الخميس , مارس 28 2024

إردوغان يستنجد ببايدن ضدّ بوتين.. في سوريا

إردوغان يستنجد ببايدن ضدّ بوتين.. في سوريا

شام تايمز

حسني محلي

شام تايمز

بعد أن تعرَّض رجب طيب إردوغان لانتقادات عنيفة من المعارضة التركية التي اتهمته بالفشل في سياساته الخارجية، إذ اضطر إلى التودد إلى كل من مصر والسعودية والإمارات، وهو ما لم ترحّب به عواصمها، وخصوصاً القاهرة، التي وضعت أمامه العديد من الشروط، وجد الرئيس التركي نفسه مضطراً إلى مراجعة البوابة الأميركية، وهذه المرة عبر سوريا، فبعد أن ضاق ذرعاً بموقف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي لم يتصل به على الرغم من مرور 55 يوماً على استلامه السلطة، استغلَّ الذكرى العاشرة للأزمة السورية، ليعلن عبر مقال كتبه في موقع “بلومبيرغ”، أمس الإثنين، استمرار موقفه التقليدي في سوريا، مخاطباً بايدن: “تعال نعمل معاً لحل الأزمة السورية”.

بدأ إردوغان مقاله “بتأكيد موقفه في الدفاع عن إدلب ضد تدخل النظام الذي يقتل شعبه”، وحمَّل “نظام الأسد مسؤولية كل ما يعانيه الشعب السوري من المظالم والمجازر”، وقال: “أقولها بكل فخر واعتزاز، إنَّ الموقف التركي في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية لن يتغير، ونحن لن نقبل بأي نظام سياسي لا يلبي طموحات الشعب السوري”.

وناشد الرئيس بايدن والدول الأوروبية “لدعم تركيا في سوريا واتخاذ موقف واضح وعملي من قوات النظام الدموي التي تستهدف المناطق الآمنة، وأيضاً اتخاذ موقف عملي ضدّ وحدات حماية الشّعب الكرديّة المتعاونة مع النظام، والتي تقدم كلّ أنواع الدعم للمعارضة الوطنية”، وأكّد “استعداد بلاده للتعاون الشامل مع أميركا والدول الغربية”، وناشدها “للتحرك العاجل والمشترك في سوريا والمنطقة”.

واعتبر سفير تركيا السّابق في واشنطن، فاروق لوغ أوغلو، أن أقوال الرئيس التركي تعد “محاولة جديدة منه لكسب ود الرئيس بايدن، بعد أن فشلت مساعيه في كسب وده عبر قنوات عديدة”، وقال: “أقوال إردوغان هذه تثبت بكل وضوح فشل حواره الساخن مع صديقه وحليفه الروسي بوتين في ما يتعلق بحل الأزمة السورية، بعد أن فشلت اتفاقية سوتشي الخاصة بإدلب”.

وأضاف: “يبدو واضحاً أنَّ إردوغان يتودّد إلى الرئيس بايدن ليساعده على التخلّص من ضغوط الرئيس بوتين مقابل تنازلات سيطلبها منه الرئيس الأميركي، بما في ذلك قضيَّة أس – 400″، وهو ما أكّده الصّحافي محمد علي جوللار، الَّذي اعتبر مقال إردوغان “محاولة جديدة منه لنسف مساري أستانا وسوتشي”.

المتحدث باسم حزب “الشعب” الجمهوري فائق أوزتراك، الذي عقد مؤتمراً صحافياً في أنقرة، حمَّل إردوغان “مسؤولية الوضع الحالي في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، باعتباره شريكاً في مشروع الشرق الأوسط الكبير”، وقال: “لقد أفلست سياساته في سوريا، ومن خلالها في مصر وليبيا وباقي دول المنطقة، بسبب مزاجه الشخصي وحساباته الإخوانية وحلمه في الصلاة في الجامع الأموي”.

وأضاف: “لقد اعترف بفشل هذه السياسات الإخوانية، من خلال مساعيه للتودد إلى القاهرة التي كذبت تصريحاته واشترطت عليه التخلي عن دعم الإخوان، وعدم التدخل في شؤون الدول العربية، والتخلي عن السياسات الاستفزازية في المنطقة”.

الجنرال المتقاعد خلدون صولماز تورك اعتبر أقوال إردوغان “إثباتاً واضحاً لاستمرار التدخل التركي في الشأن السّوري”، وقال: “إذا كان صادقاً برغبته في حلّ الأزمة السورية، فما عليه إلا أن يتحدَّث إلى الدّولة السّورية، صاحبة المشكلة، وسببها أساساً هو الرئيس إردوغان الذي تدخّل، وما زال، بشكل سافر في سوريا، إلى جانب كل المجموعات المسلحة التي تعتبرها دمشق إرهابية، كما أنه السبب في الوضع الحالي شرق الفرات، أي الاحتلال الأميركي للمنطقة”.

أقوال الرئيس إردوغان وتعليقات المعارضة عليها تثبت بكلّ وضوح استمرار موقفه في سوريا ومساعيه للتهرب من مسؤولياته في أستانا وسوتشي، وأخيراً الدوحة، التي أرادت لها أنقرة أن تساعدها في التصدي للضغوط الروسية والإيرانية، وخصوصاً موضوع إدلب وشرق الفرات.

أقوال الرئيس إردوغان تزامنت مع البيان الأميركي – الأوروبي ضد دمشق، والعقوبات التي فرضتها الحكومة البريطانية على عدد من المسؤولين السوريين، ومنهم وزير الخارجية فيصل مقداد، مع استمرار الحملات الغربية، السياسية منها والإعلامية، ضد سوريا التي تعاني أزمات إنسانية خطيرة جداً بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية.

كما تأتي هذه الأقوال بالتوازي مع المعلومات التي تتحدّث عن مساعٍ روسية لإقناع السعودية والإمارات ومصر بضرورة العمل المشترك والعاجل لمعالجة الأزمة السورية ومساعدة الشعب السوري في محنته الصعبة، التي يعد سببها الأساسي التدخل الإقليمي والدولي في سوريا.

وقد سعى إردوغان من خلال تصريحاته وتصريحات وزرائه، وأخيراً في مقاله في “بلومبيرغ”، لسد الطريق على هذه المساعي. وفي حال أثمرت، سوف تجد أنقرة نفسها في مأزق جدي وصعب ومعقد، وخصوصاً إذا التزمت الرياض وأبو ظبي والقاهرة بمواقفها الحالية التي لخّصتها في آخر قرار للمجلس الوزاري للجامعة العربية، والذي ناشد تركيا “سحب قواتها من سوريا والعراق وليبيا”.

يعرف الجميع أنَّ الرئيس إردوغان لن يفعل ذلك، لما له من علاقة عضوية واستراتيجية بنهجه الإسلامي الذي كان، وما زال، سبباً رئيسياً لتدخّله في سوريا ودعمه لكلّ الجماعات المسلحة، وهو يُؤْمِن بأنَّ سوريا كانت، وما زالت، بوابته التي دخل منها إلى المنطقة العربية سلماً عبر العلاقة مع الرئيس بشار الأسد بعد العام 2004، من دون أن ينسى دخول السلطان سليم منها إلى المنطقة في 24 آب/أغسطس 1516 عسكرياً، ليمتد منها إلى القاهرة، التي دخل إليها في 11 كانون الثاني/يناير 1517، وعاد منها خليفةً على المسلمين.

ويعرف الجميع أنَّ الرئيس إردوغان أراد من خلال ما يُسمى بـ”الربيع العربي” أن يحيي هذه الذكريات، وأن إحياءها لن يتحقَّق إلا عبر سوريا، التي دخلها الجيش التركي في 24 آب/أغسطس 2016، أي بعد 500 عام من دخول السلطان سليم إليها، وذلك بضوء أخضر من الرئيس بوتين. وقد أثبت إردوغان بتودّده إلى الرئيس بايدن أن الأخير يريد التخلّص منه، مهما كلفه الأمر.

وفي انتظار ردّ الرئيس بايدن، ستبقى سوريا القفل والمفتاح لكل الحسابات التركية التي لن يتخلّى عنها الرئيس إردوغان سوى في حالة واحدة، تتمثل باتفاق بايدن مع بوتين. يعرف الرئيس التركي أنّ ذلك صعب جداً، وما عليه إلا أن يساهم في تعزيز هذه الصعوبة، وهو ما فعله بتودده العلني إلى الرئيس الأميركي.
الميادين

شام تايمز
شام تايمز