الخميس , أبريل 25 2024
خالد العبود: مِن عبد الناصر إلى بشار الأسد..مَن يملأ الفراغ؟!

خالد العبود: مِن عبد الناصر إلى بشار الأسد..مَن يملأ الفراغ؟!

خالد العبود: مِن عبد الناصر إلى بشار الأسد..مَن يملأ الفراغ؟!

كتب السيد خالد العبود أمين سر مجلس الشعب السوري سابقا :

-اللحظة التي تمرّ بها المنطقة – في ظلّ دورٍ لعبته سوريّة، ولا نعتقد أنّه دور بسيطٌ على الاطلاق، خاصة لجهة صدّ العدوان عليها، وعلى المنطقة، نؤكّد على المنطقة، وهذه الواحدة الهامة، يجب أخذها بعين الاعتبار دائماً – هي لحظة تحاكي لحظات تاريخيّة مرّت بها المنطقة سابقاً، وهو ما كنّا نؤكّد عليه منذ الساعات الأولى للعدوان على سوريّة والمنطقة، من خلال ما أسموه “الربيع العربيّ”!!..

-باعتبار أنّ العدوان الأمريكيّ لم يكن عدواناً على النظام الوطنيّ في سوريّة، وإنّما كان عدواناً على منظومة سياسيّة إقليميّة، مفصل الاشتباك الأساسيّ لهذا العدوان كانت سوريّة، وهذا ما حصل تماماً في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، في العدوان الثلاثيّ على مصر عبد الناصر، باعتبار أنّ العدوان الثلاثيّ كان عدواناً على منظومة سياسيّة، مفصل الاشتباك لهذا العدوان كانت مصر..

-في العدوان الثلاثيّ على مصر نجح عبد الناصر في صدّ العدوان، بفضل قدرة الصمود والبسالة والتحالفات التي صنعها، فكان أن أسقط العدوان، لكنّ سقوط العدوان وبقاء عبد الناصر، أسّس لبنيّة سياسيّة إقليميّة ودوليّة جديدة، تراجع فيها نفوذ القوى صاحبة العدوان، فظهرت الولايات المتحدة كقوّة طبيعيّة حاولت أن تملأ الفراغ، الفراغ الذي حصل نتيجة تراجع النفوذ الفرنسيّ البريطانيّ..

-لم يقبل عبد الناصر، إلى جانب أقطاب منظومة القوى التي كان جزء منها، أن تملأ الولايات المتحدة هذا الفراغ، بالطريقة التي أرادتها، فجذر الصراع خلال عقود مضت كان حول هذا العنوان، وهو أنّ الولايات المتحدّة أرادت أن تملأ الفراغ باعتبارها القوّة الرئيسيّة والوحيدة على مستوى العالم، والمتحكّم الوحيد بالمنطقة، في حين أنّ منظومة مقاومة المشروع الاستعماريّ، والتي أفشلت العدوان الثلاثيّ على مصر، اعتبرت أنّ معركتها لم تنتهِ، وأن استراتيجيّة الولايات المتحدة في “ملء الفراغ”، لا تختلف عن استراتيجيّة كلّ من فرنسا وبريطانيا، في السيطرة على المنطقة، لذلك بقي الصراع مفتوحاً مع الولايات المتحدة..

-هذا المشهد ذاته لابدّ من إسقاطه على المرحلة التي نمرّ بها اليوم، فالصراع لم يزل هو ذاته، ولو باستطالات أخرى، المتغيّر الوحيد هو أنّ العدوان في عام 1956م، كان على النظام الوطنيّ في مصر، باعتباره نواة نسقٍ مقاومٍ، لوجود الكيان الغاصب في فلسطين، كذلك بالنسبة ليومنا هذا، فالعدوان على النظام الوطنيّ في سوريّة، أيضاً باعتباره نواة رسميّة لنسقٍ مقاومٍ، لوجود الكيان الغاصب في فلسطين..

-صمد النظام الوطنيّ في سوريّة، وأفشل العدوان، تماماً كما صمد النظام الوطنيّ في مصر، وأفشل العدوان، ومثلما صعدت الولايات المتحدة كي تملأ الفراغ، باعتبار هناك قوى فشلت في العدوان، فاليوم تفشل الولايات المتحدة في العدوان، وبطبيعة الحال سوف تصعد القوى التي كانت وراء إفشال الولايات المتحدة، ومنعها من الهيمنة المطلقة على المنطقة..

-لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ العالم وُضِع على سكّة جديدة، بعد أن فشلت كلّ من فرنسا وبريطانيا في إسقاط الدور الناصريّ، خلال عدوان 1956م، وأنّ بنيّة جديدة حكمت العالم، ولو أنّ مصر عبد الناصر لم تُفشل العدوان عليها، لما كانت المنطقة والعالم كما هو عليه اليوم، ولما كان النفوذ الأمريكيّ كما أضحى عليه لاحقاً..

-وهنا السؤال الهام، على أيّ سكّة سيوضع العالم، بعد فشل الولايات المتحدّة في تمرير “ربيعها العربيّ”، و”ثوراتها” المصطنعة والمشغولة في أقبية المخابرات و مطابخ السفارات، خاصة وأنّ السيناريو الذي استفادت منه الولايات المتحدّة ووقعت فيه كلّ من فرنسا وبريطانيا، تعود لتقع فيه هذه المرّة الولايات المتحدّة ذاتها، باعتبارها صاحبة العدوان بعد 55 عاماً..

-حين كانت فرنسا وبريطانيا تعدّان العدّة لاسقاط عبد الناصر، كان عملاؤهما يعدّون العدّة أيضاً لتشكيل السلطة البديلة لنظام الزعيم عبد الناصر، وكانت قوى عديدة أخرى تدعم هذا الخِيار وهذا التوجّه، كذلك بالنسبة للرئيس بشار الأسد، فقد كانت قوى عميلة تعمل على تشكيل البديل للسلطة والنظام في سوريّة..

-لم يُفشِل عبد الناصر فرنسا وبريطانيا ومعهما كيان الاحتلال الصهيونيّ فقط، وإنّما أفشل مشروع بنية كانت تعمل على إعادة إنتاج المنطقة، كذلك بالنسبة للرئيس الأسد، فهو لم يهزم معارضة داخلية، وإنّما أفشل مشروع بنية كانت تعمل على إنتاج المنطقة من جديد، خدمة لمصالحها وأطماعها..

-نعتقد أنّ المنطقة ستكون محكومة بالضرورة بدورٍ جديدٍ سيلعبه الرئيس الأسد، تماماً مثلما فعل الرئيس عبد الناصر بعد هزيمته لعدوان 1956م، خاصة حين ندرك حجم الفائدة والنجاح اللذين حققهما الرئيس عبد الناصر بعد صموده وانتصاره، بالرغم من ضبابيّة المشهد يومها، ومن وجود أطرافٍ واسعة ومهمة من داخل النسق العربيّ، كانت تعمل على عكس ذلك!!..

-لقد ذهب عبد الناصر بعيداً في استثمار صموده العظيم في وجه العدوان الثلاثيّ، حين هبّ عربيّاً كي يغدو رائداً للقوميّة العربيّة، ومناصراً حاداً لكلّ حركات التحرّر والاستقلال العربيّ، وكي يغدو قطباً أساسيّاً في حركة عدم الانحياز، سعياً منه لإيجاد طريق ثالث يجعله خارج نطاق حرب باردة، سوف تشغله عن رئيسيّات قوميّة كان يسعى لها، وأهداف وجد بأنّها خارج حسابات وأهداف الاستقطاب العالميّ، شرقاً وغرباً..

-اعتقد عبد الناصر أنّ فعل الاستقطاب العالميّ، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدّة، لن يؤمّن له الأهداف التي كان يسعى لها، خاصة لجهة القضية الفلسطينيّة والصراع العربيّ – الصهيونيّ، ودوره في دعم حركات التحرّر العربيّة، فغرّد بعيداً، من خلال تكتّل ثالثٍ وجد ضالته فيه، فشكّل حجر أساسه الرئيسيّة، تجلّى ذلك في الشروط الخاصة بانتساب الدول إلى كتلة “حركة عدم الانحياز”..

-نعتقد أنّه أمام الرئيس الأسد مروحة واسعة من العمل المركّب الذي سيمكّنه، أو يمنحه، إمكانيّة الاستثمار في خرائط بنى متناقضة، إقليميّة ودوليّة، تدفعه لترتيب أولوياته الوطنيّة والقوميّة، بناء على قاعدة صمودٍ منحته موقعاً إقليميّاً ودوليّاً، يجعله رئيسيّاً في مراحل قادمة من عمر تجاذبات النفوذ لاحقاً..

-يُدرك الرئيس الأسد جيّداً أنّ خارطة تحالفاته غير متجانسة، ويُدرك أنّ خارطة خصوماته وعداواته غير متجانسة أيضاً، ويُدرك أكثر أنّ أولوياته القوميّة لا تقلّ أهمّية أبداً عن أولوياته الوطنيّة، ولا يمكن تأمين أولوياته الوطنيّة بعيداً عن أولوياته القوميّة، خاصة وتحديداً لجهة حقوق الشعب العربيّ الفلسطينيّ، باعتبار أنّ كلّ معاركه التي خاضها، والعدوان الذي حصل عليه، أساسه وأسبابه لم تكن داخليّة، وإنّما هي أسباب تتعلّق فقط بموقفه من القضيّة الفلسطينيّة، ووقوفه إلى جانب الحقّ الفلسطينيّ..

-ويدرك أيضاً أنّ أمن سوريّة الوطنيّ لا يمكن أن يكون دون عمقٍ أمنيّ قوميّ عربيّ، بعيداً عن شكل النظام الرسميّ العربيّ أو توجهاته، باعتبار أنّ المدرسة السياسيّة للدولة السوريّة، ومنذ عشرات السنوات، تعتبر أنّ المدّ – الجزر، مع كثيرٍ من الأنظمة والحكومات العربيّة، لم يكن قائماً في جذره على شكل العلاقة مع هذا النظام أو سواه، بمقدار ما هي علاقة قائمة على أساس فهم سوريّ أسّه أن هناك صراعاً على شكل نفوذ وتأثير سوريّة، في هذه الأنظمة والحكومات، حتّى أن خصومات سوريّة لم تكن معها، أي مع هذه الحكومات والأنظمة العربيّة، وإنّما هي خصومات مع قوى أخرى عليها، أي على هذه الانظمة وتلك الحكومات..

-نعتقد أنّ الرئيس الأسد لن يخوض معاركه السياسيّة مع هذه الأنظمة والحكومات، لأنّه يدرك جيّداً دورها وموقفها، ويدرك أنّها مسيّرةٌ وتابعة ومأمورة، لهذا فهو سيتعامل معها باعتبارها مادة صراع، بمعنى انّه سيخوض معاركه مع أعدائه التقليديين عليها، وسيعمل مع تحالفه الرئيسيّ، ونعني به حلف المقاومة، على التركيز على جذر الصراع العربيّ – الصهيونيّ، ونعني به الحقّ العربيّ، ولن يذهب بعيداً في فتح جبهات مع أنظمة وحكومات عربيّة، تتسابق للارتقاء في أحضان كيان الاحتلال..

-يدرك الرئيس الأسد جيّداً، أنّ أهم الانزياحات التي حصلت على مستوى خارطة القوى والمشهد الناظم لجدليّة النفوذ، على مستوى المنطقة والعالم، أنّ شكل وأدوات الصراع تغيّرت، وبالتالي فإنّ كلاسيكيّة المعركة التي حكمت الصراع سابقاً، قد تغيّرت تماماً، وهي إحدى أهم المتغيرات التي جاءت نتيجة صمود سوريّة في وجه العدوان الكبير عليها..

-لقد استطاع الرئيس جمال عبد الناصر أن يُخرج الصراع العربيّ – الصهيونيّ من حسابات الصراع البارد، بين القوى الكبرى على مستوى العالم، وأبعده عن اصطفافات دوليّة كانت تعمل عليها هذه القوى، ومصالح هائلة كان يمكن للقضيّة الفلسطينيّة أن تذوب في حساباتها، كما حصل في بعض المناطق العربيّة التي سيطرت عليها قوى إقليميّة، في مراحل تاريخيّة قريبة..

-وهنا التحدّي الكبير أمام الرئيس الأسد، بعد أن نجح في إفشال مشروع العدوان عليه وعلى المنطقة، يتجلّى هذا التحدّي في قدرة الرئيس الأسد على إبقاء الصراع العربيّ – الصهيونيّ، والذي جذره هنا حقوق الشعب العربيّ الفلسطينيّ، خارج تجاذبات ومصالح وحسابات قوى الصراع القادم، والذي سيحكم خرائط ومصالح دوليّة قادمة!!..

-لا نعتقد أنّ عربة التطبيع لبعض الأنظمة والحكومات العربيّة سوف تُضعف الدور السوريّ لاحقاً، على المستوى العربيّ، على العكس تماماً، فإنّنا نعتقد أنّ الدور المعنويّ الذي سيسند للرئيس الأسد عربيّاً، سوف يحاكي الدور الذي لعبه عبد الناصر يوماً، ولو بأشكال مختلفة، وهو الأمر الذي سوف يثبّت بطولته ودوره العربيّ، خاصةً وأنّ “الربيع العربيّ” تكشّفت بعض أسراره وأهدافه، وتعرّى كثيرٌ من صانعيه وداعميه..

-وهنا يجب الانتباه إلى واحدة نعتقد أنّها هامة، وهي أنّ كلّ ما يحصل لجهة حملات التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيونيّ، لا يعبّر عن قوّة أو سطوة الولايات المتحدّة، أو نجاحها، ومن يقف معها، بمقدار ما يعبّر عن محاولاتها للنيل من حالة الصمود التي سوف تؤسس لمرحلة جديدة على مستوى المنطقة، وللحيلولة دون تعميم بسالة الموقف السوريّ، والضغط على أجزاء من النظام العربيّ الرسميّ، لاستعماله في وجه الانجازات التي يمكن لها أن تنشأ، فوق منصّة الصمود التي وفّرها الرئيس بشار الأسد..

-تدرك الولايات المتحدّة جيّداً أنّها لم تكن قادرة على النيل من البيئة التي تشكّلت، في أعقاب فشل أهدافها خلال عدوانها على المنطقة، لجهة بنية أنتجها حلف المقاومة، سوف يُبنى عليها ما لم يكن ضمن حساباتها أبداً، لكنّها ستنزع، ومن يقف معها، إلى الهروب نحو الأمام، وتحويل أهدافها الاستراتيجيّة إلى أهداف تكتيكيّة، بعضها أضحى لحظيّاً وانتخابيّاً، خدمة لعملية سياسيّة داخليّة ضيقة، بدلاً من كونها أهدافاً استراتيجيّة كانت رئيسيّة على قائمة أهداف العدوان أساساً..

-لهذا يجيء واضحاً وجليّاً، موقف الرئيس الأسد في اشتباكه مع الأمريكيّ، حيث لم يزل يصرّ على أولويات وطنيّة، هذه الأولويات التي لم تغيّرها الحرب أو العدوان، وهو ما كان ثابتاً وناصعاً ومبدئيّاً، خلال التواصل الرسميّ السوريّ – الأمريكيّ الأخير، بعيداً عمّا يتجاذبه أو يحاول تسويقه الاعلام، في ظلّ حملة تشكيل وعي الهزيمة والفشل والتجويع والحصار!!!..

خالد العبود..

اقرأ أيضا: أوباما يكشف عن أكبر إخفاقاته الرئيسية في سوريا خلال فترة رئاسته