الجمعة , مارس 29 2024

هونغ كونغ: ماذا تعرف عن فنادق العشاق التي يقصدها الشباب في هذه المدينة؟

هونغ كونغ: ماذا تعرف عن فنادق العشاق التي يقصدها الشباب في هذه المدينة؟

غير بعيد من مرفأ فيكتوريا في هونغ كونغ يقف اثنان من طلبة الجامعة يتحرقان شوقا وقلقا خارج بناية تجارية قديمة مضاءة بالنيون بعد وقت قليل من الفجر.

شام تايمز

مضى أسبوعان على التعارف. لم يرغب أي من وادي (20 عاما) ومومو (23 عاما) في الافتراق أحدهما عن الآخر بعد حديث طال بهما حتى الساعات الأولى من الصباح.

شام تايمز

وكغالبية الشباب في هونغ كونغ يعيش وادي ومومو مع أبويهما، وبالتالي لم يتمكنا من الخلوة في أي من المنزلين اللذين يعيشان فيهما، فقصدا واحدا من “فنادق العشق” التي تعمل بالساعة في هونغ كونغ.

بدأت فكرة تأجير غرف لأوقات قصيرة في الفنادق وشاعت أولا في اليابان ثم انتقلت في حقبة الستينيات إلى هونغ كونغ، حيث يوجد نحو 300 فندق منها – حسبما يقول ديفيد ليونغ مؤسس ورئيس رابطة بيوت الضيافة في هونغ كونغ.

وتتفاوت هذه الفنادق من حيث مستوى الرفاهية. وإذْ تُعدّ هونغ كونغ إحدى أكثر مدن العالم اكتظاظا وتكلفة، تقدم تلك الفنادق نوعا من الخصوصية بثمن زهيد.

تدير تشينغ (60 عاما) أحد فنادق العشاق منذ أكثر من 20 عاما، ويقع هذا الفندق المؤلف من 18 حجرة في منطقة مانغكوك التجارية الأكثر ازدحاما بالسكان المحليين.

تقول تشينغ إن عدم وجود أماكن في المنازل يمثل باستمرار مشكلة لكثيرين، وتضيف: “البعض ومنهم متزوجون يبغون الخلوة خلال عطلة الأسبوع حيث المنزل مكتظ عن آخره”.

ورغم أن بيوت الهوى التقليدية ليست جديدة على هونغ كونغ، إلا أن الجيل الأصغر بدأ يقصد تلك البيوت أكثر لأسباب تتجاوز الخلوة الغرامية؛ فمؤخرا ظهرت فنادق من نوع جديد تؤجر غرفا بالساعة يقصدها النزيل دون وسيط.

وتتيح هذه الفنادق ميزة الحجز عن بُعد، وتقدم خدمات في الغرف مثل البث التلفزيوني عبر الإنترنت، وألعاب الفيديو وبالتالي يحبذها الشباب الراغب في اللقاء أو الخلوة.

الجيل الجديد

بعد زيارة أحد هذه الفنادق مرة، دأب وادي ومومو على التردد عليها مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أصبح وادي ومومو يدونّان رأيهما في تلك الفنادق سواء كانت قديمة أو حديثة.

وبلغ عدد الفنادق التي وضعا تقييما لها “أكثر من 90 فندقا في المدينة حتى الآن”، وبحسب مومو تحظى صفحتهما بأكثر من 20 ألف متابع.

ولا غرابة في أن كثيرين يسترشدون بما يكتبه الاثنان، فوفق الأرقام الحكومية لعام 2019، هناك نحو تسعة من كل 10 شباب بين سن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين يعيشون مع آبائهم، وكذلك الحال مع ستة من كل 10 أشخاص في هونغ كونغ بين الخامسة والعشرين والرابعة والثلاثين.

ويشتكي الشباب من ضيق المدينة التي تصنف على أنها أغلى سوق للإسكان في العالم قياسا على قدرة الشخص العادي من بين 309 مناطق حضرية في ثمانية بلدان.

ويتراوح متوسط الدخل الشهري بالنسبة لتلك الشرائح العمرية ما بين1677و2490 دولار أمريكي، وبالتالي يحتاج الشباب عشرات السنين لكسب ما يكفي لتوفير السكن الخاص.

ولا يتطلع مومو لشراء شقة نظرا لغلو الأسعار، ومن ثم “يلزم أن نعيش مع والدينا، فحتى لو ادخرت ما يكفي لدفع مقدّم، فسيلزم دفع أقساط لسنين طويلة”.

ويصعب على الكثيرين من شباب هونغ كونغ الحظوة بخلوة حميمية في بيت الأسرة حيث الجدران رقيقة.

ووجدت دراسة قامت بها مؤسسة غير حكومية للتربية الجنسية بعنوان “ستيكي رايس” عام 2018 أن أكثر من 70 في المئة في هونغ كونغ يجدون من الصعوبة تأمين مكان لممارسة الجنس، وأن الغالبية تلجأ إلى فنادق العشاق نحو خمس مرات شهريا.

تقول سوزان تشوي، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الصينية في هونغ كونغ، إن الشباب في المدينة “لا خيار لهم” إلا زيارة فنادق العشاق؛ “فأسعار السكن في هونغ كونغ مرتفعة جدا. لكن في بلدان أخرى، حيث أسعار الإيجار والشراء أقل ينتقل الشباب والناس عموما للعيش بمفردهم كعلامة على النضج”.

الحجز الرقمي

وفي مدينة عدد سكانها أكثر من سبعة ملايين ونصف المليون نسمة، فإن الحجرات في فنادق العشاق القديمة التي تؤجر بالساعة ليست دائما متوفرة.

يقول جينسن تسي، وهو شاب يملك فندقا من تلك الفنادق التي تتيح للنزيل الحجز المباشر، إن الرغبة حين تستبدّ بشاب ويندفع لأحد فنادق العشاق يتعذر عليه الحفاظ على الأمر طي الكتمان.

ودشن جينسن فندق “مانشن جي” في حي تجاري مزدحم في هونغ كونغ مع عدد قليل من زملاء الجامعة عام 2018 بعد دراسته إدارة الفنادق.

يقول جينسن إن “بعض فنادق العشاق التقليدية التي تؤجر غرفا بالساعة تفرض رسوما جذافية، وأحيانا تضطر للوقوف بالساعات في صفوف انتظار – وكم يكون محرجا لو حدث والتقيت مصادفة بشخص تعرفه”.

لكن في المقابل، هناك كثيرون من زبائن فنادق العشاق يحجزون غرفات عبر الإنترنت بسعر محدد.

وبالنسبة لنزلاء فندق مانشن جي، فأكثر من 90 في المئة منهم دون الثلاثين من العمر، وعادة يصادفون خدمات الفندق عبر منصات التواصل الاجتماعي ويبعثون رسائل مباشرة على السوشيال ميديا، ثم يقومون بالدفع رقميا قبل تلقي شفرة تسمح لهم بالدخول دون الحاجة للقاء أحد في الفندق.

ولا يضطر نزيل هذا الفندق للتواصل مع آخرين خلال فترة مكوثه.

وفي فندق “فورترس هيل رقم 7″، وهو فندق آخر للهوى بالحجز المباشر في هونغ كونغ، تغيّر مالكة الفندق، يي، شفرة الغرف عبر الهاتف المحمول من بيتها.

ولا ينعم واين (26 عاما) وغريس(27 عاما) بخصوصية أثناء العيش رفقة والدَي واين.

يقول واين: “لا يمكننا إصدار أي صوت لأننا نعيش كلنا في نفس المكان والمساحة ضيقة. في فنادق العشاق يمكن سماع أصوات من الغرف الأخرى ولكن لا تبالي كثيرا لأنك لا تعرف الأشخاص”.

يفضل الاثنان الذهاب لفنادق بالحجز المباشر لأنها عادة ما تكون مملوكة ومدارة من قبل شباب يفهمون مَن هم في مثل عمرهم، ولأن المكان لا يكون للجنس فقط.

ويوفرعدد كبير من هذه الفنادق مكانا للنزلاء لقضاء بعض الوقت معا.

يقول واين: “يوفرون خدمة نتفليكس في الغرف وألعاب الفيديو. إذا ذهبنا لفنادق تقليدية لا يمكننا مشاهدة نتفليكس إلا على المحمول. أما هذه الفنادق فتوفر خصوصية تماما كما لو كنا في بيوتنا”.

وتتشابه الأسئلة التي يتلقاها كل من وادي ومومو عبر صفحتهما على إنستغرام بخصوص هذه الفنادق.

يقول وادي ومومو: “عادة ما يسألوننا إذا كانت الفنادق التي نوصي بها تحتوي على مطبخ، أو بانيو في الحمامات؛ فبخلاف الجيل القديم، يريد جيلنا قضاء وقت أفضل”.

وأحيانا في فنادق العشق التقليدية التي تؤجر غرفا بالساعة كذلك الذي تديره تشينغ، يحجز البعض ممن لا يزالون في العشرينات من عمرهم حجرات للخلوة فقط دون إقامة علاقات حميمية.

الحجز إبان تفشّي كوفيد-19

وخلال انتشار فيروس كورونا في فبراير/شباط ومارس/آذار، مُني فندق “أب-أوتيل” الفخم ذو الخمسة وعشرين طابقا بانخفاض كبير في الحجوزات؛ إذ لم يؤجر إلا ثلاث غرف في بعض الأيام.

ويقول ليونغ، من رابطة هونغ كونغ لبيوت الضيافة، إن الفيروس أضر بنحو 70 في المئة من معدل الحجز المعتاد لفنادق العشاق التي تؤجرغرفا بالساعة.

وخلال الموجة الثالثة التي ضربت المدينة بشدة، قالت تشينغ إن الحجز لديها تراجع بما لا يقل عن 80 في المئة من الزبائن.

وأضافت إنها قد تضطر لتسريح عمالة أوغلق ثلثي أعمالها للبقاء تجاريا.

وتحث تشينغ الحكومة على تقديم الدعم أكثر لقطاع الضيافة، لا سيما بعد تعرُّضه لضربة خلال الإغلاق جراء توقف السياحة الدولية أثناء الوباء.

وحتى وقت كتابة هذا المقال تقترب هونغ كونغ من نهاية الموجة الثالثة من حالات العدوى المحلية، والتي صاحبتها إجراءات أكثر حزما للتباعد الاجتماعي في المدينة.

وامتُدحت المدينة لجهودها على صعيد احتواء الفيروس، حيث يعي الناس المخاطر العامة وارتداء قناع الوجه في أعقاب انتشار سارس عام 2013.

وقد بدأ المواطنون في هونغ كونغ ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة قبل أشهر من توصية منظمة الصحة العالمية بذلك.

وبالنسبة لفنادق العشاق التي تقدم خدمة الحجز المباشر، مثل “مانشن جي” و”فورترس هيل رقم 7″، فقد ارتفعت الحجوزات من قبل السكان المحليين خلال موجات كورونا.

ويقول يي، مؤسس فندق فورترس هيل رقم 7، إنه وبعد اختفاء الزبائن في يناير/كانون الثاني، عاد الفندق لاستقبال زبائن بمعدل عشرة في اليوم – وهو ضعف المعتاد.

ومع حظر العشاء في المطاعم، جراء انتشار الفيروس، قال تسي إن زبائنه زادوا وحجز نصفهم غرفا لتناول الطعام معا ليس إلا.

ومع استمرار الناس في دفع مالهم من أجل تأمين خلوة، يبرز كذلك إلى أي مدى يمكن أن تتفتق أذهان البشر عن أفكار لتحقيق أهدافهم.

تشيرمايني لي / بي بي سي

شام تايمز
شام تايمز