الأربعاء , أبريل 24 2024

“إخوان” سوريا يغازلون الجولاني لتوحيد المعارضة

“إخوان” سوريا يغازلون الجولاني لتوحيد المعارضة

عبد الله سليمان علي

تواصل الدول الإقليمية الداعمة للتيارات الإسلامية في سوريا، وعلى رأسها تركيا، مساعيها من أجل إعادة تشكيل مشهد هذه التيارات، والعمل على تجميعها ضمن بنية سياسية وعسكرية موحدة، من شأنها أن تخدم مصالحها وأجنداتها الخاصة. وتتكثف جهود أنقرة حالياً حول محاولة التقريب بين المعارضة السياسية التي يسيطر على هياكلها الأساسية ممثلون عن فرع إخوان سوريا، و”هيئة تحرير الشام” التي تواصل جهودها الرامية للقفز فوق أزمة التصنيف على قوائم الإرهاب الدولية.

وطالما لعبت الاستخبارات التركية في السابق على وتر الخلافات العقائدية والسياسية والعسكرية بين مختلف التيارات الإسلامية وفصائلها المسلحة، من أجل تعزيز نفوذها وزيادة سيطرتها على أراضي سوريا، لكنها وصلت ـ على ما يبدو ـ إلى نقطة رأت فيها أنه لا بد من العمل على تغيير هذه الاستراتيجية، لأنها لم تعد قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الراهنة، وأن ثمة عوامل دولية وإقليمية جديدة بدأت ترسم ملامح رؤية جديدة للتعامل مع هذا الملف الشائك.

وبدأت المحاولات التركية لإعادة ترتيب “البيت الجهادي” بالتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقدوم إدارة جديدة برئاسة جو بايدن، إذ ظهرت الى العلن مساع تركية لتشكيل مجلس عسكري موحد يضم جميع الفصائل المسلحة العاملة في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وترافق ذلك مع خلافات حادة نشأت بين حركة “أحرار الشام” الرافضة لهذا المشروع و”هيئة تحرير الشام”، انتهت بتغليب أنقرة للجناح الانقلابي ضمن “أحرار الشام” على جناح القيادة العامة.

وأخيراً قادت أنقرة محاولة حثيثة لإعادة إحياء رياض حجاب، رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق، والعمل على تعويمه باعتباره شخصية مناسبة للقيام بدور توفيقي بين بعض التيارات الإسلامية المتعارضة. ومن الجدير بالذكر أن حجاب ظهر في مقابلة مع “قناة الجزيرة” في شهر آذار (مارس) الماضي تجنّب خلالها توجيه أي انتقاد لـ”هيئة تحرير الشام”، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة تطور نوعي يشي بوجود توجهات جديدة للتقريب بين جماعة الإخوان المسلمين و”هيئة تحرير الشام”. وذكر “النهار العربي” في تقرير سابق أن عملية إعادة تلميع صورة حجاب تؤكد ما جرى تداوله منذ فترة حول وجود تحرك إخواني لطرح مبادرة جديدة تكون كفيلة بتجديد سيطرة التنظيم على هيئات المعارضة السورية وتكريس هيمنته عليها من وراء الستار.

وقد تأكدت النيات الإخوانية أخيراً من خلال تقديم فرع إخوان سوريا مبادرة تهدف إلى فتح حوار مع “هيئة تحرير الشام”، تمهيداً لتوحيد المعارضة السورية التي يغلب عليها الطابع الإسلامي المتشدد. وتنطلق المبادرة الإخوانية من معطيات عديدة، أهمها أن “هيئة تحرير الشام” التي كانت تعتبر المنافس الألد للجماعة، بدأت بالخضوع للضغوط الدولية والإقليمية التي تطالبها بضرورة إجراء تغييرات جذرية على بنيتها التنظيمية وأفكارها العقائدية، قبل أن تستحق شرف الخروج من خانة التصنيف الأممي والدولي على قوائم الإرهاب. كما أن الاستخبارات التركية تنظر بكثير من الشك والقلق إلى منعطفات تطور العلاقة بين واشنطن و”هيئة تحرير الشام”، وميل هذه العلاقة أخيراً نحو مسار التقاطع في نقطة المصالح المشتركة التي أشار إليها أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، في مقابلته مع الصحافي الأميركي مارتن سميث.

وقال الجولاني في تلك المقابلة التي بثت أجزاء منها قبل أسبوعين إن “دوره في محاربة الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم “داعش”، وفي السيطرة على منطقة يعيش فيها ملايين النازحين السوريين الذين من المحتمل أن يصبحوا لاجئين، يعكس المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة والغرب”. وأقر جيمس جيفري الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في إدارات جمهورية وديموقراطية، وأخيراً ممثلاً خاصاً للمشاركة في سوريا ومبعوثاً خاصاً “للتحالف الدولي لمحاربة داعش” خلال إدارة ترامب، بأن “هيئة تحرير الشام” كانت تمثل رصيداً لاستراتيجية أميركا في إدلب.

وتخشى أنقرة أن ينقل الجولاني سلاحه إلى الكتف الأميركي في ظل الضغوط التي يتعرض لها لإدخال تغييرات جذرية على بنية تنظيمه وطبيعة أفكاره وعقائده. وبرغم انطباع تركيا الأوّلي بأن رفع التصنيف عن الجولاني وجماعته يخدم المصالح التركية، لأنه يشرعن وجود “هيئة تحرير الشام”، وبالتالي يخلّص السياسة التركية من الضغوط التي تمارسها موسكو عليها لتنفيذ بنود الاتفاقات الثنائية بين البلدين، روسيا وتركيا، وأهمها بند التخلص من التنظيمات الإرهابية، إلا أن النتائج قد تصبح وخيمة على تركيا إذا تحوّل القبول الأميركي للهيئة إلى بداية فعلية للتحالف بين الطرفين، الأمر الذي من شأنه أن يمهّد لسحب البساط من تحت أقدام تركيا في إدلب، ولا سيما إذا لم تستطع العلاقة بين أنقرة وواشنطن أن تغادر مربع التأزّم.

وكتب محمد سرميني مدير “مركز جسور للدراسات”، والمعروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين، حتى أنه كان أحد أعضاء فريق العمل الخاص الذي أنشأته الجماعة لإدارة ملف “الثورة السورية” والعمل على التحكم به وفق أجنداتها الخاصة، مقالة هامة تدعو الى الحوار بين المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام”. واعتبر سرميني أنه إذا كان ثمّة فرصة لأن تُزيل الولايات المتّحدة الأميركية تصنيف “هيئة تحرير الشام” عن قوائم الإرهاب باعتبارها “مصدر قوّة استراتيجية” في سوريا، وإن كان هناك إمكان لنجاح المفاوضات الكردية – الكردية بين المجلس الوطني وحزب الاتّحاد الديموقراطي، فربما لا يكون هناك ما يمنع من تقارب المعارضة السورية مع “الهيئة”.

وبحسب الكاتب الذي يعبّر عادة، ليس عن توجهات الإخوان المسلمين وحسب، بل أيضاً عن كواليس ما يدور في أروقة السياسة التركية حيال سوريا، فإن عملية الدخول في حوار مثمر مع “الهيئة” تحتاج إلى خطوات بناءٍ للثقة. وستكون هناك ضرورة لاتفاق الطرفين على عدم التعرّض المتبادل في الخطاب الإعلامي والسياسي كبادرة حسن نية. وقد يحتاج كل منهما أيضاً إلى ضمانات لعدم التعرّض إلى الأفراد أثناء التنقل بين مناطق إدلب وحلب بصفة مدنية أو حتى عسكرية، من دون أن يُلغي ذلك الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة من مراقبة وتدقيق للأنشطة والتحركات.

واعتبر القيادي الذي لعب دوراً بارزاً في خدمة الأجندة الإخوانية في سوريا، أن إجراء هذا الحوار بين المعارضة والهيئة سوف تترتّب عليه مكاسب سياسية لكلا الطرفين، معتبراً أن وصول الطرفين إلى صيغة للتفاهم المتبادل يمنح “الهيئة” سُلّماً للنزول من شجرة التصنيف الدولي، ويساعدها على إعادة التَمَوْضُع بصورتها المحلية داخل خريطة الحل السياسي، بدلاً من الاكتفاء بصيغة فرض الأمر الواقع في إدلب، من دون أفق سياسي.

وفي المقابل، فإنّ المعارضة السورية قد تحصل على مكاسب ثمينة عبر تجميع نقاط القوّة لديها، مثل تعزيز موقعها في العملية السياسية كطرف مسيطر على مساحة تقارب 11% من عموم الأرض السورية، بعدما كان يُستثنى من ذلك مساحة إدلب الخاضعة لسيطرة “الهيئة”.
ودعا سرميني المعارضة السورية إلى إبداء مزيد من المرونة والبراغماتية في التعاطي مع ملف “الهيئة”، وإعادة النظر في مواقفها السابقة، إن ضمنت مصداقية تغيير “الهيئة” سلوكها واستجابتها لمفاهيم الثورة السورية ومبادئها.

ورأى مراقبون متابعون لملف العلاقة بين إخوان سوريا والفصائل الجهادية، أن المبادرة بخصوص إجراء حوار مع “هيئة تحرير الشام” تعكس حقيقة أن معظم الفصائل الجهادية، ينتهي بها المطاف بالارتماء في حضن جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها التيار الإسلامي الذي تراهن عليه بعض السياسات الإقليمية والدولية لإحداث تغيير في مشهد الشرق الأوسط.

وعبّر هؤلاء عن قناعتهم بأن التغييرات التي يجريها الجولاني من أجل رفع التصنيف عن تنظيمه وإعادة تلميع صورته أمام الغرب عموماً وأميركا خصوصاً، هي في الحقيقة مجرد عمليات تجميلية تجعل وجه “الهيئة” شبيهاً لدرجة التطابق مع وجه جماعة الإخوان، وهو ما يدفعه (الجولاني) الى تبني استراتيجية مزدوجة تخوّله اللعب على حبل الخلافات بين واشنطن وأنقرة، من دون أن يؤدي التقارب بينهما إلى إفقاده توازنه.

النهار العربي