الخميس , مارس 28 2024

كيف تغلبت تايوان على مشكلة القمامة؟

كيف تغلبت تايوان على مشكلة القمامة؟

شام تايمز

يتذكر نيت مينارد، باحث في طرق التعامل مع القمامة، حين كان من شبه المستحيل العثور على سلال للقمامة في العاصمة التايوانية تايبيه. يقول مينارد، الذي جاء أول مرة إلى تايوان عام 2013 في رحلة بحثية ضمن دراسته للماجستير في مجال البيئة: “حين وصلت كان أول ما استرعى انتباهي أن المدينة خالية ليس فقط من سلال القمامة بل من القمامة والمهملات ذاتها”.

شام تايمز

وقد اختلف الوضع كثيرا عن ما كان عليه قبل 20 عاما. ونقل التقدم الاقتصادي السريع تايوان إلى صفوف النمور الآسيوية، إلى جانب هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية، لكن جاءت تكلفة النجاح الاقتصادي باهظة، ففي عام 1979 كانت البلديات تجمع نحو 8800 طن متري من القمامة يوميا. وبحلول 1990 ارتفع هذا الرقم إلى 18 ألفا و800 طن. وفي عام 1992 استمر الرقم في التصاعد ليصل إلى 21 ألفا و900 طن، حتى غدا يطلق على تايوان لقب “جزيرة القمامة”.

وكان 90 في المئة من إجمالي القمامة المجمعة يتجه مباشرة إلى مكبات دفن النفايات، التي لم تكن على المستوى المطلوب من النظافة والوضع الصحي. وكانت كل المكبات بالجزيرة تقريبا شبه ممتلئة بالنفايات التجارية والصناعية. وذات مرة، اضطر مسؤولو منطقة هسينتشوانغ السابقة في تايبيه – وهي اليوم جزء من مدينة تايبيه الجديدة – لإلقاء خمسة آلاف طن متري من القمامة دفعة واحدة بموقع قريب من محطة ضخ المياه بالمنطقة، لتصاعد الرائحة الكريهة من المكب الأصلي. وكان الوضع سيئا لدرجة أن المسؤولين خشوا أن يؤدي لتفشي حمى الضنك.

ووصلت مكبات النفايات في تايوان، عددها أكثر من 400، إلى أقصى سعة ممكنة. واشتكى السكان من مناطق مختلفة مما اعتبروه عجزا حكوميا في التعامل مع القمامة. وبحلول عام 1996، وصل الحال بالسكان للقيام بغلق الطرق المؤدية إلى المكبات ومناهضة إقامة المزيد منها سعيا لوقف تدفق النفايات.

وفي نفس العام انتشرت شرطة مكافحة الشغب حين حاول أكثر من مئة شخص منع قافلة من شاحنات نقل القمامة من الوصول لمكب هسينغتشينغبو بجنوب تايوان.

يقول مينارد، وهو الآن باحث مساعد بمؤسسة تشونغ-هوا للبحوث الخاصة باقتصاد التدوير: “كان قد سمح للناس بالاحتجاج بعد انتهاء الأحكام العرفية. برزت مشكلة القمامة ما دفع الناس للتحرك والاحتشاد”.

سأم الناس من تلوث الهواء والمياه الجوفية بسبب المكبات السيئة وشعروا بالغضب العارم من استمرار الحكومة في استخدام بعض المكبات رغم انتهاء عقد استئجار الأراضي المقامة عليها. وكانت هذه هي القشة التي كسرت ظهر البعير، ولم يجد الناس بدا من التحرك.

يقول مينارد: “برزت مشكلة القمامة بشكل كبير مع تراكم النفايات التي لم تجد لها مكبات، ورأت السلطات تخصيص المزيد من المساحات للمكبات، لكن الناس رفضوا ذلك وخرجوا في احتجاجات”.

أدت الاحتجاجات إلى استجابة الحكومة – لكن هذه الاستجابة لم ترض المحتجين. يقول مينارد: “تجاوبت الحكومة ببناء محارق للنفايات، فعاود الناس الاحتجاج لرفضهم المحارق أيضا”.

ويشير مينارد إلى أن الحكومة لجأت في محاولتها لتهدئة الجمعيات الأهلية المطالبة بتحسين الوضع، إلى خبرة اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا لترى ما يمكن تعلمه منها، ولتقرير سياسة تناسب تايوان.

وكانت إحدى تلك الجمعيات، وهي جمعية “اتحاد ربات البيوت”، قد بدأت كتجمع للنساء بشكل غير رسمي لبحث مشكلات تايوان البيئية، ثم قررت الخروج للشارع لمطالبة هيئة حماية البيئة بالعمل بنظام لإعادة تدوير النفايات.

لقد أراد هذا التجمع أن يُظهر للمسؤولين أنه يمكن التخلص من النفايات في تايوان عبر إعادة التدوير والتحلل العضوي. ومنذ ذلك الحين، تشير الجهات المسؤولة لاتحاد ربات البيوت باعتباره حافزا لتغيير سياسات الحكومة بشأن النفايات.

وفي النهاية، تسنى للمشرعين وضع إطار قانوني لتنظيف تايوان عبر قانون التخلص من القمامة لعام 1998. وقد أولى هذا القانون أهمية خاصة لإعادة التدوير والإقلال من النفايات.

كما بدأ مبادرة بعنوان “المسؤولية الأكبر للمنتجين” أمكن بمقتضاها تحويل بعض الأموال لوعاء حكومي لاستخدامها في بناء منشآت لإعادة التدوير وإدارة النفايات. والآن أصبح معدل إعادة التدوير في تايوان من بين الأفضل في العالم.

وكان هناك برنامج ثان أدى في نهاية المطاف لاختفاء سلال القمامة العامة في تايوان. يقول مينارد عن ذلك: “جعل برنامج (الدفع مقابل القمامة) الناس يدفعون مقابل التخلص من النفايات، لكنهم أخذوا يغشون بإلقاء قمامتهم في السلال العامة”.

لذلك، أزالت السلطات السلال واستعاضت عنها بدوريات منتظمة لعربات حكومية لجمع القمامة تطلق موسيقى تجوب الشوارع.

تذكر شو-هان لو، التي تعمل مع الهيئة الرياضية التابعة للحكومة التايوانية، حين أزيل أغلب سلال القمامة من المدينة، قائلة: “لم تعطنا الحكومة فترة كافية للاستعداد، لكننا لم نكن بحاجة للاستعداد، فحين أخذت سلطات المدينة سلال القمامة عرفنا تماما كيف نجد السلال الأخرى”.

ويشير مينارد إلى أن إزالة السلال كانت علامة أخرى على تحسن سياسة تايوان في التعامل مع النفايات، لكن لم يؤد ذلك بالضرورة لزيادة إعادة التدوير في البلاد. كانت النتيجة أن زاد وعي المستهلك المحلي بالقمامة، “فعدم توافر السلال والاضطرار للانتظار لوصول عربات جمع القمامة يجعلك مضطرا للتفكير في القمامة التي تخلفها.

لا يستسهل المرء رمي الأشياء في القمامة، وببدء التفكير في الإهدار يغير المرء من عاداته الشرائية وينتهي الحال بالإحجام عن شراء أشياء غير قابلة للتدوير”.

ومع ذلك، لا تخلو تايبيه من سلال القمامة العامة تماما، إذ يقول هامون كارامي –الذي يعيش في المدينة منذ أمد طويل وقد أنشأ نظاما لتحويل سلال القمامة العادية لسلال ذكية – إنه يجب الحفاظ على ما تبقى من السلال، لأنه لو تخلصت تايوان من كافة سلال القمامة بها فستخسر فرصة ذهبية لفهم عادات تولد القمامة بها.

يقول كارامي إنه مازال هناك نحو 1700 سلة قمامة تنتشر في المناطق الأكثر اكتظاظا من تايبيه، وحيث أن عدد السكان يناهز 2.7 مليون ساكن فإن المعدل هو سلة لكل 1500 شخص تقريبا.

ويضيف: “بالتخلص من سلال القمامة نفقد فرصة فهم كيف تتولد القمامة ومصدر الجزء الأكبر منها وما يمكن فعله حيال ما نلقيه في سلة المهملات. السؤال الذي يلح على الناس هو كيف نتخلص من نفاياتنا، لكن ينبغي أن يكون السؤال ما هو السبيل الأفضل للتعامل مع القمامة”.

يقول كارامي إنه يجب القيام بما هو أكثر من مجرد التخلص من السلال وتقليل النفايات المتجهة للمكبات، مضيفا: “ينبغي أن نفهم المزيد عن القمامة”.

ويشير إلى أن هناك ثغرات في فهم كيف تُنتج القمامة في تايبيه، ففي بعض المناطق تكون معدلات إعادة التدوير أقل، ولا يعرف أحد السبب، كما لا توجد برامج توعية حول أهمية إعادة التدوير في تلك المناطق.

ويتابع: “إذا أمكن إزالة السلال وأصبحت المدينة أفضل، فسيكون هذا رائعا. لكن أشك أن الوضع سينتهي عند هذا. ينبغي أن نجد سبيلا أفضل للتعامل مع القمامة بكفاءة أكبر”.

وبدلا من النظر إلى سلال القمامة في تايبيه على أنها مكبات صغيرة للمهملات، ربما ينبغي النظر إليها على أنها مورد ثمين ومؤشر لقياس العادات الاستهلاكية والسلوك البيئي للسكان.

هوب نغو صحفي/ بي بي سي

شام تايمز
شام تايمز