الأربعاء , أبريل 24 2024

إردوغان وبايدن.. اتّفقنا على أن لا نتّفق ولكن!

إردوغان وبايدن.. اتّفقنا على أن لا نتّفق ولكن!

حسني محلي

في قراءةٍ سريعةٍ لما قاله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في المؤتمر الصحافي بعد لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، يمكن

القول إنَّ الطرفين اتّفقا على أن لا يتّفقا إلا في حالة واحدة، هي ضرورة الاستمرار في الحوار. وخلافاً لما قاله إردوغان قبل سفره

إلى بروكسل، إذ هدّد بايدن وتوعَّده، وأكَّد أنه سيعبّر له عن انزعاجه من الاعتراف بالإبادة الأرمنية، قال في المؤتمر الصحافي:

“أحمد الله لأننا لم نتطرّق إلى الموضوع”، وهو ما كان سبباً لتلقّيه انتقادات عنيفة من المعارضة.

ولو نسينا أو تناسينا ما قاله بايدن سابقاً عن “الاستبدادي إردوغان ودعمه لداعش والنصرة والقاعدة في سوريا”، وردّ الأخير على

كلّ ذلك أكثر من مرة، فقد أثبتت أقوال الرئيس التركي في المؤتمر الصحافي أن الرئيسين لم يتّفقا على معظم الأمور، وفي

مقدّمتها صواريخ “أس – 400” الروسية وطائرات “أف – 35” الأميركية، ولم يدخلا في تفاصيل الموقف التركي تجاه الدعم الأميركي

المستمرّ لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

يبدو أنَّ “التأكيد على أهمية العلاقات التركية – الأميركية وضرورة تفعيلها في جميع المجالات”، لم يكن كافياً لإقناع الأوساط

الماليّة الَّتي كانت متفائلة بلقاء إردوغان – بايدن، فقد تراجعت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بشكل ملحوظ بعد كلام إردوغان،

الذي كان الجميع يتوقَّع أن يساهم لقاؤه مع الرئيس الأميركيّ في ارتفاع نسبي في قيمة الليرة، وهو ما بدأ أساساً قبل يومٍ من

القمة.

ولم يكن إردوغان واضحاً أيضاً في كلامه عن موضوع إرسال الجيش التركي إلى أفغانستان لحماية مطار كابول والمنشآت الدولية،

مكتفياً بالحديث عن ضرورة إشراك باكستان وهنغاريا (علاقات أنقرة جيدة مع الأخيرة وضد روسيا) في هذه المهمة، مع المعلومات

التي تتحدث عن التنسيق والتعاون والعمل المشترك مع قطر في هذا الاتجاه، بما في ذلك تدريب وحدات أفغانية خاصة.

ولم يهمل إردوغان التذكير بأهمية تركيا في الحلف الأطلسي، وقال عنها إنها “تحمي مصالح الحلف وحدوده وقيمه”، مناشداً

أعضاءه “الوقوف إلى جانب أنقرة في مهماتها المذكورة”، كما لم يهمل التذكير “بدعم تركيا لدول البلطيق، ومنها لاتفيا ولاتونيا،

للدفاع عن نفسها” (ضد روسيا)، وكأنه يذكّر بدعم أنقرة لأوكرانيا وبولندا التي تشتري الطائرات المسيرة التركية، وهو ما يحمل

في طياته تودّد أنقرة إلى أميركا والحلف الأطلسي الذي خصص نصف بيانه الختامي، وفيه 79 بنداً، لروسيا، والجميع يعرف أن

تركيا لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه البنود، فقد أكَّد البيان في البند 37 “ضرورة زيادة التواجد الأطلسي براً وبحراً وجواً في

منطقة البحر الأسود وتفعيله”، وهو ما كان، وما زال، سبباً لتوترات جدية مع روسيا خلال الأشهر القليلة الماضية. كما أنَّ حديث

البيان الختامي عن سوريا وليبيا وجورجيا وأوكرانيا والعراق وأفغانستان له علاقة مباشرة بدور تركيا في هذه الدول بشكلٍ مباشر

ومزعج لروسيا.

وحتى لو لم نقل إن الرئيس إردوغان عاد بخفّي حنين بعد لقائه الرئيس بايدن، فالمعطيات الأولية تستبعد أيّ انفراج سريع في

العلاقات بين أنقرة وواشنطن، التي يعرف الجميع أنها تريد لإردوغان أن يستسلم ويرضخ لمطالبها، ما دام يحتاج إلى الدعم

الأميركي سياسياً ومالياً ونفسياً.

وقد سعى إردوغان لتجاوز ذلك، عبر لقاءاته المفاجئة مع الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي قال عنه الشهر الماضي إنه “مختلّ

عقلياً”. ورغم أنّ ما قاله عن رئيس الوزراء اليوناني ميجوتاكيس كان أقل حدّة وشدة، فإنه لم يجد أيّ حرج في لقائه والحديث عن

رغبته في فتح صفحة جديدة في علاقات بلاده مع الجارة اليونان، من دون التطرق إلى موضوع قبرص والبحث والتنقيب عن الغاز

في جوارها، وهو الموضوع الأهم في الخلاف مع أثينا.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت نتائج مباحثاته مع رئيس وزراء بريطانيا (يقول الأتراك إن جده من أصول عثمانية) وألمانيا وإسبانيا

وهولندا وهنغاريا، فقد بات واضحاً أنّ الرئيس إردوغان لن يغير شيئاً في سياساته الخارجية، رغم انعكاسات ذلك على الداخل، فقد

تهرب كل من التقاهم من التذكير بالديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا، وهو ما كانوا يفعلونه في السابق.

واكتفى الرئيس بايدن في مؤتمره الصحافي بالحديث عن مباحثاته “الإيجابية والمثمرة” مع الرئيس إردوغان. وجاء إعلان الرئيس

الأوكراني زالينسكي المفاجئ عن قبول بلاده في الحلف الأطلسي بمثابة الدعم الأميركي والأطلسي لعلاقاته مع هذه الدولة

التي وقعت على العديد من اتفاقيات التعاون العسكري الشامل مع أنقرة، وهو ما كان سبباً للعديد من تصريحات المسؤولين

الروس الذين اتهموا تركيا باتخاذ مواقف استفزازية في العلاقة مع كييف وكلّ من بلغاريا ورومانيا، وهما أصلاً عضوان في الحلف،

فيما تستمرّ مساعي واشنطن لضم جورجيا أيضاً إلى الحلف، في محاولة منها لتحويل البحر الأسود إلى بحيرة أطلسية تمنع

الروس من النزول إلى المياه الدافئة، وهو ما يريده الرئيس بايدن من الرئيس إردوغان، قبل أن يفكّر جلياً في فتح أبواب واشنطن

له على مصراعيها.

وفي ردّه على سؤال يرتبط بتلقّيه دعوةً لزيارة أميركا، تهرَّب إردوغان من الإجابة عن ذلك مباشرة، مكتفياً بالحديث عن زيارته

المقررة إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (أيلول/سبتمبر القادم) وافتتاح البيت التركي فيها.

كما لم يردّ بايدن على دعوة إردوغان لزيارة تركيا، مكتفياً بالحديث عن “برنامجه المضغوط”، والقول هنا أيضاً لإردوغان، الذي

سينتظر في جميع الحالات نتائج قمة بايدن مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي (الثلاثاء)، ومن ثم قمة بايدن مع بوتين (الأربعاء)، الذي

لا شكَّ في أنَّه يراقب كلّ صغيرة وكبيرة في أنقرة.

ولم يكُن واضحاً إذا كانت موسكو ستردّ على المواقف التركية المحتملة ضدّ مصالحها في كلّ مكان تتواجد فيه أنقرة سياسياً

وعسكرياً واستخباراتياً. ويعرف الجميع أنَّ سوريا في مقدمة هذه الأماكن، وأن الوصول إليها لن يكون سهلاً، في حال حدوث المزيد

من التوتر في البحر الأسود، وسببه أيضاً أنقرة.

قد يكون رهان الرئيس بايدن النهائي على مثل هذا الاحتمال، قبل أن يفكّر في أي تقارب استراتيجي مع إردوغان، لإنقاذه من كل

مشاكله الخارجية والداخلية مقابل العودة إلى الحضن الأميركي! هذا بالطّبع إن لم يكن للرئيس التركي أيضاً حساباته الخاصة

التي يستذكر بها “ماضيه العثماني العظيم”، وهو يتغنى به بين الحين والحين، تارةً بالدين، وتارةً أخرى بالقومية التي أوصلت

الأتراك إلى أسوار فيينا!
الميادين