الجمعة , مارس 29 2024
قليلٌ من تواضع دمشق وكثيرٌ من ريادة بيروت

قليلٌ من تواضع دمشق وكثيرٌ من ريادة بيروت

قليلٌ من تواضع دمشق وكثيرٌ من ريادة بيروت

شام تايمز

عبد الله بو حبيب*

شام تايمز

قرأت بتمعن ما كتبه الصحافي حسين أيوب عن أهمية تفعيل علاقات لبنان بسوريا وأن تتكامل دول المشرق العربي في ما بينها، وأنا أتفق مع معظم ما ورد في المقالة من حيث المبدأ، ولكن اختلف مع الكاتب في بعض التفاصيل، وهذه بضعة ملاحظات، من أجل طرح هذا الملف على بساط البحث الوطني الموضوعي.

أولاً، لا بد من التشديد على وجوب ان تكون العلاقة بين لبنان وسوريا، وثيقة ومتوازنة وتخدم مصالح البلدين وشعبيهما. لا يزعجني الخلاف بينهما، ذلك أنه ندر أن لا تجد خلافات بين الدول المتجاورة. ثمة حساسيات تاريخية مستمرة، منها ما هو اقتصادي أو سياسي أو حدودي أو أمني أو مائي، ولطالما شاهدنا كيف تحول بعض هذه الخلافات إلى مادة توتر عسكري. على سبيل المثال لا الحصر، عربياً؛ بين السعودية واليمن؛ بين مصر والسودان؛ بين الكويت والعراق؛ بين الجزائر والمغرب. ودولياً؛ بين الولايات المتحدة وكل من كندا والمكسيك؛ بين فرنسا وكل من المانيا وبريطانيا؛ بين روسيا والجمهوريات الـ 13 المحيطة بها؛ بين الصين واليابان.

ثانياً، اتفاق الطائف. من المعروف أنه كانت لسوريا الكلمة الاولى والاخيرة في ترجمة ما قرره ميثاق الوفاق الوطني بشأن مستقبل العلاقة بين البلدين، بكل اوجهها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والادارية، وهو الأمر الذي ترجمته “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” بين البلدين. بالنسبة إلى غالبية اللبنانيين، يمكن القول إن اتفاق الطائف هو العقد الإجتماعي الجديد الذي حسم قضايا داخلية عدة أبرزها مركز السلطة والقرار السياسي في لبنان. أما ما يتصل بالعلاقة مع سوريا، فيجب أن يعاد النظر بكل الإتفاقات الناتجة عن “معاهدة الأخوة” بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين لا أن يغلب مصلحة على أخرى. هذه المعاهدة عبارة عن إطار فوقي بامتياز وبالتالي، لن يؤثر التعديل أو الإلغاء على صيغة الوفاق الوطني الداخلي. كان بامكان الحكومة اللبنانية الاولى، بعد انتهاء فترة الوصاية السورية، تعديل “معاهدة الاخوة”، أولاً لأن سوريا كانت ما زالت قوية نسبيا، لكن كان هناك تعاطف قوي، اقليمي ودولي، مع لبنان. وثانياً، كان بامكان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ان تقوم بهذه المهمة بنجاح، لكنها تجاهلت “المعاهدة”، وتناست المصلحة اللبنانية وفضلت مخاصمة سوريا. عادت الفرصة لتعديل ذلك الاتفاق مع حكومة الرئيس سعد الحريري بعد اتفاق السين سين (السعودي السوري) في العام 2009، لكن الظروف الدولية والاقليمية لم تسمح باستمرار العلاقة التي سلكها الرئيس سعد الحريري مع الرئيس السوري بشار الاسد.

ثالثاً، ثمة إستحالة بوقف التهريب الحدودي بين البلدين، لكن يمكن الحد منه. هكذا تهريب لم يتوقف في كل العهود ولن يتوقف. هذه ظاهرة دولية بين كل بلدين جارين. التهريب قائم على الحدود الاميركية المكسيكية الكندية، وتوقف في اوروبا لان الحدود انفتحت كليا بعد قيام الاتحاد الأوروبي. اما قوافل الصهاريج والشاحنات المحمية لبنانياً، فهذه ليست مجرد أعمال تهريب بل إمعان في ممارسة فائض قوة فعلية عند البعض في لبنان، وهذا الأمر ينال من لبنان، سيادياً واقتصادياً ومالياً. هذه القوافل، كما يكتب عنها في وسائل الاعلام، ولا أحد يكذبها او ينفيها، تذكرني باتفاق القاهرة في العام 1969، حين شرّع لبنان العمل الفدائي الفلسطيني عبر حدوده الجنوبية مع إسرائيل، وفقد التعاطف الدولي، لا بل التاييد الدولي، ودامت حربه لغاية 1990 حين سلّمت قوى اقليمية ودولية بوصاية سورية على لبنان دامت 15 عاماً.

لو كان فيليب تقلا وزيراً للخارجية في هذا العهد لقام بالتنسيق مع الاردن والعراق في فك عزلة سوريا عن محيطها العربي، وبالاخص ان دول الخليج بدات تستعد لإعادة تطبيع علاقاتها مع سوريا

لقد كانت الدول المعنية بلبنان تدعي ان اللبنانيين لا يعرفون كيف يحكمون انفسهم ولا يتفقون على مصلحة بلدهم، وقد سمعت ذلك مراراً من دبلوماسيين اوروبيين واميركيين وحتى من أميركا اللاتينية، في ثمانينيات القرن الماضي حين خدمت سفيراً للبنان لدى واشنطن.

رابعاً، الحكومة الحالية ليست معروفة بعدائها للنظام السوري، بل إن معظم الكتل المتمثلة فيها هي اما حليفة او صديقة لسوريا، وللأخيرة سفير ناشط في لبنان، وللبنان سفير في دمشق محدود النشاط والتحرك. فلما لا ينشط علناً، ولماذا لا يبادر الوزراء في الحكومة اللبنانية الى معالجة المشاكل العالقة مع سوريا؟

ان فض الخلافات العالقة يفرز علاقة مميزة بين البلدين. ربما سوريا لا تريد فضاً متدرجاً للمشاكل العالقة وتريد علاقات مميزة من دون حل اية مشكلة عالقة بينها وبين لبنان. بكل تواضع، هذا يعني ان “حليمة رجعت لعادتها القديمة”. الم يكن هذا هو النموذج السوري في “زمن الوصاية” على لبنان؟

ان قراءة مذكرات دولة الرئيس ايلي الفرزلي (اجمل التاريخ كان غداً) تعطي دليلاً ساطعاً على كيفية معالجة سوريا للمشاكل مع لبنان وللمشاكل اللبنانية في زمن وصايتها عليه.

خامساً، النازحون السوريون في لبنان. هذه قضية تعيق قيام علاقة مميزة بين لبنان وسوريا. لبنان لا يستطيع تحمل عبء ما يزيد عن مليون سوري في لبنان، بالاخص في زمن الانهيار الاقتصادي والانتفاضات الشعبية ووباء الكورونا. اتهمنا المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة بمنع عودة النازحين الى مدنهم وبلداتهم وقراهم، ليتبين ان سوريا لن تفاوض بشأن عودتهم قبل ان يقبل لبنان بعلاقة سياسية مميزة. يبدو ان القيمين على سياسة البلدين لم يسمعوا بعد “ان رحلة المئة ميل تبدأ بخطوة واحدة”.

سادساً، لو كان فيليب تقلا وزيراً للخارجية في هذا العهد لقام بالتنسيق مع الاردن والعراق في فك عزلة سوريا عن محيطها العربي، وبالاخص ان دول الخليج بدات تستعد لإعادة تطبيع علاقاتها مع سوريا. لم يفت الأوان. لن تستطيع القوى الكبرى مهما كانت معارضتها قوية، ان تمنع لبنان والأردن والعراق من مساعدة سوريا وعودتها الى الجامعة العربية الصماء والصف العربي الفوضوي والضعيف.

ان سوريا وحدها تستطيع ان تعيد العلاقات الطبيعية بشكل متدرج بين ايران ودول الخليج العربي.

كلنا ندرك ان المنطقة برمتها بحاجة الى سلام بارد واستقرار، وباستطاعة سوريا الموحدة والمستقرة ان تساهم بتحقيق هذا الهدف.

ختاماً، اعتقد بحزم ان سوريا بحاجة الى القليل من التواضع لبناء علاقة مميزة ودائمة مع اللبنانيين، ولبنان بحاجة إلى الريادة والإبداع حتى يبني علاقة متوازنة وندية وصادقة مع سوريا.

* سفير لبنان الأسبق في واشنطن – 180post

إقرأ أيضاً: لماذا أمر ترامب بحرق مزارع القمح السورية وكيف سترد دمشق؟

شام تايمز
شام تايمز