الثلاثاء , أبريل 23 2024

رايات النصر السورية ومفاوضات الهزيمة

رايات النصر السورية ومفاوضات الهزيمة

ايهاب زكي

غالباً ما تنتشر الإشاعات في حالات الخوف المجتمعي والذعر. والمجتمعات التي تعاني الحروب والكوارث تكون عُرضة أكثر من غيرها لتصديق الشائعات والانسياق خلف الأوهام وتصديقها، ولكن يبدو أننا أمام حالة فريدة من نوعها، حيث إنّ أعلى مراكز القرار في عواصم العدوان على سوريا، تخضع للأوهام وتصدق الشائعات لأنّها ترزح تحت ضغط الخوف من مفاعيل الانتصار السوري أقلّه إقليمياً – حتى لا أقول دولياً فيعتبرها البعض مبالغة أو شطحة قلم – وما سيل الإشاعات التي تنطلق من عواصم العداء لسوريا ومحورها، إلّا برهان جازم على أنّها تعاني من تصورات ما بعد الانتصار السوري. فمن المقطوع به أنّ سوريا انتصرت في حربها، وهم لا يدرون كيف السبيل لتعطيل مفاعيل ذلك النصر على القرن الجديد، لذلك يتوهمون ويشيعون ثم يصدقون الوهم المبني على الإشاعة والكذب الذي هم كذبوه.

كنت أقول دائماً إنّ الكذب الذي مارسته عواصم العدوان بسياسييها وإعلامييها وإنسانييها ومثقفيها ومفكريها وعسكرييها وكل أدواتها، قد يوازي كذب البشرية منذ كذبة إبليس على آدم عن شجرة الخلد والملك، حتى يوم كذبة أظافر أطفال درعا، وهو كذبٌ استهدف كل أركان الدولة السورية، قيادة وجيشاً ومؤسسات مدنية وأمنية، وكل أطياف المجتمع السوري بكل ما أوتي من ثراءٍ وتنوع، لذلك فإنّ الكذب الذي أثير مؤخراً عن اتفاقيات روسية إيرانية تركية، أو اتفاقيات “إسرائيلية” روسية عن تنحي الرئيس الأسد أو حقوق استخدام إس 300، لا تختلف كثيراً عن الكذب منذ بدء العدوان على سوريا إلّا في أمرٍ واحد، وهو أنّ الكذب السابق على مدى الحرب كان هجومياً ويستهدف هدم الدولة السورية وهزيمتها، بينما هذا الكذب المستجد هو كذبٌ دفاعي. هذا مع شديد الركون إلى أنّ عواصم القرار لا تزال فيها عقول استراتيجية قادرة على اجتراح استراتيجيات دفاعية مستجدة، وهذا ما لا أثق به ولا أرى آثاره، بينما الأكثر قرباً للواقع، هو أنّهم يخضعون لحالةٍ من رعب التصورات المستقبلية، فيتوهمون أنّ كذبهم القديم حقائق ثابتة وصالحة للبناء والانطلاق.

إنّهم ينطلقون من تصوراتٍ خاطئة عن طبيعة التحالفات السورية، وتصورات أكثر فداحةً عن القيادة السورية، وتصورات أشد جهلاً عن عقل الدولة السورية، وهذه الفوادح يقيناً لن تنتج آثاراً سياسية يرغبونها بشدة، فهم مثلاً ينطلقون من كذب التصور أصلاً أو التصور الكاذب لاحقاً، أن روسيا دولة احتلال في سوريا، وأنّ القيادة السورية تشبه حكومة فيشي، كما يتصورون أنّ إيران دولة احتلال تنافس الاحتلال الروسي، كما كان الصراع بين بريطانيا وفرنسا على احتلال الأرض الجديدة وفيها (أمريكا)، أو أنّ عقل الدولة السورية في موسكو وقلبها في طهران، ثم يتصورون أنّ القيادة السورية خاضت حرب الكرسي، ثم ينطلقون إلى تخيير القيادة السورية بين موسكو وطهران للحفاظ عليه، ثم يعتقدون أنّ الحفاظ على الكرسي يتطلب رعاية أمريكية ورضا “إسرائيليًا”، ومن شدة الفقر العقلي والعجز الفعلي فحتى ما سُميت بأزمة رامي مخلوف العبثية، سفحوا مداداً يكفي لكتابة نتاج البشرية من الشعر، ليثبتوا أنّها مفاعيل صراع روسي إيراني، حتى تلك العجوز الكسيحة الخرفة “إسرائيل”، استنتجت بعبقريتها أنّ عدم استخدام سوريا لمنظومة إس 300، هو قرار روسي وخشية روسية من افتضاح عجز منظومتها وانصياع سوري.

رغم أنّ الأمر بسيط ولا يحتاج إلى كثير تعقيدٍ أو تحليل، فبعيداً عن عقل الدولة السورية الذي لا يفكر بردّ الفعل العنتري، بل لديه من البرود ما قد ينقذ الكوكب إن تقلص جليد القطب الشمالي، وأنّها ليست معنية حتى اللحظة بحربٍ مع كيان العدو، فإنّ الغارات “الإسرائيلية” هي مجرد استعراضاتٍ بهلوانية ذات أهدافٍ تطبيعية أولاً وآخراً، حيث إيهام المرتجفين حول عروشهم بقدرتها على حمايتهم، وليس لها أيّ مفاعيل قادرة على تغيير مجريات الميدان، كما أنّ الدفاعات السورية القديمة حتى اللحظة أثبتت نجاعتها وإن ليس بنسبة مئوية كاملة، ولكنها حرّمت السماء السورية على الطيران “الإسرائيلي” متى يشاء، وتحذير السيد نصر الله “إسرائيل” من خطأ في الحسابات، يقطع بأنّ القصد هو محاولة العبث بالميدان السوري لإحداث تغيير مؤثر على مسار الانتصار السوري، وطالما أن ” إسرائيل” تحت هذا السقف فبإمكانها وضع “البُكلة” في شعرها المتساقط، والتصابي في حدائق النفط.

ورغم أنّ هذه الشائعات المبنية على كذب قديم لا تستوجب التفنيد، ولكن أفضل التفنيد القواطع، والقواطع هي الحقائق التي تكون أمضى من قواطع السيوف، بالرغم من أنها لا تعدو كونها بديهيات، فروسيا ليست دولة في حلف المقاومة، وهي ليست دولة احتلال في سوريا، كما أنّ سوريا ليست ساحة صراع بالنسبة لإيران مع السعودية. تخيل أن يكون لك عقل يؤمن بالصراع السعودي الإيراني في سوريا، وهنا يصبح حبر إقناعك رغم مجانيته “إلكترونياً” حراماً، كما أنّ العلاقات السورية الخارجية هي سياسة سورية خالصة، وأثبتت سوريا أنّها تجيد اختيار الأصدقاء كما تجيد انتقاء الأعداء. حتى أنّها وعلى مدى سنيّ العدوان لم تر في السعودية وقطر أو حتى تركيا أعداء بل اختارت أمريكا لتناددها وتعاديها، كما قال الرئيس الأسد حربنا مع أمريكا وليس مع الأدوات. كما أنّ العلاقات الروسية التركية أو الروسية “الإسرائيلية”، هي شأن روسي مع أطرافها، كما العلاقات الإيرانية التركية هي شأن إيراني تركي. أمّا ما يُقال من إشاعات الكذب عن تنحية الرئيس وصواريخ إس 300، فهي تشبه إعلان الاتحاد السوفييتي ودول الحلفاء، بعد رفع جندي سوفييتي العلم الأحمر فوق الريخستاغ وقبيل انتحار هتلر، الانسحاب من كل الأراضي التي طردوا منها الجيش النازي ووقف النار، ثم يرسلون المبعوثين للتفاوض مع هتلر على وقف النار، وترامب ونتن ياهو وأردوغان يتوهمون إمكانية مفاوضتهم على انسحاب الجيش السوري وتنحي الأسد بعد رفع أعلام النصر.

العهد