الخميس , مارس 28 2024

ترامب وسوريا.. أربع سنوات من الارتجال والتناقضات

ترامب وسوريا.. أربع سنوات من الارتجال والتناقضات

شام تايمز

عبد الله سليمان علي

شام تايمز

 

ثمّة صعوبة كبيرة في القيام بجردة حساب شاملة للسنوات الأربعة التي أمضاها ترامب في البيت الأبيض لتحديد الأرباح والخسائر التي جناها أو تكبّدها كل فريق من الفرقاء السوريين جرّاء ما اتخذه من قرارات متعلقة بأزمتهم.

ولم تكن سياسة ترامب في سوريا مشوبةً بكثير من التناقضات والمفارقات فحسب، بل اتّسمت كذلك بصراع طويل مع أركان الدولة العميقة حول الأولويات السورية في السياسة الأميركية. وكان هذا سبباً كافياً لتعميق النزعة الفوضويّة، ونزع أية أبعاد استراتيجية عن قرارات الإدارة الأميركية فيما يتعلّق بالأزمة السورية.

وقد يكون تراجع ترامب لمرتين متتاليتين عن قراره القاضي بسحب قوات بلاده من شرق الفرات، بمثابة الدليل القاطع على ظاهرة التردد التي كانت تغلّف سياسته إزاء الأزمة السورية عموماً وملف شرق الفرات خصوصاً. ولم يكن التمسّك بعد ذلك بـ “قشّة حراسة النفط” كذريعة لإبقاء مئات الجنود الأميركيين في المنطقة، إلا دليلاً آخر على افتقار السياسة الأميركية لأية حوامل استراتيجية بعيدة المدى.

لم تكن سياسة ترامب في سوريا مشوبةً بكثير من التناقضات والمفارقات فحسب، بل اتّسمت كذلك بصراع طويل مع أركان الدولة العميقة حول الأولويات السورية في السياسة الأميركية

وفي ما يلي أهم محطات ترامب مع الملف السوري:

موقف الأسد ومعارضيه من انتخاب ترامب

انعكست التصريحات والوعود التي أطلقها ترامب أثناء حملته الانتخابية على مواقف السوريين من نتائج الانتخابات الأميركية عام 2016 التي أظهرت فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وتراوحت المواقف الأوليّة بين الأمل بالتغيير والقلق منه في ذات الوقت.

فقد تحدّث الرئيس السوري بشار الأسد بنوعٍ من التحفّظ، خلال مقابلة مع قناة “أر تي بي” البرتغالية بُثّت في تاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016، عن استعداده للتحالف مع الرئيس الأميركي الجديد في محاربة الارهاب إذا استطاع التغلّب على القوى المضادة في الإدارة الأميركية.

أما المعارضة فقد دعت الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك إلى “التنسيق لإيجاد حلول عادلة وسريعة لما تعانيه المنطقة من خطر الإرهاب بكافة تنظيماته وأشكاله وخصوصاً إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري” وفق ما ورد في برقية التهنئة التي أرسلها رياض حجاب المنسق العام السابق للهيئة العليا للمفاوضات إلى ترامب في أعقاب فوزه في الانتخابات.

في تلك اللحظة لم تكن الأجواء واضحة، لكن المؤكد أن ترامب كان قد أعطى مؤشرات جدية على أن سياسته السوريّة ستكون مختلفة عن السياسة التي اتّبعها سلفه باراك أوباما والتي وصفها بأنها “مجنونة وغبية”.

وكان من الطبيعي أن تشعر المعارضة السورية بالقلق جراء فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، لأن الأخير لم يوفّر فرصة خلال حملته الانتخابية إلا وشكّك فيها بجدوى دعم المعارضة السورية، وقد كانت أبرز تصريحاته في هذا السياق تلك التي أدلى بها إلى صحيفة “وول ستريت جورنال” وقال فيها “موقفي هو أنكم تحاربون سوريا، وسوريا تحارب داعش، وعليكم التخلص من داعش .. الآن نحن ندعم المتمردين ضد سوريا وليست لدينا فكرة عن هؤلاء من يكونون”.

ولا شك في أن الموقف السابق لاقى ارتياحاً كبيراً لدى القيادة السورية في ذلك الوقت، وربما هو ما دفع الرئيس السوري إلى محاولة جسّ النبض بخصوص طرح التحالف مع ترامب، وإن كان من الواضح أن سقف الآمال السورية في هذا الإطار كان منخفضاً للغاية.

عداء الأسد ورفع الدعم عن المعارضة

غير أنّ الأمور سرعان ما اختلفت على نحو جذري، فها هو ترامب يتجاهل آخر قرارات سلفه أوباما بخصوص الأزمة السورية، والذي تمثل في أمر إداري يسمح للقوات الأميركية بتوسيع استخدام الطائرات من دون طيار لملاحقة قادة “جبهة النصرة” في سوريا. حيث أوقف ترامب الغارات الأميركية لأكثر من عامين من دون سبب معلن.

ومن جهة أخرى، سارع ترامب إلى إعطاء الضوء الأخضر لقصف مطار الشعيرات في ريف حمص في 7 أبريل/نيسان من العام 2017 ليكون بذلك أول هجوم أميركي معلن ومتعمّد ضد قوات الجيش السوري منذ اندلاع الأزمة عام 2011. وكانت غارات للتحالف الدولي في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2016 قد استهدفت مواقع للجيش السوري على جبل ثردة في ديرالزور، لكن التحالف قال في بيان أنه لم يتعمد استهداف الوحدات السورية.

الضربة الموجهة إلى الجيش السوري سرعان ما تلقّت المعارضة السوريّة ضربة أشد تأثيراً منها على المدى الطويل، تمثلت في قرار ترامب في شهر تموز/يوليو من العام 2017 بوقف برنامج دعم المعارضة المسلحة وتدريبها، ووصف ترامب هذا البرنامج بأنه “ضخم وخطير وغير فعّال”.

وقد تعمّق عداء ترامب للأسد بعد ذلك، وهو ما تجلى بأوضح صوره في شهر نيسان/أبريل التالي عندما اشترك مع بريطانيا وفرنسا في تنفيذ أشدّ وأوسع قصف صاروخي على مواقع الجيش السوري في عدد من المحافظات السورية.

وفي دلالة على مدى مزاجيّة ترامب وتنقّله بسرعة من ضفة إلى أخرى في ما يتعلق بالأزمة السورية، أقرّ الرئيس الأميركي مؤخراً في مقابلة مع “فوكس نيوز” بأنه كان قد اتخذ قراراً باغتيال الرئيس السوري بشار الأسد عام 2017 ردّا على هجوم كيماوي، لكن وزير دفاعه آنذاك جيمس ماتيس رفض ذلك. وبالتالي في غضون أشهر قليلة فقط كان ترامب قد تناسى التصريحات الايجابية التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية بخصوص قتال الأسد ضد “داعش”.

ومن المواقف التي تؤكد انطلاق ترامب في تعاطيه مع الأزمة السورية من منطلق ردة الفعل، ما صرّح به هو شخصياً عام 2018 بأنه لم يسمع بمحافظة إدلب إلا بالصدفة من قبل إمرأة سورية تحدثت إليه خلال أحد التجمعات وأبلغته أن النظامين السوري والروسي يستعدان لشن هجوم عسكري هناك، ليتفاخر بعد ذلك أنه أوقف الهجوم بتغريدة كتبها على حسابه الرسمي على تويتر مطالباً فيها سوريا وروسيا بأن “أوقفوا ذلك”.

معضلة الانسحاب وحراسة النفط

كان لوزير الدفاع الأميركي ماتيس موقف آخر خلال فترة قصيرة من موقفه السابق، عندما أعلن ترامب في مطلع العام 2018 أنه ناقش مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان انسحاب القوات الأميركية من سوريا خلال شهر على أن تتولى تركيا محاربة تنظيم “داعش”. ففي اليوم التالي أعلن ماتيس استقالته من منصبه مشيراً إلى وجود اختلافات في رسم السياسات مع الرئيس ترامب. وقد أظهرت استقالة ماتيس في ذلك الحين مدى حجم الصراع الذي كان يدور وراء الكواليس بين إدارة ترامب ومؤسسات الدولة العميقة بخصوص الملف السوري.

لكن ترامب الذي تراجع عن قرار الانسحاب عام 2018 بعد أسبوعين من استقالة ماتيس، عاد وطرح موضوع الانسحاب مجدداً في شباط/فبراير من العام 2019 حيث أعلن البيت الأبيض أن “مجموعة صغيرة لحفظ السلام” مكونة من 200 جندي أميركي ستبقى في سوريا لفترة من الوقت. وتمهيداً لذلك عقدت واشنطن في شهر آب/أغسطس اتفاقاً مع أنقرة على إقامة “مركز عمليات مشتركة” لتنسيق وإدارة إنشاء “منطقة آمنة” شمالي سوريا.

قرار الانسحاب الذي اعتبر بمثابة “خيانة” لحلفاء واشنطن في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم ينفذ إلا بتاريخ 7 تشرين أول/أكتوبر من عام 2019 أي قبل يومين من عملية “نبع السلام” التي احتلت أنقرة بموجبها مدينتي رأس العين وتل أبيض.

ولم تكن هذه الصفعة الوحيدة التي يوجهها ترامب إلى حلفاء قواته من الأكراد، إذ كان أمر في وقت سابق يتجميد مبلغ 200 مليون دولار كانت مخصصة لتحقيق الاستقرار في منطقة شرق الفرات.

وقال ترامب تبريراً لقرار سحب قواته من سوريا: “حارب الأكراد معنا، ولكن نحن قد دفعنا كميات ضخمة من المال والمعدات للقيام بذلك، لقد قاتلوا تركيا منذ عقود. لقد أوقفت هذه المعركة (بينهما) لما يقرب من 3 سنوات، لكن حان الوقت بالنسبة لنا للخروج من هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها – التي كثير منها قبلية – وإعادة جنودنا إلى الوطن”.

ومع ذلك اضطر ترامب إلى التراجع مرة ثانية عن قرار الانسحاب، مكتفياً بانسحاب جزئي مع بقاء مئات من الجنود الأميركيين في الأراضي السورية، ولكن ليس كقوات حفظ سلام كما ورد في إعلان سابق، بل كقوات حراسة لآبار وحقول النفط.

وقال ترامب في أعقاب اجتماعه مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ بتاريخ 3 كانون الأول/ديسمبر من عام 2019 “لم يبق في هذه الأراضي (السورية) من عسكريينا سوى من يحمون النفط. النفط في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء”.

ترامب يشكر سوريا قبل قيصر

من المفارقات في سياسة ترامب أنه عمد بعد عملية اغتيال أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، في قرية باريشا بريف إدلب الشمالي بتاريخ 27 أكتوبر من عام 2019 إلى توجيه الشكر لبعض الدول كان من بينها سوريا. وقال أن سوريا سمحت لمقاتلات الجيش الأميركي بالتحليق فوق أراضيها لتنفيذ عملية الاغتيال.

وقد جاء هذا الشكر العلني النادر بينما كان ترامب يرسّخ سياسته الجديدة بخصوص “حماية النفط”. لكن الأخطر أنه فعل ذلك قبل شهر واحد تقريباً من توقيعه على قانون قيصر الذي ينص على عقوبات اقتصادية شديدة لعرقلة إعادة إعمار سوريا وإجبار الحكومة السورية على الانخراط في حل سياسي يتوافق مع الشروط الأميركية.

180 بوست

شام تايمز
شام تايمز