الجمعة , مارس 29 2024

حملتا الغوطة وعفرين أمام مفترق طرق

حملتا الغوطة وعفرين أمام مفترق طرق
أنس وهيب الكردي
بعد أن تحقق الهدف العسكري من حملة الجيش السوري وحلفائه بتقسيم مناطق سيطرة المسلحين في غوطة دمشق الشرقية، يظل التساؤل عن السبل التي سيتم استخدامها لربط الهدف العسكري للحملة بهدفها المعلن وهو: استعادة السيطرة على الغوطة.
للتساؤل أهميته ليس من واقع آثاره الآنية والأخرى بعيدة المدى على الروابط ما بين مدينة دمشق وغوطتها، والتعايش المستقبلي فيما بينهما، بل لأن أساليب التوصل إلى هدف الحملة، ستترك تأثيرات مهمة على علاقات القوى بين المحاور المتناقضة على الأرض السورية، إضافة إلى وجود صلة ما بين نتائج حملة الغوطة الشرقية، وعملية «غصن الزيتون»، التي شنها الجيش التركي وحلفاؤه في منطقة عفرين قبل نحو خمسين يوماً.
فبينما تقترب معركتا الغوطة وعفرين من نهايتهما، تنشغل الدبلوماسية العالمية بسؤال حول ماهية المناطق التي سينسحب إليها المهزومون؛ فإذا خرج مسلحو الغوطة إلى درعا، حد ذلك من انتصار الجيش وحلفائه في المعركة لأجل دمشق، لأنهم عندها سينتقلون فقط مسافة أبعد عن مركز العاصمة من دون أن يزول خطرهم، الذي قد يتفاقم بسبب وجودهم على تماس مباشر مع الولايات المتحدة عبر الأردن، ومن ثم قد تلجأ إلى إعادة تأهيلهم وتدريبهم كبيادق في مناوراتها السورية الهادفة إلى تعزيز النفوذ الأميركي في جنوب سورية وشرقيها، وزيادة طوق الأمن حول قاعدتها في منطقة التنف، وربما أنعشوا آمال واشنطن بربطها مع مناطق سيطرتها شرقي مدينة دير الزور.
الحال ذاته ينطبق على مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، الذين تقرر مصيرهم على ما يبدو، وباتوا بانتظار تأمين ممرات آمنة لخروجهم.
من نافل القول إن الحكومة السورية وحليفتيها روسيا وإيران، يفضلون خروج مقاتلي الوحدات إلى مناطق تابعة لسيطرة الجيش في ريف حلب، بما يجعلهم حليفاً مفيداً في أي حملة ضغط لإخراج الأتراك من الأراضي السورية أو التصدي لأي محاولة توسع تركية مستقبلية، كما بإمكان تلك الأطراف الاستفادة من المقاتلين في معركة استعادة السيطرة على شرق سورية، في المقابل، تفضل قيادة «حماية الشعب» انتقال مقاتلي عفرين إلى مدينة تل رفعت ومنطقة الشهبا القريبة منها، أو مدنية منبج، وهما خياران لا ترتاح إليهما روسيا، الأولى، لأنها قد تكون محطة جديدة للتعاون الروسي التركي في الشمال، تهدف إلى قطع الطريق على أي تقارب أميركي تركي حول منبج، والثانية لأنها واقعة تحت سيطرة الأميركيين غرماء الروس، وهؤلاء الأخيرون يرفضون أن تتعزز سيطرة واشنطن في شرق سورية بعشرة آلاف مقاتل أشداء، أما الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات، فهي تسعى إلى توفير ممر آمن لانسحاب مقاتلي «حماية الشعب» من عفرين إلى مدينة الطبقة بريف الرقة الشرقي، وبذلك يتعزز الدفاع عن شرق الفرات.
أظهرت المفاوضات التي مهدت لاستصدار قرار مجلس الأمن الدولي 2401 وتلك التي تلته، تداخل مصير الغوطة الشرقية، بجنوب سورية وشرقيها وعفرين، وأخيراً، الرقة، ولقد ربطت موسكو تنفيذ القرار حول الغوطة بمرونة أميركية حيال الرقة، على حين عملت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على ربط ملف الغوطة بملف عفرين، علها تدق إسفيناً بين أنقرة وموسكو.
لا تزال موسكو، التي حشدت ماكينتها العسكرية وترسانة دبلوماسيتها وراء نجاح حملة الجيش السوري في الغوطة الشرقية، تخوض مفاوضات مع قيادات المسلحين في مناطقها المختلفة، من أجل إقناعهم بالانسحاب غير المشروط لهم ولعائلاتهم من تلك المناطق، لكن السؤال المطروح هو إلى أين سيتم هذا الانسحاب؟
انسلخت الولايات المتحدة مبكراً عن معركة غوطة دمشق خشية اضطرارها إلى دفع أكلاف من «جيبها» في الرقة، حيث يصر الروس على إعادة النظر في مصيرها من البوابة الإنسانية، لأن واشنطن تدرك أن عملية الغوطة الشرقية ستصل إلى مفترق طرق عسكري، يجعل الجيش السوري وحلفاءه أمام خيارين: الاستمرار في حملته حتى القبض على المسلحين أحياء أو إبادتهم، أو التفاوض على خروجهم الآمن من المنطقة، فقد سعت إلى ضمان النتيجة الثانية، لاعبةً ورقة «السلاح الكيميائي» ضد الحكومة السورية وموسكو، على أن تكن وجهة الخارجين، المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين المدعومين أميركياً في محافظتي درعا والقنيطرة، لا إدلب.
في المقابل، تفضل أنقرة نتيجة مخالفة، ودعمت روسيا معركة غوطة دمشق الشرقية بعد أن أطلقت تركيا عملية عفرين، وبذلك توفر للجيش السوري الفرصة لنقل أكبر قدر ممكن من القوات من محيط إدلب وزجه على جبهات القتال في الغوطة، ومع تصاعد الضغط الغربي من أجل الغوطة دخلت تركيا على خط المفاوضات حول مصير غوطة دمشق الشرقية للحفاظ على مكتسباتها في عفرين، وتريد أنقرة أن تضمن انسحاب مسلحي الغوطة، أو بعضهم، إلى إدلب، ليعزز الرئيس رجب طيب أردوغان بهم مناطق سيطرة الجيش التركي وحلفائه من مليشيات «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، ويستغلهم في مشاريعه المستقبلية لتكثيف الضغط على مناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.
في الجوهر لا تمانع روسيا خروج المسلحين من الغوطة إلى إدلب، لكن ذلك يحتاج إلى ضمان تركي بألا يشاركوا في الهجوم على الجيش السوري، أو حتى الدفاع عن مناطق المسلحين في مواجهته، وأن تتعهد أنقرة باستخدامهم فقط للضغط على مسلحي «حماية الشعب»، رأس حربة التحالف الدولي المشكل أميركياً، في مناطق منبج وعين العرب بريف حلب الشمالي وتل أبيض والطبقة بريف الرقة وما بعدهم من شرق سورية، وبالتالي إرباك حسابات واشنطن في تلك المناطق وإضعاف نفوذها، لذلك، ستتعاون روسيا وتركيا لتأمين محصلة لعمليتي عفرين والغوطة الشرقية لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة.
ولأن التوتر الأميركي الروسي حول سورية قد ينعكس على التفاهمات التي أرساها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، في مدينتي هامبورغ الألمانية ودنانغ الفيتنامية صيف وخريف العام 2017 الماضي، بشأن منطقة خفض تصعيد في جنوبي سورية، فالأفضل لموسكو اتخاذ جانب الأتراك وتعزيز عملية أستانا، ولن يذهب الكرملين إلى خيار تحدي تفاهمات الجنوب، قبل أن تفرغ روسيا من الانتخابات الرئاسية، وأن يتأكد من دعم الأقطاب الآخرين في عملية أستانا أي تركيا وإيران، لمواجهة خطرة ما بين روسيا والولايات المتحدة حول مصير الجنوب والشرق السوريين، ظهرت مؤشرات خطورتها من الرد الأميركي على محاولة الجيش السوري وحلفائه تعديل الموازين في محافظة دير الزور، وتصاعد العمليات الغامضة التي تستهدف قاعدة حميميم الجوية والطائرات الروسية.
هكذا، ترسى لوحة معقدة من المصالح المتشابكة والمتقاطعة حول غوطة دمشق الشرقية، تجعل روسيا أقرب للموافقة على خروج المسلحين المقربين إلى تركيا إلى إدلب، وبقاء أولئك المدعومين من الرياض وواشنطن في مناطقهم، لكن بعد نزع أنيابهم أي الصورايخ القادرة على استهداف مناطق العاصمة دمشق.
بناء على المقاربة ذاتها، قد تفضل أنقرة خروج مقاتلي «حماية الشعب» من عفرين بضمانات روسية لا أميركية.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً