الجمعة , مارس 29 2024
Map of the Middle East with Saudi Arabia, Iraq, and Iran in focus with bullets draped across

كمال خلف: التنين القادم الى الشرق الاوسط

كمال خلف: التنين القادم الى الشرق الاوسط

شام تايمز

كمال خلف
تتحرك الصين باتجاه الشرق الاوسط بعد عقود من التردد مردها تبني بكين لسياسية خارجية قائمة على الحذر وحماية المصالح الاقتصادية واتفاقات التعاون الثنائية مع دول متصارعة في المنطقة ، ومراعاة النفوذ الامريكي والحرص على عدم التصادم معه ، او اعلان مواقف سياسية واضحة حيال ملفات المنطقة تبدو معها الصين طرفا في اي نزاع ما يؤثر في جملة من المصالح الاقتصادية الحيوية .
اليوم الصين تبدا تحولا مبنيا على حسابات وتصورات استراتيجية ، وهذا لا يعني انها تخلت عن الخطوات الحذرة ، بيد انها بذات الوقت باتت تدرك ان عليها تبني سياسات اكثر جرأة من موقع المضطر بحكم . اولا حقائق القوة . وثانيا ارتفاع منسوب التهديد الجدي الذي تتعرض له جراء اعلان الولايات المتحدة اولوية التصدي لتنامي قوتها .
خلال هذا الاسبوع جال وزير الخارجية الصيني، “وانغ يي” على ست دول في الشرق الاوسط اعلن خلالها الشراكة الاستراتيجية مع ايران ، وقدم مبادرة لحل ازمات الشرق الاوسط من خمس نقاط ، واعلن عن نية بكين دعوة مسؤولين فلسطينيين واسرائيليين لعقد مباحثات في بكين . هذا النوع من التحركات الدبلوماسية لدولة مثل الصين يعني شيئا واحدا وهو قرار بكين الانخراط بشكل متزايد في المنطقة .
الصين من الان لم تعد تلك الدولة باهتة الموقف والحضور في الشرق الاوسط والتي عادة ما ننظر اليها بصفة تاجر الشنطة حامل حقيبة الاستثمارت بدون دور سياسي . الصين قررت ان لا تبقى تمارس نفوذها في المنطقة المحيطة فيها فقط ، انما تستعد للدخول الى الشرق الاوسط مقر النفوذ الامريكي .
لطالما اعتبرت بكين الشرق الاوسط منطقة ثانوية وقليلة الاهمية . اما اليوم فيتخد الشرق الاوسط حيزا اوسع بكثير من اي وقت مضى في حسابات الامن القومي الصيني . وبلا مبالغة الشرق الاوسط اليوم هو أهم منطقة في العالم بالنسبة لبكين خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاسباب كثيرة اولها الجغرافية الحاكمة والتي ازدادت اهميتها بالنسبة للصين تبعا لتبدل طبيعة التنافس مع الولايات المتحدة وجنوحه الى نوع من الصراع الحاد او “الحرب الباردة ” بنسخة حديثة . وثانيا ازياد حجم المصالح الاقتصادية الصينية وحجم الحاجة الى موارد الطاقة التي توفرها منطقة الشرق الاوسط .
لكن بأي منظار ترى الصين منطقة غرب اسيا ؟ وهل تقتصر النظرة على المصالح الاقتصادية ام لها ابعاد جيو سياسية وامنية ، خاصة ان الشرق الاوسط يمثل امتدادا للمناطق المتخامة لحدود الصين الغريبة في اسيا الوسطى ؟
وهل هذا الانخراط المتزايد للصين في ملفات المنطقة المعقدة والملتهبة ممكن ان يفقدها ميزة العلاقات الجيدة المتوازنة مع كافة اطراف الصراع ؟ “وهي بالمناسبة القوة الخارجية الوحيدة التي تمتلك هذه الميزة” ام هذه الميزة بحد ذاتها تشكل دافعا قويا للعب الصين الدور بالشكل المثالي بعد ان باتت الولايات المتحدة طرفا في الصراع ولم تعد اي قوة محلية تنظر اليها على انها وسيط نزيه ؟ .
يشكل عدم التدخل أحد المبادئ الاساسية للسياسة الخارجية الصين ، وحافظت بكين على هذا المبدا وبنت بفضله قوة اقتصادية صامته ، لكنها في السنوات الاخيرة بدات تلحظ حاجتها لاستكمال عناصر القوة امام التهديد المتزايد من قبل الولايات المتحدة . واذا كانت واشنطن تبني منذ سنوات استراتيجة تطويق الصين شرق اسيا .. فكيف سوف تسمح بامتداد صيني غرب اسيا ؟؟ والاهم من كل ذلك هل تملك الصين استراتجية شاملة تجاه الشرق الاوسط ؟؟
ماهو ثابت ان بكين تحولت الى سياسية اكثر جرأة في تحدي واشنطن . اعلان الصين ايران شريكا استراتيجيا خلال زيارة ” وانغ يي” تحول كبير سبقه عقود من التردد الصيني في الاعلان عن ذلك ، بل انصاعت الصين سابقا للتهديد الامريكي بفرض عقوبات وسحبت شركاتها من ايران . اما اليوم تبدو الصين بموضع يمكنها بالجهر بصوت عال بالشراكة الاستراتيجية مع ايران وتحدي العقوبات الامريكية والذهاب بعيدا بطرح مبادرات سلام والدخول على خط الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهذا الملف ملك حصري للولايات المتحدة ..
ايران هي القوة الأسيوية الوحيدة عسكريا وجغرافيا الصالحة لمساعدة الصين في ايجاد توزان مع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ، والقيام بدور الضامن الامني لمصالح الصين الاقتصادية والحيوية . في حين اعتماد الاتراك على اقلية الايغور الصينية و الحزب الاسلامي التركستاني للقتال في سورية اعطى انذارا للصين من تحول تركية الى راعية لهذه المنظومة من الجماعات في وجه الصين تحت يافطة الجهاد الاسلامي . بالمقابل قد يشكل منح الصين لطهران التكنولوجيا العصرية المدنية والعسكرية فرصة لجعل ايران قوة اقليمية متفوقة يصعب ابتلاعها او اخضاعها .
التنين القادم الى الشرق الاوسط سيكون محور السياسيات ، وفضاء لاستشراف التحولات ومدى عمقها وشمولها .كيف سيصبح هذا الوحش الاسيوي لاعبا مركزيا في قضايا المنطقة ، وكيف سيوازن علاقاته ، وكيف سيبني تصوراته للازمات وهل سيتصادم مع السياسات الامريكية هنا في المنطقة بدلا من نقل الامريكيين التوتر الى محيطه المباشر او سيحضر نفسه بصمت ليكون الوريث لمرحلة الافول الامريكي عن الشرق الاوسط ؟ لا يمكن توقع كل ذلك علينا ان نراقب .
رأي اليوم

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز