الجمعة , أبريل 19 2024
تعبث في أعماق الدماغ.. كيف تحول الأفلام الخلي عة متابعيها إلى مدمنين؟

تعبث في أعماق الدماغ.. كيف تحول الأفلام الخلي عة متابعيها إلى مدمنين؟

تعبث في أعماق الدماغ.. كيف تحول الأفلام الخلي عة متابعيها إلى مدمنين؟

شام تايمز

عبد الرحمن أبو الفتوح
بينما تبدأ في قراءة سطور هذا التقرير يوجد الملايين من مدمني البور نو غارقين في تصفح الآلاف من المواقع التي تعرض لهم عددًا لا نهائي من النساء العار يات، وفي كل مرة يظنون أنها الأخيرة ومن بعدها سيكتفون يجدون أنفسهم ينساقون لا إراديًا إلى مطالعة المزيد من الأفلام والصور، لينتهي الأمر بهم تائهين في بحر متلاطم الأمواج يغير ملامح حياتهم.

شام تايمز

دعنا نوضح لك الصورة بشكل أدق: فصناعة البور نو على الإنترنت تتجاوز قيمتها الاقتصادية 15 مليار دولار أمريكي، وقد كشف تقرير تحليلي صدر عن أحد أشهر مواقع البور نو المجانية عام 2016، أن مقاطع الفيديو المتاحة بداخله شُوهدت 92 مليار مرة خلال العام السابق وذلك من جانب 64 مليون زائر يوميًا، وإذا ما وزعت هذه المقاطع على سكان الكرة الأرضية فسيكون نصيب كل شخص منها 12.5 مقطع فيديو، وفي حال رغبة أحدهم في مشاهدتها جميعًا سيحتاج إلى 524641 عامًا لإتمامها.

يؤثر البور نو على مختلف الجوانب الحياتية للشخص؛ فسلوكه يتأثر بما يراه ويعتاد الأفعال الشاذة ويراها طبيعية، كما أنها تجعله ينفر من شكل جسمه أو جسم شريك حياته لتطلعه إلى الصورة المثالية التي تُسوق في الأفلام والصور الخليعة، بالإضافة إلى أنها تدمر إنتاجيته في العمل وتخفض كفاءته، لكن أخطر ما تفعله هو قدرتها على إحداث تغييرات في الدماغ تجعل الأمور خارج نطاق السيطرة بشكل كبير، وسنتعرف على كيفية حدوث ذلك بالتفصيل.

تتشكل مسارات عصبية جديدة
يتكون الدماغ من حوالي 100 مليار عصب يسمى الخلايا العصبية التي تحمل الإشارات الكهربائية ذهابًا وإيابًا بين أجزاء الدماغ، لتتخيل معي أنك تتعلم العزف على أوتار آلة الغيتار حينها يرسل دماغك إشارة إلى يدك تخبرها بما يجب عليه فعله، وبينما تنطلق هذه الإشارة من العصبون إلى الخلايا العصبية تبدأ الخلايا العصبية المنشطة بتشكيل وصلات، فتشكل في النهاية تلك العصبونات التي جرى توصليها حديثًا ما يسمى بالمسار العصبي.

الأمر أشبه بدرب في الغابة في كل مرة يُستخدم فيها يصبح أوسع وأطول، على الناحية الأخرى عندما تنتقل رسالة عبر المسار العصبي يصبح المسار أقوى، مع زيادة التكرار يكون مسارك العصبي قويًّا جدًّا بحيث يعمل دون حتى أن تبذل جهدك في التفكير، يظهر ذلك عند تعلمنا لأي مهارة جديدة مثل حل المسائل الرياضية أو قيادة السيارة، فالممارسة المتكررة للفعل تجعل القيام به سلسًا للغاية.
وبما إن هناك منافسة شرسة للغاية بين مسارات المخ على الموارد من طاقة وأكسجين، فإنه من المرجح استبدال المسارات التي لا تُستخدم بما فيه الكفاية فالقوي وحده من ينجو، وهنا يأتي دور البور نو الذي يعد عاملًا قويًا في تشكيل مسارات جديدة طويلة الأمد في الدماغ ولا يستطع أي نشاط آخر هزيمتها في المنافسة، بما في ذلك العلاقة الفعلية مع الشريك الحقيقي، ويشرح الدكتور نورمان دويدج الباحث في جامعة كولومبيا الأمريكية لنا ذلك الأمر شديد التعقيد بقوله: «تخلق الإبا حية الظروف الملائمة وتحفز إطلاق المواد الكيميائية الصحيحة؛ لإجراء تغييرات دائمة في الدماغ».

وتكون الظروف مثالية لتشكيل مسارات عصبية قوية عندما يكون الفرد فيما يُسمى علميًا بحالة التدفق، وهي حالة مرضية للغاية من الاهتمام المركز يبدو معها فعل أي شيء آخر غير مهم، ربما تكون قد اختبرتها عندما كنت تلعب لعبة نجحت في جذب شغفك إليها، فاندمجت معها لدرجة أنك فقدت إحساسك بالوقت وكنت تريد أن تستمر للأبد فيما تفعل.

تنطبق هذه الحالة على مدمن البور نو الذي يجلس أمام شاشته في ساعة متأخرة من الليل منغمسًا في مشاهدة مواد البور نو بنشو ة بالغة، تجعله لا ينتبه لأي شيء يحدث من حوله حتى احتياجه الشديد للنوم، ذلك الشخص هو في حالة مثالية لتشكيل مسارات الخلايا العصبية، وكل ما يفعله هو الانتقال من صفحة إلى أخرى بحثًا عن الصورة المثالية التي يتوهم أنه سيجدها، غير مدرك أن كل صورة يراها تعزز لديه المسارات التي يصنعها في دماغه، وستصبح تلك الصور راسخة بعمق في ذهنه، يتذكرها لسنوات طويلة قادمة وربما في بقية حياته.

تختل كيمياء المخ
تُغير مشاهدة البور نو من معدل المستوى الطبيعي للدوبامين في الدماغ ويوضح لنا الدكتور روبرت نافارا معالج الإدمان الأمريكي ذلك بقوله: «إن ما يحدث في الإدمان على البورنو هو أن نظام المكافآت يحصل على تحفيز مفرط، ويربك الدوبامين الدماغ بمستويات أعلى منه بشكل لا يستطيع إدارتها».

ويحدث الإدمان على الإبا حية من خلال مرحلتين الأولى عندما تُغمر مسارات المكافأة في الدماغ بمستويات عالية من الدوبامين، وبمرور الوقت يحتاج الشخص لإثارة أعلى حتى يصل إلى المتعة المطلوبة، أما المرحلة الثانية فعندما تتأثر الفصوص الأمامية التي تعمل على صنع القرار والتحكم في الانفعالات، فتظهر قرارات سيئة مثل تصفح الإبا حية في أماكن العمل أو البحث عن محتوى إباحي متطرف.
عندما ينظر مدمنو البورنو إلى المواد المعروضة أمامهم فإنهم يعانون من الارتفاع المفاجئ للدوبامين في الدماغ، الذي يُوقف إنتاجه في النهاية ويترك المدمن وهو يريد أكثر لكنه غير قادر على الوصول إلى مستوى مُرض من الارتياح، ونتيجة ذلك تتوقف المتع اليومية التي تسبب الإثا رة ويسعى الشخص للوصول إلى مواد إبا حية أكثر كثافة للحصول على نفس درجة المتعة السابقة، يؤدي هذا الخلل إلى ظهور عدة مشاكل مثل الضعف الجن سي مع الشريك والاست مناء المتكرر مع القليل من الرضا، إلى جانب المزيد من القلق والتعب وعدم القدرة على التركيز.

من ناحية أخرى هناك مواد كيميائية في الدماغ تُطلق أثناء ممارسة العلاقة أو مشاهدة الإبا حية مثل هرموني الأوكسيتوسين والفازوبرسين، اللذين يساعدان الشخص على تذكر الذكريات طويلة المدى، والعمل على تكوين علاقة وثيقة بين الذاكرة والكائن المانح للمتعة، لذلك إذا كان الدماغ يربط المشاعر الجن سية بتجربة إبا حية فإنه سيوجه الشخص إلى الإبا حية في كل مرة تنشأ فيها الرغبة الجن سية بدلًا من التجربة الجن سية الحقيقية.

تتقلص المادة الرمادية في الدماغ
يمتد تأثير إدمان الإبا حية إلى إجراء تغييرات في بنية الدماغ، فقد أجرى معهد ماكس بلانك الألماني لعلوم الإدراك البشري والدماغ دراسة نُشرت نتائجها عام 2014، خضع فيها 64 ذكرًا تراوحت أعمارهم بين 21 إلى 45 عامًا للبحث، وذلك بطلب منهم ملء استبيانات عن الوقت الذي يقضونه في مشاهدة الإبا حيات خلال الأسبوع الذي بلغ في المتوسط أربع ساعات.

لكن المفاجأة تمثلت في توصل الباحثين بعد فحص أدمغة المشاركين في الدراسة باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي، إلى أنه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها الشخص في مشاهدة المواد الإبا حية تقلصت المادة الرمادية الواقعة بالقرب من مقدمة الدماغ، والمعروف عنها تأثيرها في نظام المكافأة بالإضافة للعديد من المهام الأخرى.

البور نو والمخدرات.. ما أوجه التشابه؟
ذكرنا سابقًا العلاقة بين إدمان البور نو وزيادة الضغط على مستويات الدوبامين، مما يجعل المدمن لا يشعر بالراحة والمتعة دون ارتفاع الدوبامين إلى مستوياته غير الطبيعية، ويشعر بالقلق الذي لا يتوقف حتى يعود لمشاهدة المزيد من المقاطع أو الصور، ومع مرور الوقت تتحول الإبا حية عنده إلى إدمان ويكتشف أنه من الصعب عليه التوقف، وهو ما يرى رئيس المعهد القومي الأمريكي لمكافحة المخدرات أنه يتطابق مع أعراض الإدمان الكلاسيكية.

بشكل عام يلعب الدوبامين الدور الأكثر أهمية في إدمان البور نو، وفي الوقت نفسه تتشابه بعض أنواع المخدرات مثل الكوكايين والأمفيتامين والميثامفيتامين مع هذا النوع من الإدمان في عملها مباشرة على نظام الدوبامين، فالتعرض للمواد الإبا حية يؤدي لإدمان الإثارة ويصبح الدماغ يفضل الصورة عن الشريك الواقعي.

وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج البريطانية عام 2014 أن تضاؤل مسارات المتعة في دماغ مدمن الكحول، هو نفسه ما يحدث عند مدمن البور نو الذي رغم تطلعه لمشاهدة المزيد من المواد إلا أن درجة استمتاعه بها لا تزيد كما يتوقع.

كما توصل الباحثون في الدراسة إلى وجود ثلاث مناطق في الدماغ تكون أكثر نشاطًا عند الأشخاص الذين يعانون من السلوك الجن سي القهري، هي المخطط البطني والقشرة الحزامية الأمامية الظهرية المسئولة عن توقع المكافآت واللوزة الدماغية، وتعد نفس المناطق التي تُفعل في مدمني المخدرات عندما يتعاطون عقاقيرهم المفضلة.

استدعت خطورة انتشار البور نو مجلس الشيوخ الأمريكي إلى عقد جلسة استماع في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2004، موضوعها زيادة نسبة الإدمان على البور نو بين الأمريكيين، وقد أكدت الدكتورة ماري آن لايدن المتخصصة في علم النفس بجامعة بنسلفانيا الأمريكية خلال الجلسة، على أن نفس المعايير المستخدمة لتشخيص إدمان المخدرات يمكن تطبيقها على إدمان البور نو.

من ذلك أن إحدى السمات الرئيسية للإدمان هي زيادة التسامح تجاه المادة المُدمن عليها، فعند الإدمان على المخدرات يحتاج المدمن إلى جرعات أكبر على نحو متزايد، وهو نفس ما يحدث عند مدمن الإبا حية الذي يحتاج لرؤية مواد أكثر تطرفًا للإحساس بنفس مستوى الإثا رة التي مر بها في البداية.

تأثير كوليدج من الفئران إلى بني الإنسان
أثبتت العديد من الأبحاث وجود تأثير كوليدج في أنواع مختلفة من الحيوانات، فمثلًا عند الفئران إذا ما وضع فأر ذكر في قفص مع عدة فئران من الإناث سيتزاوج معهن جميعًا حتى يُنهك، ورغم ذلك إذا ما أُدخلت أنثى جديدة إلى القفص غالبًا سيتجدد اهتمامه بالجن س ويبدأ في عملية التزاوج معها.

لا يقتصر ظهور تأثير كوليدج على الذكور فقط ففي تجربة أُجريت على إناث الهامستر وجدوا أنها بعد التزاوج مع الذكر حتى الإرهاق، عندما يدخل ذكر هامستر جديد إلى القفص فإنها تُظهر اهتمامها من جديد بالجن س.

وقد وثق وجود نفس التأثير عند الرجال ففي إحدى الدراسات انقسم المشاركون الذكور إلى قسمين الأول تعرض أفراده لمثيرات جن سية ثابتة والثاني تعرض أفراده لمثيرات متنوعة، وجرى قياس مستوى الإثا رة لديهم بواسطة جهاز يسجل التغيرات في محيط العضو، وكانت النتيجة أن الرجال الذين تعرضوا لمُثيرات ثابتة أبدوا قدرًا أقل من الإثا رة مع مرور الوقت، بينما حافظ أولئك الذين تعرضوا لمثيرات متنوعة على مستويات أعلى من الإثا رة.

يرتبط هذا التأثير بإدمان الإبا حية فيما يتعلق ببحث مدمنيها عن مجموعة متنوعة من الصور الجن سية الجديدة الصريحة بدلًا من أن يرضوا ويكتفوا بالصور التي شاهدوها مسبقًا، فالعقل يُوصل للشخص أن تلك الصور هي بمثابة شركاء جدد، مما يجعله يدور في دائرة مفرغة وراء المزيد من المواد الإبا حية التي لا يكتفي منها مهما زاد عددها.

ساسة

شام تايمز
شام تايمز