الجمعة , أبريل 19 2024

نارام سرجون , فتح الغوطة واطلاق سراح 8 ملايين رهينة ,, نهاية حكاية شريرة

نارام سرجون
حتى هذه اللحظة لم تبدأ معركة الغوطة بعد رغم كل مايقوله الاعلام على طرفي المعركة .. فالارهابيون المحاصرون يكتبون اخبارا اشبه ماتكون بحكايات المقاهي بين قرقرات الأراكيل .. ولكننا على الطرف المقابل فان كل مانراه هو جيش ينتظر على الجمر وبالكاد يمكن أن نلجم فيه الدبابات التي تحمحم كخيول الحرب .. وجنود صار الاقتحام لعبتهم المفضلة وهوايتهم .. وصار من العسير أن نرضي روح المغامرة فيهم دون انتصار على الطبيعة ذاتها .. فقد صارت نزعة استئصال الأشرار في الحكاية هي مايحركهم .. وهاجسهم هو أن يضيفوا انتصارات الى قائمة انتصاراتهم وليس أن يضيفوا كيسا من الذهب أو حورية من الحوريات أو سبية من السبايا الى أملاكهم .. ففي الحكايات لايموت الا من يفوز بالذهب والحوريات والسبايا .. ولايحيا الا من يفوز بالأبدية عندما يقتل الشر في الحكاية ..
والغوطة أرادها البعض حكاية للشر .. فالأشرار اليوم هم أولئك الذين يحتجزون الرهائن والمدنيين فيها ويستعملونهم كأكياس الرمل ويعاملونهم كأكياس الرمل وليس كالبشر .. وصاروا يريدون احتجاز 8 ملايين مدني خارج الغوطة في دمشق ليضيفوهم الى قائمة الرهائن .. وتراهم يقتلون كل يوم عددا منهم دون تمييز لاثبات ان ملايين دمشق الثمانية رهائن لهم .. ولايشبههم في ذلك الا خاطفو الطائرات الذين يمهلون مفاوضيهم مدة محدودة قبل أن يقتلوا احد المسافرين وكلما طال التفاوض وتمسك الطرف الآخر بموقفه خسرت رهينة مسافرة حياتها لزيادة الضغط والابتزاز ..
وطبعا كانت الأيام الماضية زاخرة بتصريحات من فئة خمس نجوم أو سبعة .. فمثلا ترامب صرح مؤخرا واجتر كلامه مرارا عن انتصاراته الكاملة على داعش .. وهي تصريحات ليتسلى بها الشعب الأميريكي قبل كل عطلة اسبوع وبلغت نسبة المحليات والأصباغ فيه 100% فقد قال “أنه وتحالفه قضيا على داعش بنسبة 100% في كل من سورية والعراق” .. ورغم ذلك فانه كلام فشلت كل المحليات والسكر والحلوى والعسل والشوكولاتة في أن تخفي طعمه المر في فم ترامب وفم ضباط المخابرات الاميريكية .. حتى السكر والعسل صار طعمهما مرّا .. فترامب يدرك أن داعش جيش اميريكي سري من تأليف معسكر كلينتون ولكن تمكن الروس والسوريون والايرانيون من استئصاله واقتلاعه والحاق هزيمة منكرة به ..
أما الفرنسيون فقد صنعوا لنا “شوكولاتة الغوطة الفرنسية” المحشوة باللحم والدم .. وقالوا فيها الأشعار واستعانوا بشعارات كان رجالات الثورة الفرنسية يتداولونها .. وكادت حكاية الخبز والكعك التي رويت عن ماري أنطوانيت تنسب الى جدال بين جائعي الغوطة والرئيس الأسد .. فالغوطة الشرقية صارت فجأة شوكة في ضمير الدنيا .. ولايصح طعام الافطار الا بعد الصلاة من أجل أهل الغوطة .. كما كانت الصلوات من أجل بابا عمرو والقصير وحلب ويبرود وووو ..
وعندما أستمع للزعماء الغربيين وهم يحاضرون في الأمم ويعظوننا أخلاقيا أحس بالصداع وأعراض التسمم لأن كمية الملونات والأصباغ المغشوشة في كلامهم تبلغ حد السمية .. وأحس أحيانا أنني مرغم على ابتلاع هشيم الزجاج مع كل تصريح غربي .. وكل الكلام عليه شحم وزيت ومزلقات وخروع كي يسهل انزلاقه في آذاننا وقلوبنا وأفواهنا .. لكنه في النهاية يسبب لنا مغصا ويجبرنا على أن لانفارق الحمّام .. ولأن كمية الحلاوة والعسل والشوكولا المفرطة تجعل مذاق اي خطاب غربي تصيب من يستمع لها بالسكري خلال دقائق .. فهناك ألوان كثيرة وكلام مزخرف ومذهّب وموشى بالقصب حتى تبهر عينيك وتضطر لاغماضهما من وهج اللمعان والبريق الخاطف من كل حرف يغار منه الماس .. وهناك فن وأناقة في نحت الدمع المذروف والمسبوك الخاص بحقوق الانسان والحريات الذي عليه أوشحة من قماش الانجيل وموسيقا الحزن الكنائسية حتى أن المسيح نفسه يعتقد أنه شرير أمام هذه الطاقة الهائلة للحب والعظمة في خطابات النخب السياسية الغربية أصحاب القلوب الديمقراطية الشفافة ..
ولكن علينا أن ننظر للأمر على انه حلقة من حلقات الهلع قبل هزيمة المعارضة (المتسلحة بالغرب) بالتقسيط واخراجها من المعادلة السورية شعبيا .. قبل الاجهاز على القوى المسلحة عسكريا .. فنحن نذكر لاشك كل الأحداث ونذكر لاشك كل مسرحيات البكاء والتباكي على كل المجازر التي كانت تصنع في الغرف الاعلامية وتحضّر قبل كل جلسة لمجلس الأمن .. ونذكر كيف استنفر العالم من أجل “أليبّو” .. (أي حلب) .. حتى انها دخلت في المنافسات المحلية للانتخابات البلدية في أميريكا بين الديمقراطيين والجمهوريين .. ولكن كان هذا البكاء الشامل في كل الطبقات السياسية والاعلامية مؤشرا على أن الغرب يدرك تماما أن عصاباته ليس لها قبل مواجهة عسكرية مع الجبش السوري وحلفائه الذين لايمكن ايقافهم الا بالدموع وحواجز البكاء ..
الهدنة وفن الضغط النفسي:
كان البعض يحس بالقلق من التأخير الذي يحدث قبل كل جلسة مماحكات لهدنة في مجلس الأمن .. وعندما تحصل الهدنة يزدادا مستوى القلق من قبول الضغط الغربي .. ولكن من يراجع كل الهدنات السابقة يلاحظ أنها جميعا كانت فخاخا روسية للغرب لأن الروس أتقنوا لعبة الضغط النفسي العسكري والديبلوماسي على الخصم .. حيث كان الروس يتصلبون جدا قبل القبول باي هدنة حتى يفتحوا ثغرة في القرار الدولي بحيث يتحول القرار الى صمام أمان يترك لهم مجالا للالتفات نحو جبهة أخرى تشغلهم هي المقصودة الرئيسية بالمعركة .. فتجد ان معظم الهدنات السابقة تركت جزءا كبيرا من المسلحين مكبلين لايقدرون على القيام بهجمات كبيرة بسبب انهم تحت ضمانات الدول الراعية للهدنة المسؤولة عن التزامهم بالقرار .. وهذا مايريده الجيش ليتفرغ للقضاء على جيوب خطرة (لايشملها القرار) دون أن يضرب في الظهر من تنظيمات محسوبة على قرار مجلس الأمن .. وهو مبدأ (أكل الثيران الثلاثة الأبيض ثم الاسود ثم الاحمر .. بالتقسيط واحدا واحدا) .. وهذا تسبب في أن القوى التي تصنف على انها معتدلة تفقد معاطفها الواقية المتمثلة بالنصرة وداعش .. لأن القوى الضارية هي داعش والنصرة وهي التي تشكل حائط الصد الذي يحمي نواة التمرد .. ويتم كسر هذا الحائط في الهدنة لأن الجيش السوري يقاتل وهو مرتاح عسكريا على جبهات أقل .. وتنكشف المجموعات المسلحة بعد ذلك .. وهذا رأيناه في حلب التي تم تحريرها بعد هدنات كثيرة تمت الاستفادة منها في قضم تدريجي لداعش والنصرة في محيط حلب .. حتى صار ارهابيو حلب مثل ثمرة مقشرة .. ومثل قنفذ عار بلااشواك .. أطبق علهم الجيش في أسابيع قليلة ..
مايلفت النظر في سلوك خاطفي الغوطة من الارهابيين أنهم هم الذين فتحوا المعركة وهم الذين تحرشوا بالدولة السورية وكأنهم يريدون استدراج الدولة الى معركة استعدوا لها وهي لم تستعد لها .. ولكن لوحظ ان المعركة اشتدت فجأة وكأنما أريد بها اطلاق حدث قبل الانتخابات الروسية لان التقديرات الغربية أن الروس ليسوا في وارد خوض معركة قبيل الانتخابات الرئاسية الروسية وهم مرتاحون لما انجزوه في السياسة الدولية .. ومن هنا يفهم البعض مدة الهدنة 30 يوما التي ستفيد الروس كثيرا للتفرغ للانتخابات الرئاسية .. ولكن من يعرف العقل الغربي فانه يعرف انه عقل يرى في الهدنة الانسانية دوما فرصة لتغيير الواقع او احداث خرق في معسكر الخصم … فكل الهدنات التي أبرمها الانكليز مع الفلسطينيين قبل النكبة كانت لتبريد ثوراتهم واختراق صفوفهم وخلخلتها وكلها نجحت وأجهضت تحركاتهم .. وهدنة أوسلو الصهيونية كانت لها نفس روح الخديعة لامتصاص الانتفاضة التي خرجت عن السيطرة .. فكانت مخدرات اوسلو التي انتهت باعلان القدس عاصمة ابدية لاسرائيل .. ولينقع الفلسطينيون أتفاق اوسلو ويشربوا ماءه ..
ولذلك فان التقارير عن سيناريو كيماوي كبير في ادلب يجب تنفيذه قبل 13 آذار كما ذكر الدكتور الجعفري أمام جلسة مجلس الأمن الأخيرة يذكرنا بأن جلسة في منظمة حظر الاسلحة الكيماوية ستعقد في اليوم التالي ويذكرنا بأن الانتخابات الروسية ستعقد في 18 آذار .. والسيناريو الكيماوي يظن الاميريكيون أنه سيسبب ازعاجا كبيرا ولغطا كبيرا وسيطلق ابان انشغال الروس في شأنهم الداخلي ..
ولكني اريد أن ألفت النظر الى حقيقة واضحة وجلية كالشمس وهي أن الحلفاء سيحولون اللعبة الغربية الى فرصة وسيرى الجميع كيف أن لاأمل لارهابيي الغوطة بالصمود وستنكسر شوكتهم بسرعة فائقة وبأسرع مما نتوقع .. لأن جيش الاسلام واشواكه من النصرة وبقية التنظيمات الارهابية المحاصرة لن يكونوا أقوى من ارهابيي حلب .. ولاأكثر منهم عددا ولاتسليحا .. ولن تكون في ظهرهم تركيا كما مسلحو حلب كي تدعمهم وتذخرهم .. فارهابيو الغوطة محاصرون في النهاية .. وكما أن جيش الاسلام أمضى سنوات يتحصن ويتمترس فاننا أمضينا هذه السنوات في تجميع المعلومات ورسم خارطة الانفاق والتحصينات كما فعلنا في حلب .. واستفدنا من جو الرفض المتنامي لممارسات جيش الاسلام وغيره بين سكان الغوطة الذين تحول ابناؤهم ونساؤهم الى عيون للجيش حتى صار الجيش على علم بكل المتاريس والتحصينات المقامة .. ويعرف مايأكله أبو همام البويضاني كل يوم .. وليس سرا أن يقال بأن خلايا نائمة كثيرة في الغوطة تنتظر ساعة الصفر للالتحاق بالمعركة ..
لذلك .. فان هذا الجيش الذي انتقل وتجمع حول الغوطة لن يعود الا بعد أن يستعيدها سلما أو حربا وبسرعة ويعلن تحرير 8 ملايين دمشقي رهائن بيد الارهابيين في الغوطة .. فمواكب الخيول تحمحم من حميميم وحتى حوش الضواهرة .. مع فارق بسيط .. هو أن الانتظار هذه المرة لن يكون طويلا .. وسيفاجأ الجميع من انهيار قبضايات الغوطة ..
بكلمة مختصرة .. دوما ليست حائط برلين لتنتظر خمسين سنة .. ولو كنت أقدر على قول المزيد لقلت لكم بالضبط متى ستكون أحذية الضباط والجنود السوريين في قلب دوما .. فقد تقرر ذلك الموعد سلفا .. وليشرب مجلس الأمن مايشاء من بول البعير حتى يرتوي .. وليشرب جيش الاسلام من بول نيكي هايلي مايشاء حتى يرتوي .. فلا فرق بين البولين في حلوق الأغبياء ..

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً