الجمعة , مارس 29 2024
إضاءات على جوانب من الصراع الدولي، والسياسة الروسيّة في المنطقة

إضاءات على جوانب من الصراع الدولي، والسياسة الروسيّة في المنطقة

إضاءات على جوانب من الصراع الدولي، والسياسة الروسيّة في المنطقة

شام تايمز

يقول بريجنسكي في نظريته عن “قوس الأزمات”: (إن أخطر سيناريو محتمل يمكن لأمريكا مواجهته هو تحالف “عظيم” يضم روسيا والصين، وربما إيران… عندها ستضطر واشنطن لتحمل أعباء جيوسياسية في المحيط الغربي والشرقي والجنوبي لأوراسيا في ذات الوقت).

شام تايمز

من المعلوم بأن هذه البقعة الجغرافية (أوراسيا) من الصعب مهاجمتها واحتلالها، وخصوصا من قبل امبراطوريات بحرية الطابع مثل البرتغال واسبانيا وبريطانيا وفرنسا ولاحقاً وامريكا… دون التمركز في موطئ قدم يتمتع بخصائص “مميزة” تسمح بالزحف نحو هذه بقعة من هذه القارة الأكبر والأقدم.

أما حديثاً، فقد أصبح الأمر محفوف بمخاطر لا يُمكن المغامرة بمقاربتها، لذلك لجأ ما تبقى من هذه “الإمبراطوريات” إلى وسائل “تأثير وإكراه” أكثر تعقيداً وصعوبة وخبثاً وكلفة. ومن أبرز أدوات “التأثير والإكراه” التي بات يستخدمها الغرب إستراتيجيّة “الإحتواء والعزل أو والتطويق”، وهي الإستراتيجيّة التي ساهم بصياغتها وتطبيقها ذات الشخص الذي أبدع مقولة قوس الازمات، زبينغو بريجنسكي.

العاصمتان الأساسيتان المستهدفتان بهذه الاستراتيجيّة، موسكو وبكين، حيث عمل الغرب على “الانفتاح” على الصين بدايات العقد السابع من القرن الماضي لاحتوائها، وابعادها عن موسكو، ليتمكنوا من الإستفراد بموسكو لتطويقها واستنزافها تمهيداً لاسقاطها. من النتائج المباشرة لهذه الإستراتيجيّة، اكتساب بعض البلدان والأقاليم أهميّة إستثنائيّة وخاصة دون غيرها، وازدياد أهميّة بلدان واقاليم على أهميتها من جهة، وفقدان أخرى لهذه الأهميّة من جهة ثانية.

في سبعينيات القرن الماضي مثلاً، اكتسبت افغانستان اولاً وباكستان وايران ومصر ثانياً أهميّة استثنائيّة في استراتيجية “الإحتواء والتطويق”، بينما تراجعت أهمية بعضها في النسخة “المحدثة” والحاليّة لهذه الإستراتيجيّة لصالح أقاليم وبلدان أخرى، مثل: بحر الصين وحلفاء واشنطن هناك، مضيق هرمز وضفته العربية تحديداً، باب المندب واليمن، سورية والعراق وايران، مصر وتركيا وأذربيجان وأوكرانيا، بحر البلطيق… .

من أهم ما يمكن ملاحظته في البنية الجغرافيا لهذه الإستراتيجيّة:

1-أن كل البلدان المذكورة تمتلك إطلالات بحرية مهمّة.
2-ترتبط هذه البلدان بحيز جغرافي برّي بالغ الحساسيّة.
3-إذا كانت قاعدة مثلث “العالم القديم” في روسيا فإن رأسه في اليمن، وأضيق حيز له عند حوض الفرات (سورية والعراق) وهذا الحيز هو الوحيد الذي يجمع بين ضفتي محيطين (الهندي والأطلسي) وبحرين (العرب والمتوسط) وهما حلقة الوصل بين أوراسيا وما تبقى من غرب آسيا من جهة وافريقيا من جهة ثانية، وهما يمثلان المحيط الغربي لأوراسيا في نظرية بريجنسكي.
4-لها موقع متميز في صناعة الطاقة (النفط والغاز) سواءً لناحية الإنتاج أو المرور أو المصب… .
5-معظم هذه البلدان أو كلها، كانت في قلب الصراع الدولي على زعامة المعمورة منذ القدم وحتى يومنا هذا…

كما يقع معظمها في قلب مشروع الطريق والحزام الصيني (طريق الحرير).

مقاربة واقعيّة:

تركيا، بلد يتمتع بموقع جغرافي مهم للغاية، أهلها للعب دور خطير في الصراع الجيوسياسي الدائر في الإقليم والعالم، ولكن هذا الموقع ذاته بات يعاني اليوم من أزمة خانقة نتيجة للسياسات التي يتبعها أردوغان وطغمته الحاكمة… أيُّ قيمة لقاعدة عسكريّة في ليبيا أو السودان أو قطر… والفضاء الحيوي التركي نحو غرب آسيا ومن خلفها أفريقيا مبتور عند سورية ومعها؟! وأي قيمة لمعركة “ناغورني كاراباخ” وقد آلت كلّ أو معظم أوراق الصراع ليد موسكو وطهران؟!.

وما هي النتائج المنتظرة من التحالف المتواري مع باكستان بينما تنسحب واشنطن من أفغانستان، وترفض طالبان المشاركة في النسخة التركيّة من المصالحة الأفغانية في الـ24 من الشهر الحالي؟! أين دور تركيا ومرتزقتها الذين زجت بهم في وجه معركة التحرر الوطني اليمنية، وقاعدة “القاعدة” وأهم معسكرات تنظيم “الإخوان المسلمين” تتهاوى في مأرب أمام ضربات الجيش اليمني واللجان الشعبيّة؟!.

في العدد المحدود من المحطات التي ذكرتها سابقاً، أود أن ألفت لأمرين هاميّن:

1-التدليل على أن الجغرافيا وحدها لا تُنتج دولة مؤثرة إقليميّاً أو دوليّاً، بل هي بحاجة إلى السياسات المتناغمة مع منطق وضرورات الموقع، والقادرة على مراكمة عناصر قوته وتفرده، وتحويل جوانب ونقاط الضعف الى تحدّ بناء لملأها بمكونات القوة الناعمة وفرص الإنتفاع المتبادل… وصولاً الى موقع القيادة الإقليمي أو الدولي.

2-الدور الروسي في خلق هذه الإشكاليّة الجيوسياسيّة للموقع التركي.

لم تكتفي موسكو في صراعها مع واشنطن وحلفائها ب”تكبيل الموقع” التركي عند هذا الحدّ؛ بل ساهمت بما هو أخطر، وسأختم بهذين العنصرين فقط لأهميتهما:

1-“روس آتوم” أو المؤسسة الحكوميّة الروسيّة للطاقة الذريّة، تدير إستثمارات ضخمة تمتد لسنوات طويلة في سلسلة من المفاعلات النوويّة في مثلث تمتد أضلاعه من إيران إلى مرسين في تركيا، وصولاً إلى الضبعة في مصر… إلى جانب المشاريع الروسيّة الهائلة في النفط والغاز، والتوريدات العسكريّة “الإشكاليّة”… وفي القلب من هذا المثلث تقع سورية.

ففي سوريّة يمكننا الحديث عن “القلعة” المتقدمة المُشرفة على هذه “الإستثمارات”، ونقطة الإنذار المبكر والتدخل السريع لحمايتها… حيث مركز القيادة الفريد والذي لا يشبهه إلا “نظيره” بموسكو. وفيها الحضور التقني والعسكري الروسي (بري،بحري،جوي) الأكبر في المنطقة، وربما العالم… ما يؤشر إلى أهميّة الدور السوري الحالي والمستقبلي وخطورته في الإستراتيجية الروسيّة-الصينيّة وحلفائهما في المنطقة.

2-خط أنابيب كركوك-بانياس، هو خط أنابيب نفط خام يمتد من حقول كركوك في العراق إلى ميناء بانياس السوري. يبلغ طول الخط 800 كم وتصل قدرته إلى 300.000 برميل/يومياً. أُفتتح خط الأنابيب في 23/4/1952. أثناء غزو العراق 2003، تضرر الخط وخرج من الخدمة.

في 17/12/2007، وخلال زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى سورية، اتفقت سورية والعراق على إعادة تأهيل الخط، ولكن تبين بأن إعادة بناء الخط مجدداً أجدى من ترميمه. في أيلول 2010 (أي قبل الحرب على سورية بأشهر) اتفق العراق وسورية على بناء “خطي” أنابيب كركوك-بانياس.

الخط الأول بقدرة 1.5 مليون برميل/يومياً من النفط الخام الثقيل، والثاني بقدرة 1.25 مليون برميل/يومياً من النفط الخام الأخف. منذ تلك اللحظة وحتى الآن، كلما عاد الحديث عن هذين الخطين (آخر محادثات كانت 2019 بحضور ايراني ورعاية روسيّة) توتر المتضررون،

ومنهم: واشنطن، حيث ستخسر حقول كركوك الأغزر، مقابل ربح عراقي-سوري-روسي أكيد. عصابة مسعود برزاني، وأد حلم السيطرة على كركوك، ايجاد بديل “أقل كلفة وأكثر أماناً” من خط كركوك-شمال العراق-ميناء جيهان التركي. تركيا، إفقادها ورقة احتكار تصدير نفط كركوك، منعها أو الحدّ من تلاعبها بمياه دجلة والفرات، خوفها من تعاظم قدرات وامكانات سورية إذا ما تحولت لميناء كميات متزايدة من النفطين العراقي والإيراني…

وربما غازهما لاحقاً، ما يؤثر على موقع تركيا كعقدة نقل للطاقة… لهذه الأسباب وغيرها، تحتل امريكا وحلف الاطلسي شمال شرق سورية وتتمسك بالمليشيات الكرديّة هناك، وتستمر بالمناورة بأدوات الغزو الارهابي –داعش- حتى الرمق الأخير… ولهذا أُسقطت حكومة عادل عبد المهدي، وتُمنع كُلّ حكومة عراقيّة من اتمام هذا المشروع، ولهذا الغارات الصهيونية-الاطلسيّة على محيط البوكمال… وربما لهذا تحتل تركيا والاطلسي أجزاء واسعة من محافظة إدلب.

من يصدق مثلاً، بأن واشنطن كانت ستُعلن ولادة عالم جديد: بخرائطه، وفضاءات نفوذه، وتحالفاته، وقادته… ولكن بدون يالطا تجمعها بروسيا وحتماً بالصين أو بأي دولة أخرى، فقط هي وهي فقط… عندما تكتسح داعش العراق وسورية وأجزاء واسعة من لبنان…

ومن شمال أفريقيا لأفغانستان وباكستان وصولاً للجمهوريات والمقاطعات الاسلامية في قلب أوراسيا… وقرار “الخلافة” في “بيت الخلافة”، البيت الأبيض، لكن بريجنسكي وكيسنجر ومكنمارا… ومن خلفهم، سقطت أحلامهم في حوض الفرات، أمام الجيش العربي السوري وأسود الرافدين وحلفائهما في محوري المقاومة ومكافحة الإرهاب.

Sameer Al-Fazza

اقرأ ايضاً:تفجير يستهدف رتلاً للاحتلال التركي في مدينة الباب المحتلة

 

شام تايمز
شام تايمز