الجمعة , أبريل 19 2024

ملف كوريا الديمقراطية: سقوط أم إنزال لترامب عن الشجرة؟

ملف كوريا الديمقراطية: سقوط أم إنزال لترامب عن الشجرة؟
فراس عزيز ديب
إذا أرَدنا أن نعرفَ لماذا قرَّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاءَ الزعيم الكوري الديمقراطي كيم جونج أون، علينا أن نعرفَ لماذا انتقلَ ترامب منِ التهديد بقصفِ الكوريين وصولاً للحديثِ عن احتمالاتِ السلام معهم، وإذا أردنا أن نعرفَ لماذا عادَ ترامب عن هذه التهديدات، علينا أن نعرفَ ماذا قصدَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلالَ خطابهِ الأخير بالردِّ على أي اعتداءٍ نووي قد يتعرض له حلفاؤه، هي ليست مجردَ أسطرٍ نستذكر فيها زمن الدراما الجميل والراحل نهاد قلعي لنُسْقِطَ واقعنا الحالي على تساؤلاتهِ التي عمرها نصفَ قرن، لكنها ببساطةٍ محاولةٌ لرؤية ما يجري من دراما حالية على الرقعِ المشتعلة على امتدادِ هذا العالم بطريقةٍ لا تغفلَ تشابك الأحداث ولا تختصرها، لأن ما يجري أبعدَ بكثيرٍ من مجردِ خلافٍ بين دولتين قررتا الجنوحَ للسلم، فكيف ذلك؟
في أيلول الماضي وفي مقالٍ بعنوان «بيونغ يانغ» لا تمزح: هل دخلت الإدارة الأميركية مرحلة الاحتضار السياسي؟ قلنا إن صلابةَ موقفِ بيونغ يانغ وضعَ الخصوم أمام خيارَين، إما أن ينجرّوا نحو حربٍ نوويةٍ لا يبدو أنها كفكرة تستهوي أميركا وحلفاءها في العالم، أو أن تجرَّهم للتسليمِ بهِا كقوةٍ نوويةٍ والجلوس معها على مائدةِ المفاوضات وهو أمرٌ مرفوضٌ من الولايات المتحدة نفسها لأنها ستكون أشبه بمفاوضاتِ استسلام.
على هذا المنوال مرّت الأشهر الماضية وارتفعت حدةَ التصعيد بين الدولتين، وهناك من حبسَ أنفاسهُ عندما بدأ كل من رئيسَي الدولتين يتباهيان بحجم «الزر النووي» الذي يمتلكانه، بل إن الكوريين ذهبوا بعيداً لرد التهديد بالتهديد في محاولةٍ لخلقِ معادلة ردعٍ سياسيةٍ برداءٍ عسكري للغطرسةِ الأميركية، معادلةٌ أجبرت دونالد ترامب أن يعود القهقرى للحديث عن «فرصة للسلام»، لكن ما العوامل التي أجبرته على ذلك؟
العامل الأول، وهو فيما يبدو، مرتبط بخذلانِ حلفاء ترامب في كل من اليابان وكوريا الجنوبية له، والموقف الصارم للتنين الصيني المتعلق بإمكانية استفزاز كوريا الشمالية بعملٍ عسكري من الأميركيين، وحرصهم أن تكون منطقة بحر الصين واحةَ سلامٍ للحفاظ على الطفرة الاقتصادية التي تعيشها، إذ إن قيادة بيونغ يانغ وفي أوجِ ارتفاعِ حدة اللهجة مع الأميركيين كانوا يتعاطون بدهاءٍ مع ترامب فجعلوه يتورط في تصريحاتٍ ووعودٍ تعلم إدارته قبل حلفائه أن إمكانية تحقيقها مرتبط بقرار انتهاء هذا العالم، لأن الحرب النووية إن بدأت لن تنتهي برابحٍ، بل سيكون الجميع خاسراً، هي ليست كما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما استفردت الولايات المتحدة بالنصرِ عبر جريمةِ قصف هيروشيما اليابانية بالقنبلة النووية، وإذا كان الإمبراطور الياباني قد وقعَ يومها ضحيةَ معلوماتٍ مضللة بأن الولايات المتحدة تمتلك قنابل أخرى من هذا الصنف فاستسلم، فإن الطرف المقابل للولايات المتحدة اليوم لا يهمهُ ماذا تملك إذا كان قادراً على الردع ذاتياً، وبالتالي هو لن يستسلم ولن يسلِّم؛ هم وضعوا ترامب بمواجهةٍ وإن كانت غير معلنةٍ مع اليابان وكوريا الجنوبية ذاتهم، تحديداً أننا نتحدث عن دولتين هما تراتبياً في المركزين الثالث والحادي عشر على سلم الاقتصاديات الأقوى في العالم، يضاف إليهما التنين الصيني حليف كوريا الديمقراطية وثاني أقوى اقتصاد عالمي، هذه الدول أدركت أنها المعني الأول بالدمار فيما لو وقعت المأساة، لذلك حاول اليابانيون التشجيع على الحلول السلمية، أما الكوريون الجنوبيون فإنهم وجدوا دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فرصة لزيادةَ فرص التقارب مع جارتهم الديمقراطية للجم طموحات ترامب.
السبب الثاني وهو متعلق بكوريا الديمقراطية نفسها، والتركيبة الداخلية لهذا البلد، فالحرب يجب أن تبدأ من خلالِ جمع المعلومات والقدرة على الضرب من تحت الحزام للحلقة القوية في القيادة العليا لـ«بيونغ يانغ»، وهو أمرٌ محكومٌ عليه بالفشل ليس مع دونالد ترامب فحسب، لكنه إخفاق يعاني منه الأميركي منذ عقود جعله يبدو كالحشرة التي فقدت قرون استشعارها فتراها هائمةً على وجهها، إلا إذا كانت الإدارة الأميركية قد وقعت أسيرةً للأكاذيب التي يُطلقها الإعلام الموالي لها عن الوضع في هذه الدولة ليصبحوا كمن كذب الكذبة وصدقها، وبمعنى آخر أن التماسك الداخلي في كوريا الديمقراطية كان أحد أهم العوامل التي ساعدتها على تجاوز هذه المرحلة.
السبب الثالث، قد يبدو بشكلٍ مباشر متعلقاً بالخطاب الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحديثه عن الرد على أي اعتداءٍ نووي يتعرض له الحلفاء، فمن هم الحلفاء الذين قصدهم بوتين، إذ لا يمكن لعاقلٍ أن يتجاهلَ أن المقصود هي كوريا حكماً تحديداً أن الولايات المتحدة لا تبدو مضطرة للسلاح النووي في سورية ومن ثم وسط هذه التضاربات انطبق على ترامب المثل القائل، حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، لكن ما إمكانية نجاح هذا الاجتماع؟
تبدو الطريقة التي تمت فيها الدعوة لهذا اللقاء وكأنها أُعدت على عجل، وإن كان موعده المبدئي شهر أيار القادم ومكانه ليس معروفاً والأرجح أن يكون الصين، تحديداً أن هناك الكثير من الأمور الغامضة التي تحتاج لتوضيحات على رأسها مثلاً هل سيسبق هذا اللقاء لقاءَ كبار الموظفين في إدارة الدولتين للاتفاق ووضع الخطوط العريضة منهم قبل لقاء الرئيسين، أم إن هذا الأمر تم مسبقاً من خلال الزيارة التي قام بها مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية السيئ الذكر «جيفري فيلتمان» لبيونغ يانغ نهاية العام الماضي، والتي قلنا يومها إنه يزورها كدبلوماسي أميركي أكثر من كونه مسؤولاً في الأمم المتحدة؟ من جهة ثانية هل أن حدوث هذا اللقاء مرتبط بشروطٍ مسبقة يؤكد البعض وجودها ويتنكر البعض الآخر لها، تحديداً أن التصريحات الأميركية يبدو وكأنها تروج لكل الأمور من منطقِ أنه انتصارٌ للأميركيين، فهم مثلاً تحدثوا عن «تجميد التجارب النووية»، هذا الكلام جميل لكنه بالنهاية وإن تحقق فدونهُ أمران:
الأول أن هذا التنازل لن تُقدم عليه كوريا الديمقراطية بالمجان فما الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة إذا ما افترضنا أن أي ثمنٍ مهما كان بخساً هو بالنهاية انتصارٌ للكوريين؟ الأمر الثاني ما فائدة إيقاف كوريا لتجاربها النووية إذا كان هذا يعني أن الخطر الكوري من وجهه النظر الأميركية لا يزال قائماً والناتج النووي لا يسقط بالتقادم؟ أما الحديث عن «إيجاد حل لموضوع الصواريخ العابرة للقارات» فهذا كلام يبدو وكأنه أحلام يقظة وبمعنى آخر هو نوع من البروباغندا التي يشيعها الإعلام الأميركي لإظهار ترامب وكأنه انتصر أخيراً في ملفٍ ما، والحقيقة الواضحة أن الكوريين لن يسلّموا الراية بهذه السهولة وتحديداً أنهم ليسوا مجبرين، فماذا ينتظرنا؟
قيلَ يوماً إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لن يحدث فيها انقلاب لأنها ببساطة لا تمتلك سفارة أميركية، كل ما يُحكى عن أهمية اللقاء الذي سيجري بين ترامب وكيم لا يعدو عن كونهِ زوبعة في فنجان، وبمعنى آخر ربما هناك توجهات في الإدارة الأميركية لبناء إستراتيجية جديدة في التعاطي مع بيونغ يانغ تهدف لتدميرها من الداخل مع استحالة التدمير من الخارج، هذا الأمر يتطلب انفتاحاً على بيونغ يانغ أو ما يمكننا تسميته انحناء للعاصفة الكورية، وهم إن لم ينجحوا بذلك فقد نجحوا على الأقل بإيجاد مبرراتٍ لرعونة التصريحات الترامبية والانسحاب منها بذريعة الجنوح للسلم، لكن في النهاية هي ليست جنوحاً للسلم ولا هم يحزنون، هي الواقعية الأميركية التي تعرف كيف تنهزم، لأن هذا اللقاء، إن حدث، أياً كانت نتائجه فهو هزيمة جديدة تضاف لسلسلة الهزائم الأميركية المتلاحقة، ألم نقل لهم يوماً بأن «الوطن» حيث ينهزمون، هو أكثر من مجرد احتضار للسياسة الأميركية.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً