الخميس , مارس 28 2024
هل عاش القدماء 1000 عام؟

هل عاش القدماء 1000 عام؟

هل تساءلتم يوماً عن هوية أوّل ملك في التاريخ؟ إذا كنتم قد فكرتم في ذلك فهذا الموضوع سيجيبكم عن هذا السؤال، لكنّ بمجرّد قراءتك للموضوع الذي يتحدث عن الملوك السومريين، سيبرز سؤالٌ آخر: هل كان الإنسان القديم يصل عمره لألف سنةٍ أو أكثر؟ خصوصاً إذا علمنا أنّ أحد التخمينات يقول إنّ أول ملك في العالم هو “ألوليم”، حاكم مدينة إريدو، (في العراق حالياً)، والذي حكم البلاد 28 ألف عام، وكان هذا قبل طوفان نوح.

شام تايمز

يقال أيضاً إنّ أول ملك هو شخص يدعى “جشور”، وقد حكم مدينة كيش، (في العراق حالياً أيضاً)، لمدة 1200 عام!

شام تايمز

شغل هذا السؤال الكثيرين من الباحثين والعلماء، واختلفت تفسيراتهم وتخميناتهم حول إجابة هذا السؤال وفق ما ذكره موقع Ancient Origins.

هل مفهوم “السَّنَة” القديم هو نفسه الحالي؟

تحدّثت الكتب السماوية الثلاثة (التوراة والإنجيل والقرآن) عن أشخاصٍ عاشوا أعماراً طويلة بلغت 900 سنة أو أكثر، كما ورد في بعض الأحاديث الإسلامية والنصوص التوراتية والإنجيلية وبعض الوثائق التاريخية القديمة أيضاً، أن بعض البشر من القدماء عاشوا أعمار يجدها بعض المعاصرين غير قابلة للتصديق.

يقول بعض الخبراء إن هذا الاختلاف -الذي قد يبدو غير منطقي- بين أعمار البشر الآن وأعمار سابقيهم، يرجع إلى سوء فهم متعلّقٍ بترجمة النصوص القديمة، أو أنّ الأرقام في تلك الثقافات كان لها معنى رمزي.

قد يبدو ذلك شرحاً منطقياً، لكن في المقابل توجد حُجَجٌ مضادّة أيضاً للتفسير السابق تترك المؤرخ يتساءل عما إذا كان عمر الإنسان قد انخفض بشكلٍ كبير فعلاً على مدار آلاف السنين الغابرة؟

عمر الإنسان الكتابة المسمارية القديمة

على سبيل المثال، أحد التفسيرات الحالية لموضوع طول أعمار السالفين، هو أنّ مفهوم الحضارات القديمة لمدة السَّنَة يمكن أن يكون مختلفاً عن مفهومنا للسنة في أيامنا الحالية (365 يوماً). فربما كانت السنة تعني قديماً دورة واحدة للقمر (شهراً) بدلاً من الدورة الشمسية (12 شهراً).

وحتى إذا أجرينا حساباتنا على ذلك الأساس، فسنجد أن عُمر النبي آدم -الذي تثبت التوراة أنّ عمره 930 سنة- سينخفض وفق هذه الحِسبة إلى 77 عاماً في وقت وفاته.

ربما يكون هذا العدد من السنين أكثر منطقيةً في العصر الحالي، إلا أنه يعني أيضاً أن آدم أنجب ابنه شيت في سن 11 عاماً. وكان عمر أخنوخ -الجد الأكبر للنبي نوح- يبلغ من العمر 5 سنوات فقط عندما أنجب ابنه متوشلخ!

وقد أشارت كارول هيل في مقالها بعنوان Making Sense of the Numbers of Genesis (تفسير الأرقام في سفر التكوين)، الذي نشر في مجلة Perspectives on Science and Christian Faith (وجهات نظر في العلم والمسيحية) في ديسمبر/كانون الأول 2003، أنّ تضارباتٍ مماثلة ستنشأ عندما نعدِّل أرقام السنين لتمثِّل فصول السنة بدلاً من المدارات الشمسية، بمعنى أن تكون السنة القديمة هي عبارة عن فصل من فصول السنة (3 أشهر فقط)، مثل الصيف أو الشتاء، وليس مجمل السنة كما نعرفها الآن.

كما ظهرت أرقامٌ غير منطقية أيضاً عند محاولة ضبط الأعمار الواردة في النصوص القديمة، مع افتراض أن المؤرخين كانوا يستخدمون نمطاً معيناً لتحريف الأعمار الفعلية (مثل ضربهم عدد السنين بعددٍ معين).

فقد كتبت كارول في مقالها، “يمكن أن يكون للأرقام في التوراة معنى حقيقي (رقمي)، ومعنى مقدّس (أي رمزي)”، ومن هنا جاء اللبس.

الأنماط الرياضية قد تكون مختلفة أيضاً

في وثيقة أثرية تضمّ ملوك سومر (جنوب العراق القديم)، يبلغ عمرها 4 آلاف عام، وفي نصوص التوراة يظهر في بعض الحالات أنّ عهد الملك الواحد قد تجاوز 30 ألف عام. لاحظ المحللون استخدام الأعداد المربعة، أيّ أنّه لو كان هناك ملك حكم 20 عاماً فتضرب تلك الـ20 في نفسها: 20*20= 400 عام.

ومثل التوراة تظهر الوثيقة السومرية انحداراً ثابتاً في الأعمار مع مرور الزمن. وتميِّز القائمة السومريّة بين عهد ما قبل طوفان نوح وما بعد الطوفان.

فعهود الحكم قبل الطوفان أطول بكثير من عهود ما بعد الطوفان، على الرغم من أنّ أعمار ما بعد الطوفان تظهر أيضاً عدة مئات من السنين أو حتى أكثر من ألف عام.

أما في التوراة، فيلحظ العلماء انخفاضاً تدريجياً في الأعمار على مدى أجيال، فمثلاً عاش النبي آدم 930 سنة، بينما عاش نوح 500 سنة، وعاش إبراهيم 175 سنة، وفقاً للتوراة.

أما القرآن، فيذكر أن النبي نوح لبث في قومه 950 عاماً، دون أن يوضّح كم عاش قبلها، وكم عاش بعد الطوفان العظيم الذي أهلك معظم قومه.

الباحث في جامعة برانديس، دوايت يونغ، أجرى بحثاً حمل عنوان “نهج رياضي لبعض فترات السلالات في قائمة الملوك السومريين”، ناقش فيه المدى العمري لفترة ما بعد الطوفان في قائمة الملوك السومريين.

يقول يونغ، “لا تبدو هذه الأرقام مصطنعة بسبب ضخامتها. فسنوات الملك إيتانا الـ1560، وهو الأطول عمراً من بين ملوك ما بعد الطوفان، ليست سوى مجموع سنوات عهدي الملكين السابقين له… ويبدو أن بعض الأعمار نشأت كمضاعفات للرقم 60. ويمكن التعرف على أعداد كبيرة أخرى على أنها مربّعات للرقم الحقيقي. فمثل 900 عام هو مربع 30 عاماً، وكذلك 625 هو مربّع 25 عاماً، و400 عام هو مربع 20 عاماً”.

الصينيون والفرس وثّقوا “معمّرين” لا نعرفهم

لا تقتصر الأعمار الطويلة على الشخصيات الشرقية، أو تلك التي ذُكرت في الكتب السماوية، بل كان المعمرون في الصين القديمة موجودين أيضاً وفقاً لكثيرٍ من النصوص، إذ يذكر كتابHealthy Longevity Techniques (تقنيات الحياة الصحية المديدة) “وفقًا للسجلات الطبية الصينية، عاش طبيب يدعى كوي وينزي من نسل تشين ليبلغ من العمر 300 عام، وعاش جي يولي من نسل هان ليبلغ من العمر 280 عاماً”.

كما عاش الراهب الطاوي (مدرسة فلسفية صينية) هوي زهاو، إلى عمر 290 عاماً وعاش لو زيشانج لعمر 180 عاماً.

وكما هو مسجل في موسوعة Materia Medica الصينية، عاش هي نينغشي من سلالة تانغ لمدة 168 عاماً. وعاش الطاوي لي تشينغيوان إلى عمر 250 سنة. وفي العصر الحديث، عاش طبيب الطب الصيني التقليدي المنحدر من مقاطعة سيشوان لو مينغشان، إلى سن 124 عاماً.

وقد يكون مفتاح الشرق لطول العمر هو “الحياة المغذية”، ليس فقط التغذية الجسدية، ولكن أيضاً التغذية العقلية والروحية.

ففي كتاب الملوك “شاهنامه” قصيدة ملحمية فارسية كتبها أبوالقاسم الفردوسي في نهاية القرن (العاشر الميلادي)، حكى عن الملوك الذين حكموا ألف عام، ومئات السنين، وصولاً إلى 150 عاماً، وما إلى ذلك.

وحتى في هذه الأيام قد يبلغ الناس عمر 150 عاماً أو أكثر، وغالباً ما يحدث ذلك في المناطق الريفية، حيث تكون الوثائق قليلة مقارنةً بالمُدن. وربما كان التوثيق أقل قيمة في المجتمعات الريفية منذ أكثر من قرن، ما يجعل من الصعب إثبات مثل هذه الادعاءات.

ومن الأمثلة على ذلك شخصٌ يدعى بير ناريان تشودري في نيبال. ففي عام 1996 قال تشودري إنّه يبلغ من العمر 141 عاماً، وهو ما كتبه أحد الصحفيين في مقالٍ لصحيفة India Today.

وإذا كان هذا الادعاء صحيحاً، فقد تفوّق تشودري على حامل الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس لأطول عمر تم تسجيله على الإطلاق، بـ20 عاماً أكثر.

لم يكن لدى تشودري الأوراق التي تُثبت ما يقوله، لكنه كان حاضراً بقوة في الذاكرة الجماعية للقرية.

فقد كان يتذكره جميع الشيوخ تقريباً أيام شبابهم حين كان تشودري يتحدث عن العمل في التعداد الأول لنيبال عام 1888. والمنطق السائد في القرية يقول إنه يجب أن يكون قد تجاوز 21 عاماً في ذلك الحين، لأنّ التعداد كان وظيفةً ذات مسؤولية. ويقول شودري إنه كان يبلغ حينها 33 عاماً وكان لا يزال عازباً.

وبالمثل، يدَّعي العديد من الأشخاص في منطقة القوقاز في روسيا أن الأعمار تصل حتى أكثر من 170 عاماً، من دون وثائق عادةً لدعم ادعاءاتهم.

لكنّ العوامل المتكررة في هؤلاء الذين عاشوا حياة طويلة بشكل استثنائي أنهم عاشوا حياة متواضعة دوماً، وأدوا أعمالاً بدنية شاقة أو تمارين رياضية، غالباً في الهواء الطلق، من الشباب وحتى الشيخوخة.

كما أنّ نظامهم الغذائي بسيط، وكذلك حياتهم الاجتماعية التي تشمل أسرهم. ومن الأمثلة على ذلك شيسالي ميسلنلو، الذي عاش 170 عاماً، وعمل بستانياً في منطقة أذربيجان في روسيا. ولم يعرف ميسلنلو الاستعجال أبداً في حياته.

فقد قال مرة “أنا لم أكن أبداً في عجلة من أمري، لذلك لا تكن في عجلة من أمرك بالنسبة لحياتك، هذه هي الفكرة الرئيسية، لقد كنت أقوم بعمل بدني منذ 150 عاماً”

ويدعم هذه النظرية ما تخبرنا به قصة قبيلة الهونزا الباكستانية التي يعيش أفرادها حتى سن 150 عاماً.

في النهاية، لا يمكننا تطبيق قواعد العصر الحالي على العصور القديمة، حيث كان الهواء نقياً والنظام الغذائي مختلفاً تماماً عن وضعنا حالياً.

ويُترك للعلماء المعاصرين خيارهم: فإما تصديق ما تقوله السجلّات القديمة وذاكرة القرية عن المدى العمري الذي يبدو غير معقول بقياسات عصرنا، أو أن يضعوا في اعتبارهم المبالغات الحسابية، أو الرمزية، أو سوء الفهم الذي ذكرناه بالأعلى.

وبالنسبة للكثيرين، الأمر ببساطة هو مسألة إيمان!

عربي بوست

اقرأ أيضا: ثلاث صفوف للألهة و 4 قوى تسيطر على الكون, آلهة اليونان.. ماذا تعرفون عن أساطيرهم؟

شام تايمز
شام تايمز