الأربعاء , أبريل 24 2024

شرق الفرات يزداد تعقيداً.. عين “قسد” على بايدن

شرق الفرات يزداد تعقيداً.. عين “قسد” على بايدن

علاء حلبي

ثلاثة أسابيع مرت على إعلان الفصائل السورية الموالية لتركيا بدء هجومها على منطقة عين عيسى في ريف الرقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” بهدف السيطرة عليها، من دون أن تحقق تقدماً يذكر، حيث اكتفت أنقرة وفصائلها بالسيطرة على قريتين فحسب، وادخلت نفسها في معركة استنزاف في موازاة معارك سياسية تشهدها منطقة شرق الفرات في ظل مناخات دولية وإقليمية متحركة.

خلال العامين الماضيين، عملت كل من السعودية والإمارات على زيادة حجم نفوذهما في مناطق سيطرة “قسد” والقوات الأميركية، عن طريق تقديم مساعدات كبيرة للقوات الكردية، وزيارة مسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين لتلك المناطق، كان أبرزها زيارة وفد سعودي في شهر حزيران/يونيو 2019 برئاسة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان، الذي اجتمع حينها بمسؤولين أميركيين وقادة عشائر عربية وقياديين كرد، وذلك ضمن المساعي السعودية – الإماراتية حينها لتصعيد المواجهة مع تركيا قرب حدودها الجنوبية، وفي مناطق سيطرتها داخل الأراضي السورية.
التوسع السعودي – الإماراتي في سوريا تزامن مع سلسلة من التعقيدات الميدانية في شمال سوريا، حيث شن الجيش السوري عملية عسكرية واسعة تمكن من خلالها من تأمين حلب واستعاد طريق حلب – دمشق، كما مهد الطريق بالقوة لفتح أوتوستراد حلب اللاذقية، بالإضافة إلى سلسلة من المعارك والمتغيرات الميدانية في منطقة شرق الفرات، نجمت عنها خريطة سيطرة وضعت “قسد” ضمن مناطق احتكاك مباشر، وعلى مساحات واسعة، مع القوات التركية والفصائل الموالية لها، قبل أن تدخل المنطقة بمجملها في حالة “ستاتيكو” ميدانية.
كذلك، تزامن التوسع السعودي – الإماراتي مع تغيّر في السياسة الأميركية، التي شهدت تخبطاً سمح لروسيا أن تمد نفوذها في المنطقة، فانحصر اهتمام الولايات المتحدة بالموارد النفطية، ومحاولة عرقة تحركات إيران، الأمر الذي أعاد ترتيب المشهد السياسي في شرق الفرات، فغدت روسيا “ضامناً” ووسيطاً لمنع وقوع احتكاكات بين “قسد” وأنقرة، كما تمكنت دمشق من استعادة توازنها في تلك المنطقة.

فشل تركي

بالتزامن مع انسحاب القوات التركية من نقاط مراقبة عسكرية واقعة ضمن مناطق سيطرة الجيش السوري في الشمال الغربي من سوريا، توجهت الأنظار مباشرة إلى منطقة شرق الفرات، حيث كانت تشير جميع المعطيات إلى أن الأرض فيها ممهدة لتركيا لشن عملية عسكرية ضد “قسد” بحثاً عن تحقيق انتصار ميداني يغطي على انسحاب القوات التركية من جهة، ولقضم مساحات جغرافية إضافية في المناطق المحاذية للحدود التركي من جهة أخرى، خصوصاً أن الولايات المتحدة دخلت حالة من الفراغ السياسي في المنطقة بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية.
وما ساهم أيضاً في تمهيد الأرض لهذه العملية موقف موسكو ودمشق، في ظل التعنت الكردي، حيث قدمت كل من روسيا والحكومة السورية عرضاً لـ”قسد” بأن تقوم بتسليم منطقة عين عيسى للحكومة السورية، أو حتى أن تقيم الحكومة مربعاً أمنياً داخل المدينة وتعيد تفعيل الدوائر الحكومية، للحيلولة دون أي عمل عسكري تركي، الأمر الذي رفضته “قسد”.
اختيار تركيا لمنطقة عين عيسى لم يكن عشوائياً، وإنما جاء بعد قراءة دقيقة لخريطة السيطرة، فالمدينة لا توجد فيها أية قوات سورية (تتمركز القوات السورية على أطرافها الجنوبية)، كما لا توجد فيها أية قوات أميركية، بعدما انسحبت الولايات المتحدة منها، حيث كانت تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية تم اخلاؤها قبل نحو عام ونصف، كما تعتبر المدينة مقر “القيادة الذاتية” الكردية، ما يعطي للسيطرة عليها أهمية سياسية ومعنوية، إضافة إلى أن المنطقة تقع على طريق M4، ما يعني أن السيطرة عليها تمكن أنقرة من فصل منطقة الجزيرة عن عين العرب ومنبج.
توجد في عين عيسى قاعدة عسكرية روسية، إلا أن موقف “قسد” المتشدد ورفضها تسليم المنطقة للجيش السوري من جهة، والمبادرة التركية بتسريع وتيرة فتح طريق حلب – اللاذقية من جهة اخرى، أفسحا المجال للقوات التركية بشن عملية عسكرية من دون أي تدخل روسي فعلي، أو هذا ما كانت تأمله أنقرة.
وعلى الرغم من تمهيد الأرض أمام القوات التركية لشن هجوم على المدينة، لم تتمكن أنقرة من تحقيق خرق حقيقي، حيث سيطرت على قريتين فقط قبل أن تتعثر العملية، وتدخل في دوامة مفاوضات سياسية وضغوط دولية مختلفة، وهو ما كانت تعول عليه قيادة “قسد” التي كانت ترى أن “لعبة الوقت” من صالحها، فكلما طالت مدة المواجهات اكتسبت أوراقاً سياسية ضاغطة جديدة، بالإضافة إلى معرفتها المسبقة بعدم وجود كوادر بشرية كافية لدى الفصائل المسلحة، بعدما قامت تركيا بنقل مقاتلين سوريين إلى جبهات مختلفة بين أذربيجان وليبيا وغيرهما، وعدم رغبتها في زج القوات التركية في المواجهة المباشرة خوفاً من وقوع خسائر بشرية في صفوفها سيكون لها تأثير كبير على الداخل التركي.

تنتظر “قسد” بفارغ الصبر تولي الرئيس الأميركي الجديد مقاليد الحكم بشكل فعلي، حيث تأمل في دعم كبير من إدارته التي تعتقد أنها تتمتع بعلاقات وطيدة معها

كسبت “قسد” الرهان على “لعبة الوقت”، وفق ما رأى مصدر ميداني، الذي أوضح أنه وعلى الرغم من ذلك قد تواجه “قسد” هجمات أخرى أكثر عنفاً خلال الأيام المقبلة، حيث ستسعى أنقرة إلى تحصيل أوراق ضغط سياسية وميدانية جديدة قبل أن تتولى الإدارة الأميركية الجديدة زمام الحكم.

“قسد” والحضن الأميركي المنتظر

تنتظر “قسد” بفارغ الصبر تولي الرئيس الأميركي الجديد مقاليد الحكم بشكل فعلي، حيث تأمل في دعم كبير من إدارته التي تعتقد أنها تتمتع بعلاقات وطيدة معها، كما تنتظر من هذه الإدارة موقفاً أكثر حزماً تجاه أنقرة، معولة بذلك على العلاقات غير الطيبة بين جو بايدن ورجب طيب إردوغان.
أولى “البشائر” التي احتفلت بها “قسد” كانت تعيين بريت ماكغورك رئيساً لمكتب الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجلس الأمن القومي، وفق ما ذكرت مراسلة “CNN” عبر تغريدة لها على “تويتر”.
ويعتبر هذا المنصب أرفع مسؤول مباشر عن الأوضاع السورية في البيت الأبيض. ويعرف عن ماكغورك علاقته الطيبة مع قيادات “قسد” في سوريا، ومناهضته لأردوغان، حيث كان يشغل منصب المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد “داعش” منذ العام 2015، وقدم استقالته لترامب العام 2018 بعد خلاف حول الانسحاب الأميركي من سوريا، حيث تعتبر “قسد” الانسحاب الأميركي الجزئي الذي حصل على الأرض، وانكماش القوات الأميركية في بعض المناطق مهد الأرض لتركيا للتوغل داخل الأراضي السورية والسيطرة على مواقع عدة كانت تحت سيطرة القوات الكردية.

يعرف عن رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجلس الامن القومي الاميركي بريت ماكغورك علاقته الطيبة مع قيادات “قسد” في سوريا، ومناهضته لأردوغان

ولا يعتبر الرهان الكردي على واشنطن جديداً، حيث راهنت “قسد” أكثر من مرة على الدعم الأميركي لها، إلا انها إطدمت بسلسلة من النكبات المتتالية، أدت بمجملها إلى خسارة مناطق عدة بينها عفرين وتل أبيض ورأس العين، برغم ذلك، ما زالت قيادتها تتمسك بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وتنتظر أن تكون هذه العلاقات أكثر عمقاً، توفر لها ولمشروعها (الإدارة الذاتية) حماية من تركيا من جهة، وروسيا ودمشق الراغبة بإنهاء المخططات الانفصالية الكردية في الشرق السوري من جهة أخرى.

180Post