الخميس , أبريل 25 2024

تنافس في عالم الغيب: توقعات رأس السنة بين الخرافة والاستخدام السياسي

تنافس في عالم الغيب: توقعات رأس السنة بين الخرافة والاستخدام السياسي

باتت البرامج والسهرات الفنية التلفزيونية طقساً من طقوس الاحتفال بمناسبة رأس السنة الميلادية، حيث يتخللها كل عام ظواهر جديدة يبتكرها القائمين على الفضائيات، في حين أن الظاهرة التي مازالت تلاقي رواجاً منذ عشرات السنين حتى اليوم، هي ظاهرة سلسلة توقعات الفلكيين ليلة رأس السنة.
ولعل أولى حالات العروض التنبؤية هذه درجت في لبنان حيث فتحت وسائل الإعلام منابرها أمام التوقعات والتنبؤات، إذ بدأت بشكل يومي كأبراج، واستمرت بشكل سنوي كتوقعات عن العام، وهنا استطاع الإعلام اللبناني جذب أنظار الجمهور لقنواته من خلال هذا الأسلوب في البث حتى أن قنوات الدول الأخرى بدأت تخسر متابعيها في ليلة رأس السنة.
وعليه، عمدت قنوات عربية عدة لنفس هذا الأسلوب ومنها القنوات السورية، فراحت بداية تستقطب المتوقعين والمتنبئين اللبنانيين أو تستثمر متنبئين محليين، وجميعهم لا يُعرف إن كانوا ينطلقون من خلفيات علمية في دراسة الفلك للخروج بالتوقعات، فأمست ليلة رأس السنة ساحة تنافس بين تنبؤات المنجمين الأكثر غرابةً وغموضاً.
التوقعات بين التاريخ والصدف:
تاريخياً، كان القدماء يستدلون بالنجوم لمعرفة الاتجاهات والتواريخ، لكنها لم تُستخدم يوماً لربط شعاعها وطاقتها بمصير الناس ونفوسهم، ورغم تقدّم العلم والثورة التكنولوجية الهائلة، مازال الكثير من الناس ينساقون وراء المنجم ويصدّقون أقاويله.
فمثلاً أصبح لـ “مايك فغالي” المتنبئ اللبناني إطلالة سنوية على قنوات الإعلام السوري، تم “افتقادها” هذا العام بسبب تداعيات كورونا، والغريب أن معظم منتقدي هذا النوع من البرامج هم أول المتابعين والمترصدين لما يقال.
أحد التوقعات التي ترصّدها متابعون العام الماضي، كان من نصيب مايك فغالي في حديثه عن انخفاض كبير بسعر صرف الدولار في سوريا، حيث أن ما حدث كان العكس تماماً، كما وصف فغالي العام الفائت بأه عام تشابك الأيدي، إلا أن كورونا فرضت قوانين جديدة من التباعد الاجتماعي ومنع المصافحة والتلامس والاحتكاك، وهي نقاط ضعف استغلها السوريون للتندر ونقد الشخصية فقط دون التحول عن انتظارها!
توقع آخر رصده المتابعون كان من نصيب المتنبئ اللبناني أيضاً “ميشال حايك” عندما تحدث العام الماضي عن أن معرض دمشق الدولي سيكون “معرض معارض المنطقة”، إلا أن المعرض كله ألغي خلال العام المنصرم أساساً.
ومن نقاط ضعف المنجمين أيضاً هو اختلاف وتناقض توقعاتهم بحكم كثرة ظهورهم أيام رأس السنة على أكثر من قناة، فنفس التوقع قد يختلف من قناة لقناة وفقاً لسياستها وتوجهها، وهذه ثغرة يقع بها أغلب المتنبئين.
وبمحض الصدفة أو بدراسة حقيقة للفلك ربما، تصيب بعض التوقعات فمثلاً كان لميشال حايك العام الماضي 2020 توقع بارز حول سوريا ألا وهو وفاة وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم حيث قال حينها: ”أرى وليد المعلم في مهمة كبيرة جداً، وعلى الأرجح هي الأخيرة”، الأمر الذي لم يجد فيه كثيرون مجالاً للتنبؤ إن أن الوزير الراحل كان يعاني مرضاً عضالاً منذ سنوات عدة.
وفي المقابل توقع حايك العام الفائت أيضاً وفاة الممثل السوري “دريد لحام” الذي ينعم بصحة جيدة وكان آخر ظهور له عبر التلفزيون السوري الرسمي قبل أيام في تغطية خاصة للتلفزيون من مدينة القنيطرة.
ومن جديد أطلق حايك ليلة رأس السنة 2021 توقعات جديدة عن الدول العربية بما فيها سوريا كان أبرزها أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بكثير من الحذر، سيترك علامة فارقة تطبع المسؤولية التي ألقيت على كاهله، كما تحدث عن مفاجآت في سوريا أحدها يتعلق بمنطقة مقدسة، متوقعاً في الوقت نفسه عودة رؤوس الأموال إلى البلاد، وإصدار عفو رئاسي عام لا يشبه أي عفو.
الإطلالة التي كانت مقتصرة على ليلة رأس السنة، أصبحت مستمرة كل شهر وربما أسبوعياً فيومياً، صار التنجيم كما الأبراج، عادة يومية، لكن من يتحمّل مسؤولية هذا التسيب الإعلامي؟ وهل فعلاً تقدّم هذه الوسائل ما يطيب للجمهور أو ما يطيب لجيوب المنتج والمعلن؟ وهل الجمهور أصبح مجرد متلقٍ سلبي لا حول ولا قوة له؟
ما رأي العلم:
وللعلم والفلك رأي بهذه الظاهرة، فالدكتور محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية السورية ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، يرى أن سبب إيمان البلدان العربية بالتبصير هو ضعف العلم والإمكانات العلمية، وقلّة دعم العلم من وجهة نظره ساهمت في انتشار علوم زائفة غير علمية كما يُقال عن علم التنجيم، إضافة إلى ظروف الحرب والحالة العامة التي لعبت دوراً كبيراً في انتشار التبصير والتنجيم، فالجميع يرغب بمعرفة متى ستنتهي الأزمة ومتى ستتوفر أسباب الحياة البسيطة، كل هذا دفع الناس للجوء إلى أمور غيبية هرباً من الواقع السيئ.
وبرأي العصيري فإن تخوف الناس من المستقبل يجعل البعض يتعلقون بكشفه، كالغريق الذي يتعلّق بقشة والمنجم يشكل “قشة” لأنه يتحدث بأمور فلسفية وتريح المستمع، والطريقة الإحصائية والإعلامية تجعل الناس أكثر تصديقاً للمنجم.
أما عن انتظار الناس لظهور المنجمين فهو من وجهة نظر الدكتور العصيري يندرج تحت الحاجة للتفاؤل والأمل وخاصة في ظل هذه الظروف، وبرأيه فإن ماحصل من توقعات هو فقط 10%، وحدثت بمحض المصادفة وكثرة الاحتمالات، مشيراً إلى أن القنوات التلفزيونية تسلّط الضوء على ماحصل وتخفي كل مالم يحدث من تنجيمات فاشلة.
بيد أن الأنظار اتجهت مؤخراً للتأكد من أن مصدر هذه التوقعات قد يكون ملفق أو على صلة بالاستخبارات، وهذه حالة جسدها الفنان السوري عابد فهد في مسلسله “الساحر” الذي جسد حالة متنبئ وكيف يجهز توقعاته وتمت الإضاءة على ارتباطات هذا المتنبئ ومصدر توقعاته، وكيف بات شخص مطلوب إعلامياً.
مصادر معلومات مشبوهة:
بيد أن أوساطاً عدة تتحدث عن صلة ما بين المنجمين وأجهزة استخبارات، تسرّب وتروج عبرهم لبعض المعلومات، سيما مايتعلق بالأوضاع الداخلية لبعض الدول، والأزمات الاقتصادية، والاغتيالات والعمليات الارهابية، وهي حالة جسدها الفنان السوري عابد فهد في مسلسله “الساحر” الذي أدى فيه دور متنبئ، يقدم توقعاته للناس مع الإضاءة على مصادر التوقعات التي ترتبط بأجهزة استخبارات محلية أو إقليمية.
وكان بعض المتنبئين قد تحدثوا عن بدء المرحلة الأولى لتقسيم العالم العربي قبل بدء ما عرف بالربيع العربي، كما تنبأ بعض المنجمين اللبنانيين بالانتفاضة الشعبية التي حدثت في لبنان العام الماضي.
اثر برس