة انعقاد الدور التشريعي الثاني لمجلس الشّعب الجديد، على أردوغان وأطماعه، فذكره بالاسم ٣ مرّات واتهمه بالإرهاب وقال: «عمليًا أردوغان لم يبق له من دور سوى دور البلطجي السِّياسي أو باللغة الفصحى الأزعر السّياسي». واعتبر أنّ «الأميركي غضّ الطرف عمّا يقوم به أردوغان الذي كما قلنا افتُضِح في الخارج وأصبح منبوذًا في الداخل ومكشوفًا لدى مواطنيه». وحين تحدث الأسد عن حلب قال: «إنّ نظام أردوغان الفاشي كان يركز دائمًا على حلب لأنّها بالنسبة إليه الأمل الأخير لمشروعه الإخونجي”

الخسارة التركية الكبرى

في 5 أيلول/سبتمبر 2012 أي بعد عام تقريبا على اندلاع أولى شرارات الحرب السورية، قال أردوغان بلغة الواثق بالنصر وباسقاط الأسد انه ذاهب مع رفاقه «لتلاوة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم الصلاة في باحات جامع بني أمية الكبير، وزيارة تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي والكلية السليمانية ومحطة الحجاز”. لم تتحقق أحلامه.

يمكن القول ان الرئيس التركي قام بكل ما بوسعه لإسقاط نظيره السوري. من الدعم السياسي ثم العسكري للمعارضة، الى فتح الحدود لكل من هبّ ودبّ لقتال الجيش السوري، الى نقل جزء لا بأس به من المصانع الحلبية، وصولا الى تشكيل فصائل مسلحة تابعة مباشرة لأنقرة. ثم في فترة لاحقا، خفّض سقف الطموحات بعدما لاح في الأفق تهديد قيام دولة كردية عند الحدود. واستعاد خطوط التعاون الكبرى مع روسيا وايران لكنه بقي يناور على خطي أميركا وروسيا. وحين انعدمت كل الفرص بعد مفاوضات سوتشي وأستانا في الحفاظ على مناطق واسعة تحت سيطرته، انتقل الى الحرب المباشرة مع الجيش السوري.

لا شك أن قدرات تركيا العسكرية أكبر بكثير من القدرات السورية. فهي أولا وأخرا دولة اطلسية واسلحتها متقدمة جدا. لكن الجيش السوري وحلفاءه خبروا الأرض في قتال شرس لتسع سنوات متتالية فتعاظمت قدراتهم القتالية على الأرض، وروسيا التي حفظت للتركي ماء وجهه وتريد الاستمرار في استمالته، لا تستطيع السير في مشاريع اردوغان حين تتناقض مع استراتيجيتها الكبرى في المنطقة فضمنت الأجواء السورية من جهة وناورت بذكاء كبير على المستوى الدولي بذريعة انها تحارب الإرهاب في الشمال السوري، وايران ما بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ليست كما بعدها، ولن توفر فرصة لإزعاج الأميركي في سورية والعراق.

لم تنته الحرب بعد، والأسد قالها صراحة في خطابه ان ربح معركة لا يعني انتهاء الحرب، لكن الأكيد ان اليقين المطلق الذي تحدّث به الرئيس السوري حيال استعادة كل الأراضي السورية ليس كلاما دعائيا، وهو قال جازما:” إن معركة تحريرِ ريفِ حلب وإدلب مستمرةٌ بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال”

لا شك ان الحرب لم تنته بعد، وأننا سنشهد مناورات تركية وأميركية ومغامرات إسرائيلية في ما بقي من أشهر قبل الانتخابات الاميركية. لكن الأكيد أن المعادلة تغيرت كثيرا بين اردوغان والأسد، فالأول يسعى للحصول على شيء يبدو مستحيلا خصوصا مع تعاظم معارضة الداخل التركية لأي حرب واسعة، والثاني ما عاد يرى ان نهاية الحرب مستحيلة. الشيء الوحيد المطلوب الآن، هو اقتناع واشنطن بأن حربها في سورية انتهت، وانه من الأفضل التفاهم مع بوتين على ما بعدها. وهنا يدخل البازار الكبير في اللعبة الدولية خصوصا في عصر صفقة القرن والدخول في البحث عن حلول في حرب اليمن ومصير العراق.

ماذا بعد حلب ؟

لا يمكن ان يستمر اردوغان في حرب خاسرة، لذلك فليس له سوى العودة الى التفاهم مع دمشق عبر بوتين. وهذا قد يحصل بعد حين رغم غبار المعارك. وهو ما يؤكد عليه الباحث السوري المتخصص بالشأن السوري د. عقيل محفوظ بقوله لموقع خمس نجوم: ” إن ما يميز المواجهة بين دمشق وأنقرة أنها لا ذروة لها، ولا أحد منهما يريدها أن تصل إلى الذروة. لكن إكراهات الحرب السورية ورهاناتها لن تترك الأمور هكذا، ولا بد أن تصل الأمور بهما إلى لحظة حرب أو تسوية، ولو أن المرجح أن تدخل موسكو وطهران على الخط من أجل أن تخففا من مستوى الاحتدام الحاصل.

أردوغان لا يدافع عن أرض أو شعب له في إدلب، وإنما عن مصالح ورهانات في سورية، وإذا ما حصل على “جائزة” مناسبة فلن يمانع، ولو أن في أفق سياساته هناك، أطماع جغرافية وديمغرافية لا تخفى.

وما تعده أنقرة غطاء لوجودها في سورية، أعني موسكو وطهران، هو ما تعده سورية ضمانة لها في مواجهة تركيا! وهذا الغطاء والضمانة لن يخيبا أمل الطرفين، ولا بد أنهما سوف يتدخلا لضبط إيقاع المواجهة هناك.

المرجح أن تواصل موسكو وطهران دعمهما جهود الجيش السوري لاستعادة السيطرة على منطقة إدلب وريف حلب تدريجياً، ولكنهما لن تفرطا بتفاهماتهما مع تركيا، ومن ثم فإن من المرجح أن تشهد عملية الاستعادة تباطؤا في ايقاعها، لكنها لن تتوقف.”

. ثمة فرصة تاريخية كانت كبيرة وواعدة بين سورية وتركيا لو استمر تعاونهما كما كان قبل ٢٠١١، لكن طموحات أردوغان قتلتها في المهد. هل يمكن ترميم ما انكسر؟؟؟ لا شيء مستحيل، فمصالح الدول تبقى الأساس رغم عمق الجراح، وتركيا وسوريا بلدان جاران سيعودان يوما ما الى بعضيهما بغض النظر. أما الحرب السورية فيمكن اختصار مآلاتها بالتالي : ان المعركة الكبرى في حلب انتهت، ومثلها ستنتهي الحرب في ادلب عاجلا أم آجلا.

سامي كليب – 5njoum

بعد ٨ سنوات على الاحتلال .. الحلبيون يحجون إلى المناطق المحررة