الأربعاء , أبريل 24 2024

هل توقِف الضغوط الدولية اندفاع الجيش السوري في الغوطة؟

عمر معربوني
إننا سنكون أمام إبطاء في تنفيذ العمليات وليس وقفاً لها مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية حصول تطوّرات خطيرة تتمثّل في إمكانية تنفيذ هجوم كيميائي مُفبرَك، سيأخذ الأمور حينها إلى تطوّرات كبيرة سيتم استخدام نتائجها ضد الدولة السورية، وهو ما تُحذِّر منه روسيا منذ فترة طويلة.
تُدرك أميركا ومن معها أن تحرير الغوطة الشرقية يعني تحرير العاصمة دمشق من الضغوط العسكرية عبر تعرّض العاصمة الدائِم للقذائف المُنطلقة من الغوطة الشرقية، وتُدرك أميركا أيضاً أن تحرير الغوطة الشرقية سيمكّن الدولة السورية من الانطلاق في أية مفاوضات قادِمة كمُفاوِض قوي يمتلك السيطرة على الثقل الاستراتيجي للدولة، والذي يتضمّن العاصمة دمشق بمحيطٍ آمنٍ بالكامل، إضافة إلى المدن الكبرى باستثناء إدلب والرقة وطُرق الربط بين المدن الكبرى ومعظم المُنشآت الحيوية الأساسية.
كما أنّ مُقاربة معركة الغوطة هذه المرّة والتعاطي معها من قِبَل الأميركيين بالشكل الذي حصل في حلب، يأتي بنتيجة قناعة أميركا ومن معها أنّ الجيش السوري يتحضّر لخوض معركة الحسم العسكري لوضع الغوطة، وليس مجرّد معركة موضعية كالمعارك التي حصلت في السنوات السابقة.
ورغم أنّ المعركة تُخاض على جغرافيا الغوطة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 130 كلم مربع، إلاّ أنّ نتائجها ستكون على كامل مساحة الإقليم، فالضغوط التي تمارسها أميركا ومَن معها انطلاقاً من البُعد الإنساني تعكس رغبة أميركا في بسط سيطرة دائمة على المناطق التي تتواجد فيها في سوريا، لتحقيق سيطرة دائِمة على مصادر الطاقة شمال شرق سوريا وإبقاء قدرات الحركة على نطاق جغرافي يمتد من قاعدة التنف جنوباً حتى الحسكة شمالاً، بما يُسمّيه العسكريون الأميركيون فكيّ كماشة الإطباق على خط الربط الحدودي بين سوريا والعراق من شمال التنف حتى البوكمال، وهو الخط الذي يشكّل الهاجِس الرئيس للأميركيين والصهاينة معاً، وهنا تكمُن أهمية الغوطة كعُمقٍ يعتقد الأميركيون بإمكانية إعادة ربطه مستقبلاً بقاعدة التنف عبر خطوط البادية، وخسارة الجماعات الإرهابية السيطرة على الغوطة يحرم الأميركيين نهائياً من رأس الحربة الذي تمثّله الغوطة بالضغط على العاصمة دمشق.
ومع إطلاق عمليات التمهيد الناريّ على خطوط الدفاع الأولى للجماعات الإرهابية وعلى مواقع القيادة والسيطرة لهذه الجماعات في الخطوط الخلفية، بدأت حملة إعلامية مُضادّة لا تختلف عن الحملة التي أُطلِقت خلال تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وتمّ تزخيم هذه الحملة بالتوازي مع إطلاق مئات القذائف على أحياء مختلفة في العاصمة دمشق، وإطلاق كل من الكويت والسويد مشروع قرار في مجلس الأمن استخدمت روسيا بمواجهته حق النقض “الفيتو”، ليعود المجلس بعد سلسلة مشاورات للتوافق على مشروع قرار حمل الرقم 2401 يدعو إلى هدنة مدتها 30 يوماً لا يتضمّن أية آليات يمكن من خلالها مراقبة أو تنفيذ هذا القرار.
ما يحصل الآن من خلال إقامة ممّرٍ آمنٍ لخروج المدنيين يشبه ما حصل في حلب خلال عملية تحرير الأحياء الشرقية، فلا العمليات العسكرية توقّفت ولا الحملات السياسية والإعلامية المُضادّة توقّفت.
إقامة الممّر الآمن تعكس رغبة الدولة السورية والجانب الروسي تسهيل خروج المدنيين لإحداث عملية عزل للجماعات الإرهابية عن المدنيين، تتّخذهم هذه الجماعات دروعاً بشرية منذ زمن طويل وهو ما يُفسِّر رفض “جيش الإسلام” عبر تصريح محمّد علوش القابِل للهدنة والرافِض لخروج المدنيين، وهو الموقف الطبيعي لهذه الجماعة الراغِبة في إبقاء الوضع على ما كان عليه، وهو أيضاً كلام يتعارض مع تقديم دعم ٍلوجستي “للنصرة” من قِبَل “جيش الإسلام” وتسهيل حركة “النصرة “، ما استدعى تصريحاً من وزير الخارجية الروسي للقول إن كل الجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية هي أهداف شرعية للجيش السوري.
عسكرياً: تستمر العملية بزخم أقل ممّا كانت عليه قبل صدور القرار الدولي 2401، وهو ما يتناسب مع التزام سوريا وروسيا القوانين الدولية بتناغم مع ما تضمّنه البيان لجهة استمرار العمليات بمواجهة “جبهة النصرة” و “فيلق الرحمن”، بالتوازي مع العمل على ترحيل جبهة النصرة والجماعات الدائرة في فلكها، مع الإشارة إلى أن محمّد علوش أحد قادة “جيش الإسلام” طالبَ أيضاً بإجلاء “النصرة”.
من الواضح أن الجيش السوري عبر إطلاقه عملية اندفاع في محيط النشّابية وتعزيز سيطرته في منطقة العجمي بالقرب من إدارة المركبات، يهدف إلى تنفيذ عملية تقطيع أوصال تبدأ بمُربّعين جنوبي وشمالي من خلال تقدّم القوات بالتوازي، غرباً من قطاع المرج الذي سيطرت فيه القوات على النشّابية وحوش الصالحية وحَزَرْما وتل فرزات، ومن الشرق عبر توسيع نطاق السيطرة في منطقة العجمي قرب إدارة المركبات.
اندفاع القوات من الغرب سيشمل التقدّم نحو أوتايا وحوش الأشعري وهي منطقة باتت القوات المتقدّمة تسيطر عليها بالنار، من خلال تل فرزات المُشرِف على قطاعات واسعة من مسرح العمليات في منطقة غير مُكتظّة بالسكان، ما يحرم الجماعات الإرهابية من ميزة الاستخدام الإعلامي للملف الإنساني وهو ما سيحصل أيضاً عبر تقدّم القوات من الشرق نحو مَدْيَرا وبيت سوا.
اندفاع القوات من هذين الاتجاهين سيحصل ضمن مناطق مفتوحة مليئة بالبساتين تتم معالجة خطوط مدافعة الجماعات الإرهابية فيها بواسطة الصبّ الناري، وإحداث الصدمة بالمُدرّعات، وهو ما حصل في النشّابية وتل فرزات حيث تم كسر خطوط المُدافَعة الأولى والتقدّم بوثبة سريعة نحو خطوط ومواقع الجماعات الإرهابية.
من المُفيد التذكير أن المناطق السكانية الأساسية تقع في مربع دوما – حرستا وهو ما يشكّل عقبة أمام عمليات الجيش حيث سيكون للملّف الإنساني الدور الكبير في الضغط، ولهذا أعتقد أن العمليات ستتركّز على قَضْمِ المساحات المفتوحة والقرى والمزارع الصغيرة بعد إتمام عملية الفصل، لتبدأ عمليات تطويق وعَزْل للجيوب ستنتهي بحصر سيطرة الجماعات الإرهابية في مربع دوما – حرستا على مدى زمني أطول ممّا كان مقرّراً سابقاً بما يتلاءم مع التزام سوريا وروسيا بعد صدور القرار 2401.
وعليه فإننا سنكون أمام إبطاء في تنفيذ العمليات وليس وقفاً لها مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية حصول تطوّرات خطيرة تتمثّل في إمكانية تنفيذ هجوم كيميائي مُفبرَك، سيأخذ الأمور حينها إلى تطوّرات كبيرة سيتم استخدام نتائجها ضد الدولة السورية، وهو ما تُحذِّر منه روسيا منذ فترة طويلة.
الميادين

اترك تعليقاً