الخميس , أبريل 25 2024
سامي كليب: حرب المرافئ من بيروت الى أبو ظبي

سامي كليب: حرب المرافئ من بيروت الى أبو ظبي

سامي كليب
ثمة حروب ناعمة تجري بعيدا عن الأضواء، سترسم مستقبل دول، وتعيد تشكيل دول أخرى أو تلغيها. هي حروب المرافئ حول العالم التي أعادها الى الواجهة في الأيام الماضية التفجير الجهنمي لمرفأ بيروت، وكذلك العلاقات الإسرائيلية الإماراتية التي أثارت ردود فعل عاطفية كثيرة بين شاجب ورافض ومؤيد، لكن هذه الردود تبقى حبرا على ورق ما لم ننظر الى أحد أهم أسبابها أي ذاك المتعلق بسعي الامارات الى لعب دور كبير في مجال التجارة العالمية والسيطرة على مرافئ كثيرة عبر العالم، وهذا من المستحيل التوصل اليه بلا علاقات قوية مع اميركيا وإسرائيل، وفق تفسير مسؤول عربي خبير بالعلاقات العربية الأميركية والعربية الإسرائيلية.

أولا تفجير مرفأ بيروت :

مع ازدياد الإشارة الى احتمال تورط إسرائيل، بين فرضيات أخرى، في تفجير مرفأ بيروت (مثلا الرئيس ميشال عون، السيد حسن نصرالله، الوزير نهاد المشنوق وغيرهم) ، خلافا للتصريحات الأولى السطحية التي اكتفت بالحديث عن مفرقعات اشعلت نيترات الامونيوم. يتبين اليوم ان تدمير مرفأ بيروت، كان هدفا فعليا لتطويق لبنان، ذلك ان الحدود الجنوبية مقفلة بسبب إسرائيل، والحدود مع سوريا أقفلت بسبب كورونا مع ارتفاع حدة مطالبات محلية ودولية بضبطها عبر قوات دولية، ولم يبق الا مرفأ بيروت، لكون مرفأ صيدا ضعيف ومرفأ طرابلس له حسابات جيوسياسية وايديولوجية تعيق الموافقة على ان يصبح البديل.

حين يُضرب مرفأ بيروت ( على الأرجح بعمل تخريبي مدروس) بعد القطاع المصرفي والحركة الاقتصادية، يضيق الخناق على اللبنانيين، فترتفع حركة الشارع ضد الجميع وفي مقدمهم حزب الله، وتصل حركة الاحتجاج الى اسقاط الجميع وفي مقدمهم رئيس الجمهورية والمجلس النيابي.
الواضح ان دولا عديدة، باتت تميل نحو فرضية عمل إسرائيلي، ربما فاجأ بحجمة الجميع. فكل التبريرات التي قيلت من الجانب الإسرائيلي لنفي ما حصل زادت الشكوك، وكل التبريرات الأميركية لم يقتنع بها حتى حلفاء واشنطن من العرب.

كان هدف الضربة مزدوجا، أولهما توجيه رسالة امنية كبيرة تساهم في القاء اللوم على الحزب وسلاحه، وثانيهما، شلّ مرفأ بيروت الى ما شاء الله. لكن الدخول السريع لفرنسا ودول عربية وفي مقدمها المغرب ومصر ( التي تفوق مساعداتها بمرتين أي مساعدات أخرى)، أعاد الأمل باحتمال إعادة تشغيل المرفأ في فرصة قريبة. كما ان الحضور الفوري لإيران وطرح طهران مساعدات كبيرة للبنان في مجالات الكهرباء والطاقة والزجاج وغيرها، جعلت الاميركيين ينتبهون الى احتمال انفلات لبنان من أياديهم باتجاه الصين وايران وغيرهما.

 

ثانيا المرافئ في العلاقات الإماراتية الاسرائيلية

لم يكن الإعلان عن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية مفاجئا لمتابعي الاتصالات بين الجانبين منذ سنوات. وقد كانت هناك خطوات تجارية ورياضية علانية قبل اعلان ترامب عن الاتفاق الثلاثي بين اميركا وإسرائيل وأبو ظبي. لكن كثيرين طرحوا السؤال، لماذا الامارات، ولماذا الآن، وذهب البعض الى حد ربط ذلك برغبة أبو ظبي في تقديم هدية سياسية ثمينة الى الرئيس ترامب قبيل الانتخابات، وقال آخرون ان هذه الخطوة تساعد بنيامين نتنياهو نفسه المتخبط بعشرات المشاكل في الداخل، اما الامارات وحلفاؤها واصدقاؤها فقد اكدوا ان هذه العلاقات ساهمت في منع نتنياهو من ضم الضفة الغربية، وقالوا ان الامارات غامرت دون الكثير غيرها من الدول العربية بفتح سفارة لها في دمشق، وان وزير خارجية ايران كان قبل أسبوع واحد يتحدث مع نظيره الاماراتي عن علاقات ودية بين الجانبين ( وهي كانت بالأصل علاقات قوية قبل العقوبات الأميركية بحيث كانت حركة طيران يومية قوية بين العاصمتين، إضافة الى وجود استثمارات إيرانية في الامارات تفوق ٣٣٠ مليار دولار وجالية ايرانية كبيرة تقارب النصف مليون ، وتقول منظمة الجمارك الإيرانية أن قيمة المبادلات التجارية مع الإمارات العربية المتحدة بلغت مؤخرا 13.5 مليار دولار) .

بعيدا عن هذه التفسيرات المتناقضة التي نعهدها دائما في الوطن العربي بين مخوّن ومادح ثم تصمت، فان مسؤولا عربيا تربطه علاقات قوية مع واشنطن وله خبرة طويلة بالعلاقات العربية الأميركية والعربية الإسرائيلية، يقول :” لن نفهم خطوة الامارات هذه الا اذا نظرنا الى المشاريع الإماراتية الضخمة في السيطرة على مرافئ عالمية وادارتها، ذلك ان هذا الامر الدولي الكبير بحاجة الى دعم كبير، وخطوط عبور، وهذا لا يمكن توفيره بلا اميركا وإسرائيل”.

الواقع ان الناظر الى هذه الزاوية سيكتشف أمورا فعلا كبيرة حيث ان الامارات تدير مجموعة كبيرة جدا من الموانئ عبر العالم من آسيا وأوروبا الى اميركا اللاتينية والولايات المتحدة وصولا الى افريقيا والتي يقترب عددها من ٨٠ مرفأ لها اهداف تجارية وجيوسياسية وعسكرية ، ، واليكم بعض اللائحة على سبيل المثال :

· تقيم الامارات قاعدة عسكرية في جمهورية “ارض الصومال” غير المعترف بها دوليا، ولكن أهميتها انها تطل على خليج عدن.

· منطقة بربرة التي بدأت الامارات بإنشاء قاعدة عليها منذ ثلاثة أعوام ، تبعد ٣٠٠ كيلومتر عن جنوب اليمن.
السعي الاماراتي لإدارة مواني اليمن وخصوصا ميناء عدن، لم يبدأ مع الحرب التي شاركت فيها الامارات الى جانب السعودية ودول أخرى ضد انصار الله الحوثيين، فالرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح هو من كان قد منح موانئ دبي في العام ٢٠٠٨ حق إدارة ميناء عدن وموانئ أخرى في عقد يمتد ١٠٠ عام. لكن مؤسسة خليج عدن قررت الغاء اتفاقية تأجير المرفأ لشركة موانئ دبي بعد خلع الرئيس صالح. في السنوات الماضية تجددت مشاريع الامارات في الموانئ اليمنية والخليجية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن ، ويمكن ان نذكر على سبيل المثال ان إدارة جزيرة سُقطرى اليمنية المطلة على الخليج تتيح لها مراقبة كل الملاحة البحرية نحو افريقيا. كما ان خصوم الامارات في اليمن يقول انها تبني قواعد عسكرية وبحرية للسيطرة على منطقة باب المندب.

· وقّعت الأمارات مع اريتريا اتفاقية استئجار ميناء عصب المواجه للبحر الأحمر وكذلك على مطار المدينة.

· كانت الامارات ارتبطت باتفاقية مع دولة جيبوتي لإدارة الميناء والمنطقة الحرة فيها، لكن حصل خلاف لاحقا تخلله تهم بالرشى ما أدى الى فسخ العقد، قبل ان تلزم محكمة لندن للتحكيم الدولي في العام ٢٠١٦ حكومة جيبوتي بدفع نفقات الدعوى التي خسرتها.

· وقّعت الامارات مع مصر في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك اتفاقية لاستثمار ميناء عين السخنة

· لها أيضا اتفاقيات مع الجزائر لمواني العاصمة، وجن جن (الذي يعتبر من اكبر مرافئ افريقيا) وجيجل وغيرها.

· وفيما تدور رحى المعارك في ليبيا، فان الامارات سعت لكسب بعض الموانئ الليبية بعد ان ادارت ميناء برقة في الشرق بالتعاون مع اللواء خليفة حفتر

 

هذا غيض من فيض الموانئ والمرافئ التي تديرها شركة مواني دبي في معظم دول العالم وخصوصا في ( السنغال، موزمبيق، الارجنتين، كندا، البيرو ، الدومينيكان ، فنزويلا ، سورينام، الصين، فيتنام ، باكستان ، روسيا، كوريا الجنوبية، المانيا ، بلجيكا ، فرنسا ، رومانيا، هولندا، بريطانيا، وصولا الى استراليا)

 

يشار الى ان الامارات تملك اثنين من أكبر ٥٠ ميناء في العالم، وتحتل بالتالي المركز العاشر عالميا، ولها ١٢ منفذا بحريا تجاريا عدا عن الموانئ النفطية ، و ٣١٠ مراسي بحرية، تصل حمولتها الى ٨٠ مليون طن من البضائع.

 

منافسة مع الصين لصالح اميركا ام العكس؟

تعرف الامارات ان عصر النفط آيل للأفول وان البدائل التي وفّرتها دبي كمركز مالي واقتصادي عالمي تبقى هشّة أمام مستقبل عالمي غامض، ولعل الامارات تُدرك ايضا ان شهر العسل الحالي مع السعودية قد لا يطول لأسباب كثيرة، وتدرك أيضا ان الاعتماد على “مضيق هرمز” فقط له مخاطر كبيرة لتجارتها المقبلة بسبب الحضور الإيراني المهدد، لذلك لا بد من حصانة دولية اكبر.

هنا ثمة رأيان يتناقضان تماما، يقول أولهما ان الامارات تريد ان تكون بوابة المشروع الصيني الضخم ” الحزام والطريق” صوب الشرق الأوسط والبحر الأحمر وافريقيا وهذا يفترض تعاونا كبيرا مع الصين التي استثمرت مبالغ هائلة في مرفأي حيفا واشدود الإسرائيليين ، ورأي آخر عبّر عنه الكاتب الروسي أندريه إيفانوف بقوله :” أن الإمارات تتحرك لتعطيل المشروع الصيني ولن تنتظر ظهور منافس جديد لموانئها، وتتمثل إحدى خطوات أبو ظبي في هذا الصدد في إقامة علاقات مع الهند، ذلك ان كلا الطرفين يتقاسمان المصالح ذاتها.وفي حال أصبح ميناء غوادر جاهزا للعمل، فإن حركة الشحن الرئيسية ستمر عبر منطقة كشمير المتنازع عليها، والتي من المحتمل أن تكون حينها تحت حماية القوات الصينية.

ربما هذه الحركة الملاحية والعسكرية والتجارية الواسعة لأبو ظبي اقنعت قادتها بضرورة نسج علاقات قوية مع اميركا وإسرائيل وربما لا ، لكن حتما لا يمكن لهذا الطموح الاماراتي الكبير ان ينجح بلا ضوء اخضر أميركي، وهذا الضوء الأخضر مشروط دائما برضى إسرائيل ومصالحها التي تسعى الى توسيعها تجاريا واقتصاديا مع الدول العربية . ثم ان الامارات تشعر اليوم بانها مطوقة من مجموعة “اعداء” غير اسرائيل وهم ايران وتركيا والاخوان المسلمون، وتعتقد بأن علاقاتها مع اميركا واسرائيل تشكل لها درعا بغض النظر عن التنسيق او عدمه مع جارتها السعودية.

ليست الامارات اول وآخر دولة عربية تقيم علاقات مع اسرائيل، وسوف تتبعها دول اخرى قريبا، لكن من يشاهد دمار مرفأ بيروت وازدهار مرافي دبي، يفهم تماما الرسالة الاسرائيلية ومفادها :” من يعادينا يُدمّر، ومن يصافحنا يزدهر”.

المصدر: 5 نجوم

إقرأ أيضاً: النائب العام اللبناني يتهم 25 شخصا بينهم مسؤولون كبار في انفجار مرفأ بيروت