الخميس , أبريل 25 2024
ماذا يريد ترامب من الأسد وما الذي يمكن أن يقدّمه في المقابل؟

ماذا يريد ترامب من الأسد وما الذي يمكن أن يقدّمه في المقابل؟

ماذا يريد ترامب من الأسد وما الذي يمكن أن يقدّمه في المقابل؟

ديفيد و.ليش، كمال علم – ترجمة: لينا جبور

خلص الكاتبان ديفيد و.ليش وكمال علم في مقالة نشرتها الناشونال إنترست في 5 نيسان/أبريل إلى أنَّ سورية بحاجة إلى تخفيف العقوبات، والولايات المتحدة بحاجة في المقابل إلى شيء أيضاً.

لذلك يجب إبرام صفقة محتملة تسبقها على الأرجح تدابير بناء الثقة بين الحكومتين الأمريكية والسورية.

ناشد الرئيس دونالد ترامب الحكومة السورية في مؤتمر صحافيّ في 19 آذار/مارس للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل العثور على الصحافي المصوّر أوستن تيس، الذي فُقد في سورية في عام 2012، والمساعدة في الإفراج عنه. تشير التقارير إلى أن الصحافي الأمريكي رهينة لدى مجموعة غير معروفة.

في الواقع، أطلقت الحكومة السورية العام الماضي سراح مدوّن أمريكي. ومن المعروف أن إعادة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في الخارج تقع في أولويات الرئيس ترامب في السياسة الخارجية العليا.

فبحسب الكاتبين، تجسد هذه النقطة فرصة محتملة لبدء حوار بين الولايات المتحدة وسورية. تماماً مثلما كان إطلاق سراح أمريكي العام الماضي من قبل طالبان بداية الحوار بين الولايات المتحدة وأفغانستان.

كان هناك بالفعل اعتراف علني بالاتصال الرسمي على مستوى منخفض بين الولايات المتحدة وسورية في حزيران/يونيو من العام الماضي، لذلك هذا ليس خارج نطاق المخططات تماماً، رغم كل التصورات السلبية عن الحكومة السورية في الغرب.

بدأ في الآونة الأخيرة بعض حلفاء أمريكا في المنطقة، مثل: الإمارات ومصر والبحرين، بإعادة العلاقات مع دمشق، إلى جانب الوضع الإنساني والاقتصادي الرهيب في سورية, يبدو أن هذه لحظة قد يؤدي فيها الحوار الثنائي إلى بعض الثمار لكلا البلدين.

يجب العمل على إيجاد تفاهم أمريكي-سوري أولاً وقبل كل شيء، لأنه ينقذ أرواحاً، وكذلك لأنه يعزز المصالح الأمريكية. فإنقاذ الأرواح عادةً ليس كافياً بالنسبة لأمريكا، لكن إذا ما اقترن بتعزيز المصالح، عندها يتم إيجاد معايير لحوار مُدار بعناية.

ومن المفارقات، حسب ما يشير الكاتبان، أن طلب ترامب من سورية المساعدة في قضية أوستن تيس جاء في مرحلة انتشار فيروس كورونا, قد تفكر الولايات المتحدة في تخفيف مستوى معين من العقوبات، من منطلق تخفيف المعاناة، إذا انتشر الفيروس التاجي في سورية بصورة كبيرة.

الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري

وصلَ العديد من القنوات الإخبارية الأمريكية إلى سورية منذ أن انتهت المرحلة الحادة من الحرب فيها.

أجمعت تقارير هذه القنوات على أن العقوبات، إلى جانب الاقتصاد المتدهور واقتصاد الحرب، خلقت ظروفاً معيشية أكثر صعوبة بالنسبة للسوريين العاديين أسوأ مراحل الحرب نفسها.

يبدو السوريون على الأرض في أمس الحاجة إلى المساعدة، ويعانون من أمراض أخرى خارج نطاق الحرب، إضافة إلى عودة ظهور بعض الأمراض التي تم القضاء عليها من قبل، مثل الجدري والسل الذي أصاب الصغار والكبار على حدٍّ سواء.

قبل ظهور الأزمة الاقتصادية في لبنان في الخريف الماضي، كان هناك شعور إيجابي يسود بين معظم السوريين. كانت الحرب قد انتهت خارج إدلب، واستعادت الحكومة السورية سيطرتها على نحو 70% من البلاد على الأقل، وكانت الدول العربية الكبرى تقوم بإصلاح العلاقات مع دمشق.

كان هناك شعور واضح بأن سورية يمكن أن تخرج ببطء من المستنقع. ففي النهاية هناك عقوبات غربية مفروضة على البلاد منذ أربعين عاماً – يعرف السوريون كيفية الالتفاف عليها.

إلا أن الأزمة المالية في لبنان –المنفذ المصرفي لأموال سورية– أضرّت بالاقتصاد السوري في غضون أشهر قليلة ربما أكثر مما تسببت به العقوبات الغربية على امتداد سنوات الحرب.

أثناء الحرب، ونتيجة للعقوبات التي استبعدت الأعمال السورية خارج النظام المالي العالمي، أصبح الاقتصاد السوري يعتمد أكثر من أي وقت مضى على البنوك اللبنانية.

الآن، أصبح مُستصعباً الوصولُ إلى الأموال السورية مع سيطرة البنوك اللبنانية بإحكام على عمليات سحب العملة الصعبة والتحويلات في الخارج من أجل منع هروب رأس المال، فأصبحت هذه الأموال فعلياً محاصرة.

لم تتأثر الطبقة الثرية في سورية فقط بالأزمة اللبنانية, لم يعد السوريون من الطبقة الوسطى الذين يعيشون من فوائد مدخراتهم في البنوك اللبنانية قادرين على الوصول إلى أموالهم, ونتيجة لذلك، ارتفع التضخم في سورية.

تظهر هنا سياسة ترامب الخارجية التي تقوم على الصفقات، فمن منظور واشنطن، يجب أن يكون هناك شيءٌ ذو قيمة في المقابل.

يقول المسؤولون الأمريكيون إن العقوبات ليست لتغيير “النظام” وإنما لإحداث تغيير في سلوكه؛ كلام لا يقنع دمشق.

يكاد يكون مستوى الثقة بين الولايات المتحدة وسورية معدوماً. ولكن إذا كانت هناك مصالح أمريكية واضحة يمكن تحديدها مقابل مصالح لدمشق، فهناك من هم في واشنطن ودمشق على استعداد للاستماع.

تعلم الولايات المتحدة جيداً أن دمشق تريد تخفيف العقوبات عنها: خاصة في مجالات الصحة والتعليم، من مواد البناء إلى إعادة بناء المستشفيات والمدارس، إلى المعدات الطبية وأجهزة الكمبيوتر للطلاب.

وطالَبَ المسؤولون السوريون مراراً وتكراراً بذلك كأولوية قبل إزالة العقوبات المفروضة على الشخصيات السياسية ورجال الأعمال السوريين: لأنه يجب على الحكومة السورية الحفاظ على عقد اجتماعي مع مواطنيها على الأقل، والأهم هو أن تخفيف العقوبات سيساعد في إنقاذ الأرواح، وربما يفتح المجال لمزيد من المساعدات الإنسانية.

إذن، ما الذي ستحققه الولايات المتحدة بالمقابل؟ لا يخفى على أحد ما سعت إليه السياسة الخارجية لإدارة ترامب على المدى الطويل في سورية وهو رؤية انخفاض كبير للوجود الإيراني هناك، إلى جانب المساعدة في عودة الصحفي أوستن تيس، قد يكون هذا الآن المقدمة لبَدْءِ حوار أمريكي سوري.

ومع قيام الإمارات والبحرين ومصر وعُمان ودول عربية أخرى بتحسين العلاقات مع سورية، قد يوفر ذلك مساحة لدمشق لتحقيق التوازن مع إيران.

حاول الروس في المقابل، الذين يرغبون أيضاً في رؤية انخفاض حجم الوجود الإيراني في سورية، تقوية وإعادة بناء المؤسسات السورية، ابتداءً من حوكمة أكثر كفاءة وصولاً إلى تعزيز الاحترافية في الأجهزة الأمنية العسكرية, تريد موسكو التأكد من الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في سورية.

لذا، يجب إبرام صفقة محتملة، تسبقها على الأرجح تدابير بناء ثقة، مثل منح التراخيص للهيئات الأمريكية الخاصة لإرسال عدد من شحنات المساعدات الإنسانية مقابل بعض المؤشرات الإنسانية من جانب الحكومة السورية، مثل المساعدة في إطلاق سراح الرهائن.

ويمكن بعد ذلك تكثيف الجهود حتى يتم رفع عقوبات محددة مقابل إصلاحات في الإدارة المحلية، وسيادة القانون، وإجراءات مكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا التي تهم أمريكا.

ثم نصل إلى البنود الكبرى لتخفيف عقوبات منتظم ومسألة إيران.

يمكن أن تكون حالة السودان نموذجاً، فهي وُضِعت مثل سورية على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية الأصلية لعام 1979 للدول التي ترعى الإرهاب، لكنها الآن على وشك أن تُزال من القائمة.

تعاملت إدارتا أوباما وترامب مع حكومة كانت معزولة وفرضتا عليها عقوبات مراراً وتكراراً. قرر المسؤولون الأمريكيون بشكل أساس أن العقوبات في النهاية لم تكن ناجحة، وأن عملية التنازلات المتبادلة على مراحل ستكون أفضل لمصالح الولايات المتحدة.

تتمتع سورية تقليدياً بمكانة إقليمية أفضل بكثير من السودان، وتطل على العراق وتركيا و [فلسطين المحتلة]، وهو موقع جيوبوليتيكي أكثر أهمية في الشرق الأوسط من السودان.

لن تنجح العقوبات في سورية أيضاً. كما أن انتظار سقوط الأسد لا يُعَدُّ موقفاً استراتيجيّاً، إنه مجرد أُمنية.

إن نظام العقوبات مفيد إذا تم استخدامه كوسيلة لتحقيق نهاية تفاوضية وليس فقط كإجراء عقابي, ربما تمسك الولايات المتحدة بالمفتاح –المفتاح الاقتصادي, لكن الآن، وبعد أن أصبح الحلفاء العرب الرئيسيون لأمريكا أكثر دعماً للرئيس الأسد، فقد تتغير سياسة الولايات المتحدة.

قد يخلق هذا أيضاً بعض النفوذ الأمريكي تجاه تركيا في ما يتعلق بالتوفيق بين أنقرة ودمشق، والتي قد تكون المفتاح لإنهاء آخر مراحل الحرب في إدلب وأماكن أخرى في شمال سورية.

ليس استقرار سورية مهماً للسكان الذين يعانون أو للأمن الإقليمي فقط، ولكن أيضاً لوقف أزمة اللاجئين التي دفعت السياسات الأوروبية بالفعل باتجاه القومية اليَمينية.

سورية هي المحور لمعالجة كل تلك القضايا، وتبعا لذلك من مصلحة الولايات المتحدة التعامل معها.

الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات

إقرأ أيضاً: دمشق ومعركة عضّ الأصابع