الثلاثاء , أبريل 23 2024
إنفجار بيروت: كيميائي، نووي أم صاروخي؟
BEIRUT, LEBANON - AUGUST 05: An aerial view of ruined structures at the port, damaged by an explosion a day earlier, on August 5, 2020 in Beirut, Lebanon. As of Wednesday, more than 100 people were confirmed dead, with thousands injured, when an explosion rocked the Lebanese capital. Officials said a waterfront warehouse storing explosive materials, reportedly 2,700 tons of ammonium nitrate, was the cause of the blast. (Photo by Haytham El Achkar/Getty Images)

إنفجار بيروت: كيميائي، نووي أم صاروخي؟

حتى كتابة هذه السّطور، لم تحدّد الجهات الرسمية اللبنانية كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت. هل هي 2750 طناً أم أقل بكثير، أو بكم تقدّر قوة هذا الانفجار؟

تُقاسُ قوة التفجيرات عالمياً بمعادلتها بكمية الـ”تي.ان.تي” الموازية، فيقال مثلاً أنّ القنبلة النووية التي دمرت هيروشيما توازي 15 كيلوطن من الـ”تي.ان.تي”. أي كأننا قمنا بتفجير خمسة عشر ألف طن من الـ”تي.ان.تي” فوق هيروشيما. أما انفجار العنبر 12 في مرفأ بيروت، فلا نعرف كم يوازي، وما هي القوة التدميرية التي انطلقت؛ ولكن بأقل تقدير، يمكن القول أن هذه الكارثة تقع بين التفجيرات الخمسة الأولى عالمياً من حيث قوة الانفجار، أما أولها فهو تفجير قنبلة هيروشيما في اليابان.

شام تايمز

إطلاق الطاقة الكامنة

شام تايمز

لا بدّ قبل مقاربة الفرضيات من مقدمة علمية صغيرة حتى نعرف أكثر ما هي الطاقة، ففي الأيام الماضية سمعنا الكثير من التحليلات عبر الشاشات اللبنانية والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل عن قنابل نووية وقصف بحري أو جوي لذخائر وأسلحة من دون أدنى احترام لعقول المشاهدين والقراء ومعارفهم. لذلك، من الطاقة.. سنبدأ بالتعريف.

هناك مبدأ يحكم الكون كله في عالم الطاقة يُسمى “المبدأ الأول في الديناميكا الحرارية”، ألا وهو أنّ الطاقة محفوظة ولا تتلاشى أبداً بل تتحول من شكل إلى شكل. ببساطة شديدة، عندما نبادر إلى تشغيل محرك السيارة، نقوم بتحويل الطاقة الكيميائية الكامنة في الوقود الأحفوري إلى طاقة حرارية (احتراق) ثم ميكانيكية (السيارة تتحرك)، وهذا ما يحدث أيضاً بشكل مطابق في عالم المتفجرات الكيميائية. فمن أجل التسبب بالدمار، تتحوّل الطاقة الكيميائية الكامنة في المادة إلى حرارة عالية (احتراق) ومن ثم إلى عصف انفجاري (حركة ميكانيكية).

أطنان نيترات الأمونيوم المتروكة لست سنوات في العنبر 12، تحولت تحت وطأة النار والحرارة، فجأة، وبشكل موحد، إلى غازات.. وحصل الانفجار الكبير

مرفأ بيروت نموذجاً

في كلّ التفجيرات الكيميائية، لا نستطيع أبداً شطر الذرات، بل كلّ ما نقوم به هو إنتاج مواد جديدة على الأغلب تكون على شكل غازات حارة جداً مثلاً، وهذا ما حدث بالفعل في الكارثة التي أصابتنا. أطنان نيترات الأمونيوم المتروكة لست سنوات في العنبر 12، تحولت تحت وطأة النار والحرارة، فجأة، وبشكل موحد، إلى غازات.. وحصل الانفجار الكبير.

وعليه، هذه التفجيرات الكيميائية الطابع تنتج حرارة عالية، وعصفاً انفجارياً بسبب إنتاج غازات ومواد جديدة قد تكون سامة أو غير سامة.

أما الانفجارات النووية، فلها حكاية أخرى. الحرارة في مكان التفجير تصل إلى عشرات آلاف الدرجات المئوية وتكون أكثر سخونة من قلب الشمس، أما العصف الرهيب، فيُعرّي البيوت ويجعلها هياكل إن لم تذب في الحرارة الأولى، ومن بعدها يأتي دور الإشعاعات في القتل البطيء والمروع.

ماذا لو كانت قنبلة نووية تكتيكية؟

لو كانت كذلك، وإفترضنا أن النقطة صفر هي العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، فإن مدى الانفجار سيصل إلى دائرة قطرها 30 كيلومتراً، أي النقطة الأبعد جنوباً ستكون بلدة الجية الساحلية. الأبعد شرقاً بلدات ضهور العبادية، بعلشميه، رأس المتن، بعبدات، عين علق، جعيتا، بكركي حتى جونية شمالاً. في كل هذه الدائرة لن يبقى هناك حائط إسمنتي واحد ولا زجاج إلا وسيتحطم، وستخرج الاشعاعات “المؤيّنة” (ionizing)، وهي خطيرة جداً على الصحة لأنها تقوم بتدمير مركبات الخلايا في الأجسام الحية، والإشعاعات “النيوترونية” (مكونة من نيوترونات، أي جسيمات أصغر من الذرة تنطلق عادة بسرعة عالية جداً تصل إلى 20.000 كلم/ثانية) لتقتل في دائرة الـ 600 متر كل الناس داخل بيوتهم وتؤثر على حياة الباقين بشكل أبدي في دائرة الـ 2000 متر، أما طابة النار الصغيرة نسبياً هنا، فمن شأنها أن تذيب الحديد والمعادن كلها على أرض المرفأ وتشعل الحرائق في أرجاء بيروت والضواحي كلها.

لم يكن العصف حرارياً (الريح التي تسبب بها الإنفجار) وإلا لاشتعلت السيارات وذاب الحديد الموجود في العنابر أو تغيّر شكله الأساسي. أما الاصابات في المستشفيات، فستكون عبارة عن حروق بليغة بمعظمها

ندرك تماماً سوداوية الصورة المرسومة آنفاً، ولكن ما رأيناه في بيروت كان المشهد الأول، أي الانفجار الكيميائي. نار مشتعلة في مواد غير مستقرة، فانفجار ضخم نظراً لضخامة كمية المواد المنفجرة، فعصف انفجاري قوي نظراً لفرق الضغط الهائل الذي حصل لحظة الانفجار، فريح قوية جداً تسببت بدمار كارثي.

مهلاً، لم يكن العصف حرارياً (الريح التي تسبب بها الإنفجار) وإلا لاشتعلت السيارات وذاب الحديد الموجود في العنابر أو تغيّر شكله الأساسي. أما الاصابات في المستشفيات، فستكون عبارة عن حروق بليغة بمعظمها. كلّ ما سبق لم نشاهده، بل شاهدنا كيف أن معظم الاصابات ناتجة عن الشظايا المتناثرة من زجاج ومعادن، ومن السيارات التي دمرها الضغط، لا النيران أو الحرارة العالية.

ثمة إضافة: لم نشهد أثناء الكارثة حروقاً ناتجة عن إشعاعات، فلم يكن في المستشفيات أو الشوارع حالات غثيان شديد وحروق واضحة في البشرة أو تقرحات شديدة ونزف دون جروح واضحة، كما لم نسمع من الجرحى أنهم شعروا بطعم المعادن في فمهم، وهذه من إشارات التعرض لمواد مشعة، ما ينفي بشكل كلّي حدوث أي انفجار نووي في مرفأ بيروت.

المواد المنطلقة من المرفأ

إنّه الانفجار الكيميائي إذاً، ولكن هذا لا يجعلنا مطمئنين بشكل كامل لعدم وجود مواد سامة، فنيترات الأمونيوم المنفجرة أنتجت كمية ضخمة جدا من أكسيدات النيترات NOx الواضحة في الغيمة البنية التي انطلقت من مكان الانفجار في العنبر 12، وهي مواد سامة للغاية ويؤدي التعرض لها لمدة طويلة (عدة أشهر أو حتى سنوات) إلى أمراض تنفسية مثل الربو وأمراض القلب والأوعية، كما التشوهات الخلقية.

كما أنّ بيروت ليست المنطقة الوحيدة المنكوبة بالغازات السامة، فالرياح فوق لبنان حملت هذه الغيمة في الليلة الأولى فوق الجزء الشمالي من سلسلة الجبال الغربية.. فأجزاء من البقاع ثم الشمال والعودة إلى البحر.

يجب على العمال المشاركين في أعمال الترميم الانتباه إلى عامل سام ما زال موجوداً على الأرض مع تحريك الردميات ألا وهو جزيء الاسبستوس

وعليه، في ليلة الرابع من آب/أغسطس، كانت مستويات التلوث بغازات النيترات عالية جداً في منطقة المرفأ والمناطق المحيطة بها وكان على الناس أخذ كلّ درجات الحيطة والحذر لناحية إقفال الشبابيك وأبواب الشرفات لمنع – قدر الإمكان – الغازات السّامة من التسرب إلى داخل البيوت، فهذه المواد مؤذية جداً لصحة الإنسان والبيئة في الساعات الأولى لانطلاقها فقط، كما سمعنا في تلك الليلة نصائح بارتداء الكمامات من نوع N95 الذائعة الصيت أو إرتداء كمامتين طبيتين فوق بعضهما البعض للاحتماء من هذه الغازات، للأسف، هذا الأمر ليس صحيحاً أبداً فهذه الكمامات ليست أقنعة غاز ولا تمنع جزيئات الغازات السامة من الوصول للجهاز التنفسي كوننا نتكلم هنا عن ذرات لا عن بكتيريا أو فيروسات.

ويمكننا أن نضيف هنا أن مكيفات الهواء، في هكذا حالات، لا تقوم بإدخال الهواء من الخارج، بل تبرد أو تسخن الهواء الموجود في الغرفة، وعليه فمن اعتمد عليها في تلك الليلة للتخفيف من وطأة الحر، لم يتعرض نسبياً لأية غازات سامة، كما أنّ من تعرّض للعصف يمكنه أن يزيل المواد السامة عن جسده بالاستحمام وغسل الثياب فقط.

ولكن هذه المواد وبرغم سميّتها الشديدة، لا تبقى لوقت طويل في الجو، لأنها شديدة التفاعل وغير ثابتة كيميائياً وبوجود الأوكسيجين والضوء والرطوبة تتحول خلال ساعات إلى ما يُسمى بحمض النيتريك HNO3 الذي سيتساقط على الأرض، وما عجل في هذه العملية هو تساقط الأمطار الصيفية في الأيام التي تلت الرابع من آب/أغسطس، وهذا الحمض HNO3 بتركيز خفيف ليس ساماً مثل أسلافه من أكسيدات النيترات.

بالإضافة إلى ما سبق، يجب على جميع العمال المشاركين في أعمال الترميم الانتباه إلى عامل سام ما زال موجوداً على الأرض مع تحريك الردميات ألا وهو جزيء الاسبستوس Asbestos، المستخدم في مجال العزل الحراري في الأبنية والأجهزة الكهربائية والأبواب المقاومة للحرائق، وهذه المادة مصنفة من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) كمادة مسرطنة، وعلى المهندسين المشرفين على أعمال الترميم مسؤولية كبيرة في تحديد وجودها داخل الركام، كونهم أصحاب الاختصاص ويعرفون أين تستخدم في الأبنية والبيوت المتضررة كي يأخذ العمال الحيطة والحذر عبر ارتداء الكمامات المناسبة.

وجود أي نوع من الأسلحة في العنبر 12 كان سيترك ما يُسمى بالبصمة الحرارية على المكان

خلاصة المقال

لا بدّ من إعادة جمع الأفكار الأساسية التي يدور حولها المقال، هل فعلاً ضُربت بيروت بسلاح نووي؟ أيوجد في العنبر 12 أسلحة وذخائر حربية؟

باختصار يمكن القول:

لا إشعاعات نووية صدرت، والدليل الأقوى على ذلك المراصد التابعة للوكالة الوطنية للطاقة الذرية التي لم ترصد أي تغيير في منطقة بيروت.
الغازات التي انطلقت لحظة الانفجار تلاشت في الجو وخف تركيزها وبعد الأمطار والرياح لم يعد لها وجود تقريباً في الأجواء المحيطة.
الجهات الرسمية يمكنها من خلال تحليل المواد المنفجرة التأكد من أنّ الانفجار لم ينتج عن صاروخ جوي أو قذيفة بحرية، فهذه المقذوفات ستترك خلفها آثارا من معادن مثل التيتانيوم والتنغستين غير الموجودة عادة في المرفأ، كما أنّ انفجارها يسبب غيمة سوداء من الدخان.
وجود أي نوع من الأسلحة في العنبر 12 كان سيترك ما يُسمى بالبصمة الحرارية على المكان، أي ما يُعرف بالعربي العامي بالـ”الشحتار” أو “الشحبار” وهي بقايا سوداء من الكربون غير المحترق ومواد عضوية ثانية، وهذا ما لم نشهده في المرفأ أيضاً، فمباني الاهراءات لا زالت بيضاء.

إنتهت الآثار المباشرة لانفجار مرفأ بيروت، ويبقى علينا انتظار نتائج التحقيق لكي تدلنا على مُشعل النيران في العنبر 12، أهو فعل تخريبي أم هو القضاء والقدر والفساد والإهمال، وفي الحالين، وربما يكونان مجتمعين، يبقى السؤال واحداً: كيف تترك أطنان من مواد الخطرة ست سنوات في مكان واحد دون أدنى حماية أمنية ولوجستية؟

180 بوست-فؤاد إبراهيم بزي

اقرأ ايضاً: ماذا يجري على الطريق إم 4 ؟

شام تايمز
شام تايمز